منذ بداية شباط , تصاعد النقاش في مجلس الحكم العراقي حول بنود ( قانون الدولة للمرحلة الأنتقالية ) , وكلما اقترب الموعد الذي وضع كحد اقصى ( نهاية شباط ) لأنجازه , تضاربت التحليلات والتوقعات السياسية حول النقاط التي تم الأتفاق عليها , أو حول مايزال موضع تباين أو تقاطع بوجهات النظر بين اطراف اعضاء مجلس الحكم , خاصة حول طبيعة الصياغات النهائية التي من المفروض أن يتفق عليها بأطار بنود الأنتقالي التي تجاوزت بنوده الأربعين مادة . طبعا هذا ما كان يبدو على الأقل في تلافيف الخارطة الأعلامية حول الموضوع , لكن قطعا كانت هناك اسباب اخرى تسببت في تأخير الأتفاق أو الأنتهاء من مناقشة قانون ادارة الدولة المؤقت اهمها : موضوع الفيدرالية , والذي تم حله تقريبا بصيغة توفيقية من خلال ما أتفق عليه كصيغة الأسبوع الماضي , تقول ... ( العراق جمهورية فيدرالية , والأشارة بأن الفيدرالية ستقر بخصائص جغرافية وتأريخية , اضافة للأقرار بالوضع القائم في كردستان العراق منذ عام 91 , أي الأراضي التي كانت تدار من قبل حكومة اقليم كردستان ) , وقد تم تطمين القوميات الأخرى بتثبيت فقرة ( في الأنتقالي ) , تتحدث عن الحقوق الأدارية والثقافية للتركمان والكلدو اشوريين وغيرهم .... / اما الثاني فهو مازال موضع تجاذب , ونعني به موضوع دور الدين الأسلامي في صياغة الدستور والتشريعات الأخرى , حيث طرحت في اجتماع منتصف الأسبوع الماضي , مسودة صيغة حظيت تقريبا بموافقة ( أولية ) من قبل اغلبية الأعضاء في مجلس الحكم , تقول ....... (( الأسلام دين الدولة الرسمي , وهو مصدر اساسي من مصادر التشريع ... الخ )) , لكن في الأجتماع الذي تلاه , تراجع كل ممثلي القوى الأسلامية في المجلس بحجة أن هناك ضغوطات بدأت تمارس عليهم من الشارع الأسلامي وأعضائهم وجماهير الحوزة , وطالبوا بتغيير الصيغة لتكون ( ألأسلام هو المصدر الأساسي للتشريع , أي بأضافة < ألف ولام التعريف > ) , هنا يمكن رصد حالة توحد تيار الأسلام السياسي على هدف رئيسي , رغم تباين أو تقاطع أحزابه وقواه المختلفة حول مكاسب حزبية ضيقة , أو مواقع ونسب في السلطة السياسية القادمة , ... فمثلا نراه متفقا ومتجانسا حول مسألة (( الأسلام هو المصدر الأساسي )) , بمعنى التهيئة وتمهيد الطريق لأقامة نظام ودولة اسلامية في العراق القادم , حيث توحدت كل القوى الأسلامية وممثليها من السنة والشيعة , ومن داخل المجلس وخارجه على الصيغة السابقة , رغم تباينهم وعدم اتفاقهم حول مسألة الأنتخابات المباشرة , والتي كانت تعني فيما تعنيه من مكاسب ومواقع سياسية لهذه الجهة أو تلك على حساب الأخرى , ابتداء من الحزب الأسلامي العراقي والأتحاد الأسلامي الكردستاني وحزب الدعوة والمجلس الأعلى وجماعة الصدريين مرورا ببقية القوى والأحزاب الأسلامية الشيعية والسنية كما أشرنا مسبقا , (( وهذا يدعونا للتوقف امام اسلوب تفكير ... وكيفية فهم أو تحليل تيار الأسلامي لمفهوم وممارسة الديمقراطية أو النظام الديمقراطي لعراق المستقبل )) , ومدى تمسك هذا التيار في قناعاته الحقيقية , لأهمية الأعتماد على المصادر الأخرى التي تطالب بها القوى العلمانية لتكون مصادر أساسية ايضا للتشريع والدستور الدائم , في عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي , يتميز بالتنوع القومي والديني والطائفي , وليكون وطنا حقيقيا لجميع ابناءه . نعم وافقت القوى العلمانية على , .... ( تثبيت مبدأ ) الأقرار بالأسلام كدين رسمي للدولة العراقية , كحقيقة اكثرية جماهيرية مسلمة, على أن لا يعني ذلك , عدم الأعتماد أو رفض اقتباس صيغ حضارية اخرى لتشريعات وقوانيين الدولة العراقية القادمة , سواء من ( صيغ حضارية ولوائح قوانيين وتشريعات دولية ... الخ ) .
