كاتب عربي من سوريا
ثمّة أبعاد سياسيّة وأيديولوجيّة للخطوة الإسرائيليّة المتمثّلة في إنشاء جدار العزل العنصريّ على الأراضي العربيّة الفلسطينيّة المحتلّة ، يجدر إلقاء الضّوء عليها في مسعىً لكشف حقيقة النّوايا والأهداف الإسرائيليّة من وراء إقامة هذا الجدار .
فمن النّاحية السّياسيّة تُدركُ إسرائيل بأنَّ مطلب إقامةِ دولةٍ فلسطينيّةٍ مستقلّة على كامل الأرض الفلسطينيّة المحتلّة منذ عام 1967 ، أصبح مطلباً عالميّاً يحظى بدعم ومساندة دول العالم لتجسيده واقعيّاً ، خصوصاً بعد الاعتراف الأمريكيّ بمبدأ قيام الدّولة الفلسطينيّة ، ومصادقة مجلس الأمن بالإجماع على "خارطة الطّريق" الدّاعية لإقامة دولتين متجاورتين هما فلسطين و(إسرائيل) بحلول العام 2005 ، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الّذي بدأ في الرّابع من حزيران لعام 1967، وإزالة الآثار الماديّة والقانونيّة النّاجمة عنه . بمعنى أنَّ قيام الدّولة الفلسطينيّة لم يعُد مجرّد فكرة قابلةٍ للإلغاء لعدّة أسباب أبرزها: تشبّث الفلسطينيّين ببناء دولتهم السّياديّة المستقلّة عبر نضالهم المستمرِّ لتجسيدها إلى واقعٍ حيٍّ وملموس . كذلك الاعتراف العالمي العلني والمُسبَّق بقيام هذه الدّولة . من هنا تسعى الحكومة الإسرائيليّة إلى فرض أمرٍ واقعٍ على أراضي الدّولة الفلسطينيّة القادمة ، لعلّه يُصبحُ مقبولاً من النّاحية العمليّة والسّياسيّة في المستقبل ، فاغتصابُ نصف أراضي الضّفة الغربيّة تمهيداً لضمّها إلى (دولة إسرائيل ) أمرٌ يستحقُّ المجازفةَ من جانب الرّموز الصّهيونيّة فيها بإقامة هذا الجدار وإنفاق مئات ملايين الدّولارات عليه !
الهدف الرّئيسي الأوّل من وراء إقامة جدار العزل العنصريّ يتمثّلُ في : اغتصاب نصف الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة للعام 1967 وضمّها (لدولة إسرائيل).
أمّا الهدف الثّاني من إقامته فيرمي إلى : أن تكون الدّولةُ الفلسطينيّة القادمةُ متواضعة الحجم جغرافيّاً ، فلا يكون بمقدورها استيعاب من يرغب من فلسطينيّي الشّتات بالعودة للعيش فيها من ناحية ، ولا يكون بوسعها استيعاب التّزايد السّكاني المتعاظم فيها من ناحيةٍ أخرى ، الأمر الّذي يجعل الهجرة للخارج السّبيل الوحيد لتأمين مسكنٍ آمنٍ للفلسطينيين القاطنين فيها .
الهدف الثّالث : من شأن تضييق حدود الدّولة الفلسطينيّة القادمة ، الحيلولة دون قيام بنية اقتصاديّة قابلةً للحياة في ميادين الزّراعة والصّناعة والتّجارة وتأمين فُرص العمل لملايين السّكان فيها ، الأمر الّذي يُعزّزُ عمليّة الهجرة الخارجيّة للعديد منهم .
الهدف الرّابع : القضاء على حُلم العودة للاّجئين الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين ، سواءٌ لمن رَغِبَ في العودة إلى قريته وبلدته ومدينته الّتي هُجِّر عنها في العام 1948 أو إلى الدّولة الفلسطينيّة القادمة .
الهدف الخامس : إضعاف قدرات الدّولة الفلسطينيّة القادمة في كافّة المجالات السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة والجغرافيّة ، بحيث تبقى عُرضةً للعدوان الإسرائيليّ عليها و إعاثة الفساد فيها ، بمعنى تهديد استقلال الدّولة وأمنها .
الهدف السّادس: توسيع الرقعة الجغرافيّة لدولة (إسرائيل) بما يُتيح المجال أمام استيعاب هجرات يهوديّة وغير يهوديّة وافدة من شتّى أنحاء العالم ، بالإضافة للتّزايد السّكّاني فيها على مدى مئات الأعوام القادمة .
الهدف السّابع : إنَّ نجاحَ هذه الخطوة في اغتصاب نصف أراضي الضّفّة الغربيّة وضمّها لإسرائيل سيكون خطوةً باتّجاه اغتصاب وضمّ أجزاء من الأراضي العربيّة المحتلّة في الجولان ومزارع شبعا . هكذا يفَكّرُ الإسرائيليّون .
أمّا الأبعاد الأيديولوجيّة فتتمثّل في :إحرازِ إنجازٍ جديد لمصلحة المشروع الصّهيوني القائم على فكرتيّ التوسّع والضمّ ، بخاصّةٍ على الأراضي الفلسطينيّة الّتي تزعم ( إسرائيل ) بأنّها ملكاً لهم وفاقاً للرّوايات والأساطير التّوراتيّة الزّائفة . من ناحيةٍ ثانية : تحقيق إنجاز حسّي وملموس للمواطنين الإسرائيليين يجعلهم يشعرون بالانتصار والتّفوّق على الفلسطينيين ، وبأنَّ القتلى والخسائر الّتي مُنُوا بها لم تذهبُ هدراً دون مُقابل ، فاستعادة (الأرض الموعودة) أمرٌ يستحقُّ التّضحية في سبيله !
والسّؤال : ما المطلوب عمله لمواجهة هذه الخطوة ؟ لعلَّ التحرّك السّياسيّ الفلسطينيّ والعربيّ النّشط على السّاحة الدّوليّة والمحافل القضائيّة فيها يعدُّ خطوةً ضروريّة لنزع المشروعيّة القانونيّة عن إقامة هذا الجدار ، وهو ما يُعتّبرُ مُبرّراً قويّاً لتواصل أعمال المقاومة العربيّة الفلسطينيّة ضدّ (إسرائيل) ـ بوصفها دولة مُحتلّة بإجماع كافّة دول العالم ـ حتّى ترحل عن آخر شبرٍ من الأراضي المحتلّة المُعترف بها دوليّاً .
إنَّ معركة الجدار هي معركة الوجود الفلسطينيّ في المرحلة الرّاهنة ، وعليه فإنَّ أيَّ مُحاولةٍ لإنهاء الصّراع العربيّ الإسرائيليّ أو التّفاوض لتسويته على أساس القبول بإقامة هذا الجدار تُعدُّ خطّاً أحمر أمام أيّ جهةٍ فلسطينيّة وعربيّةٍ ينبغي عدم السّماح بها ، بل ومقاومتها بشتّى الوسائل الممكنة . وإن كُنّا على ثقةٍ باستحالة حدوث ذلك . فإذا كان لابدَّ من الموت لنا ، فلنختر شكل موتنا بأنفُسنا ، بدل أن يُحدّده الإسرائيليّون لنا .
كنعان