|
ديرة الفرح ...موخان جغان..!
بان ضياء حبيب الخيالي
الحوار المتمدن-العدد: 2458 - 2008 / 11 / 7 - 08:08
المحور:
الادب والفن
حين تأخذني عوالم الطفولة الماضية من هذا الزمن أول شيء يطل علي من كوة ذاكرتي العامرة هو وجه جدتي رحمها الله .... التي هي كما أراها الآن وريثة جدتها شهرزاد.....ورثت منها ذكاءها في استخدام الحكايات لتحقيق أهداف أخرى .....وقد كانت الأهداف الأخرى في حالة جدتي هي أرغامنا على تناول الطعام بطريقة أكثر ذكاء من الإجبار أو التوسل أو .... غيرها من الطرق ، فهي ما إن كانت تدعونا للطعام أنا وأختي حتى تتحفنا بحكاياتها بأسلوب رائع أحبه كثيرا ....وكنا ونحن مندهشتين تائهتين في عوالم وشخوص حكايتها تدس لنا لقم الطعام دساً فنبتلع ماتدسه دون أن نتذمر لنعرف بقية الأحداث.... وإحدى أجمل حكاياتها هي حكاية صبي الحداد .فهلموا معي سادتي لذاك العالم القديم المُغرق في العذوبة......عالم جدتي.....
أنفخ.....انفخ....! في سوق عراقي قديم حيث الزمن كان ينام وادعا ً مفترشاً دكه الأحلام الوردية بين* ( كواشرالمخضر)... ودكان بائع الدجاج وبائع المكانس والحصران...ومصلح الفرفوري...حتى أن أصوات باعة *(التين رجاو) و*(حديد الحلاوة) ....لم تفلح في إيقاظه ..... فقد كان الزمن يستطيب البقاء في لجة العذوبة القديمة .....وكان في نهاية السوق دكان حداد يهودي معروف يستخدم عاملا مسلما أقرب للصبا منه للشباب .....كان المعلم اليهودي يجلس كل يوم أمام الدكان منتفخ الأوداج منتفخ العينين منتفخ الكرش إلى أقصى اتساع تربض أمامه نركيلته المعمرة دائماً ناظرا بين الفينة والأخرى من بين جفونه المتورمة نظرة شبة نائمة نحو صبيه الذي يجلس ناحل العود متسخ الملابس نافخاً في منفاخ الحداد مؤججاً نار الموقد ليرفع قطعة حديد منه يضعها أمامه فتستلقي الأخيرة باستسلام متلقية ضربات مطرقته المتتابعة عليها ...ملتفتاً بين الفينة والفينة نحو معلمه مستلما ًتعليمات العمل...ومن بين أصوات السوق والمارين به يرتفع صوت المعلم الأخن المنفوث مع دخان الأركيلة : ـ ـ انفخ ......أنفخ..... وينفخ الصبي حتى تتقطع أنفاسه ليجود علية أستاذه بنظرة باردة وهزة رأس قائلا له من بين انفه:ـ ـ أي عفية مو بس أكل ونوم..........ويتمتم معها بصوت خافت منزلا ًسيلا من اللعنات على حظه العاثر الذي جعل شيمون عامله القديم يهاجر ليعود هو يعلم صبيه الجديد ألف باء الحدادة...... وفي أحد الأيام وبعد ساعة الغداء كان العامل يحضر المنفاخ لجولة أخرى وخطر للفتى أن يسأل معلمة :ـ ـ أستاذي من سيدخل الجنة...؟ فارتفع جفنا اليهودي المنتفخين ناظرا للصبي نظرة زهو مخرجا من بين أسنانه الكلمات كأنه يجود على العالم بهبة نطقه لها :ـ ـ اليهود طبعاً.....! ـ أستاذي ومن بعد اليهود..؟ ـ الصالحين من بنو النصارى. ـ أستاذي والمسلمين...؟ فصرخ أستاذه بحنق فاتحاً جفنية لتجحظ عينية المدورتين الممتلئتين بالعروق الحمراء راميا الأركيلة الملتصقة في يده وكأن صاعقة ألمت به فأصابت منه مقتلا ً:ـ ـ أنفخ ....