|
عن الحداثة
حسن حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2446 - 2008 / 10 / 26 - 09:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يطرح موضوع الحداثة ويراد منه أن يكون البلسم الشافي والحل الكامل والشامل لكل مآزقنا ومشاكلنا من النفسية إلى الاقتصادية والسياسية والثقافية... في حين يرى بالمقابل البعض الآخر أنه نذير انسلاخ واستلاب واقتلاع الهوية والارتباط بالمقدس.إلى هذا الحد يبلغ التباعد في الرؤى بين مثالية مسحورة وواهمة ورافضية متشائمة وعدائية وانكماشية... ننهل من تراثنا ومنتو جنا الفكري والثقافي والتاريخي وننتصر لخطابات متعددة ونتخندق بوعي أو بدون وعي في صراعات ثنائيةأو متعددة، وعبر كل هذا تتشكل الصور الفسيفسائية والتشكيلية لمواقفنا وتوجهاتنا، فنصبح في اجترار تاريخي لما واكبته أجيال حتى إن الأخ قد يصبح عدو أخيه أو نقيضه داخل البيت الواحد. هذه بعض ملاحظات سطحية لحال مجتمعاتنا الفكرية والثقافية، أعراض ظاهرة قد تكون صحية أو لاصحية، لكنها واقعية وموضوعية... لكن أن نناقش موضوعا مثل الحداثة أو العلمانية أو بعض مفاهيم ومصطلحات جديدة قد يفهمه من يريد مناقشته أنك تريد أن تجتره لخط سكة مغاير له لا يرغب فيه، متمو قف من اتجاهه... يعني هذا أن هناك رفض وامتناع وعداء لمثل هذه المفاهيم ولو عن جهل.وكم هم كثر من يجهلون هذا السياق.رفضهم عن جهل شكله خطاب يحمل لواء المقدس والدفاع عن الهوية والدين والخط الأصلي، يعطي لنفسه شرعية الصحة والكمال واعتبار المغاير حليف العدو والاستعمار وكل الويلات التي تسبب فيها الواقع التاريخي لمجتمعاتنا في عصور ومراحل متعددة.ما البديل إذا مع رفض جديد الفكر والثقافة ومعطيات العصر؟ هي بدائل متعددة تشكلت ولا يعني أنها ناجحة.هي بدائل تجد فيها من انكمش على أصول وثوابت ماضوية ونفض عنه كل زي عصري أو فن وطريقة تفكير، وآخر احتار بين ضرورة الواقع ورفضه الداخلي فبحث عن توفيق أو توليف أو تلفيق لطمس التناقضات وتوهم العلاجات.... وبعض آخر بطريقة السياسيين الشكليين الممثلين والمتقنين للأدوار، بجفاء وخواء يمارس لعبة التمركس والتأسلم والتغرب حسب الظرف و بحربائية متفاوتة...وبين هؤلاء وآخرين تجد المتشبث بالأصول والمناصر لها ويكون هو الأقوى لأنه أقل تناقضا في الممارسة و الكاشف لضعف الآخرين وأوهامهم.. ولحد الآن لم نتحدث عن أنصار الحداثة والتجديد ومواكبة تطورات العصر العلمية والفكرية والفلسفية... فداخل هذه الدائرة نجد المترددين كذلك والموفقين والحائرين والمغتربين والجذريين الرافضين كذلك لمعطيات التاريخ، إنه هذه المرة رفض للماضي عكس الآخرين الرافضين لمستحدثات الحاضر والمستقبل..... بهذه الملاحظات نجتر الثنائيات والصراعات والاختلافات المرتبطة بها.. فهل نستطيع أن نعطي تحليلا متجاوزا لها وبديلا عن تخبطاتها؟ نظريا نعم، لكن في الواقع سنبتعد عن التاريخ والمجتمع وأحداثه... هذا يعني أننا يجب أن نخوض غمار هذا الاختلاف وهذا الصراع، أن نخرج من داخله البدائل وليس من خارجه... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ما الحداثة؟ ما هو مفهومها المناسب لزمننا ومجتمعاتنا ومتطلباتنا؟ فمن خلال هذا السؤال ضمنيا نقول إن الحداثة متطلبات مراعية للمرحلة التاريخية والحضارية العامة التي يعيشها الفرد والجماعة في علاقات خاصة وعامة محلية ودولية.. ما هي المعطيات الموجودة والغائبة لتحقيقها؟ هل نحن في حاجة إلى هذه الحداثة أم في غنى عنها؟ هل عطاء الفكر إنساني شامل أم محدود بمعطيات جماعة أو حضارة أو حقبة؟ سؤال يريد التأكيد على نسبية أي تحليل أو تفكير، وعلى عدم امتلاك أي طرف كمال الفهم والحكم والتطبيق،إلا في تكامله بالخصوص مع نقيضه والتنسيق معه وليس إقصائه وتجاهله... داخل هذه الحلقة يأتي مصطلح الديمقراطية ،وهي اللعبة السياسية والإدارية والثقافية لتحقيق التوازنات بين الآراء والمصالح والمواقف والاجتهادات... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تجربة القرون الوسطى للمجتمعات الإنسانية أعطت صورا متعددة للاستبداد السياسي والحكم المطلق والظلم والإبادات والاسترقاق والاستعباد للرقاب.. بينت بشكل جلي على أن العدالة اقتصرت على فئات وطبقات ونماذج، وان المساواة كانت منسية ومطمورة رغم شعارات الأديان والثقافات... وأن القانون لم يكن بالمستوى المطلوب لحماية الأفراد والجماعات وتوفير الحقوق وتنظيم العلاقات بشكل أكثر عقلانية ومنطقية وعدالة... وإذا وقع الاتفاق على هذه الملاحظات والتي أريد لها أن تكون موضوعية وواقعية مقبولة... فهل استطعنا تجاوز واقع القرون الوسطى وبناء مرحلة تاريخية جديدة ؟ هناك إرادة تغيير وهناك رفض لهذا التغيير، هناك خوف من التحولات التي دخلتها المجتمعات وما ستؤول إليه. وربما هذه التخوفات أصبحت حالة مَرَضية ـ فوبيا جعلت البعض وقد يكون كثيرا ، يحارب ويقاوم كل تغيير ومتسلحا بسلاح الماضي ماديا ومعنويا.. فلا زالت النبال معتمدة في مقاومة الكفار ولا زالت الأدعية سلاح المؤمنين دون علم ودون تكوين ودون تدريب ودون تطوير ودون وعي ودون ودون....... ما يسجله علماء النفس في حديثهم عن صدمة الولادة النفسية عند المولود وشعوره بفقدان الكمال والخلود والحياة المشيمية الطبيعية، وصدمة الفطام والختان والفراق والهجر... كلها تركيبة تاريخية حاضرة عندنا في اجترار ماضي القرون الوسطى وعدم الرغبة في التحول بشكل بنيوي وهيكلي يناسب مسار الإنسانية الحالي وما تحتاجه في مستقبلها... التغيير إرادة والإرادة تكون من الداخل، وهي ما ينقص مجتمعاتنا، والمقاومة داخلية وشكلها عنيف لأنها مركبة مع تشكلات متراكمة وعميقة في كل سلوك فكري أو مادي عند الفرد أو الجماعة عندنا...يضعف هذا التغيير المنشود لأن بعض مريديه متواكلين على حدوثه من الخارج بلمسة ساحر او زحف ناعم... وقد عشنا تجربة الاتكال على معسكر الشرق في تغيير مجتمعاتنا، أو دور الاستعمار في ولادتنا من جديد ونفض غبار الماضي والتقاليد البالية.. ونحن نركن للتوفيق والتلفيق حتى لا نصطدم ولا ننزعج مع الأسرة والإدارة والتقليد والعرف... نعيد نفس الإنتاج حتى نجد أنفسنا في اجترار أكبر لهذا الماضي المراد تطويره... إن المشكلة في كل هذه الطروحات هي في علاقة مع الإنسان، فلا يكفي وضع تصورات وبدائل نظرية، إذا لم تخترق هذا الإنسان وتجعله فاعلا في التغيير مضحيا بحنينه ونكو صيته لأجل ولادة قيصرية داخل عقله ووجدانه وسلوكه الخارجي... إنه لا يكفي وضع المفاهيم والإطلاع عليها، لابد من البحث عن طريق تحقيقها و تفعيلها، كيف يمكن للحداثة والفعل الديمقراطي أن يتحققا من الداخل؟