أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريسان الخزعلي - حوار العمرمع الشاعر كاظم غيلان :مظفر النواب كان صاحب الكشف الاول الذي مهد لنا الكتابة الحديثة















المزيد.....


حوار العمرمع الشاعر كاظم غيلان :مظفر النواب كان صاحب الكشف الاول الذي مهد لنا الكتابة الحديثة


ريسان الخزعلي

الحوار المتمدن-العدد: 2468 - 2008 / 11 / 17 - 05:09
المحور: الادب والفن
    


حوار: ريسان الخزعلي

*.. منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وهو /يموج/ بحمل السر العميق، السر الذي كنا لا نجهله..، ولأنه لا يقوى على الاقامة في المكان والزمان، فقد كنا نمسكه ظلاً ونستحضره لحظة ان يبتعد..، وفي كلا الحضورين، كان يشعلنا ويشغلنا بالأسرار والشعر والمحبة..، من هنا، منح الآخرين الكثير من (الظهور) ولم يمنح نفسه الا الظلال الرمادية في الرأس، والارض بيتاً، والسماء غطاءً، والماء عرساً. اقام على ضفةٍ /يسرى/ من دجلة في العمارة، ولا يزال يقيم في الضفة ذاتها في بغداد، ولم يلتفت الى ضفةٍ أخرى.
*.. إنه مسكون بالهم الشعري والثقافي حد الصداع الذي يوسع العينين، لفحته الصعلكة ببريقها التمردي..، في ذاكرته صندوق من ذهب، يضم وجوهاً وملامحاً وقراطيس.. فيها ندوب خمسة عقود من اللوعة. في لسانه وقائع (قصايد للوطن والناس، عرس الماي) وفي خزائنه (الشمس أبقى من قطيع الغيوم، لون الليالي صعب) واسرار اخرى. قرب دجلة.. كان حوار العمر معه، حواراً كاشفاً للتجرية، ووعي التجربة وتاريخها، التشخيص ونبش الذاكرة...، وهكذا جاءت إجابات شاعرنا المبدع /كاظم غيلان/.. كي نمسك به وبحضوره وبظلاله الروحية/ الابداعية من جديد ومثل كل مرة. لابد لأية موهبة دونما بيئة، والريادة هي عملية كشف دائم ومثابرة عالية

قصايد للوطن والناس، تجربة غنية عانقت وطنيتها جماليتها العالية...، وقد كوفئنا بصورة لمؤسس الحزب الشهيد الخالد فهد وباهداء مذيل بتوقيع سكرتير الحزب وقتها الرفيق عزيز محمد

التقيت /النواب/ لحد الآن خمس مرات.. أما ما أدهشني حقاً.. قوة ذاكرته
ان الشاعر الذي لا يتوفر على رؤيا نقدية يبقى جاهلاً في الشعر نفسه

* ينبوع البدايات اعرفه، غير ان توصيفك سيكون الأدق؟
- لا بداية لأية موهبة دونما بيئة، والتي هي برأيي أدق وأهم مكونات البداية، في الجنوب العراقي كما تعرف وأنت ابن اهواره تتشكل الموحيات جميعها دفعة واحدة لتصنع الرؤى وهكذا كانت البداية.
* مرحلة المدينة/ العمارة.. كنت متشابكاً مع شعرائها في سعبينيات القرن الماضي، أين تكمن اسرارها الابداعية؟
- كانت المرحلة الأشد خطورة على وفق قناعاتي. إذ كيف تضع قدمك بين مجموعة سبقتك في التجربة، الا انني ضغطت باتجاه أن اكون وهكذا رحت اشارك بحماس في المهرجانات المدرسية وتحرير النشرات الجدارية المعنية بالشعر الشعبي فاشير لي بالبنان، تلك مرحلة مثقلة باسرارها الابداعية، الفكر في توهج، الانفتاح شهد بداياته على الصعيد السياسي، فكانت طريق الشعب والراصد والمجتمع والثغر البصرية ورحت اوزع قصائدي عليها حتى تمكنت من ولوج عالم شائك اسمه الشعر.
