أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - مجزرة الأسهم في قلعة النيكي والنازداك















المزيد.....

مجزرة الأسهم في قلعة النيكي والنازداك


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2453 - 2008 / 11 / 2 - 06:33
المحور: كتابات ساخرة
    


ابتسمتُ وأنا أشاهد على شاشة إحدى القنوات الفضائية رجلا جاوز الخمسين يلفُّ حول عنقه دائرة على شكل وردة سوداء ، تشبه ما يلبسه نادل المطاعم في الفنادق الرفيعة، فظننتُ أنه سيقوم بوصف وجبةٍ شهية من الطعام لربات البيوت، غير أنَّ حديثه فاجأني ، وهو (يُحلِّل) الوضع الاقتصادي الراهن ، والأزمة المالية الطاحنة ، وإثناء حديثة ، قرأتُ صفته التي كُتبتْ تحت صورته ، فإذا به خبيرٌ من خبراء الاقتصاد ، وأحد المحللين في مجال المال ، قهقهتُ من أعماقي ، لا بسبب طريقة حديثه العامية وطرافة شكل رباط عنقه، ولكن لأنني تذكرتُ موسم الحرب العراقية الأمريكية السابق ، فقد كنت أتابع أيضا (المحللين) العسكريين والحربيين ، ممن تقاعدوا ، وحصلوا على صفة : فريقٍ متقاعد ، أو لواءٍ مُتباعد ، أو عميدِ حرب غابر، أو مختص في توثيق المعارك الحربية ، أو عقيدٍ في لواء الاحتياط ، وكلُّ هؤلاء كانوا يؤدون فوق شاشات الفضائيات في الأيام الأولى للمعارك جلسات صوفية حربية ، وبعضهم كان يقوم بتحضير أرواح قادة المعارك الكبرى، وكلهم كانوا يُجمعون على أن صمتَ جيش صدام في مواجهة الدبابات الأمريكية هو تكتيكٌ حربي يسبق العاصفة والزلزال البركاني الآتي لا محالة برموت كونترول يستقرُّ بين أصابع القائد صدام حسين ومعاونيه!
ما أزال مُصرَّا على قناعتي السابقة التي تتلخص في أن مشكلتنا العربية ،لا تكمن في مخزوناتنا الفخمة من لغتنا ذات المخزون الهائل من المترادفات اللغوية فقط ، ولكنها تكمن في شيء آخر ، وهو أننا جنسٌ بشري يعشق الأحلام ، وبناء الصور الخيالية ، وهذا في حد ذاته ليس عيبا إذا كانت له علاقة بالعواطف والأحاسيس ، غير أن خيالنا العربي قد اتسع ليشمل العقل والواقع أيضا فأصبحنا نعيش واقعنا في إطارٍ خياليٍّ نسجناه هروبا من واقعنا الأليم ، وهذا يفسر لنا لماذا تحلُّ بنا الهزيمة تلو الأخرى ، لأن الأوقات التي نقضيها مع خيالاتنا أطول بكثير من الأوقات التي نقضيها في التخطيط لواقعنا .
أعود إلى شخصيتي الأولى التي جاء أوانها ، وأظهرها موسمها ، وهو موسم القحط المالي ، وكارثة الزلزال البنكي ، ومصيبة معركة القروض ، أو مذبحة الأسهم في قلعة النازداك والنيكي ،ومجزرة صناعات الداو جونز ، وأعترف بأنني كنت وأنا أتابع حديث شخصيتي السابقة منتبها لألتقط منه معلومة مفيدة من المعلومات، وعندما غيَّبتْهُ الكاميرا عن الشاشة،بعد أكثر من عشر دقائق من الحديث العامي الدارج ، ساءلتُ نفسي عن معلومة مفيدة ذكرها صاحب رقبة الوردة السوداء ، غير أنني عجزتُ عن استخلاصِ معلومة واحدة مفيدة ، وطبعا أرجعتُ السبب في ذلك إلى عيبٍ فيَّ أنا ، لدرجة أنني فوَّضتُ أمري إلى الله ، وأنا أُردد : وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم .
