عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 2465 - 2008 / 11 / 14 - 05:34
المحور:
مقابلات و حوارات
السؤال الأول: التلفزيون المغربي مسار انتكاسي بأثر رجعي منذ النشأة 1962 والى الآن. فعلى مدى 46 سنة من البث، لم يفلح هذا الأخير في تصدير منتوج فني واحد خارج الحدود..كيف تنظر كإعلامي إلى المشكلة، العقم، أم فشل سياسة، أم قصور لغة، أم ماذا؟
يحيى اليحياوي: المشكل منظومي بأكثر من زاوية. فهو يحيل على وظيفة الأداة, والأدوار التي تكفلت بها, بهذه الفترة الزمنية أو تلك. أزعم أن الدولة بالمغرب, لم تشد كثيرا عن الأطروحة العامة التي كانت سائدة بالعديد من دول العالم الثالث, بأعقاب تحررها واستقلالها, ومفادها أن الكل يجب أن يصب في سياق توطيد اللحمة الوطنية, وبناء الدولة الوطنية. فصيغت البرامج التربوية والتعليمية والإعلامية على هذا الأساس, وتكفلت التلفزة الواحدة والوحيدة, المركزية والرسمية بتمرير ما يمكن تسميته بإيديولوجيا بناء الوطن والدولة, وتم تكوين صحفيين وإعلاميين متشبعين بهذه "الروح".
من ناحية ثانية, فإن غياب التعددية وسيادة الرأي الواحد والحزب الواحد, في العديد من الدول, والمغرب لم يخرج كثيرا عن هذا الوضع, على الرغم من الادعاء بالعكس, جعل من التلفزة أداة بيد السلطة, تمرر من خلالها خطبها وتمثلها وتصورها, وتوظفها أيضا للنيل من معارضيها تنظيمات أو أفراد. الكل بالتالي كان مطبوعا بطابع "وطني", من الأخبار حتى الأغاني حتى البرامج حتى دروس الوعظ والإرشاد. إنها تلفزة غوبلز بامتياز, أعني جهازا ضمن جهاز, يبعث بالرسالة من فوق بصيغة الإلزامية والأبوية وما سواها.
التلفزة بالمغرب بقيت محكومة بهذا التصور منذ ستينات القرن الماضي, بدليل أنها كانت في الغالب الأعم كيانا مرتبطا بالقصر, أو بالداخلية, أو يقوم عليها, كما هو الحال اليوم, أناس مقربون ومعينون من أعلى سلطة بالبلاد. هذه الوضعية الشاذة, ولا تزال كذلك بكل المقاييس, قتلت الحرية والمبادرة والإبداع, وفسحت المجال للعديد من الطفيليات, التي عاثت ولا تزال, فسادا في القطاع, فباتت بالتالي عصية على الإصلاح بحكم غلبة الطبيعة والتطبع.
كيف تريد لتلفزة من هذا القبيل, أن تفرز الجودة, وهي منغلقة على الكفاءات, تتعامل بالزبونية, لا تعير كبير اعتبار للمتلقي, تدور في فلك لا علاقة له بالصورة في الجملة والتفصيل؟ كيف تريدها أن تنتج مواد وبرامج بالحد الأدنى من الجودة, ومعيار الجودة غير وارد بدفتر تحملاتها المادي والأخلاقي؟ كيف يمكن الحديث عن إمكانات إنتاج وتباهي بالجودة بالسوق الأجنبي, وهي بيئة طاردة لكل الكفاءات, والقائمون عليها لا يقدمون حسابا, ولا يكترثون بالرأي الآخر وبالنقد وبما سوى ذلك؟ إننا لا نملك التلفزة التي نستحق, والتلفزة لا تستحقنا إلى جانب ذلك.
إذا أضفت إلى كل ما سبق, الأجرام الماسخة التي انتشرت كالفطر, من قبيل الرياضية والرابعة والسادسة وغيرها, ستبرز لك المأساة بأبشع صورها. بالمحصلة الأولية إذن, يبدو لي أن لا خلاص من ذه الحالة بالمنظور من أيام.
