|
نظام الرواتب يحتاج إلى إصلاح!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2456 - 2008 / 11 / 5 - 08:49
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ما هي سياستنا، أو معاييرنا، التي بموجبها يتقرَّر ويتحدَّد الراتب، أو المعاش، أو الأجر، في الدرجات المختلفة لسلَّمه، في القطاعين العام والخاص؟
إنَّ الدخل المالي اليومي، أو الشهري، أو السنوي، للمواطن هو مدخله الحقيقي للحياة العامة بأوجهها كافة، فهذا الدخل، ولجهة قيمته الشرائية، أي لجهة كمية ونوعية السلع والخدمات التي يمكن أن يتحوَّل إليها، هو الميزان الحقيقي الذي به يمكن وزن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب وبين ممثليه في السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ ووزن مشاعر الانتماء، والمواطَنة، حقوقاً وواجبات، فالمعجزة بعينها أن تظل القوى الروحية للفرد والجماعة والمجتمع في بروج مشيَّدة لا يدركها هذا الموت المسمَّى "الإفقار الاقتصادي".
مقاييس عدة يمكننا أن نقيس بها "الراتب"، جودةً ورداءةً؛ ولكنَّ "المقياس السلعي" هو الأهم، فالراتب الجيِّد ليس هو كمية الدنانير التي يحصل عليها الموظَّف أو العامل شهرياً، وإنَّما كمية ونوعية السلع والخدمات التي يمكنه الحصول عليها عبر الشراء.
وإنني أستطيع أن أؤكِّد أنَّ نسبة 99.9 في المئة من الجهود التي يبذلها الموظَّفون والعمال من أجل زيادة رواتبهم وأجورهم لا تعدو أن تكون جهوداً يبذلونها من أجل الحفاظ على قدراتهم الشرائية القديمة، وكأنَّ كل ما يحصلون عليه من زيادة في كمية النقد الورقي (أي زيادة في الراتب) أأتت من طريق جهودهم وضغوطهم أم من طريق "رأفة" الحكومة وأرباب العمل بهم إنَّما يفيد، أو قد يفيد، فحسب في الحفاظ على وجودهم الآدمي، أي وجودهم الفيزيائي.
حتى "المقياس الدولاري" للراتب عندنا لا يعطي نتائج تختلف كثيراً عن تلك التي يعطيها "المقياس السلعي"، فالمواطن من ذوي الدخل (المُنْتِج لمزيدٍ من الفقر الاقتصادي) لا يأبه ولا يهتم لاستقرار وثبات سعر الدينار (أو الدولار الأردني) بالدولار، فالراتب، هنا، ولجهة حجمه، يقل كثيراً، وكثيراً جداً، عن الراتب هناك، أي في موطن الدولار؛ و"المقياس السلعي" يدلُّ على أنَّ الدولار هناك يأتيكَ سلعياً بأكثر مما يأتيك به معادله الديناري هنا؛ ثمَّ أنَّ جزءاً كبيراً من احتياجات عيش المواطن في موطن الدولار يُلبَّى من خارج الراتب الذي يتقاضاه. إنَّه يُلبَّى من "الصناديق العامة".
الراتب عندنا إنَّما هو "الممات (الاجتماعي والحضاري والثقافي..)" الذي يسمونه، تزييناً له، "معاشاً"، فكيف لشاب يتقاضى راتباً مقداره 150 أو 200 أو 250 ديناراً أن يتزوَّج، وأن يصبح أباً، وأن يلبِّي حاجاته وحاجات أسرته الأولية والأساسية كالمسكن والمأكل والملبس والتعليم والعلاج..، في هذا الغلاء العام، أو في هذا الغلاء في إيجار البيت، وفي المواد والسلع الغذائية الأساسية، وفي العلاج الذي يتولَّى أمره أطباء ومستشفيات وصيادلة تجشَّعوا وتوحَّشوا، حتى أصبحوا جزءاً من تلك الفئة من التجار التي كاد أن يلعنها وزير الصناعة والتجارة، وكأنَّه لا يملك في مواجهتها سوى الدعاء عليها!
وأنا ذاهب إلى العمل استمعتُ إلى خبر بثته محطة إذاعية محلية، وجاء فيه أنْ لا كيروسين (كاز) في محطَّات الوقود، وأنَّ الشعب الفقير، الذي لا سلاح يحارب به برد الشتاء سوى الكاز، يتهافت على تلك المحطَّات، ولكن لا جواب يأتيه من أصحابها سوى "ليس لدينا كاز، فالكاز، كل الكاز، موجود في المصفاة"، التي تدافع عن نفسها، في بيان رسمي، قائلةً إنَّ الكاز موجود عندها؛ لأنَّ أصحاب المحطَّات لا يطلبونه، وكأنَّ قوانين السوق الحرة تحرِّرهم من الحاجة إلى الاتِّجار به!
ثمَّ تأتي الوزارة صاحبة الأمر والنهي في أمر الكاز بالقول الفصل، فالمبادئ السامية المقدَّسة للسوق الحرة، تحظر عليها، على ما تقول، أن تُلْزِم محطَّات الوقود بيع، أو عدم بيع، أي صنف من أصناف الوقود، وكأنَّ هذه الوزارة لم يتناهَ إلى سمعها بَعْد خبر تنكيس راية السوق الحرة في مواطنها، بدءاً من العاصمة في "وول ستريت"!