* في بغداد التي خطف بريقها استقرارك المكاني، ما هي الاضافة الروحية والابداعية؟
- لابد هنا ان اعود لينبوع البدايات الذي تعرفه فقد انتابتني رغبة عارمة لاكون في بغداد وكما تتذكر كيف كنت احط فيها كما طائر هائم عاشق يبحث عن غصن يستقر عليه ولو لبضعة ايام، وحين قررت وقتها الاقامة في بغداد حذرني الصديق الشاعر علي الشباني لأن بغداد تبتلع ولربما تهمش تجربة مبتدئ في عالم الشعر مثلي وقتذاك ولم تتحقق امنيتي لاسباب عديدة كان في مقدمتها وضعي المعاشي فعاودت المغامرة ثانية واشتغلت عاملاً اجيراً في معمل مشروبات (كراش) الواقع على طريق معسكر الرشيد فوجدتني غريباً تماماً بين من كانوا معي في ذلك المعمل، لاشيء يربطني بهم سوى الهم الطبقي والذي لم يشغلني كثيراً حينها سرحت من العمل لاسباب لم ازل جاهلاً بها، اوائل التسعينيات وتحديداً في صيف 1993 قررت وبقوة الاقامة في بغداد متحدياً كل الصعوبات، قررت ان اكون في بغداد التي خطف بريقها استقراري المكاني كما اشرت في سؤالك الا انني تمكنت من ان اختطفها واحقق بحماسي الثقافي والصحفي حضوراً فاعلاً ومؤثراً على حد قناعتي واضافت لي مغامرتي هذه الكثير مما سآتي اليه في الاجوبة اللاحقة.
* أنت متابع وموثق من الطراز النادر وكثير التجوال في المدن العراقية، هل ثمة اسرار في قلبك ومكتبتك لم تبح بها لحد الآن؟
- من حقي الاستعانة بمقولة نيرودا الشهيرة (اشهد اني قد عشت) اما عن الاسرار فلا وجود لها لأنني دائم البوح بادق تفاصيلي، وان وجدت فذلك ما دونته في دفتر يوميات بثلاث اجزاء تحت عنوان (ماقيل في الغرفة 61) وهي الغرفة التي أقمت بها في فندق الاردن- من فنادق ساحة الميدان الشعبية- والتي قاسمني اياها الصديق الشاعر محمد تركي النصار، ودعاني لطباعتها صديقي الشاعر الفلسطيني احمد يعقوب، لكنني اهملت الموضوع لأن ما دونته وقائع يومية عابرة.
* التجارب الريادية في الشعر الشعبي العراقي الحديث، حان الوقت للتصريح بها بصوت عالٍ من خلال تجربتك؟
- بقدر ما اجد حراجة في هكذا سؤال دائماً الا ان ذلك لا يمنع من التصريح بصوت عالٍ كما تريد.
الريادة حسب ما افهمها هي عملية كشف دائم ومثابرة عالية لأن من ابرز مميزات الشعر الحديث وعلاماته هو الكشف حسب ما يرى رينه شار في مقولته (الكشف عن عالم يظل ابداً في الحاجة الى الكشف) فمظفر النواب كان صاحب الكشف الاول الذي مهد لنا الكتابة الحديثة، هكذا افهم الريادة، البعض يفهمها بطريقة (مسلكية) فيجد الريادة لمن بقي يكتب الشعر لاربعة عقود من الزمن دونما توقف ودون ان يؤشر لنا مميزات ما يكتب، البعض الآخر قدحت شرارات الحداثة في تجربته الا انه صمت لاسباب طالما ارقتني كما في تجربة كريم محمد حمزة الذي ربما يجهل تجربته الجيل الحالي بكامله، نحن ابناء حقبة السبعينيات أثار اهتمامنا كريم، اعود لتجربة الجيل الذي تلى النواب عبر اصدارات شعرية مهمة كجماعة- خطوات على الماء- طارق ياسين، علي الشباني، عزيز السماوي تضاف لهم تجربة شاكر السماوي التي نضبت عند الثمانينيات مع انه لم يزل على قيد الحياة، هناك نجارب لا تقل اهمية كما في كتابات عريان السيد خلف، اسماعيل محمد اسماعيل، ابو سرحان، زهير الدجيلي وآخرين، وخلاصة ما اريد قوله ان الريادة هو المصطلح الاكثر سهولة ورواجاً ومجانية في وقتنا الحاضر ولربما تتحمل وسائل الاعلام مسؤولية ترويج هذه المجانية ومن حقنا نحن السبعينيين ان نتحدث ونؤشر الريادة دون غيرنا لأننا اهل مكة الأدرى بشعابها بل –وهذا ليس ادعاءً- بأننا الامتداد الشرعي للتجارب الريادية.