السؤال الثاني: أخطاء العرب مع المطبعة يكررونها هنا والآن مع الإعلام الفضائي، إسهال في تخصيب الفضائيات، هيمنة الإعلام الدعوي، ونشوء الاباحي، هذه التناقضات كيف تلتقطها وكيف تبدو لك كخبير إعلامي ؟
يحيى اليحياوي: الطبيعة لا تقبل الفراغ, وقديما قال غريشام إن النقد (من النقود) السيء يطرد الجيد. بمعنى أن الطفرة التكنولوجية بميدان الإعلام والمعلومات والاتصال, أفرزت سبلا تقنية واسعة للتلفزيون, سيما عبر السواتل والألياف البصرية. اليوم بات كل من لديه بعض من المال, أن ينشئ لنفسه قناة فضائية, دون حسيب أو رقيب, يبث بها ومن خلالها ما يريد. قد يوظفها لإشاعة الميوعة والرداءة والعري, وقد يوظفها لتمرير إيديولوجية محددة, وقد يذهب لحد توظيفها لضرب هذا النظام أو المذهب أو الطائفة, أو ما سوى ذلك. ولك أن ترى ما برز من فضائيات بعد احتلال العراق, وترى أيضا الفضائيات الخليجية العديدة, التي "تدافع" على هذا الخط أو ذاك.
أتصور أن هذا الزخم الإعلامي هو, في جزء منه, نتاج الصدمة والانبهار, وتعبيرا عن واقع الهيمنة والاحتكار الذي ساد لعقود طويلة, فحال دون بعض الأفراد أو الجماعات ودون توفرها على منبر بالصوت والصورة, لأغراض دعوية, أو تجارية ربحية, أو ما سواها. فتحول الأمر إلى فوضى حقيقية وبكل المقاييس, لا نستطيع ضدها الشيء الكثير. لكني أتصور أنها امتداد لتمثل الإنسان العربي للآلة عموما, وللصورة بوجه خاص.
وبقدر ما لا نستطيع فعل الكثير ضد هذه الفضائيات, وغالبيتها يبث من الغرب, فإننا لا نستطيع أيضا القيام بشيء إزاء الثاوين خلفها. ما نستطيعه هو قول لا حول ولا قوة إلا بالله.
السؤال الثالث: هل تتابع قضية ميدي1 سات..كيف تقيم الوقائع والتحديات؟
يحيى اليحياوي: تجربة ميدي 1 سات هي نموذج فشل فضائية, بلغة أجنبية, موجهة لمنطقة من العالم, لخدمة أغراض محددة, وإحداها بالقطع الغرض اللغوي, وغرض ضمان الإشعاع الثقافي, لفرنسا تحديدا. روج ببداية الحديث عن إفلاس القناة, أن المشكل كامن في التسيير, وتمركز سلطة القرار بين يدي مدير عام متسلط, وغير منفتح على المبادرات. وروج أيضا أن خط القناة التحريري هو السبب, على اعتبار أن القناة هي بالأصل إخبارية وإلى حد ما وثائقية, وهو ما حال باعتقاد البعض دون تجذرها جماهيريا.
أزعم أن جزءا من السبب كامن فيما قيل وراج, لكن السبب الأساس كامن برأيي في فشل الفكرة ذاتها, فكرة القنوات الموجهة عموما, والموجهة للمغرب العربي تحديدا, حيث الماضي لا يزال حاضرا بقوة, واللغة الفرنسية ذاتها لم يعد لها نفس الوضع الاعتباري, الذي كان لها من ذي قبل. أتصور أن فهم إفلاس القناة يجب أن يسائل الفكرة قبلما يسائل المشروع أو الخط التحريري.
السؤال الرابع: السينما، برأيك، هل لها مستقبل..في ظل نغمة تحرير المجال الإعلامي بشقيه..وفي ظل نقلة نوعية خجولة للسمعي البصري بالمغرب؟
يحيى اليحياوي: أنا لست مهتما كثيرا بالمجال السينمائي من زاوية البحث, لكني من عشاق السينما من مدة طويلة. من هذا المنطلق, أتصور أنه باستثناء بعض الأفلام هنا وهناك, فالباقي لا يمت للسينما بصلة, لا من قريب ولا من بعيد. هو إشكال متأت من ندرة النصوص, وقلة كتاب السيناريو والمخرجين, وعدم توفر نخبة من الممثلين, لتأثيت ذلك. وهذه أمور معروفة ولا مجال للعودة لها, ومن يقول بغير ذلك فهو مكابر ومنافق ومزايد على الحقائق.