أهم اسباب تأخير اقرار القانون الأنتقالي : أن من اهم الأسباب الأخرى التي ادت الى تأخير الموافقة على القانون الأنتقالي , كانت بسبب المراهنة على مدى امكانية الضغط من اجل اجراء الأنتخابات قبل موعد تسليم السلطة للعراقيين في نهاية حزيران 2004 , هذا المطلب الذي تم وضعه بصيغة مطلب الأنتخابات المباشرة ... (( مطلب قوى تيار الأسلام الشيعي السياسي , لكن تم طرحه كمطلب اساسي على لسان المرجعية العليا المتمثلة بسماحة آية الله علي السيستاني )) بأطار التهديد احيانا , أو لما لهذه المرجعية من تأثيرفي الشارع العراقي الشيعي بشكل خاص . لكن رد الأمين العام أو التقرير الأممي في ... (( عدم امكانية أو صعوبة التهيئة لأنتخابات شرعية سليمة المنطلقات والنتائج , ذات تأثيرات ايجابية على الوضع العراقي قبل 30 حزيران )) , دفعت بالأطراف التي كانت تطالب بالأنتخابات المباشرة , لأثارة اشكالية اعتبار الأسلام كمصدر وحيد واساسي في التشريع , مقابل قبولها برأي الشرعية الدولية وتوصيات الأمين العام بتأجيل الأنتخابات لنهاية العام الحالي أو بداية 2005 , أي بمعنى أن تثبيت الحالة الأسلامية هو الهدف الرئيسي في تفكير واستراتيجية تيار الأسلام السياسي بشكل عام , واذا ما أنطلقنا في التحليل من هذه الزاوية التي لابد وان تقودنا الى استحقاق الأجابة على جوهر التساؤل الأهم .... هل كان هدف المطالبة باجراء انتخابات مباشرة قبل 30 حزيران ينطلق من رغبة صادقة , وبأطار قانوني متكامل , كهدف لتثبيت رغبة الجماهير العراقية بحرية ... وعن وعي وقناعة بعد اعطاءها فرصة الأطلاع على برامج الأحزاب والقوى السياسية الأخرى , خاصة العلمانية منها , وتصورات تلك القوى للعراق القادم سياسيا اجتماعيا اقتصاديا , وتهيئة الأجواء للمناقشة بأطار العقل الجمعي بأتجاه الصالح الوطني العام . أم ( سلق ) الأنتخابات في هذه الأجواء الملتهبة , ولغرض تجيير حالة التدين , بشكل غير مباشر اعتمادا على حالة التعاطف العفوي , خاصة بين جماهير المؤمنيين مع ما يطرحه تيار الأسلام السياسي .... < فمطلب الأنتخابات المباشرة مثلا > , رغم كل المبررات التي قدمت بأطار الأقناع انه مطلب جماهيري , لا يمكن تفسيره في مفهوم اللعبة الأنتخابية الا " كمزايدة سياسية " لمفهوم الممارسة الديمقراطية .... أو بشكل أوضح , مزايدة على القوى اليسارية والديمقراطية التي طالما اتخذت من مفهوم الديمقراطية والأنتخابات الجماهيرية سلاحا فكريا لأستقطاب الجماهير حول اطروحاتها وبرامجها السياسية. أضافة لكل ما طرحناه علينا عدم اغفال , ( مدى استفادة تيار الأسلام السياسي من عملية الأنتخابات المباشرة لو كانت قد جرت قبل 30 حزيران ) , حيث أن هناك حالة يمتلكها تيار الأسلام السياسي وقواه واحزابه , تفتقدها وتفتقر اليها الأطراف السياسية الأخرى ... ذلك هو الزحم والظرف الطبيعي والمساعد , المتوفر للتيار الأسلامي , والذي ( يمكن اعتباره ) حملات انتخابية مستمرة غير مباشرة منذ اليوم الأول لسقوط الدكتاتورية , فهناك عملية اقناع مستمر اسبوعيا أن لم نقل يوميا من خلال تجمعات المصليين , ومن خلال دور العبادة وخطباء المساجد والمناسبات الدينية التي تستقطب اعداد كبيرة من المواطنيين كحالة طبيعية لا تخضع لمناسبة أو موسم انتخابي معين , أو تهيئة برنامج انتخابي بتفاصيل محددة , بل يكفي أن يصدر توجيه من خطيب الجامع للخروج بمظاهرة بعد انتهاء الصلاة تردد شعار نعم للأنتخابات , أو نعم لقيادة المرجعية أو الحوزة , ليمكن تحويلها خلال مدة قصيرة الى فعالية جماهيرية ضخمة خدمة لمكاسب حزبية لهذا التيار أو حزب سياسي اسلامي معين . أخيرا , اعتقد أن كل ما طرحته لا يجيب الا على جزء من الأشكالية أو التساؤل المطروح في عنوان المقال , ولا يزال التساؤل الكبير قائما , عن مدى امكانية أقرار واضح خاصة من الأطراف الأسلامية , بضرورة العمل بصدق من اجل قيام كيان دولة ديمقراطية دولة المؤسسات القانونية ودستور حضاري , يتساوى فيه الجميع امام القانون , فنحن مازلنا في أول الطريق ... ولمجرد التساؤل ..... هل يمكن تصور كيف سيكون رد فعل هذه القوى على مطلب , فصل الدين عن الدولة , أو اعتماد المنهج العلماني , واحترام لائحة حقوق الأنسان , واعطاء الحق لتمثيل للنساء في البرلمان القادم بنسبة تتراوح مابين 30 الى 40 % , ووضع كل هذا وغيره في قانون الدولة للمرحلة الأنتقالية حاليا , ليمكن تثبيته لاحقا في الدستور الدائم , ترى .... كم من الأعضاء الممثلين لتيار الأسلام السياسي سيترك قاعة الأجتماع غاضبا محتجا, فيما لو تم الأتفاق بالأغلبية على مبدأ فصل الدين عن الدولة مثلا , كما حدث يوم الجمعة الماضي أثر التصويت بالأغلبية على الغاء القرار المجحف بحقوق المرأة العراقية رقم 137 ... وللحديث بقيــــة !!!