انفخ .... مو هية الجنة خان جغان ياهو اليجي يدخلها!!!!!!!!! فيعود الصبي الهَلِع للنفخ بسرعة وهو يلتفت لفتات صغيرة إلى معلمه ...... ويرتفع دخان الحكاية من حولنا وإذا نحن في المطبخ أنا وأختي وجدتي السعيدة بإكمال شهرزادياتها الذكية.......... وأمامنا صينية الطعام الفارغة تناظرنا بعين مكسورة..... ولعل أكثر ما كان يعجبني في هذه القصة في طفولتي وقبل أن أعي حكمة القصة هو طريقة سرد جدتي لها وتفخيم صوتها نافخة الكلمات من انفها حين تقلد صوت اليهودي جاعلة إياي............... أسكر بالضحك.......ومرت الأيام فماتت جدتي ورحلت بعدها الحكايات الجميلة وزمنها ....وحل محل ذاك الزمن الغافي بدعة زمنا أخر يركض لا يلتفت اعتقده يخشى الوقوف كي لايصاب بشظية تاهت من هنا أو رصاصة تمشت من هناك.......زمن دخل فيه بلدنا الحبيب في معامع لاأول لها ولا آخر جعلتنا ننسى الضحك والحكايات والجلسات الرائقة.....................
على دراجة أميتاب كنت أول مسافرة نزلت من الطائرة في مطار نيودلهي .الهند بلد الألوان والموسيقى والطبيعة الرائعة كانت زيارتها أمنيتي منذ الصغر ورغم أن زيارتنا كانت لسبب طبي إلا إنني كنت سعيدة جدا بالرحلة وصلنا حوالي الواحدة ظهراً وتحولنا من الجو المعتدل في العراق لشهر آذار إلى قلب فرن لا يعرف الرحمة لكن مناظرالأشجاروالأزهار الساحرة التي امتدت بسخاء تحد الطريق شغلتنا عن الجو الخانق...استقبلنا أصدقاء عراقيين يدرسون هناك ورتبوا لنا مكان سكن رائع في حيّ تملؤه الشرفات المكللة بالورود تحفه أشجار النخيل الاستوائية والتمر هندي والمسكونة بسناجب تتنطط بحبور وطيور ملونة تسرح وتمرح مالئة الجو بأناشيد الحياة.....وبعد استراحة دامت حتى العصر قررنا أنا وزوجي وصغيرتي نور...أن نتمشى قليلا ًخصوصاً لأننا افتقدنا حالة أن نتجول دون خوف من أن يواجهنا الليل. وغمرتنا الهند حين خروجنا بصور رائعة.....فتيات هنديات يلبسن الساري بألوانه الزاهية .....موسيقى تملأ الشوارع.... قرود مستأنسة تدور حولنا... ورود وأشجار ملونة برتقالية ووردية الأوراق أما تدريجات اللون الأخضر في النباتات فجمالها خرافي....وتلك النسائم التي بدأت ترق وتحلو ناشرة عطر الورود في الهواء بعد أن كانت مختبئة ظهراً خوفاً من ضربة شمس الهند الصاعقة وانتشر حولنا سائقي الدراجات الهوائية التي هي أحدى وسائل النقل هناك والمصممة لحمل راكبين بوزن متوسط ركبنا نحن الثلاثة وطارت بنا كمركبة أحلام أغمضت عيني وبدا لي أنني أسمع صوت اميتاب يغني لفتاة هندية تختبئ بيننا أفقت من أحلامي على منظر السائق المسكين وهو يجاهد ليقود الدراجة التي وصلت لشارع ممتلئ بالمطبات وقد كان (السائق)أرشق من رشيق ونحن ثلاثة أشخاص فكان يرفع نفسه لأقصى ارتفاع نازلاً بقوة على دواسة الدراجة ليجبرها على السير دون أن يبدو عليه الغضب أو النصب حتى حين يتكسر الإسفلت تحتنا بمطبات تكاد تكبنا على وجوهنا فهو ينزل من كرسيه ساحباً الدراجة بيديه وهو يمشي .......