أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - علي الشهابي - الولايات المتحدة في طور التفكك؟















المزيد.....

الولايات المتحدة في طور التفكك؟


علي الشهابي

الحوار المتمدن-العدد: 2472 - 2008 / 11 / 21 - 06:17
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


نشرت السفير في ٢١/١٠/٢٠٠٨ مقالة للسيد أنيس النقّاش بعنوان »الولايات المتحدة في طور التفكك«، يؤكد فيها أن الولايات المتحدة توشك أن تدخل في هذا الطور. هذا ما يراه استناداً إلى ما جرى تاريخياً لبريطانيا العظمى والاتحاد السوفياتي، اللذين بات وضع الولايات المتحدة الراهن شبيهاً بحاليهما على أعتاب تفككهما.
بديهي أن التشابه تشابه، وليس تماثلاً. لذا من غير المنطقي مناقشة السيد النقّاش بأن التشكل التاريخي للامبراطورية البريطانية أو الاتحاد السوفياتي يختلف كليّاً عن التشكل التاريخي للولايات المتحدة، لأن الضمني في مثل هذا النقاش رفض أي مقارنة تشبيهية طالما أن المحصلة ستكون »ليس مثل الولايات المتحدة إلا الولايات المتحدة، ولا مثل الامبراطورية البريطانية إلا الامبراطورية البريطانية«. لكنّ السيد النقّاش يجعل أحياناً من التشابه الشكلي جوهراً، ويتغاضى بالمقابل عن فروق جوهرية كي يصل إلى النتيجة التي يرغب بها، تفكك الولايات المتحدة. ولأن العلاقة بين بريطانيا وباقي أجزاء امبراطوريتها تختلف شكلاً ومضموناً عن العلاقة بين ولايات الولايات المتحدة، سأقتصر على معاينة حال الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة لوجود نقطتي تشابه بينهما من الناحية التي يطرح بها السيد النقّاش موضوعه: الأولى إن الاتحاد السوفياتي لم يكن دولة واحدة، بل اتحاداً بين مجموعة مناطق؛ وكذا حال الولايات المتحدة، مجموعة ولايات متحدة فيما بينها. والثانية إن الاتحاد السوفياتي تفكك بعد هزيمته العسكرية في أفغانستان، وهاهي الولايات المتحدة تنهزم في أفغانستان والعراق، وبالتالي يراها ستتفكك. ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا التفكك، الذي حصل في الاتحاد وسيحصل في الولايات، تم بفعل الضعف الاقتصادي الذي عمقته الكلفة الباهظة للحرب.
مع أن هذا العرض الوجيز للمقالة يبتسرها، ولا غنىً عن العودة إليها لمعرفة وجهة نظره بالكامل؛ لكني أعتقده كافياً لمناقشته في هاتين النقطتين.
كان الاسم المرادف لروسيا القيصرية »سجن الشعوب«، لأنها كانت مجموعة شعوب وقوميات تعيش مكرهة داخل الامبراطورية الروسية في ظل هيمنة الروس، وكان الاستبداد القيصري يهيمن عليهم جميعاً. فهذه القوميات والشعوب كانت تعيش في أراضيها، وظلت تعيش فيها بعد الثورة. أما التعدد القومي الفعلي في الولايات المتحدة فلا وجود له، ويسمى قومياً تجاوزاً، لأنه تعدّد مهاجرين جدد وقدماء، هاجروا إليها لاعتقادهم بأن حياتهم فيها ستكون أفضل، لكنهم لا يعتبرون الولاية التي يعيشون فيها أرضهم القومية. وبرغم هذا الفارق، فهذا التعدد يمكن اعتباره نقطة مشتركة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، لأنه يعني أن النسيج المجتمعي في كليهما غير متجانس، مقارنة مثلاً بالمجتمع الياباني المتجانس.
