شكّلت أنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة نقطة تحوّل تاريخية في مسيرة النضال التحرري والنهج الوطني والثوري العربي، حيث أضاءت شعلتها الثورية ديجور وظلمات الليل العربي الطويل، بعد أن منيت الأنظمة العربية بالعديد من النكبات والهزائم وسيطر الياس والتردد عليها، جاءت شعلة الفتح في 1/1/ 1965 لتعبّر عن إنطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني في أول عمل عسكري ضدّ العدو لصهيوني حمل توقيع العاصفة، فكان البيان رقم واحد بعد أن سبقته الإنطلاقة السياسية لحركة فتح قبل ذلك بسنوات ففي العام 1958 إنطلقت شرارة الفتح معبّرة عن رفضها لروح الإنهزام واليأس والخنوع لدى الأنظمة العربية مشكلة دافعاً ومنبراً ثورياً لأوسع حركة تحرر وطني في الوطن العربي، تأخذ الطابع الفلسطيني، بعد أن كان الجهد الوطني والثوري الفلسطيني موزعاً على أحزاب قومية وأممية ودينية أعطت جلّ وقتها لإثبات صحة أيدولوجيتها مهملة واجب الدفاع عن كرامة الامة العربية و تحرير فلسطين، مما جعل الجماهير العربية بشكل عام والفلسطينيةبشكل خاص تشعر بالإحباط من هذه الأنظمة العربية التي مارست القمع ضدّ شعوبها وتساهلت في تصدّيها للمشروع الإستعماري الإمبريالي الصهيوني على المنطقة برمتها من خلال زرع الكيان الإستعماري الصهيوني في فلسطين ودعمه وتقويته على محيطه العربي. ليشكل القاعدة الاستعمارية الاولى في المنطقة , وعامل توتر وعدم استقرار في المنطقة , ولافشال كافة المحاولات الوحدوية والمناهضة للاستعمار ولاستعباد ونهب ثروات المنطقة .
تولّد لدى الجماهير العربية والفلسطينية الشعور بالإحباط من المنظمات والاحزاب التي انتمى اليهاوالتي حملت الطابع الديني والقومي والأممي والتي رفعت شعارات كبيرة دون السعي إلى تحقيقهابل0 تلهت بطرح أيدولوجيات وأفكار نقلتها كما هي من بلدانها رغم أنّها تختلف بطبيعتها وبأسلوب نضالها وظروفها عن ظروفنا كعرب وفلسطينيين، بزغ فجر الفتح طارحاً فكراً ثورياً في إطار تنظيم، يلبّي حاجات وطموحات وتطلعات الجماهير الفلسطينية والعربية مشركة إيّاها في معركة التحرير واعادة الاعتبار والكرامة للانسان العربي، معركة الدفاع عن الحق العربي والحق الفلسطيني في أرضه، التي دنّستها الصهيونية العالمية من خلال قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في العام 1948 بعد طرد أهلها وسكّانها، وتنفيذ أبشع الجرائم والمجازر ضدهم من قبل العصابلت الصهيونية المدعومة من الاستعمار واذنابه، تجسّد الفكر الثوري الفلسطيني المقاوم في معركة الكرامة عام 1968 عندما تصدّى 300 مقاتل فلسطيني وبمؤازرة وطنية أردنية من بعض ضبّاط سلاح المدفعية وعلى رأسهم الضابط القائد (مشهور حديثه)، إستطاعت المقاومة الفلسطينية بمقاتليها القليلي العدد المزودين ببنادق خفيفة وبعض المتفجرات من دحر جحافل قوات الإحتلال الصهيوني وتكبيده الخسائر الكبيرة , في الكرامة إنتصر فكر الثورة والمقاومة وعنفوان الرجال المدافعين عن حقهم وعن كرامة أمتهم التي إستكانت زعاماتها وأنظمتها لذل العار والهزيمة خوفا على مناصبهم وكراسي حكمهم. شكّل إنتصار الكرامة عامل نهوض للجماهير العربية التي نفضت غبار الهزائم والنكبات عنها، لتلتحم بمقاتلي الثورة الفلسطينية وبمقاتلي الفتح المعبرين عن طموحاتهم وعن اهدافهم الوطنية في التحرير واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس بعد طرد الاحتلال وكنسه من ارض فلسطين ، هذا ما أقلق العديد من الأنظمة العربية التي سارعت إلى محاولات وقف حالة النهوض الثوري، والتشويش على فكر ومسيرة الفتح , وقد أنتجت مزارع الفكر التآمري الرجعي