تحقيق: ثناء عبد العظيم
مثلما أن الإرهاب هو أن يفجر أحدهم مكاناً يضم أبرياء، فانه يعني أيضاً، أن تقوم دولة لمجرد إنها قوية وقادرة بضرب وإحتلال دولة أخرى، لمجرد أنها ضعيفة وعاجزة، وهو يعني ان يوقفك لص ويجردك من نقودك تحت التهديد، أو أن يضغط عليك رئيسك في العمل، فأما السمع والطاعة الجوفاء، واما "مع السلامة".
والإرهاب داخل البيت يعني الكثير..
الإرهاب ممارسة لا تغيب عن العديد من البيوت، وما زالت المرأة تكتوي به، مخالفة للشرائع السماوية وللمبادئ الاخلاقية، وكذلك للمادة الأولى من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والتي ترفض "أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس، ينجم عنه أذى، أو معاناة مدنية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف فعل أو الإكراه، أو الحرمان من الحرية سواء أكان ذلك في الحياة العامة، أم الخاصة"، وفسرت المادة الثانية ذلك، بأنه يشمل العنف الجسدي والنفسي، الذي يقع في إطار الأسرة".
تؤكد الدراسات التي تتناول "العنف العائلي" أن النساء هن ضحايا العنف الاسري، وترجع أسباب ضرب الزوجات في المجتمعات العربية، إلى تعاطي الزوج للكحوليات وتشير الدراسات الإجتماعية في مصر، إلى أن معظم أسباب ضرب الزوجات إقتصادية، وتتعلق بالضغط النفسي الناتج عن صعوبة المعيشة.
وأوضحت إحدى الدراسات، أن معظم قضايا الطلاق التي تنظرها المحاكم العربية، يدفعها حدوث ضرر من جراء عنف الأزواج وضربهم الزوجات، وتقول أن النظام الاجتماعي خاصة في الريف والبادية يدعم ضرب الزوجات، وان مواد قانون العقوبات، التي تعاقب على الضرب، لا تفرق بين الضرب الواقع في نطاق العائلة، أو من الآخرين، وتشير إلى عدم وجود نص قانوني يجرم ضرب المرأة الحامل بما يتجاوز الحدود، باعتباره شروعاً في إجهاضها.
وحاولت بعض الدراسات النسائية التماس العذر للزوجة التي تقل زوجها بالقول، أن معظم الزوجات اللاتي قتلن أزواجهن، كن قد طلبن الطلاق ورفض الازواج، إمعاناً في إذلالهن، وتؤكد أيضاً أن المرأة لا تقتل ألا بعد تعرضها للإساءة فترة طويلة، وبعد أن تفشل محاولاتها المتعددة من اجل حل صراعاتها، وتشير إلى أن 90% من النساء يرتكبن جريمة القتل أثناء فترة الطمث.
** الضاربون
لتبرير تلك الضربات واللكمات والارهاب، الذي يقع في دائرة الأسرة يقول أحد الأزواج مبرراً ضربه زوجته: "إنها عصبية جداً لا تعرف كيف تتفاهم معي، تتصرف بغباء وجهل، حاولت التفاهم معها ولم ينفع وعند كل نقاش تصرخ في وجهي".
ويقول آخر: "أعاني مشكلات معينة كثيرة، وتراكم الديون والمستحقات المالية، ومطالبة البنوك لي، وزوجتي تحتقرني ولا تقدرني، لأنني لا أستطيع أن أفي بالتزامات أسرتي".
ويقول زوج آخر: " أغضب من زوجتي إذا وجدتها تسيء معاملتي، أقول لها: "أنا رجل البيت"، حتى لا تتحداني وتضع عينيها في عيني، من حقي أن اضربها وأعذبها، لأنها لا تستحق سوى ذلك".
ويقول زوج آخر: "اضربها لأنها ناشز، لا اضربها ضرب تعذيب، بل تهذيب، زوجتي عاصية ولا تؤدي حقي الشرعي".
** إحصاءات
يوضح خليفة المحرزي، الاستشاري الأسري في محاكم دبي، أن من الصعب تحديد حجم ظاهرة العنف الأسري في المجتمع الخليجي، لعدم وجود إحصاءات ودراسات حول هذه الظاهرة، إضافة إلى عدم دقة هذه الإحصاءات في حالة وجودها، لان ما هو ظاهر بشأنها قد يختلف عن واقع وجودها، نظراً إلى قلة حالات الإبلاغ عنها، ولطبيعة المجتمع المحافظ على السرية والكتمان، في مثل هذه القضايا الحساسة.
ويقول المحرزي أن الإحصاءات التي أخذت من دول غربية، كالولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا لا يوجد ما يقابلها في الدول العربية، "الطرق الحالية لقياس النسبة الإحصائية لضرب الزوجات يصعب الثقة به، لان الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث غير دقيق، حتى الحالات التي يصل إلى المستشفى تبرر عادة، بسبب آخر من اجل التستر على الضرب".
ويتحدث المستشار الأسري، عن عوامل يمكن الركون إليها في تفسير بعض مظاهر العنف العائلي، ومنها الزوج الذي يعاني منذ صغره التوتر والقلق، نتيجة تعامل والديه معه في المنزل، "فهو في قلق دائم وتثيره أدنى الأفعال والمواقف، وجاهز في ردة فعله تجاه الأحداث التي يتعرض لها، كأن تتأخر الزوجة عن وضع الطعام، أو يخسر فريقه الذي يشجعه، أو أن يرتفع صراخ الأطفال في المنزل، أو لا يدور محرك سيارته، أو يظل هاتف المنزل مشغولاً لفترة طويلة".
