|
القصيدة التحريضية و اللهاث التعويضي ج1/3
حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 04:32
المحور:
الادب والفن
مفهوم الحساسية التحريضية هي حساسية شعرية مسكونة بهاجس الهوية, معبر عنها وفق منهج شمولي احتجاجي عقائدي. وهي شعرية تتبنى مقولة" الالتزام الشعري بدرجات متفاوتة" و وفق هذه الحساسية: - على الشعر أن يلتزم بقضايا -على الشعر أن يواكب الأحداث السياسية و المناسبات -على الشعر أن يكون مفهوما قريبا من قلوب " الجماهير" - على الشعر أن يلعب دوراً توحيديا، وسيلة إلى توحيد الجماعة, من خلال التحريض على الآخر المختلف" العدو المفيد" - لا يتعارض أن تكون القصيدة تحريضية، و أن تكون مستوفية لجماليات الشعر.
و لكن لماذا يكتب الشاعر القصيدة التحريضية؟!
1- لأن الجماهير تحبذ هذا النمط من الشعر 2- لأن الخلفية النفسية و الذهنية للشاعر ذات طبيعة تعصبية، فالتعصب حالة ذهنية ، و ليس حالة دينية أو طائفية أو إيديولوجية 3- الاحتجاج على الظلم و الإرهاب الممارس على الأفراد و الجماعات. 4- الشاعر التحريضي كائن متمجِّد و المتمجَّد باختصار " هو ذلك المثقف الذي لا يكف عن الهتاف سواء كان شيخا أو أفنديا أو تقنيا " للمستبد , فيتحول هو بالتدريج إلى مستبد صغير ، فيتوالد الاستبداد و يعيد إنتاج نفسه في أشكال و أثواب جديدة" فالقصيدة التحريضية تصنع متمجِّدين و طغاة " بالتأكيد ليس كل الشعراء التحريضيين متمجدين و قصدت هنا الإشارة إلى العلاقة بين التحريض و التمجيد"
- - القصيدة التحريضية لا تغادر ثنائية المديح و الهجاء, فقانون نفي الآخر يمارس مفاعيله في ذهنية الشاعر التحريضي ، و يتجلى نفي الآخر من خلال أزمة التسميات. حيث يطلق كل فريق على نفسه تسميات هي بمثابة مدائح و أوسمة, و يطلق على الآخرين تسميات الإهانة و الشتائم؟ فالتحريضي المتدين: يسمي نفسه و جماعته " المؤمنين" و هذا يعني أن الآخرين كافرون. و التحريضي القومجي: يحتكر الشجاعة و الفصاحة و المروءة و الأصالة و النضال, أما الآخرون فهم العلوج الشعوبيون الحاقدون الغادرون العملاء إلى غير ذلك من التعابير التي يمتلئ بها القاموس العربي القومجي. و التحريضي الماركسي و التحريضي الطائفي كذلك و هلم جرة... إن هذه التسميات تبرر للذات موقفها مما يحقق مصالح صراعية و مصالح عزلة تخفي ورائها منطق الجوهر العنصري. فالقصيدة التحريضية و العقلية المعبرة عنها لا تستطيع فتح حوار مع الآخر و العالم, و لا تستطيع فتح حوار مع الذات لآن قوانين الآخر و الذات واحدة. فالآخر هو الأنا, و أنا هو الآخر. و الشعر من أنجع الطرق في إقامة و تفعيل الحوار الداخلي للإنسان، ف الأنا منجم الحب و الكراهية، منجم الحرية و التسلط ، منجم الرحمة و الجبروت، فالحوار الداخلي يعكس حالة حوار خارجي مع الآخر.
الأسلوب التحريضي
الأسلوب : هو مجموع الخصائص اللغوية التي تحول الخطاب من سياقه الإخباري إلى وظيفته التأثيرية و الجمالية. و في الأسلوب التحريضي تأخذ الوظيفة التأثيرية أهمية خاصة، و لكن ما الذي يجعل أسلوب شاعر ما أسلوبا تحريضياً؟ يمكن ذكر عدد من النقاط: - القاموس اللغوي :هناك ألفاظ لها قيمة تأثيرية تحريضية: الدم – العدو –العدو- القحبة –
أمكنة: الفلوجة – فلسطين – قانا- كربلاء – بور سعيد –اليرموك أزمنة: تشرين- آذار – أسماء أشخاص: المعتصم – الرشيد- الوليد – عنترة أسماء حيوانات: نمر – فهد- كلاب – خنزير - كلب
- طريقة رصف الألفاظ و السياق اللغوي الخاص: الأسلوب التحريضي هو أسلوب يميل إلى الإنشاء الأسلوب الإنشائي" و هو ما لا يصح أن يقال لصاحبه فيه أنه صادق أو كاذب" من النهي و الاستفهام و التمني و النداء و التعجب و المدح و الذم و القسم و الترجي و الزجر و التحسر و الوعيد و التعظيم و التوبيخ و التقرير و السخرية و التحقير و الإرشاد و الالتماس و الدعاء و التحدي
- استخدام تقنية التكرار - - و سأتناول ثلاثة نماذج لشعراء تحريضيين ذائعي الصيت الأسلوب النوابي
الخطاب الشعري لمظفر النواب هو الخطاب التحريضي الأكثر شهرة في العالم العربي , و هو الخطاب الأكثر مصداقية, فنحن أمام سيرة نضالية شخصية تنسجم مع السيرة الشعرية, و هذا ما يعطيه المصداقية التي نفتقدها إلى حد كبير عند الشعراء التحريضيين. و سأتوقف عند ميزتين في أسلوب مظفر النواب 1- غلبة الحزن و الأسى و الإحساس بالفجيعة و يبدو ذلك واضحاً من القاموس الغوي للشاعر و تكرار استخدامه لألفاظ بعينها مثل : بكى – يبكي- بكاء. * وطني هل أنت بكاء الصحراء.