العربي معوقات وتدخلات في الشأن الثوري الفلسطيني معتقدةً أنه يمكنها ضبط المد الثوري وحرفه عن هدفه الكامن في مقارعة الإحتلال الصهيوني وضرب المشروع الإمبريالي الأمريكي، وقد ترسّخت قناعة الثورة والنصر في عقول ووجدان أبناء الفتح، وإتجهت أنظارهم وبنادقهم بإتجاه العدو الصهيوني المحتل والغاصب لأرض فلسطين، ولكرامة ومقداسات الأمتين العربية والإسلامية، لكن هذا أيضاً لم يرق للكثير من الأنظمة المرتبطة بالإستعمار والتي رهنت حالها وضميرها ومستقبلها السياسي ومستقبل شعوبها بيد الإستعمار، بعد أن فقدت وطنيتها وكرامتها من خلال تعاونها وإرتباطها بقوى الإستعمار والإمبريالية ومساعدتها في إستعمار وإستعباد الشعوب. كانت فتح بقواعدها التنظيمية والجماهيرية والنقابية تدرك أن معركة التحرير هي معركة الجماهير ومعركة جميع قوى وقطاعات الشعب المتضررة من الإحتلال والإستعمار والإستيطان الصهيوني،فانطلقت فتح حركة ثورية جماهيرية ضمّت في إطارها جميع قطاعات وشرائح الجتمع الفلسطيني، ضاربة جذورها وعلاقاتها الوطنية والثورية مع قوى التحرر العربية، وقوى التحرر العالمية المناهضة للإستعمار والظلم والعدوان المؤمنة بحرية الشعوب وحقّها في تقرير مصيرها، وحظيت الفتح بتأييد دولي كبير وبتعاطف شعبي واسع وأصبحت الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في جميع المحافل الدولية والعربية وبأعلى المستويات السياسية بعد ان قدمت الفتح والثورة الفلسطنية مئات الالاف من الشهداء والاسرى والجرحى وقدمت خيرة ابنائها وقادتها شهداء، وتكرّست منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده رغم المحاولات الكثيرة للقضاء على الثورة وعلى استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وتصدّت الثورة الفلسطينية لجميع المشاريع المشبوهة وأفشلتها، وكان لها شرف مواجهة العدو الصهيوني في الكثير من المواقع وسجّلت إنتصارات عليه ففي العام 1978 ألحقت بالعدو خسائر فادحة وصمدت في العام 1982 في وجه الجحافل الصهيونية وآلة حربه الإجرامية المتطورة التي غزى بها لبنان ونقلت الثورة الفلسطينية الصراع إلى أرض الصراع فلسطين وذلك بحنكة القيادة الفلسطينية وحنكة القائد الرئيس أبو عمار الذي سؤل وهو يغادر بيروت إلى أين يا أبا عمار فقال إلى فلسطين إلى فلسطين . يدور اليوم الصراع حيث يجب أن يكون فوق أرض فلسطينمن اجل الحرية والاستقلال , تدور المعركة الحقيقية التي تخاض بابناء الشعب الفلسطيني ومن كافة الشرائح ومن مختلف المشارب السياسية, يتصدر رجالات الثورة وأبطال الفتح وجماهير فلسطين معركة البطولة والشهادة والفداء والصمود مستمدين الصمود والعنفوان من صمود الرئيس أبو عمار المحاصر في مقره في رام الله والذي يأبى أن يتراجع أو يتنازل عن الثوابت الفلسطينية، هذه الثوابت التي يجمع عليها كل شعبنا والتي لا يمكن أن يكون هناك سلام أو استقرار في المنطقة دون أن تتحقق , وفي المقدمة منها قيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين، عندما أطلق آباؤنا الرصاصة الأولى كانوا يدركون المخاطر والصعاب التي ستواجه مسيرة التحرير واليوم الأبناء والأحفاد يقاومون بالحجر وبالإرادة والصمود وبتشبثهم بأرضهم , وهم مستعدون لحمل السلاح ومقارعة العدو الصهيوني حتى تحقيق أهدافهم وثوابتهم الوطنية، فالثورة جيل يسلم الراية للجيل الذي يليه ولا يمكن إلاّ أن يتحقق النصر للشعوب في النهاية على قوى الشر والإستعمار والإرهاب، ولا بد للضحية من التغلّب على الجلاّد، فليل الإستعمار والإستيطان والإحتلال إلى زوال وصبح النصر والتحرير والدولة المستقلة وإنتصار الشعوب قادم لا محاله.