|
بعد فوز - الحمار - على - الفيل - ..دروس وعِبَر
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2459 - 2008 / 11 / 8 - 06:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكثر ما أثار إنتباهي ، في الإنتخابات الامريكية ، هي الكلمة التي ألقاها " جون ماكين " المُرشح الجمهوري الخاسر ، بعد إعلان النتائج بوقتٍ قصير . ففي حين قاتلَ " ماكين " الى آخر لحظة ، وأجهَدَ نفسهُ قبل الإنتخابات مباشرةً ، في جولات متتالية الى ولايات عديدة ، إستخدمَ فيها كل ما يملك من خبرة ، من أجل النيل من خصمهِ ومنافسهِ ، حتى من باب التشكيك في معتقداتهِ الدينية واصوله الافريقية المختلطة . لكنهُ هنأ " باراك اوباما " برحابة صدر ، ودعى جماهير الحزب الجمهوري في إجتماعٍ حاشد ، ليس فقط الى تهنئة " اوباما " بفوزهِ ، بل الى الوقوف معهُ ومُساندتهِ ، في سبيل تقدم الولايات المتحدة الامريكية ووحدتها وقوتها ، ومساعدتهِ في تجاوز الأزمات الصعبة التي سيواجهها . كذلك فَعلَ الرئيس " بوش " ، حيث هنأ " اوباما " ، وإعتبر فوزهُ إنتصاراً للديمقراطية الامريكية ، ودعاهُ وعائلته لزيارة البيت الابيض . - من الامور الرائعة التي أظهرتها الانتخابات الامريكية ، هذهِ " الروح الرياضية " العالية التي يتمتع بها السياسيون الكِبار . ف " هيلاري كلينتون " المرأة الحديدية وحاكمة ولاية مهمة ، والسيدة الاولى زوجة الرئيس الامريكي السابق . لم تُفّوت اية فُرصة ، للإنتقاص من منافسها في الإنتخابات التمهيدية ، " باراك اوباما " . وعندما حَسمَ المندوبون الديمقراطيون أمرهم ، وإختاروا " اوباما " ، ليكون مرشحاً عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية ، لم تُبْدِ " هيلاري " ، إستياءها او غضبها او زعلها . بل انها هنأت " اوباما " ، وأعلنتْ على الملأ تأييدها الكامل لهً ودَعَتْ مؤازريها الى التصويت لهُ في إنتخابات الرئاسة . لم " تنشق " هيلاري ، عن الحزب الديمقراطي ، ولم تُعزي فشلها الى وجود " مؤامرة " من اجل إبعادها . - " جون ماكين " و " الرئيس بوش " وقادة الحزب الجمهوري الآخرين ، تّقبلوا الخسارة ، بإسلوبٍ راقٍ ، أثبتوا من خلالهِ بأنهم يمارسون فعلاً ، تداول السلطة وتّقبل الآخر [ رغم المآخذ الجدية والكبيرة على إحتكار الحزبين الكبيرين للساحة السياسية الامريكية ] . لم يلجأوا الى التشكيك بنزاهة الإنتخابات ، لم يماطلوا ، او يبرروا ، لم يعّلقوا خسارتهم على شماعة الحظ او الظروف . بل انهم منذ الآن سيعملون بجد من اجل الفوز بالإنتخابات القادمة في 2012 ، ومحاولة إصلاح الاخطاء التي حصلت في المرحلة الماضية . دروسٌ وعِبر : - رغم كل شيء ، ورغم إختلافي الشديد مع السياسة الامريكية ، في العراق وفي العالم اجمع ، أرى من الضروري ، الإستفادة من إيجابيات النظام الامريكي ، والإقتداء بمحاسن السياسيين الامريكان . فهنا في العراق ، مثلاً ، لانمتلك إرثاً في التداول السلمي للسلطة ، فمنذ 1958 ولغاية 2003 ، تّمَ الإستيلاء على السلطة عن طريق " الثورة " او " الإنقلاب العسكري " ، [ وحتى مسرحية تنازل احمد حسن البكر عن الحكم في 1979 لم تنطلي على احد ] . وبعد 2003 ، فأن رئيس الحكومة الاولى " أياد