|
حوار مع الكاتب المغربي أيوب المزين
طارق السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 2481 - 2008 / 11 / 30 - 07:41
المحور:
مقابلات و حوارات
1. اشتهرت على أعمدة الصحافة المكتوبة والالكترونية المغربية بكونك أصغر محلل سياسي مغربي. لكن ألاحظ أنك ربما أكثر من ذلك أيضا. هل تقدم لنا نفسك بشكل أوسع؟
من الصعب على إنسان حقيقي أن يقدم لنفسه (يعرف بها) مهما اتسعت المساحة ومهما امتد الزمن، فقيمة الرجال لا تقاس بما قيل عنهم ولا بما يفترض أن يفعلوه، بل بما هم عليه كل حين. حملتني أزقة المدينة العتيقة بفاس وأنجبتني في ليلة هادئة من ليالي شتنبر. تلقنت حروفي الأولى بالكُتَّابِ القرآني وبالمدرسة العصرية بالطالعة الصغرى، واستهوتني دراسة الاقتصاد الحديث بين جدران الأقسام الفاتنة بثانوية المولى إدريس. لأنتقل فيما بعد لدارسة القانون وعلم السياسة بين كليات أوربية وعربية. اشغلت بصحافة الرأي وما زلت أسعى للتقعيد والتأسيس لصحافة إلكترونية مضبوطة. وبعد تجربة تطبيقية، في مؤسسة للإعلام كنت قد أسستها مطلع هذه السنة، للدروس التي راكمتها بين الثانوية وسنتي الأولتين في الكلية علمت بل تأكدت أن مشاكل هذا الكون لن يحلها الاقتصاد ولا السياسة وإنما عودتنا السليمة إلى المنطق السوي ومصالحتنا مع عقولنا، فاخترت بذلك أن أكون من جديد طالب فلسفة، باحثا عن حقائق الحياة ومفاتيح فهمها. 2. هناك من يقول عن وجود صحافة بالشبكة الالكترونية وليس صحافة الكترونية هل توافق هذا القول ؟
قد أتفق مع هذا القول إن كان أصحابه ينطلقون من قراءة موضوعية لنقط ضعف الصحافة الإلكترونية. لكني أعلم جيدًا أنه قول مبني على فشل تكنولوجي: فهؤلاء الناس يحاولون إيهامنا بأن القواعد هي نفسها في الصحافة المكتوبة انتقلت إلى الشبكة الإلكترونية، فأصبحت صحافة "فيها" وليست "بها"، أي أن مناهج الكتابة لم تتغير، تغيرت وسيلة النشر فقط. هذه الفكرة صحيحة إلى حد ما، لكنها تبرير يضعونه للدفاع عن عدم قدرة عقولهم عن الإنتقال (الافتراضي والمفاهيمي) من الصحافة المكتوبة إلى صحافة "ما بعد تقليدية". وهو انتقال لا يمكن أن يتم إلا بعناصر مكتملة على رأسها "التعود على الآلة" أولا وفهم جوهر الأنترنيت ثانيا، فلحد الآن نجد أناسا من هؤلاء "التقلديين" يخلطون بين الحاسوب الذي هو آلة وبين الأنترنيت التي هي قناة تواصل !. فعليا، الممارسة الصحفية على الشبكة العنكبوتية مختلفة تماما من حيث التحرير على وجه الخصوص، فالصحفي مطالب بتركيز خبره أو فكرته في بضعة أسطر باستعمال ومضات سحرية تجذب المتصفح الرقمي المعروف عنه أنه يبحث عن أكبر عدد من المعلومات في وقت أقل. لا مجال للحشو إذن. الصحفي الرقمي، وهو يحرك أنامله، فوق لوحة المفاتيح يكون مهووسا بسؤال وحيد: كيف يمكنه أن يجعل خبرا يكتبه حول إضراب عمال شركة بفنيزويلا يشد إنتباه قارئ في الصين. أجزم، لن يكون الحديث عن ماو تسي تونغ سببا يجعل هذا الصيني يقرأ الخبر، بل إن تمكن الصحفي من آلية "عولمة الخبر المحلي" هي السبيل الوحيد لذلك.