* اجد من المفيد جداً ان تشير الى القصيدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ومن ثم بعد العام 2000 ملامحاً واصواتاً.
- ما لا اتمناه ان يوجه ليس سؤال كهذا لاسباب عديدة يقف في مقدمتها مشهد الخراب العارم الذي اجتاح العراق وطناً وانساناً وثقافةً، انها حقب مليئة بالتدهور والانحطاط والمجانية والابتذال، ابتدأتها حرب ضروس كرست ثقافة العنف المثقلة بتجارب قرقوزية لأبسط ما في النبل وشرف الموقف، الكلمة، كنا نقابل ذلك المشهد بصمتنا واشتغالاتنا الابداعية، ولربما كان شعوراً خفياً في دواخلنا بالرد على الفوضى –عبر الخلاقة- التي ابتكرت ادواتها سلطة الاميين والجهلة التي أسست لكل ما هو دوني، وربما سبقني الشاعر العراقي هاشم شفيق عندما اشار لظاهرة الشاعر- المسدس التي كانت علامة فارقة لجيل كامل من الجهلة الذين ادمنوا المهرجانات التي اعطت (التهريج) ولم تعط الابداع، حتى الان واعني مابعد الـ2000 وحالة الرخص والاستجداء والتسكع المذل على ابواب المسؤولين هي امتداد لذلك الأرث الاسود فعلى مستوى الملامح كانت كالحة لا تشرفني حتى رؤيتها، تبقى الاصوات وهذه حالة استثنائية على عكس ماحصل في السبعينيات، نعم برزت اصوات جميلة يعول عليها كحمزة الحلفي، طالب الدراجي، الشهيد غني محسن، عادل رحيم، نصير الجشعمي، عماد المطاريحي، سعدون الخياط، علي ابو اللول وآخرين آسف ان لم اتذكرهم، اما على مستوى الاضافة فلا اجد لها اثراً يشدني لها ويعينني على تشخيصها.
* ماذا عن تجربة (قصايد للوطن والناس)؟
- الابداع كما فهمته منذ زمن مبكر في حياتي الادبية منجز شخصي، و(قصايد للوطن والناس) مجموعة اصوات تضمنت (32) صوتاً من اجيال عديدة لذا لايمكنني الحديث عنها تفصيلياً لانني في الحالة هذه سافرد اجابة عن كل صوت في المجموعة مما يستغرقني كثيراً وتصبح الاطالة خارجة عن الضرورة، لكنها على العموم كانت خطوة ناضجة يعود الفضل فيها للحزب الشيوعي العراقي المبادر لطباعتها، تجربة غنية عانقت وطنيتها جمالياتها العالية، تزامن اصدارها مع العيد الاربعين لتأسيس الحزب وتتذكر معي كوفئنا بصورة لمؤسس الحزب الشهيد الخالد فهد وباهداء مذيل بتوقيع سكرتير الحزب وقتها الرفيق عزيز محمد، وهذه اجمل هدية حصلت عليها في حياتي على عكس ما اغدق ويغدقون هذه الايام على المتشاعرين.
