|
اتجاه تطور الطبقة البورجوازية
بلكميمي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2438 - 2008 / 10 / 18 - 08:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قالت احدى الشخصيات الرئيسية في تراجيديا « فاوست» للكاتب الالماني جوته ، بحسرة : ثمة وبالاسف ، روحان تسكنان قلبي .. والواحدة منهما تريد الطلاق مع الاخرى . لعل هذا الكلام لهو اصدق تعبير ، عن الحالة النفسية التي تمر منها اليوم الطبقة البورجوازية المغربية ، ان هذه الاخيرة يمزقها تناقض داخلي حاد ، تتكون اطرافه من : من جهة : فهذه الطبقة التي نمت وترعرعت في احضان السوق الداخلية ( صناعة احلال الواردات ) ، سرعان ما وجدت نفسها بعد استنفاذ تلك السوق لامكاناتها التاريخية السابقة ، امام هذين الخيارين : 1- اما الاستمرار في الاعتماد على السوق الداخلية . لكن هذا يتطلب توسيعها ، ، الامر الذي يقتضي بدوره احداث اصلاحات جذرية على البنية الاقتصادية – الاجتماعية ... 2- واما هجرها الى السوق العالمية الراسمالية . ولقد اختارت الخيار الثاني السهل . ومن جهة ثانية : بعد انتهائها الى قرار اللجوء الى السوق الخارجية ، وجدت نفسها تصطدم ( في ظروف انفجار الازمة الراسمالية العالمية ) ، بجملة عوامل ردعت اندفاعاتها الطموحة . ولقد تمثلت تلك العوامل المعيقة في ثلاثة رئيسية : 1) انضمام اسبانيا والبرتغال الى السوق الاوربية المشتركة .. 2) الخلل الكبير الذي اصاب نظام التبادل التجاري والنظام النقدي ..3) السياسة الاقتصادية المزدوجة التي تنهجها البلدان الراسمالية المتطورة ، والمتمثلة في: من جهة ، توجهها نحو التحديث الاقتصادي عبر التخصص في المجالات ذات التكنولوجيا المتطورة ، وهي سياسة تفرضها ضرورة تحسين موقعها التنافسية في السوق العالمية .. لكن من جهة اخرى رفضها احداث قطيعة تامة مع الصناعات الكلاسيكية ، رغم انها اصبحت بدون مردودية اقتصادية ورغم انها تكلف الدولة دعما ماليا ضخما . والسبب في ذلك هو ان تلك الصناعات تمثل مجالا هاما للتشغيل ، وبالتالي فان الدولة تتجنب تصفيتها من اجل الحد من اتساع البطالة . وبالطبع فان تلك السياسة المزدوجة ، تحرم البلدان المتخلفة مثل المغرب ، من التخصص في الصناعات الكلاسيكية ، وفق قسمة عمل دولية جديدة . والخلاصة اذن هي ان الطبقة البورجوازية المغربية ، لا يمكن لها ان تتقدم الا عن طريق تحقق واحد من اثنين : اما اصلاح السوق الداخلية اصلاحا جذريا ( وهذا هو الخيار الوطني ) ، واما اصلاح السوق الراسمالية العالمية ، وهذا يعني تعميق الارتباط والاندماج بالراسمال الاحتكاري العالمي . ان الخيار الاول في متناولها ، لكنها لاتريده ، لانه يتطلب منها تنازلات كبيرة ( مثل الاصلاح الزراعي ، وتاميم التجارة الخارجية والابناك الرئيسية ، واعادة الاعتبار للقطاع العام ). اما الخيار الثاني فهي تريده ، ولكنه ليس في متناولها ، كيف سيتم الحسم ؟ . لكي ينتصر الخيار الوطني ، لابد من توفر شرطيين رئيسين : الاول ، ان تكون الطبقات الشعبية وتنظيماتها السياسية والنقابية ، قادرة على فرضه . والثاني ، ان تكون افاق السوق الخارجية افاقا مظلمة بالنسبة لها . لكن القوى الشعبية لا تملك في الوقت الحاضر ، القوة التي تمكنها من فرض الخيار الوطني . ثم من ناحية اخرى ، ان الطبقة البورجوازية المغربية تستطيع دائما ، ايجاد موطئ قدم في السوق العالمية ، فضلا عن ان هذه الاخيرة مرشحة لنوع من التغير يستجيب لبعض رغبات البورجوازية المغربية ( ان التوفيق بين سياسة التحديث الاقتصادي في المجالات ذات التكنولوجيا