لفتُ نظر زوجي للأمر معللة له إنني أخاف على الرجل من أن يصاب بسكتة قلبية جراء جهده فأستوقفه زوجي قبل أن نصل للمكان الذي أردنا الذهاب له وشكره زوجي داسا في يده أجرته كاملة .......ولشدة دهشتي أصر الرجل على إيصالنا رافضاً قبول المبلغ ضاماً يديه أمامنا متوسلاً بنا بوجهه المبتسم الودود الأسمر مرغما إيانا على الصعود ثانيةً .ورغم الجهد الذي بذله كان مبتسماً يحاول أن يعطينا انطباعا جيداً عن بلده فالسواق كما أعتقد هم واجهة البلد للسواح................. أرغمني هذا الموقف على تذكر أغلب سواق التاكسي في بلدي ومنظر وجوههم المكفهرة بل والكلمات الحانقة الصفراء التي يتحفونك بها حين تتعدى الشارع الرئيسي بفرع أو فرعين أما لو كانت هناك مطبات وما أكثرها في شوارعنا فالويل للراكب من لعنات السواق............. أعتقد أنها مسألة نفوس أتعبها طول التمرغ في الألم ......ونفوس أخرى مرتاحة ...........
عرس هندوسي نزلنا أخيراً ونحن نمشي متطلعين نحو أنواع الفواكه الاستوائية الرائعة الألوان والأشكال والرائحة ومنظر الباعة وهم يروجون لبضاعتهم بأسلوب جميل لايخلو من إلحاح مغلف برداء دماثة واحترام للأغراب......فالهنود بصورة عامة دمثين جدا مجاملين ومحبين للأطفال دون منازع . وبينما نحن نتوه في سحر الهند ولجة السلام الذي افتقدناه في أرضنا العزيزة دوى صوت انفجار....فصرخت دون وعي بأعلى صوتي(يمه) ساحبة ابنتي إلى حضني وتلفت زوجي القلق وهو يهدئ من روعي فإذا ببائع الخضرة يواصل عمله دون أن يبدو عليه أي اضطراب نظر أحدنا للآخر أنا وزوجي فابتدرني قائلا وهو يبتسم (عبالج بعدنه بالعراق) وقبل أن أبتسم وإذا بعبوة ثانية تشق رداء السلام من حولنا فانكمشت مرتعبة للمرة الثانية فتطوع بائع الفاكهة شارحاً لنا أنه عرس هندوسي قرب قاعة الأعراس في قمة الشارع............................... وبعد خطوات قليلة وكان الظلام قد بدأ يطوي صفحة اليوم ملوناً صفحة السماء بالسواد . وفجأة رُشِقَت السماء الحالكة بألوان زاهية لألعاب نارية حمراء ،خضراء ،زرقاء... اندست في كبد اللون الأسود لتتحول السماء فوقنا للوحة من خرافية الألوان من لوحات بيكاسو رسمها وهو في تمام الروقان النفسي.. وامتلئ الجو حولنا بالحبور حين تقدم موكب العرس الرائع المتمثل بعربة بيضاء مفتوحة تجرها أربعة خيول يسوسها ويمشي أمامها حوالي الثمانية أشخاص يلبسون الزّي الهندي التقليدي والعمائم البيضاء حاملين بأيديهم ثريات بعدة طبقات تشتعل نوراً في ظلام الليل والراقصات الهنديات يدرن حول الموكب برقصات منظمة رائعة والموسيقى الهندية تصدح متوعدة الحزن إن فكر يوماً أن يغزو القلوب بالويل والثبور فيطئطئ الأخير هارباً دون رجعة لتحل محلة البسمة كملكة متوجة لن تفقد العرش أبداً ... ، تمشي أمام الموكب وخلفه مجاميع من عائلتي العروس والعريس ويتوقف الموكب أمامنا لينزل الكل في الساحة راقصاً وتقف الراقصات بنصف حلقة فاسحة المجال لأهل وأصدقاء العرسان بالتعبير عن فرحهم أما الناس في الشارع فكانوا أما يقفون مصفقين أو تجتاحهم رغبة عارمة في إظهار مواهب الرقص فيدخلون ساحة الرقص مهللين هاتفين للعروسين.....