أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - علي الشهابي - الأزمة المالية الراهنة والندب على الماركسية















المزيد.....

الأزمة المالية الراهنة والندب على الماركسية


علي الشهابي

الحوار المتمدن-العدد: 2465 - 2008 / 11 / 14 - 06:30
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يكاد يجمع الاقتصاديون على أن الأزمة المالية ستفضي إلى ركود اقتصادي مديد. ومن المرجح ألاّ يقتصر الركود على البلدان الصناعية المتطورة، فقد يطال لاحقاً الصين وكل جنوب شرق آسيا (رسالة مدير صندوق النقد الدولي لصحيفة الحياة 23 أيلول/سبتمبر 2008). ولأنها بهذا العمق، توالت القمم واجتماعات وزراء المال في هذه البلدان، وستظل تتوالى لاتخاذ ما يلزم. وإن أمكن لهم تلافي الأزمة المالية، التي سيتم تلافيها أخيراً، فليس بمقدورهم تلافي الركود اللاحق.

لكنّ الإجراءات المقترحة للحل لا تعني أن الشمس أشرقت من الغرب. فمعظم الكتابات التي تتحدث عن كيفية «اضطرار» الدولة للتدخل لإنقاذ المصارف والمؤسسات المالية، وكيف أن هذا التدخل لا يتم إلا على حساب دافعي الضرائب من الفقراء، هذه الكتابات تخفي من الندب والولولة على الماركسية أكثر مما تظهر من تحليل رزين.

نعم لقد تدخلت الدولة لأن هذه إحدى وظائفها. وتدخلها ليس اضطراراً، إلا بقدر ما تكون الشرطة «مضطرة» للتدخل لدى حدوث مشاجرة كبيرة. وهذه الوظيفة ليست جديدة، بل هي قديمة قدم دولة اقتصاد السوق بعد آدم سميث، المعروف برفضه لتدخل الدولة بالمطلق. ففي هذه الدولة، كل القطاعات الإنتاجية والتجارية والخدمية ملكية خاصة. وعندما تكف إحدى القطاعات الضرورية للمجتمع، كسكك الحديد مثلاً أو المطارات، عن كونها رابحة لرأس المال تشتريها الدولة وتشغّلها لأن المجتمع لا يستغني عنها. وإن صدف وصارت رابحة تعاود بيعها للقطاع الخاص. هذه الحال تنطبق أيضاً على المصارف، طالما أن المجتمع لا يمكنه الاستغناء عنها. والدولة في الولايات المتحدة لم تبلغ حد التفكير بشراء المصارف، ناهيك عن شرائها فعلاً. فكل ما تحاول القيام به هو إقراض البنوك لتلافي عجزها المالي. هذا هو الوضع الطبيعي لعملها : «يد خفية»، بحسب المصطلح الكينزي.

من هذا الإجراء التدخلي للدولة، المؤقت بطبيعة الحال، نرى بعض الماركسيين يستنتجون ضرورة تملك الدولة للقطاعات الأساسية في المجتمع «لمنع حدوث مثل هذه الأزمات». هذه المطالبة، لو صدف أن تحققت، تنطوي على أزمة أكبر من الأزمة الحالية، لأنها «تكربج» كل البنية الاقتصادية في المجتمع. فهذه هي «الكربجة» التي عانى منها المجتمع السوفياتي، ولم تخلصه منها إلا ثورة سياسية بحجم البيريسترويكا.

يخشى الاقتصاديون من أن تتحول الأزمة الحالية إلى أزمة من نمط أزمة 1929 التي جرّت في أعقابها ركوداً اقتصادياً استمر حتى 1933. فتلك الأزمة عمّت العالم الرأسمالي كله، علماً بأن مدى الترابط بين البلدان الرأسمالية حينها كان واهياً مقارنة بالحاضر. ولأن هذه الأزمة انعكست على البلدان المختلفة بنسب مختلفة، يكفي أن نلاحظ كيف كانت في ألمانيا التي تضررت منها أشد الضرر، لكونها الأكثر تطوراً وبنفس الوقت لثقل ديونها الخارجية جرّاء صلح فرساي.

حاولت الحكومة حل الأزمة عن طريق طباعة الأوراق المالية، حتى بلغ التضخم أرقاماً فلكية استفاد منه جزئياً بعض الصناعيين وملاّك العقارات لتسديد قروضهم في البنوك. وشيئاً فشيئاً أقفلت أكثر من نصف المصانع الكبيرة، ليرتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 8 مليون عام 1932 مقارنة بـ3 مليون مطلع 1929. في هذه الأثناء كانت الجماهير تسعى إلى مخرج من الوضع القائم: حاول الشيوعيون دفع الشعب لإيجاد مخرج يساري عبر الاشتراكية، والنازيون باتجاه مخرج يميني عبر الفاشية. وبالنتيجة، انتصرت النازية وألغت البطالة نهائياً بتشغيلها العمال بالصناعات الحربية.

الأهم في هذا الموضوع، موضوع النقاش، ليس الاجراءات الاقتصادية والمالية التي اتبعتها الحكومة أو الحكومات آنذاك، بل سعي الجماهير إلى الخروج من الوضع الراهن؛ ليس في ألمانيا فحسب، بل في كل أوروبا التي برز فيها الفرنسيون والإسبان مثالاً ساطعاً على هذا السعي. قام العمال الفرنسيون باحتلال المصانع قبل فوز الجبهة الشعبية، واستقبلوا فوزها بالمزيد من هذه الاحتلالات. وفي إسبانيا تحرك الشعب منذ عام 1929 لإسقاط الملكية، وأقام الجمهورية قبل أن يشعل تمرد فرانكو شرارة الحرب الأهلية ويقضي على الجمهورية في 1939.

