|
المرأة والسينما -1-
احمد عرار
الحوار المتمدن-العدد: 2450 - 2008 / 10 / 30 - 02:57
المحور:
الادب والفن
قراءة سسيوسيمولوجية لم يعد الفيلم يضع وجها لوجه ظواهر عالم متجانس من الموضوعات كما يقول أرنولد هاوزر في كتابه الهام "الفن والمجتمع عبر التاريخ" ، فهو يؤكد على أن الفيلم يضع عناصر من الواقع غير متجانسة تما ما؛ خاصة وأن ميكانيزمات الهوية الاجتماعية قد أصبحت تتحدد بشكل متسرع فكل علامة أو أي عنصر يدخل في تشكيل الصورة، يحمل معه قوة مؤلمة وحقيقية للحقيقة الراهنة. إن علاقة السينما بالمرأة في الوطن العربي تطرح ، إشكالا حقيقيا، هو نفس الإشكال الذي يطرحه الحديث عن المرأة بصفة عامة في مجتمعنا، على اعتبار أن سؤال المرأة يشكل مرتكزا أساسيا في الكتابة السينمائية ، وفي السجال الثقافي والسياسي الدائر فيه. وفي ظل هذا الحديث و العرض الكثيف للمرأة كنموذج جسدي في معظم الأعمال السينمائية تبرز الملامح الأولى للإشكال الذي نعبر عنه بأسئلة مختلفة. فما الذي يعنيه اهتمام الرجل السينمائي بقضية المرأة ؟ وكيف يمكن أن يساهم هذا الانشغال بالمرأة في تصحيح وضعيتها في ظل أعمال تعمل على تسليع المرأة وتجسيدها؟ . و لعل السؤال الذي كان من المفروض أن يتقدم السؤالين السابقين والذي تم تأخيره نظرا لكوننا ننطلق من قناعة مفادها بان صورة المرأة لا تزال صورة متمثلة في كونها المرأة "الجسد" "الشهوة". فالصورة تعكس و بوضوح كيف انه تتم عملية تسليع و تشيئ المرأة من وعبر الجسد داخل العمل السينمائي، هذا السؤال المُجاب عنه ضمناً من خلال قراءتنا لمعظم الأعمال السينمائية هو: كيف تحضر المرأة في الفيلم العربي؟ إضافة إلى سؤال آخر حول ماهية المطلوب من السينما في اشتغالها على موضوع المرأة ؟ و كيف يتشكل الوعي بحقوق المرأة عن طريق السينما؟ وما هي الصيغة المُثلى للمعالجة الجدية لموضوع المرأة في المجال السينمائي العربي؟ هذه الأسئلة هي مجال اشتغالنا سسيولوجيا و سيمولوجياً انطلاقا من البحث في كيفية اشتغال كل من السينما، والإبداع، والمرأة في الحقل الاجتماعي، وذلك انطلاقا من ما يوفره المشهد السينمائي العربي من العديد من النماذج الفيلمية التي تتأطر في نفس موقع الإيديولوجية المهيمنة. من فاتن حمامة في "أريد حل"ً وصولا إلى حلا شيحة "أريد خلع"ا و مرورا بأعمال سينمائية أخرى كـ "محامي خلع" وفيلم "السادة الرجال" لمحمود عبد العزيز والذي تحولت فيه معالي زايد إلى رجل لتنال حقوقها، صورة واحدة للمرأة لا تتجاوز النمط التقليدي في المعالجة الاجتماعية حيث ُتطرح مشكلة المرأة ضمن نسق ثقافي يرتبط بالقانون ونصوصه ُتمثل فيه "المحكمة" رمزاً للعدل في ظل استبعاد متعمد أو غير متعمد لحقيقة الإشكال المرتبط بقضية المرأة ،والذي يتجاوز القانون ونصوصه ليتصل تاريخيا بكم هائل من التراث النصوصي الديني و العرفي "الذكوري" في عملية خلقه و تصنيعه حيث الرجل هو صاحب سلطة التشريع في المجتمع العربي، وهو أيضا صاحب سلطة تطبيق هذا التراث والمسئول عن تحويله إلى سلطة قانونية ورمزية للإلزام. يقول الباحث حميد اتباتو في كتابه "السينما المغربية، قضايا الإبداع والهوية": بأن وضع المرأة يتميز بالالتباس عامة، ويدعم هذا الالتباس باستباحة جسدها وموضوعها في اليومي وفي المجالات النظرية والإبداعية، وبحصول تواطؤ جهات عديدة تسعى إلى تزكية هذا الوضع وخدمته عبر رؤى نكوصية وارتدادية وسائبة يتم إنتاجها واستنباتها في أعماقنا عبر وسائط متعددة، ضمنها الصورة.
