أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أسامة عثمان - إغراء الديمقراطية














المزيد.....

إغراء الديمقراطية


أسامة عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2468 - 2008 / 11 / 17 - 03:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يصطلح كثير من مثقفينا على الديمقراطية والحريات العامة غاية وقاسما مشتركا ، ويختلفون بعدها ، ولا يرون ضيرا في ذلك ؛ لأنهما تستوعبان الخلافات ، فهما إطار رحب ، يترك للفرد مساحته ، وإيجابيته .
وهم حين يتطلعون إلى ذاك النموذج ، إنما يتطلعون إلى الرقي الإنساني ، ومثله العليا ، من عدالة ومساواة ، واحترام للإنسان وحقوقه ، وصون حرياته في التعبير والإبداع والسلوك الذي يحب ، دون قمع ، أو انتقاص بسبب العرق أو الدين ، أو غير ذلك .

وهم يرون أن هذا النموذج هو أرقى ما توصل - وما يمكن أن يتوصل – إليه العقل البشري ، ويرونه ملائما لكل الشعوب ، وكل الثقافات ، فيسعون إلى نشر قيم الديموقراطية والحرية في العالم .

ويمكن لهم أن يصروا على صلاحية تلك القناعات ، حتى بعد فضائح أمريكا ، النموذج الديمقراطي الأول في العالم ؛ لأن أخطاء أمريكا ، أو انحرافها ، لا يبطل النظرية .

ولو قصرنا الكلام على الديمقراطية بوصفها نظاما للحكم ، والحريات بوصفها مرتكزات للفرد ، ومقدسات له ، فإننا سنلحظ أن هاتين الفكرتين قد لاذتا بالحياد السلبي ، وآثرتا الفراغ ، واستقرتا شكلا وإطارا ، دون مضمون محدد . ولعل هذا من أسرار جاذبيتهما لدى الكثيرين بالرغم من اختلاف مكوناتهم الفكرية ، وتباين توجهاتهم ، وهي بهذا المعنى هروبية سلبية ؛ لأنها لا تملك في ذاتها آراء تعدها حلولا ، وتراها صالحة للمواقف .

أقول هذا ؛ لأني أعلم أن مسوغ أية فكرة ، ومبررها الوجودي يكمن فيما تملكه من إجابات لتلك التساؤلات التي يطرحها الفكر الإنساني ؛ وحين لا تجيبه الديمقراطية فإنها تسبب له فراغا معرفيا ووجدانيا ، بل تحيله إلى نفسه ، فهي بذلك تخيب ظنه ، وتحوجه إلى غيرها .

إذن هل تستطيع الديمقراطية أن تدعي أنها تملك ، أو تسعى إلى بناء تجانس إنساني في المجتمعات التي ترتضيها ؟ أم أنها ، وهو الواقع ، تتركهم أفرادا ، لا أمة ، وهم ، حينها ، يعودون غرباء ، وأحيانا أعداء ؛ لأن الإنسان في سعيه لتحقيق ذاته يصطدم ، بالضرورة ، بغيره ، ولا بد من أحكام ومعالجات تنظم تلك العلاقة ، ولا تكفي فكرة الحرية أساسا لتلك العلاقات ؛ لأن الإنسان مركوز في طبعه حب البقاء الذي يتمظهر بالأنانية الفردية ؛ ولذلك ، سيسخّر كل واحد طاقاته الذهنية كلها، و ملكاته كذلك؛ لتحقيق حاجاته ، دون مراعاة لأية ضوابط إنسانية ، أو مصالح جماعية ، ولهذا لم يكن مستغربا أن تكتمل المجتمعات الديمقراطية بالرأسمالية ويا لهما من نقيضين - في الظاهر - فالأولى تَجذب وتُمدح ، والثانية تُنفّر وتُقدح ؛ ولِقبح الرأسمالية المفرط قلّ أن نجد ممن ينادي بالديمقراطية مناديا بها ، ولذا يلجأ بعضهم ، في منحاه الاقتصادي إلى الاشتراكية ، فرارا من الرأسمالية المتوحشة .