وقناعتي بعدم قدرتي على الاستيعاب جعلتني أُغيِّرُ بإصبعي جهاز مرناتي على قناة تلفزيونية أخرى ، حتى لا أغضب المجامع اللغوية العربية ، وأقول غيرتُ قنوات تلفزيوني !! فوجدت صورة أخرى لشاب لم يبلغ بعد منتصف العشرينيات ، ومكتوب تحت اسمه أيضا خبيرٌ ماليٌّ أيضا ! وحاولتُ هذه المرة أن يكون تركيزي أكبر على كلمات هذا الخبير اليافع ، ولكنني أيضا لم أتمكن من بلورة فائدة واحدة من مجموع حديثه ، وكعادتي أيضا أدركتُ بأنني كنتُ وما أزال ذا عقلٍ يتعامل مع الأفكار ، ويكره الأرقام ، واقتنعتُ بأن عقلي لا يصلحُ لمتابعة اللغات الرقمية ، وأنني إذا أردتُ أن أستوعبها، فيجب عليّ أن أدرسَ علوم الإدارة المالية من جديد، وحيث أن سنِّي لا يسمح لي بذلك ، لذا فقد وقرَ في بالي بأن العيب فيَّ أيضا ، وليس في التحليلات المالية التي استعملها المُحلِّلان أو الخبيران ! الماليان السابقان!
وبعد يومين شكوتُ حالي إلى صديقٍ يحمل الشهادة العليا في الإدارة المالية ، وطلبتُ منه أن يُبسِّط لي أمور القروض البنكية، وأسهم الشركات ، والتعاملات المالية في البنوك والمؤسسات المالية ، وطلبتُ منه أن يُفسِّرَ لي ما حدث من كوارث مالية بالأمس ، وما يُتوقَّعُ في المستقبل القريب .
ابتسم صديقي، وهو يقول : ألستَ أنتَ مَن قال:
إن البشر تحولوا في الألفية الثالثة إلى مجرد سلعة ، فالرجال وسائل إيضاح يتحركون كمساحات إعلانية لشركات الألبسة والأغذية ، فلا ترى ثوبا إلا وعليه دعايةُ صانعه ، ولا حذاء إلا ومكتوب على جلده الخارجي اسم الشركة التي صنعته ، أما النساء فقد تحولن من زوجات وأخوات وأمهات إلى غانيات ووجوه وأجساد يصلحن فقط للدعاية والإعلانات يعرضن البضائع، فوق أجسادهن العارية .؟
ألستَ أنتَ من قال:
إن الإعلام تحول إلى صيغة الإعلامالية ، أي من رسالة إلى أثير وهواء يصلح فقط لترويج الاستهلاك؟
ألستَ أنت من أكثر الذين شخّصوا العولمة والألفية الثالثة ، وقلت أيضا : لقد تجاوز البشر مفهوم الدخل القومي والصناعة والزراعة والمواد الخام ، وأصبحت تجارة العالم كلها : WWW وكنتَ تعني مدلولات الأحرف الثلاثة " الشبكة العنكبوتية الممتدة للمعلومات " فأصبح العالم كله يُتاجر بالهواء ، يبيع ويشتري مساحات من الهواء ، سواءٌ أكانت في الهند أو في هندوراس، وأن الدخل العالمي من " هواء المعلوماتية" أو الأثير الرقمي يتجاوز بكثير دخل العالم كله من المواد الأولية من بترول وحديد ونحاس ورصاص وقطن طويل التيلة ،وأسمدة وفوسقات ومنجنيز وذهب وألماس بأضعاف مضاعفة ؟
وإذا كان ذلك هو حالك ، فكيف تطلبُ مني تفسيرا لما يحدث ، صدقني فأنا أيضا مثلك أجهلُ دورة المال في هذا العالم الذي لا يخضعُ لأي مقياس علمي ، على الرغم من أنني تفوَّقتُ في دراستي ، وحفظتُ النصوص المالية ، غير أنني أُشبِه مَن يحفظ قواعد الألعاب الرياضية ، ولكنه لا يُجيد أية لُعبة منها ؟
فما يحدث في عالم اليوم من دورة مالية غريبة عجيبة ، لا يمكن لكل المحللين الماليين ودارسي الاقتصاد وعمداء السلك البنكي، وعُقداء السماسرة في البورصات أن يعثروا على طرف خيطها ، وأن كل المغرمين والعاشقين للأسهم والبورصات لا يمكنهم أن يعرفوا دورة أسهمهم حتى وإن عرفوا اسم البورصة والشركة التي وضعوا فيها أموالهم .
