|
أطياف ماركس وأشباه هتلر
إبراهيم الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 2466 - 2008 / 11 / 15 - 03:56
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ـ 1 ـ عمل المال طوال التاريخ على اضطهاد كافة الناس تقريباً بطريقة واحدة من طريقتين : إما كان وفيراً ولا يمكن الاعتماد عليه ، وإما جديرا بالاعتماد ولكنه شحيح جداً . " جون جالبريث " ضربت الأزمة المالية ـ أكتوبر 2008 ـ الرأسمالية العالمية ، في مراكزها ، الولايات المتحدة الأمريكية أوربا اليابان ، ضربة موجعة شديدة ، تكاد تعصف بالرأسمالية كنمط إنتاج سائد ومهيمن ومنظم للعلاقات بين البشر على الكرة الأرضية ، تهاوت بنوك كبيرة وأفلست شركات عملاقة وانهارت البورصات العالمية في مراكز النظام أعقبه انهيارات مدوية في أطرافه ، أسيا والخليج والشرق الأوسط ، بين عشية وضحاها صارت رموز المال والاقتصاد ليست على حافة جب بل في قاعه ، وضربت فوضى الرأسمالية أطنابها في كل بقاع الأرض ، ويخشى كاتب هذا المقال استدراجنا ـ نحن الاشتراكيين ـ إلى الكينزية وتعظيم رأسمالية الدولة ، لنساهم ، ولو بقدر ، في تجاوز الرأسمالية العالمية أزمتها الخانقة ، وعلينا تحديد موقفنا بدقة ووضوح ، ينسجم مع قناعتنا الاشتراكية بتلاشي الدولة ـ كجهاز قمع طبقي ـ تمهيدا لزوالها ، نقدم خطاب المقهورين والمستغلين والمهمشين لا خطاب الطبقات الوسطى ـ البيروقراطية والتكنوقراط ـ بمعنى أدق خطاب الطبقات الدنيا ، وقد تبين أن السوق الحرة وهوس الربح بلا كوابح يقود الرأسمالية إلى تعميق أزمتها البنيوية ، ولعلنا ـ هنا ـ نستعيد سؤالنا في مقال سبتمبر وجه من العولمة : ما مصير الإنسانية في ظل الرأسمالية ؟ ويسترد للتساؤل عن اتجاه التغيير الرئيسي قوته وبهائه ، في المراكز أم الأطراف ؟ في المتن أم الهامش ؟ وتستعيد نظرية التغيير في ومن المراكز صفائها وقوتها وشرعيتها ، فتداعي المراكز يقود تلقائيا إلى تداعي الأطراف ، لن نشمت أو نفرح ، لن نحزن أو نتأسى ، لنتأمل ونتدبر وندرس اللحظة الحرجة والمفصلية التي تمر بها البشرية ، بين التقدم إلى الاشتراكية أو البقاء في أسن الرأسمالية ، وما موقع الديمقراطية في هذه اللحظة ، انطلاقا من أن الديمقراطية والتعددية والتنوع وحق الاختلاف انجاز بشري ، نشأ ويتطور ، طوال القرن التاسع عشر والعشرين وما يزال ، في خضم نضالات القوى الاجتماعية المتباينة ، وليست هبة رأسمالية تقدمها للبشرية ، ولكن علينا أن نميز بين ديمقراطية برجوازية شكلانية تحد من حرية الإنسان ، وديمقراطية اجتماعية يجب أن توسع وتعمق وتطور حرية الإنسان ، فالاستبداد تحت أي لافتة ، إعادة إنتاج للتشوه وعدم الاتساق : الاستغلال التفاوت الاستلاب الاغتراب والتطور اللامتكافئ ، لنستفيد من تجربة الثورة الاشتراكية الأولى ، فالاستبداد كان كعب أخيل الذي هوى بالثورة الاشتراكية الأولى إلى حضيض الرأسمالية ، إن مأساة الاشتراكية هي البيروقراطية جرذ البشرية الذي يقرض حلمها بالحرية والعدل والمساواة " بالاشتراكية " الذي ينهب ويكنز فائض القيمة دون إعادة إنتاجه ، لهذا فالدعوة إلى تدخل الدولة في ضبط مسار الأزمة ، هو خروج عن آليات السوق والعرض والطلب ؟ أم خروج عن آليات الدولة ؟ أم دمج بين آليات السوق وآليات الدولة لتلطيف حدت الأزمة ؟ هل عودة إلى رأسمالية الدولة القابضة المهيمنة على مجمل النشاط الإنساني ؟ هل عودة لتطل البيروقراطية ـ قوارض عمل الإنسان ـ برأسها ، لتقدم نفسها طوق نجاة للرأسمالية كنمط إنتاج وأسلوب حياة ؟ إن البشرية تقف الآن وبحق ، في مفترق طرق : بين الاستمرار في مشروع النيو ليبرالية ( طريق اللي يروح ما يرجعش ) وبين مشروع رأسمالية الدولة ( طريق الندامة ) وبين أن تتقدم القوى الاشتراكية ـ وبالتحديد في مراكز الرأسمالية ـ بخطي برنامجية ترسم مستقبل للبشرية ينهض على الديمقراطية والاشتراكية " الحرية والعدل الاجتماعي والمساواة " ولكن يبدو أن دعاة النيو ليبرالية يتوارون خجلا هذه الأيام ، ويفسحون الطريق للكينزية ودعاة رأسمالية الدولة ، وكثير منهم يلتحقون برأسمالية الدولة ، ويدعون الدول إلى تقديم أموال دافعي الضرائب لدعم المؤسسات الرأسمالية المنهارة والتي على وشك الانهيار ، ومن هنا ـ في تقديري ـ سوف يتأجج الصراع في الفترة القادمة ، بين الاشتراكيين وسارقي شعارات الاشتراكية رأسماليو الدولة ، سوف تتمترس شرائح عديدة خلف رأسمالية الدولة ، وربما تنجب نازية أو فاشية جديدة ( هتلر أو موسوليني وربما ستالين آخر ) وحربا عالمية جديدة لا يعلم أحد أين يكون مسرحها . جوهر الأزمة : لقد خرجت الأموال عن مسارها الطبيعي باعتبارها رمزا تجريديا مكثفا للسلع ، وأصبح لها حياة مستقلة بعيدا عن الاقتصاد العيني ، تتكاثر وتتوالد واكتسبت خصائص السلعة ـ القيمة النفعية والتبادلية معا ـ وقفز النمو المالي بعيدا عن الثورة التكنولوجية والمعلوماتية ، طبع أوراق البنكنوت الدولارية التي حلت محل الذهب سبعينيات القرن العشرين وبطاقات الإتمان والسندات البنكية ومشتقات الاستثمار المالي والتوسع في الإقراض وتداول الديون ، وأصبح العالم كازينو للمقامرة والمضاربة ، والنقود لم تخرج بمفردها عن مسارها بل كان نهم الملكية ـ الذي لا يروي عطشا ـ وتوحش الأرباح والاكتناز وانتقال الرأسمالية إلى الإمبريالية ثم الإمبريالية العليا ، وذبول وتشوه المشروع الاشتراكي الذي سطت عليه البيروقراطية السوفيتية عوامل مشتركة مع عوامل أخرى ، لصعود النموذج الأمريكي بنمط إنتاجه الرأسمالي المعولم إلى مركز الوجود وجوهره ، فإذا كان رأس المال إله الرأسماليين ، صارت الإدارة الأمريكية ـ هذا العصر ـ نبي هذا الإله ورسوله إلى البشرية ، صارت المثل الأعلى ، وحلت محل الأنبياء في الفكر المثالي " الغيبي " ، وهذا المركز صار يتحكم في البني والأنساق والنظم في المراكز الأدنى ـ أوربا واليابان ـ والأطراف ـ العالم الثالث ـ يؤسس شرعية الطبقات العليا ، يمكنها من تحقيق وتثبيت وجودها ، إلى أن انفجرت الأزمة مصحوبة بانهيارات مدوية في مؤسسات المال الدولية ، امتدت إلى انكماش مزمن في الاقتصاد العيني قد يستغرق سنوات ، تزيل القداسة عن نمط الإنتاج الرأسمالي ، والكهانة عن المركز الأمريكي المهيمن ، تكشف نسبيته ومحدوديته ، تخلخل هيئاته وأركانه ، تثير الاضطراب والفوضى في أبنيته وأنساقه ، ويستعيد التساؤل قـوته عن مصـير الإنسانية في ظل الرأسمالية ؟ ويسعى قادة سياسيون ومفكرون برجوازيون وكتبة في أرجاء المعمورة إلى تثبيت ذاك النمط ، وهذا المركز ـ الذي يمنح ويمنع ـ إلى تجاوز الرأسمالية العالمية أزمتها باستدعاء كينز ، واستعارة التأميم وتدخل الدولة ككابح لحرية السوق انحرافا عن النيو ليبرالية ، التي طالما روجوها عبر أجهزتهم الثقافية والإعلامية ، باعتبارها نهاية التاريخ والانتصار الحاسم للرأسمالية ، وتغاضوا أو ترفعوا عن رؤية الأزمات التي كانت دورية ثم صارت أمراضا مزمنة ـ البطالة الركود التضخمي التناقض بين الاقتصاد الوهمي والاقتصاد العيني والتناقض الجوهري بين رأس المال وقوة العمل ـ لازمت نمط الإنتاج الرأسمالي تخللت مسامه وشرايينه .. سرطنته ، وتجاهلوا أزمة 1987 التي أفلتت منها بتخلي البيروقراطية السوفيتية عن رأسمالية الدولة والدولة القومية واندماجها في مشروع النيو ليبرالية الذي دشنته مارجريت تاتشر وتلقفه رونالد ريجان ، وبثت رأسمالية الدولة ـ البيروقراطية ـ تراكم الشعوب السوفيتية وحلفائها ، الدماء في أوردة الإمبريالية العليا ، وتربعت الإدارة الأمريكية منفردة عرش الكوكب ، هيئاته الاقتصادية ، مؤسساته السياسية ، أحلافه العسكرية ، حتي قيل : إذا عطست واشنطن أصيب العالم بالزكام . وهاهي أمريكا لا تعطس فحسب بل يداهمها السرطان في الاستثمارات المالية والحمى في الاستثمارات العينية ، التي تشهد تباطؤ في النمو سوف يتكاثف ويتضاعف وسوف يصيب العالم بأزمة ركودية تلقي بملايين البشر خارج سوق العمل وستنحدر الأجور إلى مستويات منخفضة وستقلل دول ـ إن لم تنسحب ـ من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة ، وقد تنخفض إعانات البطالة وربما يجد أصحاب المعاشات أنفسهم في العراء الاجتماعي فقد ذهبت مدخراتهم أدراج الرياح مع البنوك و شركات التأمين التي هوت ، وسوف تتفاقم المجاعات والأوبئة وحروب الخبز والمياه ولمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة جون شتاينبك وعناقيد الغضب . الاستبداد ورأس المال : شهد القرن العشرون نظما شمولية استبدادية ، ألمانيا النازية .. إيطاليا الفاشية .. إمبراطورية الدولة السوفيتية ، وقد تمكنت هذه الاتجاهات من السلطة في بلادها عقب أزمات رأسمالية ركودية دورية ، تبع كل أزمة حربا عالمية كبرى ، الأولى جاءت بالاشتراكيين الأمميين في الاتحاد السوفيتي ، وهبت ثورات اشتراكية في ألمانيا والمجر ، هزمت وأعدم قادتها ولوحقت وكوادرها ، وسطت البيروقراطية السوفيتية على الثورة الاشتراكية الأممية الأولى في العالم ، وجرى تصفية قادة الثورة بالنفي والاغتيال وإعدامات المحاكمات غير العادلة ، وتمكنت رأسمالية الدولة من الملكية في الإتحاد السوفيتي ، تنهب فائض القيمة وتكنزه ، تنهج نهج الاشتراكية الوطنية " الاشتراكية في بلد واحد " ، تستبد بالحزب والطبقة والأمة . " ذات مرة التقيت في المعرض الصناعي بالقاهرة بمواطن سوفيتي ، والبيرويسترويكا في ذراها ، سألته رأيه في البيروسترويكا ، قال : قبل البيروستريكا كنا نأكل ولا نتكلم .. وفي البيروسترويكا نتكلم ولا نأكل ، ثم قهقه ومضى " وعقب أزمة الثلاثينات الكبرى ، صعد إلى السلطة هتلر و موسوليني ، تحت شعارات الاشتراكية الوطنية ـ رأسمالية الدولة ـ ودفعت البشرية أرواح ملايين البشر في الحرب العالمية الثانية . وفي كلا التجربتين كان الاستبداد ورأسمالية الدولة والاشتراكية الوطنية ، وفي أزمة 1987 قدمت البيروقراطية السوفيتية الاتحاد السوفيتي ـ ذات نفسه ـ فداء للرأسمالية العالمية ، ويمكن ملاحظة نفس التكوينة السياسية والاقتصادية ، الاستبداد رأسمالية الدولة الاشتراكية الوطنية ، في كثير من حركات التحرر الوطني ستينات القرن العشرين ، التي صاحبتها اعتقالات تصفية جسدية تجويع تشريد وتصفية سياسية ، في ظل ملكية الدولة لقوى ووسائل الإنتاج هل للإنسان ـ عامل أو غير عامل ـ أي مساحه للاختيار .. للمبادرة .. للمخاطرة .. للتمرد .. للخروج عن السائد والمألوف ، إما هنا أو تموت جوعا ، إما ذاك أو تموت جوعا ، وهي خصائص أعتقد : لا تمت بصلة للاشتراكية بل تمت بوشائج عميقة لما قبل الاشتراكية ، لاستغلال قوة العمل .. لنهب ثروات الشعوب .. لقمع النشطاء السياسيين .. للرأسمالية التي تتخفى وراء بيروقراطيتها ، ورأسمالية الدولة حـل قهري لتجاوز الرأسمالية للأزمات الاقتصادية التي تنتابها من حين إلى أخر ، يصاحبه دائما استبداد سياسي وتضييق على الحريات وبطش وعنف ، الدولة هي التي تملك أدواته .
#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة
-
الفران والكلب - قصة قصيرة -
-
جدي
-
لسان النار
-
غروب - قصة قصيرة -
-
فرح - قصة قصيرة -
-
القوس -قصة قصيرة -
-
سفر - قصة قصيرة -
-
النخلة - قصة قصيرة -
-
العائلة - قصة قصيرة -
-
لهو
-
أفخاخ - نصوص -
-
فالس - قصة قصيرة -
-
النهار الذي غاب
-
جلسة ليست عائلية - قصة قصيرة -
-
الحدود - قصة قصيرة -
-
بيضة الصباح و المساء - قصة قصيرة -
-
الغائب - قصة قصيرة -
-
عرس
-
اللعبة (قصة قصيرة)
المزيد.....
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: معبر رفح لن يُفتح إذا تكررت -الفوضى- م
...
-
أمريكي ينتشل أجزاء من طائرة منكوبة تحطمت في نهر بواشنطن
-
كيم جونغ أون غاضب ويحاسِب.. إقالة عشرات المسؤولين تورّطوا في
...
-
واتساب يتصدّى لعملية تجسس واسعة استهدفت صحافيين وناشطين
-
الجيش الاسرائيلي يعلن تعرض قواته لإطلاق نار داخل سوريا
-
ترامب يتعهد بالحديث مع بوتين لإنهاء الصراع في أوكرانيا
-
ترامب: الأردن ومصر سيستقبلان سكانا من غزة
-
-الشبكة- يرصد أثر مشاهد تسليم أسرى الاحتلال على البريميرليغ
...
-
نادى الأسير يكشف عدد الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم السبت
-
ترامب يكرر تصريحه عن -تهجير- سكان من غزة إلى مصر والأردن
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|