المرأة الصورة و الرمز: يرى فرويد أن الرمز أداة في يد اللا شعور أو المكبوت الجنسي"فأغلب الرموز في الحلم رموز جنسية". والإبداع الفني في نظره أشبه ما يكون بالحلم حين يفلت من الرقابة، فتكون فيه الصورة رمزية لها باطن وظاهر. ويصرح فرويد بأن"الرمزية ليست خاصية من خواص الأحلام فحسب، بل من خواص التفكير اللا شعوري"، فالرمز بمعناه الواسع في التحليل النفسي يمثل تصويرا غير مباشر للأفكار والرغبات اللا شعورية. وقد عده فرويد أحد ميكانيزمات تفسير الأحلام، وقد أشـار إلى العلاقـة الثابتـة بيـن عنصـر الحلم وتأويلـه فسمــاها العلاقـة الرمـزية (La relation symbolique)، فتأويل الأحلام من وجهة نظر نفسانية تستند إلى دعامتين أساسيتين" أولاهما تداعيات الحالم وثانيهما يتعلق بتأويل الرموز. أما كارل يونغ (Young) فقد تناول الرمز من جانب مستوى اللا شعور الجمعي، الذي هو المخزون الشامل لذكريات شخصية وصور بدائية موروثة من أجيال عديدة عن السلف" فكل فنان يملك ذكريات شخصية لبعض الأشياء ترتبط غالبا بمجالات وجدانية ارتباطا لا يمكن تحليله، ووراءها تقبع انطباعات قديمة أو صور أولية. إن هذه الصور تؤثر تأثيرا خفيا في النفس "فاللاشعور الجمعي" الذي هو مكمن الموروث من تاريخ البنية العقلية البشرية بكل ما يمثله هذا الموروث من الأساطير البدائية والمكونات الدينية والخرافية وغير ذلك من العادات و الأعراف و التقاليد، يتكون من وحدات يسميها يونغ بالأنماط الأولى (Arche types). هذه الأنماط الأولى المكونة للاشعور الجمعي، تبقى مخزونة في ذهن الإنسان مهما ارتقى الإنسان في سلالم التقدم والمدنية. فالإنسان حسب هذا الطرح يجد نفسه مرغما على إعادة إنتاج هذه الصور البدائية بصيغ متشابهة، هذا التشابه في الرموز الأسطورية والأحلام، هو ما تعيد المؤسسة الاجتماعية و الإبداعية إنتاجه حسب "بورديو" فالعمل السينمائي يموضع صورة موروثة للمرأة نسقية عُرفية حتى وان كان شكل هذه الصورة حداثي أو ما بعد حداثي. فصورة المرأة عامة كما تظهرها الأعمال السينمائية هي صورة تقليدية تُحاكي النموذج المُعطى تاريخياً في الذهنية العربية حيث هي مصدر الإشباع الجنسي هي "فتنة" و "جميلة" وهي "العروس" و هي "الأنثى" هذه الصورة هي مجمل ما اختارته الأعمال الفنية في أشكال عديدة في ظل استبعاد لوجود المرأة كفاعل إجتماعي ، وما يُلبس بالمرأة من ادوار إجتماعية و سياسية داخل العمل مجرد تبعية ذكورية لا تُمثل فيه محور الدور بقدر ما تعكس صورة انتماء "لسي السيد" .
دور السينما و آليات توظيفه نسوياً: تعتبر السينما ظاهرة معقدة لم تُدرك أهميتها في حياتنا إلا بشكل تطوري وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أهمية السينما في حياة الشعوب. فقد أصبحت تلعب دورا لا يمكن إغفاله لأنها تؤمن الحفاظ على جودة صورة ما ونشرها، ثم تساعد على نشر الثقافة، وتبرهن على الاختلاف والأصالة بالنسبة للبلد المنتج. إن السينما وسيلة مُثلى لتقديم صورة مجتمع ما لدى مجتمعات أخرى. فالفعل السينمائي هو قبل كل شيء فعل ثقافي واقتصادي. ولا يمكن استثمار هذا النوع في خدمة قضية المرأة، إلا انطلاقا من تصور واضح لوظيفة الإبداع السينمائي، ومن موقع يهمه ربط الممارسة السينمائية بالصيرورة المجتمعية، ومن بناء إبداعية رفيعة تسعى إلى تحقيق مردودية في التقاء المنتوج الفيلمي بمتلقيه، أي انطلاقا من رؤية واضحة توحد بين الوظيفة الجمالية وبين الوظيفة الاجتماعية، وهذا يعني إدراج المشروع السينمائي في مشروع "الثقافة المضادة"، التي تسعى إلى توفير "الأسلحة ضد الأشكال اللطيفة للسيطرة "الرمزية"، ضد الأشكال السياسية و الأيدلوجية التي تنبني أصلاً على مصالح الطبقة المسيطرة التي تقوم بخداع الجماهير كما أشار إلى ذلك غوستاف لوبون في كتابه الهام "سيكولوجية الجماهير" وباختزال بسيط يمكن أن نقول بضمان أسلحة الدفاع ضد السيطرة الرمزية". إن تغيير صورة المرأة في المجال السينمائي وطرح قضيتها بجدية، و بصورة إبداعية تسمح بترتيب الوضع النفسي، وتكشف لنا هشاشة وضعنا الإنساني، و العوالم المضادة، وتسمح لنا بالإطلالة على النموذج المقهور، وتحفزنا على تغييره ونقده، وتؤصل في أعماقنا قيم الجمال الفعال الذي يساهم في تحويل المتلقي من متلق مستهلك إلى متلق مفكر أي منتج. وتصحيح الوضع الإبداعي يتأسس على التشبع "بالثقافة المضادة" وتبنيها كإستراتيجية لنقض عطب الوعي الإنساني المُفعل للنزوع نحو محو الآخر.
#احمد_عرار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|