كلُّ ما في الأمر أن العالم كله يبدو اليوم وكأنه خضع لعملية كبيرة من النصب والاحتيال، يقودها أباطرة المال، وهم الذين يحكمون ويرسمون ، هؤلاء لا يخسرون وإن خسر كلُّ العالم ، لأنهم ببساطة تمكنوا من تحويل الأموال من حالتها الذهبية والفضية البائدة، ومن حالتها النقدية الورقية والمعدنية الجامدة ، إلى حالة أثيرية واسعة النطاق ، وعبور هذا الأثير لا يتم إلا بالأسهم والسندات والشيكات المؤجلة والمعجلة ، بعد أن نجحوا في جعل الأسهم والسندات والشيكات والأرصدة البنكية لكل المساهمين والمشاركين تُباع ملايين البيوعات في اليوم الواحد لتجار وهميين ، فيربح الرابحون الملايين والمليارات من أموال المودعين القانعين المساكين المستسلمين لقضاء البنوك وقدرها ، الذين يحمدون الله على نعمة الإيداع ، ويبوسون أيديهم ، وهم يظنون أن نقودهم القليلة في البنوك الأصيلة نقودٌ طاهرةٌ ، لم يخالطها الحرامُ والرِّبا ما دام البنك لا يُعطي أصحابها ربحا على الإيداع ، وما دام أصحابها هو أنفسهم يرفضون هذا الربح وأن نقودهم لم تُستعمل في الرِّشى، وهي مدفوعة وفق الشريعة الدينية والقانون فهي بمثابة أمانة عند البنوك، تردُّها لهم وقت حاجتهم إليها ، وهم لا يعرفون بأن نقودهم الموجودة في معظم البنوك والمصارف ترحل وتتجول فوق الأوراق عشرات آلاف المرات ، وتختلط بغيرها من النقود بعد أن تتحول إلى هواء فتحطُّ في بلدٍ ، ثم تُغادره إلى بلدٍ آخر ، يتداولها المجرمون والمغامرون ، ويلعب بها المقامرون وينفقها تجار السلاح في صفقات القتل والإجرام ،وهي ستظلُّ في حالة سفر إلى يوم الدين ، في عالمها اللُّجي المجهول !
وواصل حديثه ضاحكا :
أنتَ تعرف بأن هناك وجه شبه ظريف بين الأسهم والمال ، فالسهام حين تنطلق من الكنائن والأقواس ، فإنها تسير في اتجاه واحد فقط ولا تعود مرة أخرى إلى قوس راميها ، تسبح في الهواء وتتوحد فيه ، كما أن السهام كما تعلم من أدوات الحرب والنزال ، وكذا النقود والمال.
ابتسمتُ وقلتُ له:
لقد تذكرتُ بأن هناك وجه شبهٍ آخرٌ بين السهام وعيون الفاتنات والمال ، فكلها تفتك وتقتل أيضا ، وقد اكتشفه العربُ منذ أمدٍ طويل حين شبهوا عيون الغانيات بالسهام القاتلات قال شاعرٌ ظريف يطلب الفتوى من أحد فقهاء العراق في سهام العيون والأحداق :
يا ابن أبي داوود يا فقيهَ العراقِ
أفتِنَا في قواتلِ الأحداقِ
هل عليهنَّ في الجُروحِ قَصاصٌ
أم مُباحٌ لها دمُ العُشَّاقِ ؟
فيردُّ الفقيه أبوداود:
كيفَ يُفتيكمُ قتيلٌ صريعٌ
بسهام الفِراقِ والاشتياق؟!
وقتيلُ التلاقي أفضلُ حالا
عند أبي داوود من قتيل الفراق !



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاتنات السياسة
- تجارة الرقيق في الألفية الثالثة
- مرتبات القطط السمينة والأزمة المالية العالمية
- تسفي ليفني في الدين اليهودي
- أسمهان ونابليون الحكيم
- مزايا وأفضال الهاتف الجوّال
- هل يُسجن أولمرت كما سُجن أرييه درعي ؟
- أنواع أقلام الكُتَّاب
- الرقابة الذاتية عند الصحفيين الفلسطينيين
- ماذا بقي من اليسار الفلسطيني؟
- موسم القحط الثقافي
- بذرة خضراء.. آخر أُمنيات محمود درويش
- الفضائيات والتلوُّث العقلي
- هل تبخَّر اليسارُ الإسرائيلي ؟
- نصائح للراغبين في ركوب قطار العولمة !
- هل المثقفون هم فقط الأدباء؟
- أوقفوا (جموح) الصحافة الإلكترونية !
- الآثارالعربية ... ومحاولة هدم الأهرامات !
- كتب مدرسية ( مُقرَّرة) في الجامعات !
- عوالق شبكة الإنترنت !


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - مجزرة الأسهم في قلعة النيكي والنازداك