أما أنا فواجهت المنظر الجميل وأنا أدعوا بقلبي بالسعادة لهم وكالعادة انهالت دموعي مدراراً غابطة أفراحهم متذكرة وطني الذي نسي الأفراح...... ونظر إلي زوجي الذي كان يصور المنظر بكاميرته الصغيرة ولكزني قائلا : ـً ـ لا تبئدئي بالدموع حاولي أن تحسي بالفرح. وسحبني من يدي نحو الجمع فداريت دموعي خوفا ًمن أن يراني أهل العروس ابكي فيقدرون ما يقدرون .....واغتصبت ابتسامة بلهاء رسمتها على وجهي الممتلئ بالدموع ...أنا العراقية التي تنمر الحزن في قلبها سنوات وسنوات حتى أصبح كل منظر يتلاعب بالمشاعر قليلا ً.. سواءً كان فرحاً أم حزناً يستدر منها من الدموع الكثير واقتربت من الجمع المهلل وأنا أرطن في سري داعية الله أن يعيد أيام الفرح في بلدي لنشهد في شوارعها الجميلة المكسوة بالحزن عرساً عراقياً يقام دون خوف .....وعادت الدموع تغلبني فابتدرني زوجي الذي كان يرمقني بطرف عينة قائلا ً: ـ ـ يمعودة.... أضحكي شوفي الناس الفرحانة . وأجبته وأنا اشهق ....من بين دموعي ...: ـ ـ شوكت نفرح مثلهم ...شوكت نعيش مثل الناس. وابتسم بحنان وهو يرمقني بطرف عينية ....قائلا ًبصوت منغوم ... ـ تعلمي أنتي الأول تعيشين اللحظة ...تره ديرة الفرح موخان جغان. وسرحت قليلا ً وتصورت العراقيين وهم ينسون الآلام والهموم ليعيشون اللحظات بسعادة ........الله........ كم هو جميل أن ندخل ديرة الفرح كلنا معا ً...................
راحت عليك يامكرود......! في اليوم التالي أفقت الصبح وأنا مصممة أن أبدأ بنفسي وأتعلم أن أعيش بسعادة وفعلا ً بدأت أحس الجمال يدور حولي في شاي الصباح في مروحة السقف في زقزقة العصافير وحتى في منفضة السجائر التي أمقتها وفي الظهيرة اتجهنا نحو مطعم على بعد ساعة من سكننا لأن كل المطاعم القريبة تقدم طعاما ًلا يمتلك أي ميزة من ميزات الرحمة فهو ممتلئ بالتوابل بصورة ابعد من المألوف بكثير حتى إنك لا تكاد تفقه مما تلوكه في فمك سوى طعم الكمون والكاري والفلفل الأحمر الحّراق .وأعتقدني فهمت في ثاني يوم لنا في الهند سّر رشاقة الهنود...! لأن لقمتين من طعامهم تجعلك تحتاج لبرميل ماء بارد يطفئ اللهب الذي سينشب في جوفك ولهذا السبب وقبل أن نموت جوعا ً قررنا الذهاب للمطعم ذاك وهو واحد من مطاعم محدودة في العاصمة وقد كان المطعم يكاد يتقيأ الناس لكثرتهم فهو وجهة كل الأجانب والكثير من الهنود وكان الطابور أمامنا طويلا فأشار لي زوجي بالصعود لإيجاد طاولة لنا بينما هو يحضر الطعام من الطابق السفلي .....