|
نموذجنا هو ثورة التأسيس 1805 ، لا ثورة التأكيد 1919 ، لأن مصر اليوم في الحضيض
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2459 - 2008 / 11 / 8 - 04:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
من الشائع بيننا كمصريين عند ذكر كلمة ثورة ، أن يتبادر للذهن ثورة 1919 ، فهي في نظر الكثيرين هي النموذج ، سواء في مجرى أحداثها ، أو في نتائجها . لا إنكار لأهمية ثورة 1919 ، و لكني شخصيا أرى أن هناك ثورة أهم منها بكثير ، هي ثورة 1805 . ثورة 1805 - من وجهة نظري - هي الأم لثورات مصر الأخرى في العصر الحديث ، إنها ثورة تأسيس ، بينما ما تلتها من ثورات و حركات ، ليست إلا ثورات و حركات تأكيد ، أي محاولات لتأكيد ما أرادته و هدفت إليه الثورة الأم ، ثورة 1805 . ثورة 1805 ، كانت الثورة التي قرر فيها الشعب المصري ، أن يأخذ زمام المبادرة ، فكان ذلك ميلاد للوطنية المصرية الحديثة ، مع مراعاة طبيعة العصر ، و الظروف التاريخية المحلية و الإقليمية و العالمية ، التي عاشها ثوار 1805 . ثورة 1805 كانت صرخة غضب للشعب المصري ، بعد صدمة الحملة الفرنسية ، و عدم إدراك المماليك و العثمانيين للمؤثرات التي خلفتها تلك الصدمة على الشعب المصري ، إنها صرخة : نحن هنا ، نحن من نختار من يحكمنا ، نريد الإستقلال ، مللنا النهب المستمر و التخلف الأزلي . ثورة 1805 كانت ميلاد الوطنية المصرية بشكلها الحديث ، مثلما كانت ميلاد لرغبة الشعب المصري في الحداثة ، و الإنضمام للعالم الحديث ، لهذا كان نتيجتها مناصرة الشعب المصري لمسيرة السير في درب التحديث الذي سار فيه محمد علي الكبير . محمد علي الكبير لم يكن لينجح في تحقيق كل تلك الإنجازات التحديثية ، لولا معاضدة الشعب المصري له ، فلم يقف التيار الرئيسي من علماء الدين في وجه الحركة التحديثية ، بل أصبح بعضهم من أشد مناصريها مثل ابن الأزهر رفاعة الطهطاوي ، الذي أصبح فيلسوف الحركة التحديثية و لسان حالها . ثورة 1805 بدأت بناء مصر من الصفر تقريبا ، فالتعليم و الصحة و الزراعة و الصناعة و التجارة و جهاز العدالة و الدفاع ، كلها كانت في الحضيض بعد ثلاثة قرون تقريبا من الظلام العثماني . بينما ثورة 1919 ، لم تكن إلا تأكيد للصوت المصري الوطني ، فتأثيرها إقتصر على ميدان السياسة بتأسيس نظام حكم دستوري ، و كذلك في الميدان الإجتماعي بتأكيد الإنتصار النهائي للوطنية المصرية ، أو للتيار المصري على التيار التركي - الشركسي - الألباني ، أو بقايا التيار العثماني ، فأصبح هناك سياسيين و رجال مال و أدباء و علماء يحملون أسماء عائلية مصرية صميمة ، مثل زغلول و النحاس و النقراشي و مشرفة و العقاد و علوبة و عبود و فرغلي و إلى أخر تلك القائمة من الأسماء العائلية المصرية الصميمة النابعة من الشعب المصري ، بدلا من الأسماء الدالة على بقايا العصر العثماني ، أو ما عرفهم الإنجليز بإسم الأتراك الممصرين ، الذين هيمنوا على الحلبة السياسية المصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، مثل رياض و شريف باشا و مصطفى فهمي و محمد سعيد و عدلي يكن و غيرهم . على إنه من الضرورة أن أوضح بإنني لا أقول بأن السياسيين السابقين على 1919 كانوا في أغلبهم غير مصريين ، و لكن ما أقوله : إن قسم كبير منهم كانوا لايزالون يحملون في داخليتهم بقايا الإنتماء للعالم العثماني . لقد وصلت نتيجة الإنتصار المصري في 1919 ، إلى أخر قلاع التأثير الثقافي التركي في مصر ، حين قرر الملك السابق أحمد فؤاد الأول عدم تعليم ابنه فاروق اللغة التركية ، و الإكتفاء بدراسة العربية و الإنجليزية و الفرنسية . ثورة 1919 لم تضف شيء يذكر للإنجازات التي تحققت من قبل في