* المهرجانات القطرية الثلاث 69-70-71 كيف تنظر لها الآن؟
- بودي هنا ان اصحح صيغة السؤال فهي خمسة مهرجانات وليس بوسعي ان اتحدث عن ثلاثة منها لأن جميعها تستحق الثناء والاطراء باختصار كان تقليداً عريقاً ابداعياً ويعود الفضل في تأسيسه لمجموعة شعراء الناصرية الراحلين (كاظم الركابي وجبار الغزي وعادل العضاض). الآن انظر اليها بشيء من الحنين الجارف لأصالة افتقدتها الاجيال التي تلت السبعينيين ولربما تمكنت من الرد عليها بكل ما امتلكته المؤسسة الاعلامية المنهارة من ادوات القبح والتشوه حيث اجهضت كل ما أسسته تلك المهرجانات من قيم ابداعية جمالية ليس من السهل المشاركة في تلك المهرجانات فاللجان بمجملها التحضيرية او فحص النصوص لم تكن خاضعة للوصايا، ولم يقبل النص الهش مهما كان اسم كاتبه ولقد عمقت الدراسات النقدية الصباحية تلك التجربة مع ان هناك هفوات عديدة مرت دونما تأثير على ذلك التقليد، ناهيك عن مشاركات عربية كالشاعرين الكويتيين الشهيد فائق عبدالجليل وعبدالعزيز الدويش وكتبنا ونادينا في اكثر من مناسبة لعودتها لكن القائمين على حال الشعر الشعبي غير معنيين بذلك.
* أين يكمن (الكم الشعري) في القصيدة؟
- استعين في الاجابة على هذا السؤال بما بذهب اليه الشاعر الكبير ادونيس في كتابه (زمن الشعر) حين أشهر نهاية زمن الكلمة- الغاية وانتهى معه عهد تكون فيه القصيدة كيمياء لفظية، اصبحت القصيدة كيمياء شعورية، هذا ما اعنيه في الكم الشعري، هو ان اجد القصيدة فاعلة في نفسي تدفع بشعوري نحو أفق مطلق يمنحني طاقة التجدد والتفاعل مع اللغة والجمال في آن واحد، خذ على سبيل المثال انني ومنذ بداياتي الشعرية والى اللحظة هذه انبهر حين اقرأ لمظفر (حسن الشموس)، (ابن ديرتنه حمد)، (حرز) وغيرها، كذلك الحال مع أية قصيدة مليئة بكيمياء الشعور.
* كيف تنظر الى الشكل والصورة في القصيدة من الناحية الفنية/ الجمالية؟
- الشكل هيكل عام تتداخل فيه عوالم كثيرة الصورة، الايقاع، الايحاء واشياء كثيرة، والشاعر كما اعرف هو الكائن المعرفي الممسك بمهارات اشتغالية تعينه على خلق الجمال نفسه، اعني ان يكون حاذقاً عارفاً بتوظيف الجمال داخل قفص الشكل، وعلى حد فهم (ييتس) بان (الشعر هو دم وخيال وفكر تتدفق معاً).. لكن من يقف وراء كل هذا الدفق؟؟ انه الشاعر دون غيره.
* ماذا عن الموقف النقدي في الشعر الشعبي العراقي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً؟
- اجد ان من بين ابرز المشكلات التي واجهت الشعر الشعبي العراقي هو النقد، فهو حاجة ماسة للشعر، وان لم يتحقق وجود متن نقدي يرافق المتن الشعري يبقى المشهد مشوشاً او بالاحرى يضيع حابله بنابله، ففي قناعاتي ان الشاعر الذي لا يتوفر على رؤيا نقدية جاهلاً في الشعر نفسه، وهنا اعود معك لتجربتنا السبعينية وكيف رحنا نلتهم دراسات نقدية مهمة كـ(الشعر والتجربة) و(مبادىء النقد الادبي) فتكونت في الرؤية الشعرية رؤية نقدية وكتبنا ان لم أقل دراسات فهي انطباعات ونشرنا محاولاتنا التي لاقت صدى طيباً، انني اجدك المقصر في هذا الجانب لانك اهملت مخطوطتك القيمة (الشعر الشعبي العراقي الحديث- حدود اللون والتجربة) مع ان فصلاً منها نشرت على صفحات "طريق الشعب" لكن لو صدرت كتاباً لاختلف الأمر كثيراً.