ولا أريد أن ألج أبواب الفكر الاقتصادي ، وإنما قصارى ما أريد قوله أن الديمقراطية اتكأت على شعارات براقة وجذابة ، ولكنها تركت الفرد خلوا من الفكر الضروري ، فلم تسعفه ، وجعلت من ذلك مسألة فردية ، فلم تنشىء مجتمعات ، وإنما أنتجت أفرادا يجمعهم مكان ، ويفرقهم كل شيء ، ومن هنا لم يكن مستغربا أن تنشأ ظاهرة المحافظين الجدد التي أحست بتقصير الديمقراطية عن الوفاء بمتطلبات الأمة ذات الرسالة الموحدة ؛ فراحوا يستعيرون شعارات دينية علّها تفي .

هذا ، وإن ما ادعت الديمقراطية اختصاصها به من عدالة ومساواة ومواطنة على أساس الولاء للدولة والمجتمع ، بغض النظر عن المعتقد ، أو الدين ، وحق الفرد في ممارسة شعائره الدينية ، وتناول ما يحله دينه ، وحقه كذلك في الإسهام والمشاركة في الحياة العامة ، وحق الأمة في اختيار حاكمها ، ومحاسبته ، وعزله ، هو محض ادعاء .

وأما ما قد يقوله البعض ، إن المجتمعات الديمقراطية لا تشترط ما يشترطه غيرها ، من اعتناق فكرتها ، والكفر بكل ما هو سواها ، إذ تتيح لأي إنسان أن يحظى بالحقوق كاملة حتى رئاسة الدولة ، فإن الواقع لا يصدقه ؛ ذلك أن أمريكا ، مثلا ، لا تمنح إنسانا تلك الحقوق كاملة حتى يتشرب القيم الأمريكية ، ويصبح مواليا لها ، ومنسلخا من أي ولاء آخر . كما أن الفكرة الديمقراطية تشترط في أي حزب يريد خوض الحياة السياسية وصولا إلى الحكم القبول بها ، وأن يكون ضمن المعارضة المحكومة بقواعدها ، وقبول مبدأ التداول على السلطة ؛ فتلك الحقوق الممنوحة ليست مطلقة ، وإنما مرهونة بالإيمان بالديمقراطية ، بوصفها المعين .

وأخيرا أطرح سؤالا ، هل الديمقراطية هي الكلمة الكاملة ؟ أو الأخيرة ؟ أم أنها الكلمة الخادعة ؟!



#أسامة_عثمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الاتجاه المعاكس والعلاقة بأميركا
- جسور آثمة
- همسة في الشعر
- اللحظة المظلومة
- شجرة الخروب
- إسرائيل ...الباحثة عن قاتلها !


المزيد.....




- هل اعتدى مؤيدون لفلسطين على مخبز يهودي في فرنسا؟
- لندن.. أعضاء أكبر هيئة يهودية يدينون هجوم إسرائيل على غزة
- خبراء يحذرون من -دمج الإخوان- بعد كشف مخطط تخريب الأردن
- سوريا: فصل الجنسين في الجامع الأموي بدمشق يثير جدلا واسعا
- أردوغان يهنئ الأتراك من الطائفة اليهودية بمناسبة عيد الفصح
- قادة يهود في بريطانيا يرفعون الشعار ضد نتنياهو
- شاهد.. آلاف المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بالقدس المحتلة! ...
- مفتي القاعدة السابق يتحدث عن نمط حياة بن لادن وإدارته للتنظي ...
- إقتحام الأقصى والمسجد الابراهيمي
- الفاتيكان: معماري كاتدرائية ساغرادا فاميليا -على طريق القداس ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أسامة عثمان - إغراء الديمقراطية