علاوي " لايزال يعتقد بأنه لم يأخذ كفايته من الحكم وانه مغبون . اما " ابراهيم الجعفري " فلقد إبتعد تدريجياً عن حزبهِ وكتلتهِ ، وإنشق ليشكل حزباً جديداً ، بعد تنحيتهِ عن رئاسة الوزارة الثانية ، ولا ينفك عن التلميح بكونهِ ضحية مؤامرة من اجل إقصاءهِ . ورئيس الوزارة الحالية " نوري المالكي " لم يستطع لحد الان التسامي فوق الحسابات الحزبية والفئوية الضيقة ، والتأسيس لبناء دولة مؤسسات . ان " شخصنة " المنصب الرسمي ، هي احدى الآفات الخطيرة التي ينبغي معالجتها في العراق الجديد . - الاحزاب الامريكية ، لم تصل الى المرحلة الحالية ، من الشفافية والتنافس الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة ، دفعةً واحدة وفي وقتٍ قصير . بل انها مرّت بتجارب مريرة وسنين طويلة من الصراعات الداخلية . ولكن هل ينبغي لنا ان نمر بنفس الظروف الصعبة ، ونعاني عشرات السنين من المآسي لكي نصل الى عتبة الديمقراطية الحقيقية ؟ أعتقد بأن الإستفادة من تجارب الآخرين متاحةٌ لنا ، بصورةٍ كبيرة ، في عالمنا الحالي الذي توّفر فيهِ ، تكنولوجيا المعلومات ، إمكانيات جادة ، ل " تجاوز " العديد من المراحل غير الضرورية ، والنأي عن النزاعات والتناحرات . حيث اننا لا زلنا في مرحلة تقديس " القيادات التأريخية " للاحزاب والحركات . فحتى حزب مثل " الإتحاد الوطني الكردستاني " الذي يّدعي الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية ، لم يستطع تجديد قياداتهِ ، التي هي نفسها منذ أكثر من اربعين سنة . وحين طالب البعض مؤخراً ب " تغيير " القيادة [ بغض النظر عن صواب او خطأ رأي هذا البعض ] ، فلقد تّم فصلهم من الحزب . " الحزب الديمقراطي الكردستاني " يُعاني هو الآخر من نفس المشكلة وحتى بدرجةٍ أكبر . فهو لا يستطيع الفكاك من تأثير " القائد التأريخي " للشعب الكردي الملا مصطفى البارزاني ، ولا يُمكن تصور ( حتى من الناحية الشعبية ) ، وجود الحزب الديمقراطي الكردستاني بدون قائدٍ من عائلة البارزاني . ان القول " بعدم وجود بديل " للقيادة ، في حالة الحزبين الكرديين ، يعكس عمق الازمة التي يعاني منها الوضع السياسي العام في اقليم كردستان . فعلى إفتراض " عدم وجود بديل " فِعلاً ، فأن ذلك يعني فشل هذه الاحزاب ، في مواكبة التطور الحاصل في نُظم الاحزاب السياسية في العالم ، وعجزها " المُتعمد ربما " في خلق قيادات شابة بديلة ، خارج نطاق الإرث التأريخي . حتى الحزب الشيوعي العراقي والكردستاني ايضاً ، ورغم محاولاتهما في المؤتمرات والكونفرنسات الاخيرة ،إيجاد قيادات بديلة عن الموجودة حالياً ، فإنها أخفقت في ذلك . بالنسبة الى احزاب الاسلام السياسي ، والشيعية منها خصوصاً ، فأن بُنيتها الفكرية ، تفرض عليها ، ان تكون معظم القيادات تابعة لل " المرجع " الديني . وهذا يولد عائقاً إضافياً في طريق التجديد والتغيير . عموماً فأن جميع الاحزاب الدينية والاسلامية تحديداً ، ولإعتمادها على " الثوابت " التي يعتقدون بها ، فأنها لا تميل الى التجديد ولا تُحّبذ التغيير ، بل انها تركن عادةً الى الجمود والركود . ان من ابرز العلامات في الحملة الانتخابية ل " باراك اوباما " ، هي عبارة ( التغيير ) ، هذه