* يا ملك الثوار! / أنا أبكي بالقلب لأن الثورة يزنى فيها
* منذ قرون دفنت روحي / منذ قرون وئدت روحي / منذ قرون كان بكائي
* تعالي نبكي الأحياء الأموات/ و نبكي الأحياء/ فأنت حزينة / و الحزن ثقيل في الليل
* أبكيك بلادي أبكيك بحجر الغرباء و كل الحزن لدى الغرباء مذلة إلام ستبقى يا وطني ناقلة للنفط مدهنة بسخام الأحزان. لاحظ الاستفهام الإنكاري في عبارة" إلام ستبقى يا وطني ناقلة للنفط"
2- توظيف البذاءة و الشتائم مما يضفي صفة الفضائحية على شعر النواب و الشراسة ضد الطغاة و الثوار البدلاء , و لعله الشاعر العربي الأبرز في ذلك.... و ما يحفظه الناس من شعر النواب هو الأقل شاعرية و المرتبط بهذه الميزة
* القدس عروس عروبتكم فلماذا أدخلتم كل زناة التاريخ إلى حجرتها ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها و سحبتم كل خناجركم و تنفاختم شرفاً و صرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض و ما أشرفكم أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة أولاد القحبة لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
*فالبعض يبيع اليابس و الأخضر و يدافع عن كل قضايا الكون و يهرب من وجه قضيته سأبول عليه و أسكر ثم أبول عليه و أسكر ثم تبولين عليه و نسكر
* سيدتي نحن بغايا مثلك يزني القهر بنا
* و لتفت الآخر لفتة من فاجأه الحيض
* و أضاف قميء عفن كان يوقوق بين الأقوام
و بالتأكيد فقد هدف الشاعر الإثارة و التحريض السياسي و تضخيم الإحساس بالفجيعة. قال مظفر النواب مرة و هو يقدم لبضعة قصائد كان يريد أن يلقيها ما يلي" اغفروا لي حزني و خمري و كلماتي القاسية, بعضكم سيقول بذيئة...لا بأس ...أروني موقفاً أكثر بذاءة مما نحن فيه
- النص النوابي يميل إلى الملحمية" وتريات ليلية" يستخدم فيه النواب تقنيات الحوار المسرحي و السرد القصصي و نجد فيه تعدد الأصوات و تناصات تاريخية ثرية , و صيغ دلالية جديدة و تشبيهات و استعارات و اشتقاقات و حمولة فكرية ذات منحى عقائدي يخص القيم المنحازة إلى المظلومين و المضطهدين و الفقراء " لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر- أنقذني من مدن يصبح فيها الناس مداخن للخوف- وطني أنقذني رائحة الجوع البشري مخيفة" - لقد اشتهر النواب على نطاق واسع كشاعر تحريضي، و لكنه أكبر من أن يكون شاعر تحريضي فقط الذات المحرضة في شعر النواب ذات بعد قلق , مزيج متخمِّر من ذوات جيفارا و أبو نواس و على بن أبي طالب , و تموز الرافدين..الخ
الأسلوب النزاري
يمكن ذكر ثلاث خصائص في أسلوب نزار قباني في شعره التحريضي السياسي 1- اجتياح الطبيعة و تفاصيل الجسد الأنثوي و الحالة العشقية المتجددة للشعر السياسي لنزار قباني , فهو يكتب القصيدة التحريضية، و كأنه يهجو امرأة أحبها ثم كرهها ،
* لم أر إلا جرائدا تخلع أثوابها الداخلية لأي رئيس من الغيب يأتي
*أريد أن أسميك قصيدة حب واحدة فهذه فرصتي الثقافية الأخيرة قبل أن يسجلوا صوتي و يراقبوا هاتفي
*ربما كان الحب سيدتي تعويضاٍ عادلاً عن هذا السقوط القومي الكبير
*اسمحي لي سيدتي أن ألامس قفطان البروكار الدمشقي الذي تلبسينه كي أستعيد التوازن النفسي و القومي
* أريد أن أطبع علاقتي / مع امرأة من لحمي و دمي / تعبق من بشرتها رائحة النرجس 2- أسلوب الخاطرة و الاقتراب من اللغة الصحفية في شعره السياسي خاصة في العقدين الأخيرين لحياته * يا صديقي لا تسر وحدك ليلاً بين أنياب العربْ أنت في بيتك محدود الإقامة أنت في قومك مجهول النسبْ يا صديقي رحم الله العربْ!! " من قصيدة أحمر..أحمر..أحمر"