كيف يمكن تفادي تقليد غير مناسب لبيئتنا وظروفنا الثقافية والاقتصادية والسياسية؟ كيف نستطيع جر البساط من تحت أقدام كل من يستغل محاولات التغيير بدعوى التبعية للعدو وتكريس الاستعمار وتأييد الصهيونية والكفر...؟ وعمل التحديث بعيد عن هذا الاتهام. كيف نجعل هذا المتشدد للأصول والماضي موضوعيا وعلميا في تفكيره دون تعصب أو رفض واتهام وتشنج؟ إن مجتمعاتنا وثقافاتنا تعيش حالات مرضية كثيرة ومتشعبة، تحتاج إلى تشخيصات دقيقة للبحث عن طرق معالجتها وتجاوزها.. ما نريده ليس بالأمر السهل والهين، خصوصا وأن المجال خصب وواسع ويحتاج إلى عمل جماعي وبتنسيق محكم للقيام به.وحينما نطرح سياق العلاقات الحضارية والثقافية وتضارب المصالح بين الدول والمجتمعات يتعقد الأمر أكثر.. مما يوجب تناول هذه الإشكالية من زاوية موضوعية لائقة تتماشى مع إرادة التحديث والدمقرطة والرقي بمجتمعاتنا إلى مل هو أفضل ومناسب. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تفاعل حضارات أم صراعها؟ التساؤل ليس للفصل بل للوصف والملاحظة والتحليل.فكيف يستطيع كل منا أن يعرف حدود التفاعل والتجاوب من الصراع والتباعد بين حضارات إنسانية متعددة؟ كيف يستطيع فرض أخلاقيات الاختلاف واحترام هذا الاختلاف ومحاولة تغيير موقف الآخر إلى ما هو إيجابي وأفضل في العلاقات البشرية؟ إنها عمليات التأثير والتأثر المستمرة والدائمة في التاريخ الإنساني ولا أحد يستطيع الإفلات منها وإلا سيخلق مناخ ضغط يؤدي إلى الانفجار الداخلي أوالخارجي... مبدئيا مع أي طرح نكون هل التفاعل أم الصراع؟ كيف نغلب الأول على الثاني؟ وكيف نستطيع التحكم في الثاني لفرض الأول وتحقيقه؟ هذا هو المطلوب فعليا من كل من يريد بناء ركب حضاري إنساني ليجعل خصائصه ومميزاته الثقافية والحضارية قادرة على الانتشار والاستمرار والتطور إلى ما هو أرقى...
#حسن_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشروع تحديث الفكر الديني
المزيد.....
-
شون -ديدي- كومز يواجه ضحيتين أخريين في لائحة اتهامه
-
ترامب يتحدث عن السبب في حادث اصطدام الطائرتين في واشنطن
-
رئيس الوزراء العراقي يعلن القبض على قتلة المرجع الديني محمد
...
-
معبر رفح: متى تخرج أول دفعة من الجرحى من غزة ومن سيدير المعب
...
-
أول ظهور لتوأم باندا نادر في حديقة حيوان في برلين يثير إعجاب
...
-
هل خطط المحافظين في ألمانيا بشأن الهجرة قانونية؟
-
هل -يستعين- ميرتس بأصوات البديل مجددا؟
-
استعدادات لفتح معبر رفح ونتنياهو يهدد باستئناف القتال مع حما
...
-
إسرائيل تنفذ ضربات على مواقع لحزب الله في لبنان وتقول إنها م
...
-
-الويب تون-.. قصص مصورة نشأت في كوريا الجنوبية وتتطلع لغزو ا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|