|
مات الملك. عاش الملك.
محيي هادي
الحوار المتمدن-العدد: 2460 - 2008 / 11 / 9 - 07:56
المحور:
كتابات ساخرة
بمناسبة انتخاب رئيس أمريكي جديد، كنت قد كتبت في بداية الثمانيات مقالا، عنونته بالعنوان المذكور، و أرسلته إلى جريدة الخليج الشارقية الاماراتية. و قد استخدمت عنوان المقال معتمدا على الطريقة التي تستعملها بعض الدول الملكية للإعلان عن وفاة ملك و حلول ولي عهده على عرش الملوكية، بقولها: "مات الملك. عاش الملك".. إن جريدة الخليج قد نشرت المقال المذكور، في حقل رسالة اليوم، إلا أنها بدلت عنوانها إلى: (مات حجا، عاش جحا). و يمكن للقارئ الفطن معرفة سبب تبديل كلمة "الملك" بكلمة "جحا". فالامارات هي دولة إماراتية، بل قل ملوكية، و تحيط بها دول أخرى مشابهة لها في الحكم، تنعدم فيها الحريات. و لكي لا ينزعج الملك او الأمير فقد بدلت الجريدة نعت الملك إلى جحا. و في الحقيقة فإن الجريدة، على الرغم من تحفظها من ذكر الملك، فإنها قد أعطت بكلمة "جحا" وصفا "جيدا" لملوك المنطقة، إذ انهم أشبه بجحا بل باضحوكة جحوية، و لم تكحل الجريدة عين الأمير بل أعمتها. **
ليس الرؤساء الأمريكيين كالرؤساء العرب. فالرئيس الأمريكي يترك كرسي العرش بعد أن يصوت الشعب الأمريكي لصالح رئيس آخر، أو بعد أن تصل مدة حكمه إلى ثمان سنوات. على العكس تماما من الرؤساء العرب و ملوكهم الذين ما أن يصلوا إلى كرسي الحكم حتى يبدأوا باطلاق جذور لا يمكن اقتلاعها، و لا اقتلاع الرئيس الجالس على الكرسي. و تفرزعجيزته مادة صمغية قوية يصعب بها خلع العجيزة عن الكرسي. إن العرب، شعوبا و قبائلا، لا يقبلون بتبديل رئيسهم، لأنهم يريدونه خالدا أبديا سرمديا. و معروفة مقولتهم: من القصر إلى القبر. فلا يتبدل الرئيس إلا بالقتل أو بحدوث انقلاب عليه أو بموته موتا طبيعيا. و هذا الموت الأخير يعتبره العراقيون موت فطيسة. و على طريق السرمدية و الخلود يسير أيضا ما يقال عنهم: زعماء المعارضة. **
في انتخابات آذار من عام 2004 ، كان متوقعا خسارة الحزب الاشتراكي الاسباني. إلا أن عملية ارهابية قام بها أعضاء للقاعدة في مدريد، قتل فيها العشرات من أبناء الشعب الأسباني، قلبت خسارة الاشتراكيين المتوقعة في الانتخابات إلى إنتصار و الانتصار المتوقع لليمين إلى خسارة. و حصل شيء مشابه إلى أوباما، فالأزمة الاقتصادية التي تعصف في أمريكا و العالم قد ظهرت أعراضها قبل فترة بسيطة من إجراء الانتخابات فأثرت تأثيرا مهما في رأي المنتخبين الأمريكيين. و فاز أوباما و خسر ماك كين. إلا أن الأخير هنأ الفائز و تمنى له النجاح في منصبه الجديد، لا كما يفعله العرب و المسلمون الذين يظلون حاقدين على الفائز طول عمرهم. سيخرج بوش الابن و سيحل محله مواطنه أوباما. و سيقول القائل: مات بوش، عاش أوباما.