وغياب التجانس في أي مجتمع قد يؤدي إلى تفككه، في حال توافر عناصر ضرورية أخرى تفعل فعلها فيه باتجاه تفكيكه. فأين هذه العناصر الأخرى في الولايات المتحدة طالما أنها منذ نشأتها، وحتى يومنا هذا، ما انفكت تتجانس؟ لنتذكر أن عدد سكان الولايات المتحدة عام ١٨٠٠ كان فقط أربعة ملايين نسمة.
يوحي السيد أنيس النقاش، وربما يعتقد، بأن السبب الرئيسي لتفكك الاتحاد السوفياتي يكمن في هزيمته العسكرية في أفغانستان. وأكاد أقول إن هذه الهزيمة لا علاقة لها بتفكك الاتحاد السوفياتي، بل إنه تفكك لأن البنية الاقتصادية السوفياتية ما عادت تسمح للاتحاد السوفياتي بمواصلة التطور حتى قبل دخول جيشه إلى أفغانستان. فحجم الصناعة الروسية، بحسب غورباتشوف، كان بعد ثورة أكتوبر يساوي ١٢,٥٪ من حجم الصناعة الأميركية ووصل إلى ٧٥٪ منها في نهاية الستينيات. ولكن منذ بداية السبعينيات بدأت الهوة تتسع بينهما لمصلحة الولايات المتحدة (دون أن يعطي أرقاماً). فالعلاقة بين الهزيمة في أفغانستان وتفكك الاتحاد في أعقابها ليست سببية، بل تزامنية.
فهزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان لم تكن مدوية كهزيمة الولايات المتحدة في فييتنام، وكانت بالتأكيد أقل كلفةً من كل الزوايا، ومع ذلك لم تتفكك الولايات المتحدة بل ظلت تتجانس. وعلاوة على ذلك، استطاعت قبل أن تعلن عن هزيمتها في فييتنام بعامين أن تعوّم الدولار، ليظل العملة العالمية الوحيدة حتى إصدار اليورو. علماً أنها بهذا التعويم، في ظل كونه العملة العالمية الوحيدة، كانت تسرق علناً من كل الاقتصادات العالمية، وهذا ما لم تفرضه بقوتها العسكرية بل الاقتصادية. وعلى الهامش أقول، مع أن اليورو لم ينافس الدولار جديّأً إلى الآن، لكني أعتقد أنه شكّل جداراً أمام إمكانية محاولة الولايات المتحدة حل أزمتها المالية الراهنة على حساب العالم، أو على الأقل تخفيفها، بتخفيض قيمة الدولار.
صحيح أن الاتحاد السوفياتي كان ضعيفاً اقتصادياً على أعتاب تفككه، والأدق إنه ما عاد يتطور منذ بداية السبعينيات، وصار ضعفه يضطرد لأن أزمته الاقتصادية كانت بنيوية. إلاّ أنه بعد الثورة السياسية فيه، بعد البيريسترويكا، انكسرت تلك البنية وشرعت روسيا تتطور. ولكن من أين جاء السيد النقاش بفكرة »الضعف الاقتصادي« للولايات المتحدة؟
الحاصل الآن أن الولايات المتحدة تمر بأزمة مالية خانقة تسببت هي بها، وتضررت منها أساساً كل الاقتصادات المتطورة. وانعكست سلباً بشكل رئيسي على شعوب هذه البلدان، وعلى الشعب الأميركي قبل غيره. ومن غير المستبعد أن يكون غزو العراق، ومجمل حرب بوش على الإرهاب، أحد مسبباتها؛ ومن المؤكد أن استمرار الوجود الأميركي في العراق، المقاوم للاحتلال وغير المستقر، يفاقم هذه الأزمة؛ وأن هذه الأزمة برأي المختصين ستتسبب حكماً بركود لاحق. فماذا يمكن أن يستنتج من كل هذا؟
تتعدد الاستنتاجات بحسب زاوية النظر، فالماركسي يرى أن هذه الأزمة أزمة الرأسمالية التي تثبت صحة الماركسية، وها هم الثوريون في الولايات المتحدة يستعدون للثورة الاشتراكية من خلال برامج عمل تفعل فعلها في إنضاج العملية الثورية. في حين يرى السيد النقاش أن التاريخ السوفياتي سيتكرر في الولايات المتحدة.