الكاز في المصفاة؛ ولكن لا وجود له في المحطَّات؛ لأنَّ أصحابها لا يجدون فيه ما يشدهم إلى الاتِّجار به؛ والحكومة تأبى أن يتقوَّلوا عليها، فليس من صلاحياتها، ولا من سلطاتها، أن تُكْرِه أصحاب المحطَّات على شراء الكاز من المصفاة، وبيعه، من ثمَّ، لـ "الطبقة الكازية". أمَّا إذا اشتدت حاجتكَ إلى شراء جرَّة غاز ممتلئة فلا مناص لك من أن تشتريها بـ "50" ديناراً، فبائعها لكَ يخبركَ أنَّ "المصفاة" هي التي قرَّرت هذا السعر الجديد.
على أنَّ كل هذا الانهيار في قدرات المواطن الاقتصادية لا يمنع رئيس الوزراء من القول: "إنَّ اقتصادنا كان وسيبقى قوياً"، ولن تهزَّ صخرته رياح الأزمة المالية والاقتصادية العالمية!
ووزير التجارة والصناعة غير راضٍ عن بقاء أسعار المواد الغذائية متربعةً على عرش الغلاء على الرغم من انتفاء "الأسباب العالمية" الموجبة لهذا الغلاء، وعلى الرغم أيضاً من إصرار خبرائنا الماليين والاقتصاديين على أنَّ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية ستنزل برداً وسلاماً على سلَّتنا من الغذاء.
ولقد أنحى الوزير باللوم على "فئة (ضالة) من التجار"، فهل نستنتج من كلامه أنَّ استمرار تلك الأسعار "غير المرضية له.. وللشعب" يدلُّ على أنَّ تلك "الفئة من التجار"، وعلى ضآلة حجمها الديمغرافي، أكبر وأقوى من المجتمع والحكومة والدولة؟!
إنني لا أعرف (أقول لا أعرف حتى لا أتَّهِم) السبب الذي يَحْمِل الحكومة على ملاينة تلك الفئة التي بتضخيمها أسعار اللحوم.. إنَّما تأكل لحوم البشر من أبناء جلدتها، ففئة جُبِلت على هذا الشر، ولم يردعها أي رادع عن الاستمرار في مزاولته، لا يمكن إصلاح حالها، وردِّها عن ضلالها، إلاَّ بقانون يعدل لجهة قوته وفاعليته قانون مكافحة الإرهاب!
وأحسب أنَّ مكافحة الحكومة للغلاء، الذي هو "النعمة" الوحيدة التي تسبغها علينا السوق الحرة، خير ألف مرَّة من ملء بالون الراتب بمزيدٍ من الهواء.
على أنَّ هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، انتفاء الحاجة إلى سياسة ومعايير جديدة يتحدَّد وفقها الراتب، في درجتيه السفلى والوسطى، فالربح يجب ألاَّ يظل يُرى نسبةً إلى كل الرأسمال، فإنَّ نسبته إلى الأجور فحسب هي النسبة السليمة والحقيقية، والتي في ضوئها يمكن ويجب أن "تتكاتف السلطتان التنفيذية والتشريعية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني" من أجل "إصلاح نظام الرواتب والأجور والمعاشات"، فهذا الإصلاح هو المدخل الحقيقي لكل إصلاح.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوش يتوعَّد العراق ب -القاعدة-!
-
النظرية الاقتصادية الإسلامية في حقيقتها الموضوعية!
-
حملة غربية للسطو على السيولة العربية!
-
-الاقتصاد السياسي الإسلامي-.. تجربة شخصية!
-
ما وراء أكمة البوكمال!
-
عندما نعى بولسون -الإمبراطورية الخضراء-!
-
-الرأسمالية المُطْلَقة-.. بعد الموت وقبل الدفن!
-
-الاقتصاد الافتراضي- Virtual Economy
-
العرب.. -يوم أسود- بلا -قرش أبيض-!
-
قاطرة الاقتصاد العالمي تجرُّها الآن قاطرة التاريخ!
-
.. وإليكم الآن هذا الدليل -المُفْحِم- على عبقرية الدكتور زغل
...
-
رجل البورصة ماكين!
-
ماركس!
-
نهاية -نهاية التاريخ-!
-
انفجار -السوبر نوفا- في -وول ستريت-!
-
قريع ينطق ب -آخر الكلام في اللعبة-!
-
-حقوق الإنسان-.. حديث إفْكٍ!
-
الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!
-
متى نجرؤ على اغتنام -فرص الأعاصير-؟!
-
إنَّها دولة وحكومة -وول ستريت- فحسب!
المزيد.....
-
-حلم الصحراء-..أول قطار فائق الفخامة في الشرق الأوسط سيتألق
...
-
ارتفاع أسعار الذهب بعد قرار الفيدرالي الأمريكي
-
المغرب يطلق 20 مشروعا استثماريا بقيمة 1.73 مليار دولار
-
العثور على عناصر أساسية للحياة على كويكب -بينو-
-
خلافات النفط تعيد إشعال الأزمة بين بغداد وأربيل
-
استقرار أسعار النفط
-
ناسا تحدد احتمال سقوط كويكب يبلغ قطره 90 مترا على الأرض
-
السفير الروسي في تركيا: 6.5 مليون سائح روسي زاروا تركيا خلال
...
-
الاقتصاد السعودي ينمو بأسرع وتيرة في عامين
-
بعد مفاجأة -ديب سيك-.. هل تفقد إنفيديا هيمنتها على سوق رقائق
...
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|