ويضيف قائلاً أن الزوج عندما يستقل بالسكن عن عائلته الكبيرة، يصبح اكثر تحرراً نم تصرفاته وانفعالاته مع الطرف الآخر، إذ لم يعد يوجد ما يراعيه كما أن الوضع في المنزل الكبير.
ويرى أن السكن المستقل قد يسهم في العنف المنزلي، ويشير إلى أن جميع المجتمعات البشرية، في العالم ما زالت تؤكد النظرة الدونية للمرأة، وتعتبرها اقل مكانة من الرجل، "صاحب الكلمة الذي في يده تصريف الأمور العائلية والقوامة".
ويقول المحرزي أن الزوجة، التي تجد أن زوجها لا يستخدم سوى لغة العنف والقسوة، يمكن أن تتمرد، وتنتقم لنفسها على تلك المعاملة وكذلك يفعل الأبناء، ويوضح أن الزوجة التي تمارس العنف الزوجي ضد زوجها، تعاني غالباً مشكلة في القدرة على التعبير عن مشاعرها بصورة سوية، وتتمتع بشخصية انطوائية، وان كانت بعض الحالات تمثل ردود أفعال مباشرة تجاه الزوج.
ويقول أن دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث في مصر، وجدت ان 20% من الزوجات يضربن أزواجهن لاسباب تعود، أما لضعف الزوج أو لتهوره وعصبيته، وان العنف يزداد صيفاً وفي نهاية كل شهر بعد نفاذ المرتب.
وأكدت الدراسة أن نسبة ضرب الأزواج لزوجاتهم، ترتفع بنسبة 50% للطبقة الأمية، وتنخفض إلى 15% بين الأزواج الحاصلين على مؤهل متوسط، وقالت أن 65% من الزوجات مرتكبات الجرائم ضد أزواجهن، يرجعن إلى أسباب تتعلق بالغيرة الشديدة وتحويل حياتهن إلى جحيم.
وذكرت أن 45% من مرتكبات جرائم العنف يرفعن أفعالهن إلى قوة شخصية الزوج، ومحاولته الضغط على الزوجة بهدف تهميش دورها.
وتقول فاطمة المغني، مديرة مركز التنمية الاجتماعية في خورفكان، أن "بعبع" العنف في العلاقة الزوجية، ينتج عن فراغ وهوة كبيرين، تعانيهما تلك العلاقة، ولا يكون إصلاحهما سهلاً.
وتقول أن الإسلام جعل العلاقة الزوجية علاقة تبادلية، فيها مودة ورحمة "وعندما يتولى مسؤولية الحياة الزوجية، رجل بلا أحاسيس وطبيعة ارهابية، فلن يكون إلا معول هدم"، وتتمنى فاطمة المغني من الأزواج أن يلتزموا بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "استوصوا بالنساء خيراً" وتذكر المرأة إذا كانت هي التي تحتمي بمظلة الإرهاب، بما جاء في الآية القرآنية الكريمة: (الرجال قوامون على النساء) –(صدق الله العظيم)، مشيرة إلى أن الرجل هو القدوة في الأسرة لابنائه، وان المرأة يجب أن ترعى وتقدر هذا النموذج المشرف للرجل الذي يكون الراعي وحامي الأسرة، وذكرت أيضاُ بالحديث النبوي الشريف: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
** عاهة نفسية
وتقول فوزية الملا، مديرة سجن النساء في دبي، أن العنف حالة غير طبيعية أساساً وان الجرائم تحدث في لحظة غضب، وتقول أن الطفل الذي يضربه والده بحجة انه يؤدبه، لكن بشكل عنيف، يسبب له عاهة نفسية، "وتقول أن الطفل قد يأخذ السلوك المتسم بالعنف اليدوي، أو الكلام أو التصرفات العنيفة إلى المدرسة، معتقداً أن هذه الحياة وتكون حياته عنيفة، وردة أفعاله كلها سلوكاً عنيفاً، فيستخدم يده أية أسلحة أو غيرها في لحظة غضب، وقد دلت الدراسات على أن العنف هو منشأ التربية لاغلب الذين يرتكبون جرائم تفضي إلى الموت، أو تسبب عاهة مستديمة، أو يستخدمون الأسلحة البيضاء في مواقف لا تستدعي ذلك، وتقول أن الطفل لاذى يمارس والده العنف معه، قد يرد عليه عندما يكبر بالعنف وقد يمارس العنف ضد الآخرين.
** الحرمان
وتضيف سعيدة بن جدي، المذيعة في تلفزيون "أم.بي.سي" أن العنف يولد العنف، "فإذا كان الزوج كذلك فلديه أسبابه التي أدت إلى هذه الأفعال، وإذا لم تكن الزوجة متفهمة للزوج، فهي أيضاً تصبح عنيفة".
وهي تعتقد أن السبب في الإرهاب المنزلي، هو الحرمان العاطفي أو المادي، الذي يلعب دوراً كبيراً، "فإذا كان الزوج من دون وظيفة والمرأة هي التي تنفق من مالها داخل البيت، فان المجتمع لم يرحمه، لشعوره بأنه غير قادر على تحمل المسؤولية"، وتقول أن بين لنساء من تعاني طبيعة عدوانية وعنيفة، أما بسبب تربيتها، واما لعدم التفاهم بين الزوجين ودخول أطراف أخرى وعدم الثقة.
ويشير الموجه الاجتماعي احمد الحمادي، إلى مقولة صينية تدعو إلى ضرب الزوجة، وان كان ذلك بلا سبب، ويقول أن التأثيرات الفكرية الآتية من الغرب، ومن مجتمعات أخرى، بدأت تلقى قبولاً لدى الشباب وتسبب مشكلات أسرية، ويؤكد أن المرأة يجب أن تتمتع بالاحترام، لأنها أساس أي أسرة وإستقرار أي مجتمع.