ومن المعلوم أيضاً أن فرنسا تعاني تاريخياً من مشكلة الفرنسيين الأفارقة، وهاهي كل أوروبا تعاني من مشكلات المهاجرين، وبديهي أنهم يعانون فيها. لكنّ معاناتهم كمعاناة الـ٣٥ مليوناً في الولايات المتحدة، مشكلة إنسانية في أوروبا وليست مشكلة اقتصادية لأوروبا. وإذا كان فقط ٣٥ مليوناً لا يتكلمون الإنكليزية في الولايات المتحدة، فكل بلدان الاتحاد الأوروبي لا تتكلم لغة واحدة. بديهي أن وجود ٣٥ مليوناً في مجتمع لا يستطيعون فيه استخدام لغته الرسمية مع محيطهم الأوسع وفي تعاملاتهم اليومية مشكلة إنسانية عويصة، وهذه المشكلة لا يعاني منها اللاتفيون أو القبارصة أو البولونيون لكونهم لا يتكلمون الفرنسية أو الألمانية أو الإنكليزية، طالما أنهم يعيشون في مجتمعاتهم ويتعاملون بلغاتهم. لكنّ عدم وجود لغة مشتركة بين الأوربيين مشكلة اقتصادية حقيقية، وهي من الزاوية الاقتصادية أصعب من مشكلة الـ ٣٥ مليون أميركي، ومع ذلك نرى بلدان الاتحاد الأوروبي تنسجم مع بعضها أكثر فأكثر، وكلها تتطور اقتصادياً برغم هذه العقبات، لا بفضلها، ومع ذلك لا أحد يتوقع تفكك الاتحاد الأوروبي. على العكس فكل البلدان المحيطة به تقف طابوراً للانضمام إليه، وهو يشترّط عليها: هذه كافية، وتلك غير كافية، نريد كذا وإياك وكذا.
وأخيراً، هل يعني هذا أن الولايات المتحدة ستظل كما هي؟ مع أن هذا يتوقف على المقصود بـ»كما هي«، لكنها في كل الأحوال لن تبقى كما هي. قد لا يتسع المجال الآن لمناقشة هذا الموضوع الواسع، لكن الولايات المتحدة تعلّمت من درس العراق ومن محاولة إذلال روسيا ما ينبغي أن تتعلّمه، وسرعان ما سينعكس هذا التعلّم في سلوكها. وستبدأ بالتعامل مع العالم كما هو وكما هي فيه؛ فهي جزء من هذا العالم الذي يتعولم، والمعادلة بسيطة: طالما أنها جزء من هذا العالم، فما هو جيد له جيد لها والعكس. أما مقياس الجودة فمن المؤكد أنه لن يكون محط اتفاق بين القوميين والشيوعيين ومناهضي العولمة والليبراليين والإسلاميين والعنصريين ودعاة البيئة وأنصار السلام والإنسانيين.



#علي_الشهابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة المالية الراهنة والندب على الماركسية
- اقتصاد إسلامي في مواجهة الأزمة المالية!
- المنعطف في سياسة أوباما الخارجية
- نحن وإيران وتركيا
- نقاش مع -مشروع رؤية سياسية فلسطينية جديدة-
- باريس تشيّع برشلونة في المتوسط
- الديموقراطية المدنية رايتنا السياسية
- طريق الاستقرار في العراق
- إعلان دمشق والانعطاف المطلوب
- هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 4
- هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 3
- هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 2
- هدف الديموقرلطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً -1
- دفاعاً عن البيانوني وخدّام في وجه إعلان دمشق
- شمولية السياسة سياسة شمولية
- العمل السياسي في سوريا
- العمل السياسي في سوريا ..مجرد صورة
- بعيداً عن الأزمة الراهنة في سوريا
- تركيا تمهد الطريق أمام سوريا
- الطائفية و-المعارضة الوطنية الديموقراطية- في سوريا


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - علي الشهابي - الولايات المتحدة في طور التفكك؟