بلقيس حميد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 762 - 2004 / 3 / 3 - 09:47
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لكل ظاهرة أسبابها , هذا إن أخذنا القول بالشكل العام , فحتى الكوارث الطبيعية لها مسبباتها العلمية التي أدت الى تكونها , وكذا الكوارث الإجتماعية أو الأزمات التي يمر بها مجتمع من المجتمعات , فكيف بظاهرة الإرهاب التي أصبحت عالمية اليوم وتعني كل فرد بهذه الكرة الأرضية ولا توفر فردا حتى لو كان في بروج مشيدة , فا لإنفجار عندما يحصل في شارع أو أمام مبنى أو متجر أو مطعم أو مستشفى ومدرسة حتما سيكون الضحايا من أنواع البشر جميعها , بريئها ومذنبها, غنيها وفقيرها , مؤمنها وملحدها , فالقنابل لا تـختار بشظاياها المتناثرة مجرما أو خائنا أو معتديا دون سواه , بل تتطاير عشوائية معلنة انتصار الموت على الجميع ومعلنة إسالة الدماء رغم أنف الجميع , وحينما نريد أن نعيد مسببات الإرهاب , تنتصب أمامنا جهات لابد وأن يشار لها بالبنان ولا بد لمن يريد العدل والحياة المستقرة للجميع أن يتهمها, وهذه الجهات هي :
1- السياسة الأمريكية وأعوانها.
2- صنـّاع وتجـّار السلاح بالعالم ومن يدور بدائرتهم.
3- الحكومات الديكتاتورية وما تخلقه من أجهزة قمعية مرعبة.
4- القوى السلفية والمتعصبة التي تريد العودة بالعالم الى العصور السحيقة بالتخلف باستعمال العنف وفرض الدين بطريقتهم الذي يفهمون و بالإكراه.
فالسياسة الأمريكية غير العادلة والمحتلة لبعض بقاع العالم في زمن يرفض به العقل البشري ويستهجن كلمة إحتلال. وموقف هذه السياسة إتجاه القضية الفلسطينية وتأثيراتها المعروفة على موقف الأمم المتحدة وعدم أيلاء الحق الفلسطيني اهتماما ولا المشاعر العربية أو الإسلامية الغاضبة نتيجة هذا الموقف أي اعتبار وما جدار الفصل العنصري الذي تستمر إسرائيل ببناءه رغم كل الإنتهاكات التي يسببها لحقوق الإنسان الفلسطيني والذي يعتبر أكبر إرهابا تصمت عنه الولايات المتحدة ومن لف لفها من الدول , ورغم درب الآلام الذي تفتحه أمام الفلسطينيين وتطيله لهم كل يوم . كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي دعمت وخلقت بعض التيارات المتعصبة والسلفية بالعالم الإسلامي لمواجهة ما سمى بالخطر الشيوعي الذي غرسته داخل المؤسسات العربية والإسلامية وغذت به الحكومات بهذه البلدان وذلك دعما لموقفها ضد الإتحاد السوفيتي السابق ومساهمة في اسقاطه, حيث هي التي رعت ودعمت بناء حركة القاعدة , وهي التي قوت التيارات السلفية بالعالم العربي وبغيره من دول العالم , لتدفعهم بالوقوف بوجه الإلحاد الشيوعي كما يفهمونه, إضافة لهذا فأمريكا هي التي تهيء جيلا من الأطفال محبا للعنف ومعتادا على رؤيته دما على شاشات أجهزة الكومبيوتر وذلك من خلال صناعتها وتصديرها ورعايتها لألعاب( الستريت فايتر) و(كاونتر سترايك) وغيرها الكثير والتي يدمن عليها الأطفال في العديد من بلدان العالم ويجدونها وسيلة سهلة أمامهم, تأخذ الكثير من الوقت وتعلمهم فنون العنف ولتقوي قلوبهم على رؤية الإرهاب والدمار , ونرى الأطفال يسجدون أمامها للعب ساعات وساعات من مختلف أنحاء العالم .