إذن، خلال هذه الأزمة والركود التي تلاها، كانت الجماهير الأوروبية تطمح إلى التغيير وتسعى إليه. وكان الشيوعيون يؤشرون لوجهته من منظورهم، حتى أن تروتسكي طرح شعاراً مركزياً لكل أوروبا «إما الفاشية وإما الشيوعية» لتنبيه البروليتاريا إلى ضرورة قيامها بالثورة الاشتراكية لأن زمن الديموقراطية البورجوازية قد ولّى. ولم يعد أمام المجتمعات الأوروبية إلا الديكتاتورية الفاشية أو الديكتاتورية البروليتارية، طالما أن «أسلاك الديموقراطية البورجوازية ما عادت قادرة على تحمل التوتر العالي للصراع الطبقي» (ليون تروتسكي «النضال ضد الفاشية في ألمانيا). هذا ما كانت عليه نفسية الجماهير، وهذا ما كان يفعله الماركسيون. أما في هذه الأزمة، فماذا يفعل المواطنون وما هو موقف الماركسيين؟

قد يفرّغ الأميركيون انفعالاتهم عبر كثافة التصويت في الانتخابات الرئاسية، ومن غير المستبعد أن يقوموا، هم وغيرهم ممن ستطالهم الأزمة، بأشكال مختلفة من الاحتجاج. لكنها ستكون احتجاجات سلبية (حتى لو كانت عنيفة) لأنها ردة فعل على الأزمة العميقة التي عضّتهم. وبما أنها ليست مدفوعة بطموح، أو بوهم، بناء نظام اجتماعي جديد، فستجد حلها في النهاية ضمن نفس النظام الذي احتجت فيه... لأنها احتجت فيه، وليس عليه. أما ما يفعله الماركسيون في الميدان، فإنهم يحاولون ضخ دمائهم التقليدية في «الجماهير» المعاصرة. ومثال ذلك «العمل الاشتراكي» التي تقول عن نفسها إنها «مجموعة متواجدة (كتنظيم) في كل الساحة الأميركية». وقد طرحت في 26 أيلول 2008 «برنامج عمل عمالي لمواجهة الأزمة الاقتصادية»، تطالب فيه قادة النقابات بدعوة النقابات والمنظمات الحليفة لها لعقد مؤتمر طارئ يقوم فيه ممثلو العمال بصياغة مجموعة مطالب، ويضعون استراتيجية لتحقيقها. وتعلن أنها ستحاول دفع هذا المؤتمر إلى تبني مجموعة مطالب، لعل أهمها:

- عدم تقديم أي قرش لأصحاب المصارف، وتأميم كل النظام المصرفي ووضعه تحت إشراف ضحايا الرأسمالية. وفتح دفاتر الرأسماليين لمعرفة المبالغ المسروقة أو المخبأة أو التي تم تبذيرها على حساب الشعب. فلتتحمل البنوك والشركات والطبقة الحاكمة ثمن هذه الأزمة كاملاً، لا العمال.

- ولأن الأزمة لا تقف عند حدود القطاع المالي، بل تتعداه لتفعل فعلها في الأزمات الصناعية والتضخم المالي الهائل، فهم يطالبون العمال بالسيطرة على المؤسسات الاحتكارية في الصناعة والمناجم والطاقة والنقل. كما يدعون إلى انتخاب لجان عمالية لإدارة هذه الصناعات، هؤلاء العمال الذين يمثلون الملايين ممن تلاشت مدّخراتهم، أو كادت، والذين اختفت وظائفهم وعنايتهم الصحية.

- أسبوع عمل من ثلاثين ساعة، دون نقص في الأجور. وسحب القوات من العراق وأفغانستان، وإنفاق التريليونات على الصحة والتعليم وبناء المدن الأميرك ية من الداخل، بدل إنفاقها على الحرب (ترجمة بتصرف طفيف لأهم فقرات البرنامج Socialist Action News/Sep.26-2008).

لا شك في أن هذه هي المطالب التقليدية للشيوعيين، ومن البديهي أنني أتمنى لهم التوفيق فيها لأننا كلنا نحلم بالعدالة والمساواة...إلخ. ولكن إن استفحلت الأزمة في الولايات المتحدة أو في غيرها من البلدان الصناعية، ولم تكترث الطبقة العاملة أو غالبية الشعب بهذه المطالب، فهل لهذا علاقة بصحة النظرية السياسية للماركسية أم لا؟ إن لم تكن لصحتها علاقة بهذه الأمور (أي بالوقائع النموذجية الكفيلة بإثبات صحتها، إن كانت صحيحة) فهي دين، يظل صحيحاً كيفما شرّقت الدنيا أو غربت.



#علي_الشهابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتصاد إسلامي في مواجهة الأزمة المالية!
- المنعطف في سياسة أوباما الخارجية
- نحن وإيران وتركيا
- نقاش مع -مشروع رؤية سياسية فلسطينية جديدة-
- باريس تشيّع برشلونة في المتوسط
- الديموقراطية المدنية رايتنا السياسية
- طريق الاستقرار في العراق
- إعلان دمشق والانعطاف المطلوب
- هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 4
- هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 3
- هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 2
- هدف الديموقرلطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً -1
- دفاعاً عن البيانوني وخدّام في وجه إعلان دمشق
- شمولية السياسة سياسة شمولية
- العمل السياسي في سوريا
- العمل السياسي في سوريا ..مجرد صورة
- بعيداً عن الأزمة الراهنة في سوريا
- تركيا تمهد الطريق أمام سوريا
- الطائفية و-المعارضة الوطنية الديموقراطية- في سوريا
- الاستحقاق السياسي للانتخابات اللبنانية: مطلوب من حزب الله


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - علي الشهابي - الأزمة المالية الراهنة والندب على الماركسية