ان العديد ممن سموها دراسات اقرأ نماذجاً منها هنا وهناك هذه الايام للأسف الشديد لا تتعدى حدود الهذيانات والرطانة المبنية على الايقاعات الاخوانية والمجاملات.
ان العديد من الدراسات المهمة اطلعنا عليها في السبعينيات لطه السامرائي وشريف الربيعي وسعدي السماوي.
* الا ترى ان ثمة تراجعاً في جماليات القصيدة الشعبية الحديثة في الوقت الحاضر؟
- انا اسأل ايضاً.. كيف يمكن لي ان اعثر على الجمال وسط هذا الكم الهائل من الخراب المخيف الذي تتبناه وسائل الاعلام وهي تنشر وتبث المهرجانات الخاوية البائسة التي تتخذ من محبتها للعراق شماعة تعلق عليها سذاجة الخطاب اللاشعري، لكن الشاعر الحقيق الذي يحرص على ادامة معرفته ورهافة حسه هو الوحيد الذي يمسك بالجمال لأنه من نتاج الجمال نفسه.
* على طول مسار التحديث في الشعر الشعبي.. هل حصل هذا بفعل عوامل ثقافية وروحية ومواهب مغايرة ام انك ترى غير ذلك؟
- بالتأكيد هذه الحلقات ارتبطت ببعضها فكانت الحداثة حصيلتها، ما قبل الحداثة كانت هناك مواهب على الرغم من بساطتها الا انها تمكنت من البوح باشياء جميلة في الشعر كما في الحاج زاير (ابومعيشي)، الملا عبود الكرخي مثلاً لو سألتني شخصياً عن رأيي في كتاباته ستجدني لا استسيغه حيث تغلب سخرية فيها من السذاجة والفجاجة الكثير على العكس من الحاج زاير الذي تتوفر موالاته على غنائيات باذخة وصور مدهشة.
* اللهجة واللغة المدينية.. تراوح القصيدة الشعبية بينهما.. هل تكمن السرية الجمالية في هذه المراوحة؟ ام ان تجاوزاً يفترض ان يحصل؟
- في رأيي ان هناك عاملان يقفان وراء هذه المراوحة كما اسميتها، هما البيئة زائداً ثقافة الشاعر، خذ مثلاً تجربة طارق ياسين او حتى كريم محمد تجد في قصائدهما مايرقى للفصحى لما اسهمت به لهجتهما البغدادية والتي هي مدينية ان لم تكن بمصافها وهذا يحسب عليهما على العكس من النواب الذي هو الاخر ابن مدينة لكنه امسك بلهجة الجنوب التي وجد فيها مفتاحه لتحديث القصيدة الشعبية وهذا ما عرفته منه شخصياً باحدى لقاءاتي به في دمشق، اما عن التجاوز فهذه مهمة اخرى لها علاقة بزمن الشعر، والشعبي خاصة حيث ان الشعبية تتعرض الكثير من مفرداتها للانسلاخ وينتفي حتى تداولها وهذا ما اشار اليه الراحل عزيز السماوي في حوار نشرته الراصد اواسط السبعينيات، وهنا لابد من التجاوز، والذي اعنيه التخطي والخلق، فعلى سبيل المثال هناك مفردات استخدمتها في بداياتي الشعرية اجدها الان قد انحسرت وما عادت ملائمة لاستخدامها.
* في (عرس الماي) كانت التجربة حادة ومواجهة، الا انها اغفلت شرارات ابداعية من تجربتكم، هل من تعليل لذلك؟
- هذا له علاقة بطريقة اختياري للنصوص التي اخترتها من ثلاث مخطوطات وكنت راضياً جداً عما فعلت ولربما اجبت بصراحة عن سؤال مماثل اجراه معي الصديق الشاعر والأعلامي حسام السراي نشر في صحيفة الاهالي وتلاقفته العديد من المواقع الالكترونية قلت بصراحة واضحة انني قررت الرد على موجة السائد في الساحة الشعرية، ولا اخفي سراً اذا قلت ان العديد من الطارئين اثاروا لغطاً غبياً اذ حسبوني صحفياً وفقط، وهذا من حقهم لأنهم في واد والشعر في آخر.