فهل ستتبدل طاسة المسلمين و من بعدهم العرب و ثم العراقيين؟ و هل سيتغير حمامهم، بخروج بوش من الحكم و بدخول أوباما، الرئيس الأمريكي الجديد الأسود، إلى القصر الأبيض؟ أم سيبقى الجميع، مسلمين و عرب، على نفس الطاسة و على نفس الحماّم، يهتفون بالمثل العراقي الفصيح: "خوجه علي، ملة علي"؟. **
فرح اليساريون و القوميون العرب، على غرار يساريي أوربا، و فرح من الذين يدعون أنهم يريدون تطبيق الاشتراكية، و زغردوا لفوز أوباما و صفقوا لخسارة ماك كين. و في بعض الدول الأوربية انتقل التنافس في الانتخابات الامريكية إلى صراع بين قوى اليسار و اليمين. فاوباما يمثل يساريتهم و الآخر يمثل يمينيتهم. و لكن هل أوباما يساري و يريد تطبيق الاشتراكية في أمريكا؟ أم هو من المدافعين عن تطبيق الرأسمالية؟
و فرح اليمين الحاكم في دول أوربية، كفرنسا و ألمانيا، بفوز أوباما لأنهم يعتقدون أن المستعمرات التي فقدوها، في أفريقيا و غيرها، سترجع إليهم. و أنهم سيسترجعون أيضا العقود النفطية الممتازة، و غيرها، التي حصلوا عليها في العراق، ايام حكم الطاغية، على حساب الشعب العراقي في ايام سنوات الحصار على العراق. فهل حقا أنهم سيسترجعون امتيازاتهم في العراق؟ و هل حقا أنهم سيعيدون مكانتهم الاستعمارية السابقة في أفريقيا و غيرها؟
و فرح البعثيون لفوز أوباما لأنهم يعتقدون أن حكم القتل و التعذيب سيرجع إليهم بعد أن ذهب عنا بدخول جيوش الاحتلال المتعددة الجنسيات. هذه الجيوش التي أنقذت و حررت الشعب العراقي من حكم أبناء العوجة. و البعثيون يعتقدون أن أوباما سيكون على خلاف بوش و أنه سياعدهم على عودة حكمهم البغيض و بعث إرهابهم. فهل سيكون أوباما بعثيا و يمد يد العون إلى بعث القهر و بعث تذويب الناس في براميل الأسيد و بعث تثريمهم في مكائن التثريم؟ و عاد البعثيون يلهثون: "أوباما حسين يلوگ إلنه" مثلما كانوا ينهقون: "صدام حسين يلوگ إلنه". فهل سيتقدم أوباما جوقة هؤلاء الناهثين و الناهقين؟
و فرح الارهابيون، الذين اتخذوا من الاسلام راية، معتقدين أن أوباما هو ابن لمسلم. كان أبوه قد درس شيئا عن الاسلام في مصر، و خلف ابنا له هناك و تركه فقيرا يلهث خلف جنسية مصرية. إن الارهابيين المسلمين يعتقدون أن القبضة التي تمسك بخناقهم ستخف، و إن ملاحقاتهم، و هم يختبئون في كهوف تورا بورا، ستزول، لأن أوباما مسلم، أو أنه كان في زمن ما مسلما. و في عرف المسلمين: الأقربون أولى بالمعروف. فهل سيحترم أوباما بهذا العرف، و يقدم المعروف في فك الخناق عن الارهابيين؟ **
و فرحت أنا. * لأن الانتخابات الأمريكية، على الرغم من علاتها، تمثل تقدما حضاريا جيدا قابلا للتحسين. و هي منارا تنير الطريق للعراقيين و المسلمين في طريق ظلام تعنت و احتكار الحكم. * و أثبتت الانتخابات الأخيرة انعطافا إيجابيا حادا و تقدما جديدا في عقلية الناخب الأمريكي. هذا الناخب الذي انتخب بحرية رئيسا ذا لون أسود، بعدما كان يعتبر السود عبيدا لا يحسنون إلا الخدمة في التنظيف و العزف على القيثارة، و بعد ان كان القانون الأمريكي، في زمن سابق، يضيق الخناق عليهم و يطبق التمييز الحقير بسبب لون جلدتهم.
فهل سيتعلم العراقيون، و من ورائهم المسلمون و العرب، شيئا من حرية الانتخاب، بدون استعمال السيف الضغط على الناخبين؟ أم أنهم سيبقون في عقلية ما قبل 1500 عاما؟ و هل سيقتنع العراقيون العرب بأن في العراق شعوبا أخرى غير عربية؟ و هل سيقتنع العراقيون الأكراد بأن المناطق التي يسيطر عليها حزبان كرديان تتواجد فيها شعوب أخرى أيضا؟ و هل سيترك العنصريون، من عرب و أكراد و تركمان، العزف بنشاز عنصري؟ **
إن السياسة الخارجية الأمريكية هي سياسة دولة لا تتأثر بمجئ هذا الرئيس أو بذهاب ذلك. فمهما كان "نوع" الرئيس الأمريكي، ديمقراطيا أو جمهوريا، أبيضا أو أسودا أو، في المستقبل، أحمرا، فإنه سيدافع عن مصالح دولته و مصالح شعبه، و لن يبخس و قتا في الدفاع عنها. و هكذا فإنه سيكون للعراقيين جيدا إذا التقت مصالح دولته مع مصالح دولة العراق، و سيئا لهم إذا لم تلتق. فهل ستلتقي هذه المصالح في وقت حكم أوباما أم لا؟ أم أننا سنرى في العراق من ينسى مصالح شعبه، و يجعلها كي لاتلتقي بمصالح أمريكا؟ لكي يدافع بموقفه عن مصالح شقائنا، "الأشقاء" العرب، باسم العروبة، أو ليدافع عن مصالح دولة مجاورة باسم الجيرة أو باسم المذهب و الدين؟
#محيي_هادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاضطراب في القرآن: -ألم- و أخواتها.
-
الاضطراب في القرآن: سورة الفاتحة في مقدمته.
-
لا تلتقي في الحب فتوى
-
عن الآلوسي و منافقي البرلمان
-
فكلوه هنيئا مريئا
-
اسطورة المهدي 6
-
المهدي و الأئمة الأحد عشر
-
دگ عَلَ ربابة مصايبنه
-
اسطورة المهدي (4)
-
الحياة مع دجّالي الدين
-
اسطورة المهدي (3)
-
اسطورة المهدي (2)
-
اسطورة المهدي (1)
-
قال إمامٌ عن إمامٍ عن إمام
-
ارقد في سلام أيها المبدع حسني أبو المعالي
-
هل القرآن صالح لكل زمان و مكان؟
-
إلى المرأة المسلمة 3
-
إلى المرأة المسلمة (2)
-
إلى المرأةِ المُسلمة
-
العلم العراقي و -المودة- الاسلامية
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|