• أما صناع السلاح بالعالم , وأبرزهم الشركات في الولايات المتحدة وإسرائيل وسواها من الدول الصناعية التي يشكل السلاح نسبة كبيرة من عائدات أقتصادها فهم يصدرون الإرهاب للعالم كله عن طريق المافيا والشركات المتاجرة بالسلاح , ويدفعون بعجلة الحروب وخلق بؤر التوتر بالعالم مستغلين الدكتاتوريين والمتعصبين والتيارات المقهورة واليائسة بالعالم الثالث , العالم الجائع, الذليل, الثائر لكثرة الحرمانات والبؤس والتخلف والجهل الذي يعشش بين صفوف أبناءه, العالم الذي يتلقف سلاحهم بشغف حيث السلاح لابد من أن يورث قتلا وإرهابا ومصادرة لحياة الناس بأشكال عديدة. ولابد من مقاطعة اقتصادية لكل هؤلاء الذين يقتلون الأبرياء ويتاجرون بالموت
• وتـُعمق الحكومات الديكتاتورية في العالم الصراع الطبقي بدولها, وتؤجج حقد الفئات المقهورة عليها والتي سلطت أجهزتها القمعية على رؤوسها, ليبقى هؤلاء الديكتاتوريون متمسكون بكراسي الحكم رغما عن أنوف الملايين الرافضة لهم والمستسلمة لقدرها كرها وضعفا, هؤلاء الذين يلعبون بأموال الشعوب ويستغلونها لقصورهم وفخفختهم ومتعهم الخاصة غير ناظرين لما تعانيه هذه الشعوب من جوع وقهر وألام وبطالة وحسرات مما يجعل الناس- والشباب خاصة- كارهين لحياتهم باحثين عما يلهيهم أو عما يدفع عنهم غائلة الموت جوعا مهما كانت النتائج , لأن اليائس من الحياة والمحبط , والذي لا يملك ما يحبب له الحياة , تهون حياته ويستسهل الموت . الدكتاتوريون يصنعون الإرهاب حيث يخلقون معارضة غير مسموح لها بالتكلم , وغير مسموح لها بالبوح حتى بأدنى ملاحظات لخدمة الشعب والوطن ,هذه المعارضات التي لم تجد من يقف بصفها بعد أن أصبح العالم معسكر واحد , والتي يلتجيء بعضها لمصافحة الشيطان ليحصل على دعم ومساندة يستطيع من خلاله البقاء أو إيصال صوته, ولا يهم من سيكون هذا الشيطان وهذه الجهة , لكن المهم أن هذه الحركات تستمر بتنفيذ برامج وخطط وضعتها مهما تكن النتيجة سلبية حتى على بلدانهم , إذ تصبح المسؤولية الأولى لديهم هو البقاء كحركة معارضة تجتذب بعضا من ابناء الشعب الرافض للحكومات الديكتاتورية , حتى نجد بعضها وقد غاصت بالوحل بعلاقات مشبوهة وبجهات لا تمت للوطنية بأية علاقة واختلطت الأوراق بالحقائق السرية غير المعلنة والمعلنة المزيفة وضاع الوطني بظل الخائن والمنتفع وابن السوق.
•
أما القوى السلفية والتي تشكل في أكثر الأحيان السلطة التنفيذية للعنف , فهي تصنع الإرهاب من خلال الإكراه بالدين الذي يفهمه مجموعة من رجالاتها ويقومون بتفسير النصوص حسب رغبتهم وبقدرة عقولهم , ويتخذون فيما بينهم أحكاما سرية لا ترضى الله ولا عباده لينفذونها قتلا بالناس وإنتهاكا لحرماتهم وحقوقهم باسم الدين , هؤلاء يصنعون الإرهاب بكل أشكاله ويفتون كما يحلو لهم بفتاو تدعو للسخرية , فهم يفتون بمعاقبة المتلبس بالحب , ويقصدون هنا أن يشتر الشخص يوم الحب وردة حمراء أو قلبا أحمر من القماش , ويعتبرون هذه الوردة والقلب خطرا على المجتمع بالوقت الذي لا يفتون بتحريم ختان المرأة الذي يشكل إرهابا للبشر وخرقا لدينهم ولصحتهم , هؤلاء الذين يقتلون- دون وجه حق- من يفكر بتحرير عقول الناس من الخرافات والجهل, أو يكفرون شاعرا أو كاتبا مبدعا , الذين يقتلون رواد النهضة والتقدم بالعالم العربي والإسلامي باسم الدين
ألا يتطلب منهم الدين الحق أن يفتون بمنع قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وإيذائها في أيام عاشوراء ضربا بالقامة وإسالة للدماء بالسناسل والإسلحة الحادة واللطم ؟ بدلا من أن يفكروا فقط بتقييد النساء بقوانين بالية تجاوزها الزمن ؟
أين أمانتهم التي يتطلب منهم دينهم حملها حقا لتوجيه المجتمعات نحو السعادة والأمان والسلام الروحي لجميع البشر الذي ساوى الله فيما بينهم بأديانه الثلاث وأعترف بجميع الأنبياء بما فيهم أنبياء غير الأديان الثلاث والقرآن آخر الكتب المقدسة؟ ألم يتعلموا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس وأن كل مؤمن مسؤول عن فضح هؤلاء القتلة ومهدمي البناء والمصادري الحياة التي قدستها الأديان, كما أن هؤلاء أول من يتراكض للحصول على السلاح من أية جهة كانت ولم يعد سرا تورطهم بعلاقاتهم بإسرائيل أو بعصابات المافيا وغيرها للحصول على سلاح يقتلون به أبناء أوطانهم ويسرقون من بلدانهم الأمان وبسمات الأطفال.
من هنا لابد لشرفاء العالم من إتخاذ موقف قوي إزاء جميع صنـّاع الارهاب بالعالم , ولابد لمن يريد للطفولة أن تحيا بأمان وسلام , وللأخلاق أن تعلو, من أن يفضح كل مساهم بهذا الدمار الذي يستشري كالنار بالهشيم ويأتي على كل بناء حضاري وأخلاقي ساهمت به شعوب الأرض جميعها وأوصلته الى ما هو عليه .
29-2- 2004
لاهاي/هولندا
*شاعرة وناشطة حقوقية عراقية مقيمة في هولندا
#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