* بعد تباعد مفروض، التقيت الشاعر الكبير مظفر النواب، ارجو الحديث عن مدهشات هذا اللقاء؟
- بما انه كبير فلابد ان يكون مليئاً بالمدهشات، التقيت النواب لحد الآن خمس مرات على ما اتذكر، في اللقاء الاول بعد سقوط نظام صدام مباشرة وجدته وكأنه يعرفني منذ زمن طويل فتأكد لي ما جاء في رسالته للشاعر علي الشباني العام 2001 يخصني بالسلام دون ان يكون قد رآني او التقاني وجاء فيها (نتحدث كثيراً عنك وعن العزيز كاظم غيلان.. لم التقه لم أره لكنني احس بانني احبه منذ زمن طويل) اما ما ادهشني حقاً قوة ذاكرته واصغائه للآخر، في اللقاء الثاني حملني العديد من الاصدقاء اهداءات اصداراتهم اليه ومن جملتها قصيدة لك مهداة له منشورة في (الف باء اليوم) فقرأها كاملة، ناهيك عن بساطته وتواضعه الكبير، انه في هذا العمر ويتحدث متذكراً بدقة ايام تجربة الاهوار (الكفاح المسلح) بكامل تفاصيلها وكأنه يعيشها الآن.
* (اغاني البيوت العراقية) تجربة مشتركة لم يحالفها الحظ في الظهور.. أين تكمن مشتركاتها الضرورية؟ ولماذا تعطلت؟
- ابرز المشتركات الضرورية كانت ممثلة بتقارب شخصياتها على المستويين الابداعي والفكري، كان المشاركون بها بالاضافة لكلينا الشاعرين رياض النعماني ورحيم الغالبي (الذي وضع عنوانها) بينما وضع رسومها الداخلية الفنان قاسم الساعدي، وعلى ما اتذكر راجعتها للمرة الاخيرة مع رياض في السنتر البريطاني (مقهى كان على مقربة من كلية الفنون الجميلة) لكن لا ادري اين حل بها الدهر، حتى انني سألت قاسم عنها بعد عودته لبغداد فور سقوط النظام، انها اختفت ولا اقول تعطلت.
* الاغنية السبعينية.. قامت على عناصر ابداعية وكانت تجربة كبيرة. ما الذي حصل في تحولات الاغنية الآن بحيث لا يمكن ان نصفها بوصف ابداعي؟
- الاغنية السبعينية متطابقة في عناصرها الابداعية الى حد ما مع القصيدة الشعبية السبعينية، كانت قائمة على نصوص كبيرة ترافقها تجارب حديثة في اللحنية العراقية لتنطلق باصوات غنائية كبيرة، الآن افتقدت لهذه المقومات التي من شانها ان تنهض بالمنجز الغنائي، وبدأ التراجع واضحاً مع بداية الحرب مع ايران وانتهاك مؤسسة للشباب سيئة الصيت لها والتي ابقتها بمنأى عن الوصف الابداعي.
* كيف تفسر /الموقف الابداعي/ الذي يبديه البعض من المثقفين ضد شرعية وفاعلية حضور القصيدة الشعبية الحديثة؟
- ان كان هذا الموقف ناجماً عما يرونه عبر الفضائيات من مهرجانات خاوية فاعلن من جانبي تضامني المطلق معهم، اما اذا كان على العكس من هذا فلربما للحساسية القديمة مسبباتها وجذورها واطلقت قرارها المضحك في ظل مؤسسة ثقافة النظام الشمولي تحت ذريعة ما سمي وقتها بقانون سلامة اللغة العربية، أنظمة الحكم القومانچية هكذا تفكر خاصة في التجربة العراقية.