المتطورة ، وبين المحافظة على الصناعات الكلاسيكية ، لدرء اخطار تفاقم البطالة في البلدان المتقدمة ، هي مجرد سياسة انتقالية بالنسبة للراسمال الاحتكاري العالمي . ذلك ان تناقضاته الداخلية نفسها ، عندما تعجز عن التوفيق الدائم بين مصالح الربح الراسمالي وبين الاعتبارات الاجتماعية المحضة ، فانها تدفعه بالضرورة الى التضحية بمصالح الشغيلة . وهذا ما بدانا نلمسه بشكل صارخ في بريطانيا ، التي تمت فيها بطريقة عنيفة ، تصفية الصناعة الكلاسيكية في مدن الشمال العريقة ، التي مثلت تاريخيا مهد الثورة الصناعية الكلاسيكية ) . من هنا يبدو بان اتجاه تطور الطبقة البورجوازية المغربية ، سيتبع طريق المزيد من الاندماج في الراسمال الاحتكاري العالمي ، وليس الارتداد ضده لصالح السوق الوطنية . وفي الحقيقة ان الاتجاه الاندماجي التبعي الجديد ، قد تم حسمه منذ مدة ، وهذا ما يبينه التوجه الليبرالي المتبع حاليا ، والمتمثل بشكل خاص في تبني البرنامج الاقتصادي لصندوق النقد الدولي . ان المرحلة التاريخية التي نحن بصدد اجتيازها ، ستكون قاسية بالنسبة للشعب الكادح ، سواء من الناحية الاقتصادية ( الضغط على الاجور لتحسين الموقع التنافسي للبورجوازية المغربية في السوق العالمية ) ، او من الناحية السياسية ( قمع الحريات لفرض ذلك الضغط الاقتصادي ) .
8- تناقضات الطبقة البورجوازية المغربية
ان البورجوازية المغربية لايمكن لها ان تنمي ذاتها كطبقة ، بدون تنمية في نفس الوقت ، الطبقة العاملة والطبقة الوسطى . وفي مرحلة معينة من التطور ، سيحتد التناقض مابين : الطابع الديمقراطي للمجتمع المغربي ( الناجم عن تنامي الطبقات الديمقراطية ، وعلى راسها البروليتاريا والطبقة الوسطى الحديثة ) ، وبين الطابع الهيمني للبورجوازية السائدة على راس الدولة . ان الحل السياسي الوحيد الممكن لذلك التناقض ، هو احداث تطابق بين المجتمع المدني والدولة السياسية وهذا يعني الانتقال من دولة الهيمنة للطبقة الواحدة الى دولة كل طبقات المجتمع . لكن هذا التناقض السياسي الذي يقود الى ترسيخ الحياة الديمقراطية في البلاد ، لن يكون نهاية المطاف ، بل انه سيدفع الى بروز على السطح بتناقض جديد هو : مابين الطابع الاجتماعي للانتاج ، والطبع الخاص لملكية وسائل الانتاج . ان الحل التاريخي الوحيد الممكن لذلك التناقض ، هو احداث تطابق بين الانتاج والملكية . وهذا يعني الانتقال من الملكية الراسمالية الى الملكية الاشتراكية لوسائل الانتاج . انتهى .
#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحول راسمالية الدولة الى طبقة بورجوازية - تابع -
-
تحول راسمالية الدولة الى طبقة بورجوازية
-
ظهور راسمالية الدولة التبعية
-
من الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية
-
تحول الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية - تابع –
-
تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية - تابع –
-
تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية .
-
تطور الراسمالية الكولونيالية المغربية .
-
نظرية الراسمالية المغربية – عبد السلام المؤذن-تابع-
-
نظرية الراسمالية الكولونيالية المغربية عند عبد السلام المؤذن
-
جوهر الراسمالية الكولونيالية المغربية لعبد السلام المؤذن
-
نظرية الرأسمالية المغربية لعبد السلام المؤذن
-
نظرية الراسمالية المغربية – عبد السلام المؤذن ... الجزء الثا
...
-
نظرية الراسمالية المغربية عند عبد السلام المؤذن 1
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|