شققت طريقي بصعوبة بين الحشود ووجدت طاولة لأربعة أشخاص في أحد الأركان القصية فجلست أنا ونور التي كانت منشغلة باللعب ببالونه أهدوها لها عند دخولنا المطعم ولم أكد أستوي على مقعدي حتى فاجأني شاب هندي يطلب مني بإنكليزية أقرب للهندية كرسيا ً فسمحت له بأخذ الزائد وكانت طاولته بجنب طاولتي ورغم إنني لا أحب التطفل بالنظر لأحد لكنني وعلى كره مني دار رأسي لمنظر رائع فقد كان الشاب برفقة عائلة متكونة من أب وأم وأصدقاء حوالي العشرة أشخاص قد أعدوا المكان ليفاجئوا ولدهم الشاب (كما علمت بعدها ) بعيد ميلاده فضموا منضدتين لبعضهما وجمعوا كراسي كافية لهم ووضعوا كعكة الميلاد البيضاء المرشوقة بأنواع المكسرات والحلوى الملونة وصحون الحلويات وقناني المرطبات وكثير جداً من الشموع والأزهار بترتيب رائع على المنضدة وأحسست بالإنسانية تقربني منهم وكأنني سأقفز لأشاركهم فرحتهم بعيد الميلاد ذاك الذي نسيناه منذ بدأنا نرفل بحروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل وسرحت مغمضة عيني حالمة في يوم سيأتي..... لا اعلم متى ؟ لكنني أكون فيه في بلدي أرى سعادة الاحتفال بالأفراح أمامي تتكلم دون لغة ....وبينما أنا أتوه في حلمي البعيد وإذا بصرخات رنانة امتدت كسهام نحو حلمي الأخضر مطفئة إياه فصرخت معها بوجع وخوف.............وإذا بشاب مفتول العضلات .. (بطل العيد ميلاد)يدخل المطعم متجها ً نحوا لمائدة وهو يفتح عينيه على وسعهما متفاجئا ً باستقبال عائلته له بصيحات فرح مرحبة وابتسمت بخجل وأنا أداري (فشلتي)مكممة فمي ومقررة أن لا أتأثر حتى لو رأيت أمامي سيارة مفخخة ....! أشعل القوم الشموع وأنا أقاوم عيوني المنجذبة رغما ًعني للمنظر الرائع شأني شأن كل من حولي في القاعة ورغم أني لا أتكلم الهندية ولا أفهمها إلا إنني فهمت من المشهد التالي أنهم بدءوا يتقدمون له بأمنياتهم الواحد تلو الآخر وهو يتلقى الأمنيات بهزات من رأسه وكلمات تثير ضحك الجميع حول المائدة ....حتى وصل الدور لأحد الحضور وكان هذا الأحد يجلس قبالتي في كرسيه كان اسمر الوجه سمارا ً غامقا ً ذو عينين جاحظتين حمراوين يلبس عليهما نظارة سميكة (جعب بطل) يرتدي زيا ًهندوسيا ًجميلا ًسوى أن لونه(الزي) كان اصفراً كركميا ً يمسك بتلابيب العين حتى تلفظ الشبكية أنفاسها ......المهم ..قام الرجل حين جاء دوره وهو لا يبتسم خلع نظارته ببطء واضعا ً إياها على المنضدة وكأنه يتأهب لقتال ما... فبرزت عينيه (الناطتين) وتقدم نحو صاحب العيد ميلاد متحدثا ًبالهندية بلهجة تخرج من بين أسنانه وكأنها والله أعلم لهجة تهديد واستفزاز للقتال في تلك اللحظة أحسست بالترقب والقلق خصوصا ًحين وقف صاحب العيد (المفتول العضلات وكأن عضلات كتفيه ستقفز من موضعها لكبرها)مبعدا ًكرسيه قليلا ومواجها ذو الرداء الأصفر.....ليملأ ذو الرداء الأصفر يديه بالكريما غارفا إياها من الكعكة ملطخا ً وجه صاحب الدعوة بها متمتما ً بتلك الكلمات المستفزة .................... فهتفت في نفسي (راحت عليك يامكرود ...أنته وين ...