* أين تكمن عناصر التوصيل في القصيدة الشعبية بعد حذف هامش الصراخ الذي يمارسه البعض؟
- انت تقول الصراخ وهذا يعني المهرجانات التي أشرت لها في اجابة سابقة فمع انتهاء هذه الظاهرة لابد وان تتأسس ذائقة جديدة الا ان ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً وستصل القصيدة بمضامينها الوجدانية والجمالية بكامل الهدوء وستشعر المؤسسة الاعلامية بما ارتكبته من خزي.
* هل استجابت القصيدة الشعبية العراقية منذ انطلاقها والى يومنا هذا لتحولات الحداثة؟
- المشكلة في رأيي تكمن في طبيعة فهمنا للحداثة، فالبعض وللأسف الشديد يفهم الحداثة في الشعر على أنها عملية التحرر من الشكل القديم وهذا عيب كبير، الحداثة كما افهمها تكمن في المضامين التي جاءت بها القصيدة الشعبية الحديثة ولقد استجابت للتحولات ونتأكد اكثر حين نراجع العديد من نماذجها، لنقرأ (خسارة) علي الشباني المكتوبة نهاية الستينيات والتي اقتربت الى حد ما من البناء والمضمون العنقوديين، اذن الاستجابة واردة وواضحة لكن لا يمكن الوصول اليها او ان نستدل عليها دون وعي.
* ماذا بعد /عرس الماي/؟
- اجبت في سؤال سابق عما احتفظ به، لي مجموعتين ما بعد عرس الماي وانا على ثقة من ان الصدى سيكون اكثر من الذي حصل بعد صدور عرس الماي.
* المرأة/ الحياة/ الوطن/ الاصدقاء/ السفر/ الكآبة التي فيك/ الشهداء/ البيت/ هل من توصيف يوحد هذه المعاناة؟
- هذا ما يجيب عليه الآخر، لأنني غير معني تماماً في وصف نفسي لأن مرآتي تكمن في الآخر.
* قصيدة /نثر شعبية/ لا اجد تأسيساً ذا اهمية في هذا الاشتغال.. هل ترى عكس ذلك؟
- هذا المصطلح فيه الكثير من المبالغة، قرأت هنا وهنالك مثل هكذا ادعاءات الا انني أقف بالضد منها لأنني اعرف ما هي قصيدة النثر، كتبتها ونشرت نماذجاً منها في صحف عراقية وعالمية كـ(السعي ورائي) و(كائنات مؤجلة) نشرتا في العرب اللندنية، البعض يفهم قصيدة النثر بمجرد الخروج عن الوزن والقافية وهذا فهم خاطىء، القصيدة الشعبية لا تحتمل مثل هذا، حتى في المقاطع التي تخللت مطولة مظفر (حجام البريس) اقتربت من التدوير اكثر من النثر، لكن هناك محاولات لرياض النعماني اطلعت عليها كانت حقاً قصائد نثر وقد اتفق مع رأيي هذا المفكر الراحل محمد مبارك.
* ما هي ملامح القصيدة الشعبية الحديثة في المنفى؟
- ليس ثمة ملامح تنفصل عما نكتبه في الوطن باستثناء عنصر اللغة وهذا ما حصل بحكم تعدد اللهجات كما هو واضح في قصائد كامل الركابي التي تقترب من المحكي وتلامسه بوضوح، اما المضامين فمعظمها تبوح بحجم الوجع والخسارات، تجربة المنفى قاسية جداً ولذا تجدها مريرة في معظم الكتابات.



#ريسان_الخزعلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (عرس الماي) الشعر في ارتفاع النهار 3-3
- عرس الماي..الشعر في ارتفاع النهار2_3
- الشاعر والأعلامي - يوسف المحمداوي- وحرية الكتابة
- عرس الماي الشعر في ارتفاع النهار (1_3)


المزيد.....




- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريسان الخزعلي - حوار العمرمع الشاعر كاظم غيلان :مظفر النواب كان صاحب الكشف الاول الذي مهد لنا الكتابة الحديثة