الكلمة التي سَحَرتْ الناخبين الامريكيين ، وكسرت الجمود واللامبالاة التي إتصفوا بها خلال العقدين الماضيين ، ودفعت 66% من الناخبين للتوجه لصناديق الإقتراع ، وهي نسبة كبيرة بالمقاييس الامريكية . مَهْما سيفعل الرئيس القادم اوباما ، فأن مرحلة جديدة قد بدأت ، ليس في الولايات المتحدة وحدها ، بل في العالم اجمع . إذ ان ما يحدث في امريكا يؤثر بدرجةٍ او بأخرى على كل البلدان . مرحى وتحية إعجاب للشعب الامريكي الذي حطمَ بممارستهِ الديمقراطية ، الكثير من الحواجز والقيود التي كان كَسرها حتى الامس القريب شبه مستحيل . لنترك كل ما لا يعجبنا في نمط الحياة الامريكي ، لننبذ اسلوب الاستهلاك والسوق الحرة التي جلبت الكوارث للعالم ، لنتجنب كل الامراض الاجتماعية والاخلاقية التي تنتشر في المجتمع الامريكي . ولنتعلم منهم الجوانب الحسنة ، فيجب ان نمتلك حرية الاختيار ، فلا نقبل " الجَمل بما حَمل " ، ولا نرفض كل شيء دفعةً واحدة . لنتعلم منهم قيمة الوقت وإحترام المواعيد ، التكنولوجيا والتقدم العلمي ، الصدق والامانة ، نشوة الإكتشاف ، وفي المقدمة جعل " التغيير " نحو الافضل ، اسلوب حياة وهدفاً .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مليارات العراق الفائضة .. وقروض صندوق النقد الدولي
-
غارة البو كمال ..توقيتٌ سيء لخطوةٍ متأخرة جداً
-
الإتفاقية الامنية ..بين الواقع والطموح
-
- مفاجأت - علي بابا جان !
-
إنتخابات مجالس المحافظات ..حزب الفضيلة الإسلامي
-
إنتخابات مجالس المحافظات .. مؤشرات
-
البعثقاعدة يُهجرون المسيحيين من الموصل
-
الشَبَكْ : ما دامَ لدينا - قدو - ، فلسنا بحاجة الى - عدو - !
-
القادة العراقيون .. قبلَ وبعد التحرِلال !
-
إنتخابات مجالس المحافظات : إنْتَخبوا العلمانيين !
-
الأحزاب الحاكمة والتَحّكُم بأرزاق الناس
-
يومٌ عراقي عادي جداً !
-
-عوديشو - ومُكبرات الصوت في الجامع !
-
صراع الإرادات بين المركز والاقليم
-
كفى دفع تعويضات وديون حروب صدام !
-
شهرُ زَحْمة أم شهرُ رَحْمة ؟!
-
كفى تَزّلُفاً للإسلاميين !
-
الى سعدي يوسف : مقالك عن شياع يشبه الشتيمة !
-
الانفال ..إعفوا عن علي الكيمياوي وإعتذروا لسلطان هاشم !
-
50% بشائر الخير .. 50% علامات الشر !
المزيد.....
-
ويتكوف: وفد أمريكي سيتوجه إلى السعودية لإجراء محادثات مع وفد
...
-
إيطاليا.. الجليد والنار يلتقيان في مشهد نادر لثوران بركان إت
...
-
كيف يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
-
روبيو ونتنياهو يحملان إيران عدم الاستقرار في المنطقة، ويؤكدا
...
-
فيديو: مناوشات مع مؤيدين لإسرائيل أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين
...
-
رئيس دولة الإمارات يستقبل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ال
...
-
سوريا.. هجوم على دورية تابعة لوزارة الداخلية في اللاذقية يسف
...
-
سيناتور أمريكي يوجه اتهاما خطيرا لـ USAID بتمويل -داعش- والق
...
-
السعودية.. القبض على 3 وافدات لممارستهن الدعارة بأحد فنادق ا
...
-
الخارجية الروسية تعلق على كلمات كالاس حول ضحايا النزاع الأوك
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|