وهذا وين) فذو الرداء الأصفر كان دقيق العود ناتئ العروق يكاد يموت دون أن يمسه احد ... وفكرت في انه لا مجال لي للهرب من المعركة الطاحنة التي ستدور بعد قليل فاحتضنت صغيرتي منكمشة نحو أقصى الركن في مائدتي وتخيلت فلماً هنديا ً ببوكساته وركلاته سيدور بعد قليل لننال أنا وصغيرتي نصيبنا من قطع الكراسي المكسرة ,ولدهشتي تضاحك الجميع وأولهم ذي الوجه الملطخ بالكريما وهو يتقبل اللطخات كأمنيات عزيزة ملطخا ًبدوره ذي الزى الصفر متمنيا ًله مثلها ثم تقدمت الوالدة المسنة لتلطخ الوجه الذي لم يعد فيه مكان يدل على صاحبه وهي تتمنى له ماتتمناه لينحني هو بلطخاته الرائعة مقبلا ًيد والدته ومنحنياً مرة أخرى نحو قدميها وتكرر المشهد مع الوالد بسعادة وحبور........... وأسقط في نفسي وارتخيت متنفسة الهواء في مقعدي تاركة خناق طفلتي لتلهو ببالونها دون عقد ....وتصورت منظر شاب عراقي يلطخ وجه صديقه ولو بالضحك بالكريما ......ترُى ما هو موقف الصديق .....هل سيضحك ....هل سيكتفي بالزجر والتهديد أم سيكون (أخو خيته ويشبعه كتل ) وهل سينتهي الموضوع لهذا الحد أم سيتطور للكلام البذئ وربما تبادل السباب الذي سيبرر ما يليه من ركلات وصفعات وتدخل العمام ......... و(جيب الفصل وودي الفصل)................. لا........... يا سادتي ......لا أعتقد الموضوع موضوع تقاليدنا وتقاليدهم .......الموضوع موضوع نفسيات مرتاحة وأخرى متهرئة تعبانه أتى على راحتها توالي الحروب والأهوال والصدمات............وتمتمت في نفسي للمرة العاشرة في ثاني يوم لي في الهند يارب ارجع لنا سلام النفس والأمان لنتعلم العيش بسعادة كما كنا ......يارب أرجع لنا الضحكة المنبعثة من أقصى زوايا القلب ولترحل تلك القهقهة الكاذبة المنبعثة من طرف اللسان التي ميزت ضحكة العراقيين في هذا الزمان (إن ضحكوا).....ورغما ًعني تساقطت دموع رجائي من عيوني المغمضة ......و.........وفتحت عيني فإذا بزوجي العزيز يصعد السلالم حاملا ًصينية الطعام ......فابتسمت بخبث وأنا أمسح دموعي بسرعة متمتمة في نفسي .........(هم زين مشا فني .....جان هم كال ......هية ديره الفرح ....خان جغان ...؟)....!!!!!!!!!!!!!!!!!...............................
....................................................تمت.............................................................
* الكواشر: هي سلال صغيرة مصنوعة من سعف النخيل ومصممة لوضع الخضروات والفواكه بها لعرضها للبيع. *التين رجاو : التين المجفف. *حديد الحلاوة: هي عملية استبدال أنواع من الحلاوة بقطع الحديد الفائضة عن الحاجة حيث يدور البائع المتجول بعربته المملؤه بأنواع الحلويات مستبدلا إياها بخردة الحديد الفائض عن حاجة البيوت.
#بان_ضياء_حبيب_الخيالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أناجي القمر...!
-
إنتخبوني
-
رحيل ساندريلا
-
يوميات زوجة شرقية
-
كل عيد ونحن معاً
-
مات في العراق
-
في قاع النيجر
-
نظريات عالمة جديدة/الحلقة الثالثة/وجود زنابق الماء في منطقة
...
-
نتف من قصة لؤلؤة الميناء
-
نظريات عالمه جديدة/الحلقة الثانية/لغز ارتفاع درجات الحرارة ف
...
-
نظريات عالمة جديدة...الحلقة الأولى...لماذا لون الشفق؟
المزيد.....
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|