عساسي عبدالحميد
الحوار المتمدن-العدد: 2449 - 2008 / 10 / 29 - 08:59
المحور:
الادب والفن
كان حريا بهم أن يتوجوه ملكا على أورشليم بدلا من سفك دمه تحت لهيب الشمس، لكن كيف له أن يرضى بملك أرضي زائل وهو الذي ينشد مملكة ملئ السمع والبصر، نعم، لم يكن يسوع ليقبل بتاج مرصع بجواهر فارس ونينوى وهو الذي ينشد تاجا من وميض البرق وألوان السماء، لم يكن يرضى برعية تكدح كثيران الحرث وتشقى كعبيد السفينة بل رعية تولد من جديد من قلب الأثير ليتوج الجميع في مملكته المجيدة ويجلس الجميع في ديوانه العامر وولائمه الفاخرة لأن ابن الإنسان جاء ليخدم لا ليخدم، نعم، لقد جاء الناصري العجيب حاملا طستا ومنشفة ليغسل أرجلنا جميعا و يمسحها برفق متناه تماما كما تفعل الأم الرؤوم مع صغارها العائدين في المساء مع خراف الحظيرة، لم يكن بحاجة لشعب يرفع في وجهه السوط والسيف وهو الذي يريد أن يضم الجميع تحت جناحيه تماما كما تفعل الدجاجة مع صيصانها، لكنهم رأوا أنه من الحكمة موت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها، لقد صلبوه تحت حر الشمس وكللوه بشوك الخريف اليابس فلم يزده هذا إلا ارتفاع قلاعه أكثر فأكثر لتعانق زرقة السماء،فاكتملت أبراجه بمملكته السماوية واشتد لمعان حرابه و سيوفه ليعبر بجيش الكلمة الحر أسوار أريحا ونهر الأردن.
كنت أنا ومجموعة من رفاقي داخل السنهدريم نعارض "قيافا" بشدة الذي رآى أن يموت هذا المجدف المترامي على وحي الأنبياء عوض أن تهلك إسرائيل فأرغموا بيلاطس على توقيع الحكم ولو تمعنوا جيدا في كلام يسوع الناصري لوجدوه نفس الكلام الذي ردده موسى وإيليا وأليشع ويونان وكل أنبيائنا القدامى لكن بعبق فريد وأنوار جديدة،والحق الحق أقول أن هذا الآتي من ناصرة الجليل لم يأتي لينقض بل ليكمل وليعبر بالشعب صحراء تيهه وخوفه وعجزه تماما كما فعل موسى لكن لضفاف مملكته الساحرة و لأودية تفيض نورا وعطرا، فحسبوه مجدفا ونافخا بالبوق فصلبوه كما يصلب المجرم.
#عساسي_عبدالحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