* سقطت آخر جدران الحياء/ وفرحنا / و رقصنا / و تباركنا بتوقيع سلام الجبناء لم يعد يرعبنا شيء / ولا يخجلنا شيء / فقد يبست فينا عروق الكبرياء " من قصيدة المهرولون"
*هل تعرفون الآن ../ ما دولة قمعستان تلك التي ../ ألفها .لحنها.../ أخرجها الشيطان تلك التي أهم صادراتها حقائب جلدية مصنوعة من جسد الانسان " من قصيدة تقرير سري جدا من بلاد قمعستان" 3- أسلوب التداعي مع إستخدام تكرار لعبارات معينه مولدة للتداعي
*سميتك الجنوب / يالابساً عباءة الحسين
*سميتك الجنوب/ يا قمر الحزن الذي يطلع ليلاً من عيون فاطمة
*سميتك الجنوب / يا أيها الولي و المهدي و الإمام
*سميتك الجنوب / سميتك الشمع الذي يضاء في الكنائس
*سميتك الجنوب/ سميتك المياه و السنابل
*سميتك الجنوب/ يا أيها الطالع مثل العشب من دفاتر الأيام " من قصيدته السيمفونية الجنوبية الخامسة"
* كان اسمه/ كما يقال أنور السادات/ كان اسمه المأساة
* كان اسمه من قبل أن يرتد عن شريعة الإسلام محمد...وصار أبراهام
*كان اسمه عنترة في سالف الزمان " من قصيدته " كان اسمه السادات" أسلوب أحمد مطر
يجمع الخطاب الشعري عند أحمد مطر- و بالمناسبة هو لم يكتب إلا الشعر السياسي - بين البساطة و الوضوح في الطرح و الأسلوب القصصي الشائق و السخرية المرة و سأورد نصين للشاعر : مدعماً ما قدمت.
عباس يستخدم تكتيكا جديدا
بعد انتهاء الجولة المظفرة عباس شد المخصرة و دس فيها خنجره و أعلن استعداده للجولة المنتظرة ** اللص دق بابه عباس لم يفتح له اللص أبدى ضجره عباس لم يصغ له اللص هد بابه و عابه و اقتحم البيت بغير رخصة و انتهره يا ثور ...أين البقرة ** عباس دس كفه في المخصرة و استل منها خنجره وصاح في شجاعة: في الغرفة المجاورة اللص خط حوله دائرة و أنذره: إياك أن تجتاز هذي الدائرة ** علا خوار البقرة خف خوار البقرة خار خوار البقرة و اللص قام بعدما قضى لديها وطره ثم مضى و صوت عباس يدوي خلفه: فلتسقط المؤامرة فلتسقط المؤامرة ** عباس ...و الخنجر ما حاجته؟ للمعضلات القاهرة و اللص؟ قطعت دابره جعلت منه مسخرة انظر... لقد غافلته و اجتزت خط الدائرة
2- إصلاح زراعي
قرر الحاكم إصلاح الزراعة عين الفلاح شرطي مرور و ابنة الفلاح بياعة فول و ابنه نادل مقهى في نقابات الصناعة و أخيراً عين المحراث في القسم الفلكلوري و الثور مديراً للإذاعة قفزة نوعية في الاقتصاد أصبحت بلدتنا الأولى بتصدير الجراد و بإنتاج المجاعة.
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نفهم الدين خارج الايديلوجيا؟
-
عمر كوجري و شاعرية الأم الحنون؟
-
من شيم الرجال إلى شيم الكلام
-
دمشق خارج التغطية؟
-
من الايديلوجيا إلى المعرفة؟
-
العقيدة شكل , العقيدة مصلحة
-
إعجاز علمي: أم كلام عجائز؟ -قراءة نقدية في كتاب موسوعة الإعج
...
-
القرآن و بلاغة الخروج من العصر
-
تشريح الايديلوجيا
-
و لم تنكسر مرتديلا الشعوب؟؟
-
شخصية أبو الهدى الصيادي
-
زوجتي و السياسة
-
خمسة كيلومترات و تصل الجنة؟
-
لماذا لا يتكلم الشيطان الانكليزية؟
-
المنظومة المعرفية للمعتزلة
-
إلى فرفوريوس : المكسو بالأرجوان
-
لقد تحول نهر الفرات إلى شرطي
-
أنتظر الحلم
-
موقف الفلق
-
بغل الطاحون و تمظهرات عقدة الخصاء
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|