ميادين التعليم و الصحة و التصنيع و التجارة و غيرها ، فقط كانت مطالبة بالإستقلال ، و تأكيد على النزعة الوطنية المصرية الحديثة ، و هما قضيتين بدأتا أيضا مع ثورة 1805 ، ثورة التأسيس ، ثورة بناء مصر الحديثة . من البديهي الأن ، و بعد هذه المقارنة ، أن يكون نموذجنا هو ثورة التأسيس ، لا ثورة التأكيد ، لأن مصر اليوم في الحضيض ، بعد ثلاثة عقود تقريبا من الظلام المباركي ، الذي لا يقل في حالكته و تأثيره التخلفي عن الظلام العثماني . العثمانيون حكموا مصر ثلاثة قرون تقريبا ، كانت كفيلة بإيصال مصر للقاع ، و آل مبارك حكمونا - حتى الأن - ثلاثة عقود تقريبا ، نجحوا في إيصالنا لنفس النتيجة ، و لسنا في حاجة لإستعراض تأثيرهم الضار على ميادين التعليم و الصحة و الزراعة و التصنيع و التجارة و و التأمينات و غير ذلك . ثلاثة عقود من حكم آل مبارك ، لا تقل في نتائجها المفجعة عن ثلاثة قرون من حكم آل عثمان . نعم ثلاثين عاما تقريبا من التخلف و رعاية الجهل و الفقر و النهب ، لا تقل تأثيرا عن ثلاثمائة عام تقريبا في نفس الميادين ، بالأخذ في الإعتبار طبيعة سرعة التقدم التكنولوجي في الحقبتين . خمسة عشر عاما كانت كفيلة بنهوض ماليزيا لتصبح نمر إقتصادي ، أما الصين ففي أقل من ثلاثين عاما تقريبا نهضت من دولة تكاد تفي بإحتياجتها ، إلى عملاق إقتصادي أصبح لا يمكن تجاهله عند البحث لمخرج من الأزمة الإقتصادية العالمية الحالية ، و بوتين إستعاد روسيا في ثماني أعوام . لهذا فإن ثورتنا ، ثورة كل مصر ، ثورة تأسيس ، هدفها بناء مصر المعاصرة ، بعد ثلاثة عقود تقريبا من التخلف المباركي ، مصر تستطيع أن تسير بنفس السرعة التي يقفز بها العالم المتقدم . همنا بناء المواطن المصري الحر الجريء المتوافق مع العصر الحالي ، و تأسيس إقتصادي قوي ، و تقديم خدمات جيدة لكل المصريين بخاصة في مجالات التعليم و الثقافة و الصحة و التأمينات . ثورتنا ثورة من أجل البناء ، ثورة من أجل صب أساس لمصر حرة مرفهة حديثة ، لأن مصر في أمس الحاجة لذلك ، بعد ثلاثين عاما تقريبا من النخر في قواعد بنيانها . مصر منهارة و تحتاج من يبنيها ، و أنت أيها المواطن المصري المخلص بمقدورك أن تقوم بالمهمة كما قام بها أجدادك في 1805 .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خروج الشعب للثورة هو إستفتاء يمنح الشرعية للثورة ، و يسبغ ال
...
-
السطو السعودي على التسامح الأندلسي ، و سكوتنا المخزي
-
إنها حرب ثقافية بين نجد و النيل ، و المواجهة لابد منها
-
روسيا بوتين ليست نصيرة الفقراء و المضطهدين و التائقين للحرية
-
مصارف أمريكا أفرطت ، و مصارف مصر تمتنع و تحابي
-
مصارف الخارج أفرطت في أداء وظيفتها ، و مصارف مصر تمتنع و تحا
...
-
إلى الإتحاد الأوروبي : أقطع المفاوضات ، و أبدأ في العقوبات
-
ليكن النضال شاق و طويل ، و لكن بنيان الجمهورية الثانية قوي و
...
-
ضرورة إتفاقية دولية لحماية زوار كل الأماكن المقدسة
-
المستقبل للتقدمية ، أي الرأسمالية الضميرية ، أو الطريق الثال
...
-
القضية الأندلسية يا سادة يا أوصياء لها أصحاب
-
في قضية الجلف الكبير ، الكذب على العالم ضحى
-
في قضية هضبة الجلف الكبير ، الكذب على العالم ضحى
-
لن أغير رأيي بسبب شهرين
-
علم الوراثة الجينية يثبت أن العرب و بني إسرائيل من أصل واحد
-
إمتدادات الإخوان المسلمين الخارجية تمنعهم من قيادة التغيير ا
...
-
دلالات طلبهم منا الإنتظار ، السلطة خائفة
-
يكفيك ما قمت به يا شيخ قرضاوي
-
مصر تستحق علم مصري ، لا ألماني قيصري و لا تركي الأصل
-
مبارك و الخديوي إسماعيل ، مقارنة لازالت في صالح الثاني
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|