ماذا عسى تحرير المجال السمعي/البصري أن يقوم به في ظل بوار مجال السينما, وتحوله إلى حرفة لمن لا حرفة له؟ التلفزة رافد من روافد السينما, قد يسهم في الإنتاج وفي ترويج المنتوج, لكنه لا يستطيع أن يخلق لك صناعة أو ثقافة سينمائية. السينما حرفة, لكنها بالآن ذاته صناعة, واستثمارا. ولكي تزدهر, يجب توفير البنى التحتية والبشرية الكفيلة بذلك. هذا غير موجود عندنا, بدليل أن الغالبية تشتغل بإطار الهواية أو من باب البحث عن رغيف الخبز. هذا وضع مقزز.
من جهة أخرى, فعندما ترى بعض الكتاب والمخرجين (ومعظمهم جهلة ومرتزقون) يحاولون مؤخرا, فتح ملفات من تاريخ المغرب, والارتكاز عليها, لتصوير ما جرى بالمغرب بسنوات الرصاص مثلا, أتساءل مع نفسي: أين كان هؤلاء طيلة هذه المدة حتى يخرجوا علينا اليوم بكذا مشاريع؟
أقول بالواضح الصريح: ليس لدينا سينما لأنه ليس لدينا سينمائيين, وليس لدينا سينما لأنه ليس لدينا ثقافة سينمائية, كما هو الحال بمصر مثلا أو بالهند, دع عنك الأمريكان.
السؤال الخامس: الفضائيات العربية, هل هي عربية حقا؟ وهل بالإمكان الحديث عن استراتيجية للإعلام العربي الفضائي في ظل تناسل مرعب، وقنوات مفرد بصيغة الجمع؟
يحيى اليحياوي: قد نسلم بكونها عربية, بمقياس اللغة أو اللهجة المستعملة, أو على اعتبار الجهة المالكة لرأس المال, وبأحيان عديدة بالطاقم الذي يعمل بها, بصرف النظر عن المنطقة الجغرافية, مكان البث والإرسال. بهذه الزاوية, قد نعتبرها عربية, شأنها في ذلك شأن التي تبث بالأرضي أو على الكابل.
أما بزاوية طبيعة برامجها, ونوعية ما تقدم والجمهور المستهدف, فهي ليست كذلك بالمرة. إذ فوق أنها تقتل الإبداع وتميع الذوق العام وتخذر العقول, فهي أيضا بانفصام تام عن قضايا الأمة الكبرى, تماما كالحكام, هم في واد وشعوبهم في واد آخر.
أما عن استراتيجية الإعلام الفضائي العربي, فهي قائمة من مدة بجهة التضييق على حريات بعض الفضائيات, وقتل منسوب النقاش بداخلها, ولك أن تقرأ وثيقة الإعلام التي توافق بشأنها وزراء الإعلام العرب من كذا شهر بالقاهرة. انتهى
هامش : ورقة تعريفية بالدكتور يحيى اليحياوي
من مواليد يناير 1961 مدينة سيدي قاسم (غرب المغرب
خريج كلية الحقوق والاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط (سلك الماجستير)
خريج المدرسة الوطنية العليا للبريد والاتصالات والفضاء بباريس بدرجة متصرف
أستاذ التعليم العالي زائر سابقا بمدرسة علوم الإعلام بالرباط (مادة: اقتصاد الإعلام والشبكات)
أستاذ التعليم العالي زائر سابقا بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط (مادة: العولمة وقضايا الإنسان المعاصر)
أستاذ التعليم العالي زائر (حاليا) بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط (مادة: مدخل إلى اقتصاديات المعلومات والمعرفة)
حاصل على جائزة المغرب الكبرى للكتاب حول كتابه "الاتصالات في محك التحولات" سنة 1996.
كرمته الجمعية الدولية للمترجمين العرب سنة 2007 عن مجموع أعماله.
حاصل على وسام التقدير من الجمهورية الجزائرية تقديرا لمجهوداته في خدمة الثقافة العربية, رئاسة الجمهورية, الجزائر, 14 نونبر 2007.
اجرى الحوار: عزيز باكوش
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