أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مرزوق الحلبي - -الصحوة الإسلامية- كطور من أطوار الهوية















المزيد.....


-الصحوة الإسلامية- كطور من أطوار الهوية


مرزوق الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 2447 - 2008 / 10 / 27 - 07:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"أمكننا أن نرى إلى "الصحوة الإسلامية" في العالم العربي كمحصّلة لسيرورتين متوازيتين تغذي الواحدة منها الثانية. فهي ثمرة اللقاء/المواجهة المتواصلة مع الآخر الغربي والعالم. وهي محصّلة العلاقة بالذات، وبالتحديد كردّ فعل على مشاريع أخفقت وخيبات تراكمت. وسنتعامل مع هذه وتلك في إطار ما يُمكن أن نسميه موضوعة الهوية والوعي الهويتي في العصر الحديث لا سيما منذ مطالع القرن الماضي. والهوية هنا مصطلح في "السياسي" وليس في "الأنتربولوجي"، يقصد الجماعة وليس الفرد. الهوية مصطلح يتسع لمجمل ثقافة جماعة ما وتاريخها وتصوراتها وتطلعاتها وأنماطها وأنساقها، لموقعها في التاريخ وقياسا بالجماعات الأخرى. ونفترض أن الهوية غير ثابتة بل متحولة بمعنى أنها كوحدة واحدة قد تتطور أو قد تتعزز عناصر فيها دون أخرى أو قد تبرز مكوّنات فيها وتضمحلّ أخرى. والهوية العربية لا تختلف في رأينا عن هويات أخرى لجماعات أخرى شهدت تحولات بفعل حراك داخلي فيها أو بفعل المواجهة واللقاء مع هويات أخرى. بل هناك من يفترض أن الصراع هو أساس لتطور الهويات وتحولها وإن التثاقف في أحسن الأحوال هو الذي يحرّك الهويات ويبنيها. والهوية إذ ذاك، تُُبنى في العادة بفعل قوى داخل الجماعة أو أخرى خارجها.

اللقاء العربي (ومثله الإيراني الفارسي) بالجماعات الأخرى حمل بُعدا إشكاليا منذ الاستعمار في العصر الحديث. وقد عكس الاستشراق إشكالية هذه العلاقة، التي كان فيها العرب ولا يزالون، موضوعا للشرق أو موردا أو حيزا. وهي علاقة انعكست على الشرق العربي في هويته أو في تصوره لذاته، كل شعب على حدة وكل الشعوب مجتمعة حتى يومنا هذا. ومن الطبيعي أن تُحدث هذه المواجهة صراع هويات. وأمكننا أن نرى إلى "الصحوة الإسلامية" كطور في هذا الصراع لكنه ليس الأخير. وجدير بنا أن نقف عند بعض خصائص هذا الطور لأنه يجسّد حالنا في الراهن.

موديلات مختلفة لتطور الهويات (باولو فيريرا وجنيت هيلمس ومصطفى حجازي) تشير إلى أن "الهوية الوضيعة" (أو هوية المجموعة المقهورة/المستضعفة)، في إطار صراع الهويات، تسير في مسار محدد مع الاختلاف من موقع إلى موقع. وهي في المرحلة الرابعة من تطورها (جنيت هيلمس) تتمترس في حدودها وتنغلق على تصوّر أنها الأفضل والأنقى والأكثر أخلاقية والأقوى وربما الأكثر قربا من الله. وتتطوّر هذه النزعة إلى حد تقديس الذات الجمعية وتأليهها بصفتها تجسيدا للحقيقة. وهنا ينبري المسؤولون عن بنائها إلى الدفاع المطلق عن كل مكونات هذه الهوية. ويُعيدون إنتاج أساطيرها وذاكرتها الجماعية بحيث تصير من أول منشئها إلى يومنا هذا أنموذجا للخير المطلق والعدل المطلق، وتتمتع بكل الخصائص المشتهاة. ولا يكون في مثل هذه الحالة أي متسع ولو بحجم نقطة النون لنقد أو مراجعة أو استئناف. ويتطرّف المعنيون في نزعتهم إلى تحويل كل نقيصة في الجماعة والتاريخ والثقافة إلى فضيلة وكل إخفاق إلى امتياز وكل عورة إلى مفخرة. وهكذا فإن الحجاب نعمة، وتعدد الزوجات ميزة من مزايا الأمم الأرقى، وقمع المرأة أو تعنيفها أو تهميشها مسألة ثقافية لا يرقى إليها شك، وقتل المرأة على ما يسمى الشرف لهو الشرف العظيم ذاته، والكبت والحرمان والإكراه هي الطريقة الأرجح في التربية، ودوس الحريات الشخصية يصير النظام الاجتماعي الأمثل. والعنف وغياب الحوار أقصر الطرق إلى الله، ونظام الفتاوى والأمراء والطاعة والامتثال هي قيم أدنى من السماء بقليل. فنحن شاهدون على نزعة غير عقلانية البتة تزكّي كل ما هو في إطار "الصحوة الإسلامية" بما في ذلك أدقّ التفاصيل وتجعله مرتبة فوق البش أو هداية لهم. وتقصيه عن دائرة النقد أو الاستئناف وحتى الاجتهاد في الإطار ذاته. أما إذا جرؤ أحد فإن ألف فتوى تنتظره وألف ساطور وألف مرشح لتنفيذ الحكم!