3. سبق أن عنونت مداخلة لك في ندوة للصحافة الالكترونية والشباب بالمغرب بـ"الصحافة الإلكترونية...غياب البراديجمات العلمية " ماذا تقصد بذلك ؟
استفسارك هذا مرتبط ضمنيا بالسؤال السابق. لقد أضْحَت الصحافة اليوم علمًا قائما بذاته يُدَرَّس بمناهج مضبوطة وقواعد دقيقة، في وقت ما يزال فيه عدد من الصحفيين الذين يشتغلون في الحقل المكتوب (في الحالة المغربية على الأقل) يمارسون المهنة بالتلقين كما لو أنها حرفة تراثية كالصياغة والنجارة والنقش على الجبص !.. ولهذا أصبحنا نسمع عن صحافة "الارتزاق"، سماسرة كل همهم ربح دريهمات زائدة فوق مرتباتهم ولو على حساب شرف المهنة. والصحافة الإلكترونية هي الأخرى طالها هذا الاختلاط المفاهيمي والتصنيفي: كيف لنا أن نحدد المُدَوِّنَ من الكاتب الإلكتروني؟، وكيف يمكننا أن نفصل بين تدْوينة ومقالة إلكترونية؟. هنالك أسئلة متعددة لا يمكن الوصول إلى إجابات عنها إن لم تتم بلوة منظومة مفاهيمية تتكون من معجم مفصل ودروس تأسيسية كونية، هذا ما أقصده (باختصار شديد) بخلق براديجم علمي يجعل الصحافة الإلكترونية مستقلة بتخصصها عن أي جنس آخر من الصحافة ويسمح لها بتأطير قانوني واضح.
4. ما السبيل إلى التخلص من الرقابة الذاتية أثناء ممارسة العمل التحريري الالكتروني؟ كيف يمكن التخلص من ممارسات وذهنيات الكتابة والقراءة الماقبل الكترونية ؟ أو هل من فائدة للتخلص من ذلك؟
جو الخلوة الهادئة التي تنشأ بين الحاسوب ومستعمله تجعله متهيئا نفسيا للبوح للآلة بما لا يقوى على قوله في الملأ أو بما يمنع من نشره في الإعلام الرسمي. من يمارس على نفسه رقابة ذاتية، حتى مع الآلة، فهو أساسا مسلوب الإرادة ومستعبد في وعيه رقميا أو حتى ورقيا !. نحن لسنا بحاجة لإخلاء الذهن من تجاربنا الواقعية لكي نخوض تجربة رقمية (افتراضية)، فالأنترنيت ليست عالما خاليا. على العكس، هي حقل تجارب لمجموعة من الأفكار المثالية والجميلة التي راودت عددا من الفلاسفة وعلماء الرياضيات.
5. فكرة الشبكة الاجتماعية ذائعة الصيت حاليا معروفة لدى علماء الاجتماع حتى من قبل ظهور شبكة الانترنت، وذلك لوصف العلاقات الرابطة بين الأجناس البشرية. وليست هذه المرة الأولى التي "يقتبس" فيها الانترنت مفاهيم من خارج العالم الالكتروني، فكل مصطلحاته إما قادمة من عالم الحرب أو التسلية أو الاقتصاد أو الرياضيات...الخ. في رأيك كيف يمكن لجهاز شبكي ضخم مثل انترنت أن يبني كينونته دون مفاهيم ومبادئ خالصة وخاصة به تماما؟ كيف لنا ان نثق إذن في الانترنت كفكرة ؟
هذا جوهر المشكل حقا، التسارع الإنساني نحو استعمال الشبكة جعل خدعة "التواصل السريع" اليتيم تنطلي على الجميع وتغطي عمق الأنترنيت من حيث كونها "حياة داخل حياة". أي أن العملية اقتصرت على الخلق التكنولوجي للمادة الخام دون صقل مفاهيم أولية للمجالات الموجودة أصلا والتي تحولت إلى العالم الرقمي، كما هو الحال مع الصحافة أو الدراسة عبر الأنترنيت أو حتى النقاشات التفاعلية البسيطة. كمولود وضعه أهله في قاعة انتظار أبدية، لم يتعلم لغة ولم يكتشف شيئا غير جسده والجدران الأربعة (MSN، Youtube، Skyblog، Google). الثقة لا تأتي إلا عبر مراكمة تعاملات متعددة رقميا (بيع، شراء، استفادة معرفية،...)، والعادة تقول أننا لا نثق بالفكرة وإنما نؤمن بالمشروع. فعندما نتمكن من تأطير الأنترنيت ومن تخليقها سنكون قادرين على تذوقها، شيء أراه بعيدا ما دمنا عاجزين عن تخليق حياتنا العامة اليومية وعن تخليق اقتصادنا وسياستنا.. .