إن وجود الهوية الوضيعة في معادلة المواجهة في القطب الآخر ـ قطب لعن الذات أو تبخيسها أو إلغائها أمام الهوية المتفوّقة ـ هي الطور الخام للمواجهة بين هويتين متفاوتتين من حيث المكانة أو من حيث تصور كل هوية لذاتها أو للأخرى. وقد تجاوزه العرب على نحو ما إلى طور نقد الهوية الأخرى وصولا إلى طور مثلنة الذات وهو الذي نفعله هذه المرة من خلال "الصحوة الإسلامية" التي تشكّل على نحو ما تتمة لـ "الصحوة القومية".

إن هذه المثلنة للذات الجمعية تُفضي بالضرورة إلى هوية صِدامية أو إلى شوفينية أو تعصّب كما يحصل في العادة لدى الاشتغال ببناء الهوية أو التطلّع إلى نسخ الأسطورة والتصور عن الذات إلى الواقع. فمن عادة الاشتغال بالهوية، وهنا من خلال توظيف المكون الديني" مجسدا بـ"الصحوة الإسلامية"، الانزلاق الحتمي نحو انغلاق واحتقان لمواد الذات وأساطيرها وتصوراتها وتطلعاتها قابل للتفجّر، ليس على خط المواجهة مع الآخر فحسب، بل على خطوط المواجهة الداخلية مع مجموعات مُغابرة أو مختلفة. فمثلما قمعت حركة التعريب في الجزائر الأمازيغ والأمازيغية فإن "الصحوة الإسلامية" التي استحوذت على الحيز العام في الدول العربية قبل أن تمسك بمقاليد الحكم فيها تفعل ذلك مع مسيحيي الموصل مثلا أو مع المختلف والمغاير من مجموعات دينية وأقلياتية في الجغرافيا العربية لا سيما أن سيف التكفير صار جزءا من هذه "الصحوة" وليس خروجا عنها. وهي ذات الصحوة التي تبثّ نزعة صِدامية تجاه الغرب وهويته المفترضة. صحيح أن الغرب نفسه أو قوى فيه مسؤولة عن جانب من هذه الصِدامية باستعدائها العرب والإسلام أو بشيطنتهم. لكن هذا يفسّر جزءا من المشهد وليس كله. فماذا مع العنف والقمع الداخليين الناتجين عن هذه "الصحوة"؟ كيف نفسّر العنف والضغط اللذين يتعرض لهما الأقباط في مصر أو المسيحيون في فلسطين في مثلث بيت لحم بيت ساحور بيت جالا؟ أو العنف الأصولي باسم الإسلام في الجزائر؟ أو ذاك العنف الأصولي في اليمن أو غيره من مواقع؟

إن "الصحوة الإسلامية" بوصفها حراك هويتي تمثل مرحلة ينبغي ألا تطول وإلا انكفأت إلى حركة تدمير ذاتية. لأن الهوية لا تكفي وقودا للنهوض أو البناء من جديد أو الوصول بالجماعة إلى مرحلة من المعقولية في الأداء والتصور الذاتي. بل أن بناء الهوية من خلال "الصحوة الإسلامية" أفضى، قصد المعنيون أو لم يقصدوا، إلى فرز جديد في الجغرافيا العربية بين مسلم وغير مسلم، وبين مسلم من هذا المذهب ومسلم من ذاك. فليس صدفة أن تبرز مسألة الأقليات في المجتمعات العربية بشكل غير مسبوق في العقد الأخير خاصة مع وهن الدولة العربية/القومية. وهذا ما يؤكّد أن المراهنة على الهوية كحلّ أمثل لا يتوقف عند حدّ، لأن تسييس الانتماء الديني أو العرق أو الإثنية لا ينتهي كما يريد له المخططون في العادة ـ أنظر أوروبا النصف الأول من القرن العشرين، أو مصير الفكر القومي البعثي العربي، أو انكفاء الثورة الإيرانية. فهي إن بدأت لا يعرف أحد كيف تنتهي. لكننا نعرف أنها تُفضي في العادة إلى غير ما قُصد بها، إلى عنف داخلي وصدامية فارغة المضمون مع الآخر على ما يُشكّله هوياته من تحد!
(دالية الكرمل)




#مرزوق_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب والتأثير على النُخب في إسرائيل!
- الحرية من الدين الآن!
- قوميون بعمامة!
- الدولة الشعب المجتمع وضمور الدلالات!
- لبنان عشية الاستحقاق الرئاسي: جدلية التسميات المضلّلة!
- الأصولية هنا الآن!
- عن الثقافة والمثقفين
- أفكار عن الثقافة والمثقفين
- الأول من أيار: مع انتهاء التسوية التاريخية بين الرأسمال والع ...
- عن قمع المرأة من باب آخر!


المزيد.....




- كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش ...
- الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال ...
- توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
- الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
- تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
- منتقدا الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه.. ترامب يطلق العنان لمبادر ...
- أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته ...
- الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
- إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا ...
- إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مرزوق الحلبي - -الصحوة الإسلامية- كطور من أطوار الهوية