6. نسمع من حين لآخر عن تكتلات رقمية لا أحد يعرف مدى أهميتها وضرورتها من مثل اتحاد المدونين المغاربة أو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية وغيرها. السؤال ما جدوى التنظيمات خارج الانترنت للتأثير على ما يقع بداخل الانترنت؟ بل كيف يمكن ذلك؟ ألا تخوفات من إصابة الجهاز المفاهيمي للانترنت من أوباء تنظيمية خارجية تعرفها الساحات المدنية والسياسية خارج الشبكة؟
في الحقيقة، لم يكن الغرض (حسب اطلاعي المتواضع) من خلال خلق هذه التكتلات هو التأثير بداخل الأنترنيت بقدر ما كان تشكيل لوبيات لها قوتها التأثيرية في السياسة والمجتمع. خاصة وأن الشباب الذي تعرض للإقصاء من دائرة العمل السياسي الحزبي والمدني أيضا بدأ يبحث لنفسه عن طريقة يرد بها الاعتبار لنفسه ويصدر عبرها أفكاره ومقترحاته وكذا غضبه واحتجاجاته. ما من شك أن القوالب التنظيمية تقلص من الإحساس الافتراضي الجميل للمعاملات الرقمية لكن لا مناص من جعل الأنترنيت عالما أكثر واقعية... .
7. سؤال شخصي، كيف تعيش يومك على شبكة الانترنت خصوصا أنك تقضي أوقاتا طويلة أمام شاشة الكمبيوتر؟ ألا تشتاق للحبر على الورق وخيوط الدخان على صفحات كتاب لجون بول سارتر مثلا ؟
في فترات الذروة، لا يمكن أن يمر يوم دون أن تبقى كل حساباتي مشغلة: أراقب البريد، أتواصل عبر الميسنجر، وأستمتع بقراءة روائع نيتشه وهيغل على نغمات الموسيقى الكلاسيكية. حتى الكتابة بإلهامها وطقوسها الأكثر قداسة عادت تزورني أمام برنامج الرقن الإلكتروني. أما سارتر فله طقوسه "الوجودية" الخاصة: احتساء قهوة مسائية مع سيجارة Gauloise وقلم حبر في اليد يسكب على الورق انفعالتي وسخطي وحبي أيضا.. تحس بنفسك في الركن البعيد الدافئ داخل مقهى le Flore في شارع سان جيرمان الباريسي، حيث كانت تدور نقاشات ساخنة بين الصديقينSartre وSimone de Beauvoir.
8. ما أخبار بوابتك الرائدة في مجال العمل الشبابي "شباب المغرب" ؟ وهل من مشاريع مستقبلية على شبكة الانترنت ؟ أدمجت الجريدة في المؤسسة التي أنشأت، وقمت بإيقافها بعد أن استوفت غرضها التطبيقي. أرى أن تجربة "شباب المغرب" كمبادرة فريق صغير من الأصدقاء كانت قادرة على المواصلة بقوة أكثر من أن تندمج في عمل مؤسساتي معقد. وقد بدأت بالتفكير في إعادة الجريدة إلى الساحة الإلكترونية لتستعيد مكانتها المعهودة. كما سأطلق مدونة شخصية باللغة الفرنسية في أول تجربة تدوين أود أن أشاطر من خلالها تجاربي وأسفاري وأحاسيسي مع الآخرين... .
9- كلمة حب؟ من لا يعرف أن يكره لا يمكنه أن يحب، وإني لأحببت أبناء بلدي حتى كرهتهم. قد يكون حوارنا هذا عزيزي طارق آخر إطلالة لي عبر الصحافة الوطنية خلال هذه السنة. فدعني إن تكرمت أن أبلغ المغاربة، كل المغاربة أبناء هذه الحضارة العظيمة والمتفردة، كلمة عشق حقيقي قد تكون صادمة لكنها صادقة: لكي ترتقوا يجب ألا تنهشوا في بعضكم، وحدها الكلاب تفعل ذلك... .
#طارق_السعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|