|
حول ما جاء في رواية -بحث- للكاتبة مليحة مسلماني
زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)
الحوار المتمدن-العدد: 2438 - 2008 / 10 / 18 - 04:36
المحور:
الادب والفن
صدر عن "بديل- المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين" دراسة بحثية تحمل العنوان المدون أعلاه، للكاتبة مليحة مسلماني،.. المادة منشورة في موقع بديل على شبكة الانترنيت عبر الرابط التالي: http://www.badil.org/Arabic-Web/Publications/Press/2008/pressA-01 2008.htm وقد جاء في التعريف الذي اعتمده مركز بديل ما يلي:" صدر حديثاً عن مركز بديل ثلاثة أوراق بحثية، كانت قد فازت بالمراتب الثلاث الأولى ضمن جائزة العودة السنوية التي عمل عليها مركز بديل في العام 2007، كانت اللجنة الخاصة بالحكم قد اختارتها من بين مجموعة زادت عن الأربعين بحثاً...."
تتناول مسلماني بالتحديد "الفن التشكيلي نموذجًا" ومن هنا فإنها تتعامل مع ظاهرة الفنون التشكيلية الفلسطينية، على كونها مادة حية لها دورها في فضاء الثقافة الفلسطينية المعاصرة. وتحاول بذلك تحديد ملامح "النكبة" فيما أُنتج من فنون تشكيلية على يد فنانين فلسطينيين منذ النكبة إلى حين إعداد البحث.
مدخل: تشير الكاتبة، للتعبير عن وجهة نظرها، حول خصوصية فكر المقاومة والتصدي، في أدوات الثقافة الفلسطينية، إلى نص يعود لادوارد سعيد يقول فيه" فان الثقافة تمثل أداة للمقاومة في مواجهة محاولات الطمس والإزالة والإقصاء. إن المقاومة شكل من أشكال الذاكرة مقابل النسيان". ص 9
وتضع استنتاجًا أوليا مسبقًا لما تريد أن تصل إليه في نهاية ما تبحث عنه، فتكتب "وبعد ما يقارب الستين عامًا من هذا التحول في كل مضمون ووظيفة الخطاب الثقافي الفلسطيني، (ولا ادري عن أي تحول تتحدث ز.ح) استطاع هذا الخطاب صياغة هوية ثقافية". ص 9. فإذا كان هناك ثمة تحول فهذا يعني أن الخطاب الثقافي الفلسطيني في مرحلة ما لم تكن له صيغة ما لهويته الثقافية؟! في حين يبدو أنها تريد أن تؤكد "ذلك أن الهوية الثقافية الفلسطينية تستمد معنى وجودها من القضية السياسية، ومن ناحية ثانية تجد الهوية السياسية ارتكازًا لها في الهوية الثقافية" ص 9. وكأن القضية الفلسطينية في صلبها قضية سياسية محضة، بعيدة كل البعد عن صلبها الإنساني الذي هو أساس هذه القضية، منذ ما قبل النكبة والى دهر عودتها وطنًا شرعيًا لكل إنسان فلسطيني.
في السياق التاريخي تؤكد الكاتبة إنها تعتبر النكبة إحدى أهم الركائز التي تنوي بحثها، وذلك استنادًا إلى عنوان البحث، كما وتعود لتأكيد ذلك فيما يلي: "من خلال التركيز على تمثيلات النكبة في التشكيل الفلسطيني" وهذا يعني أن للنكبة رموزها وعناصرها وموتيفاتها في خصوصيتها الأولية، كما لها إسقاطاتها وتجلياتها في سياق التطورات التاريخية، الأحداث والمتغيرات، كموضوعات متميزة تجول في فضاء ما أنتجته النكبة، وحول النكبة وما بعدها بصورة عامة.
وحين تبدأ بسبر أغوار مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني، تجزؤه إلى ثلاثة مراحل ".... يبحث الجزء الثاني في تمثيلات النكبة في الفن الفلسطيني في المراحل السابقة والتي تمتد منذ النكبة حتى بداية التسعينات، بحيث يتم بحث تمثيلات النكبة في بعض أعمال تعود إلى رواد الفن التشكيلي الفلسطيني. أما الجزء الثالث فيتضمن تحليل نماذج من أعمال فنية تعود إلى الجيل الشاب من التشكيليين الفلسطينيين تعالج موضوع النكبة" ص 10 وحين تتحدث عن رواد الحركة التشكيلية بداية بالفنان إسماعيل شموط، تكتب "يعتبر الفنان إسماعيل شموط رائد تمثيل مأساة اللجوء الفلسطيني" وكأنها تريد أن تحصر ما أنتجه عملاق الفن الفلسطيني، وواضع رواسي هذا الفن على مدى نصف قرن، في "تمثيل مأساة اللجوء الفلسطيني".. حاذفة من خلال هذا "التعظيم" المبطن كل ما أنتجه وساهم فيه وأسس له، هذا الفنان العريق على مدى عطائه الطويل، في حين ما زالت أعماله تحمل رسالة الإنسان الفلسطيني وقضيته في محافل الفن العربي والعالمي. وفي سياق ذكر الرواد نجدها تمر مر الكرام على بعض الأسماء رفعًا للعتب، فتذكر منهم ناجي العلي، سليمان منصور، نبيل عناني، عبد عابدي، عبد الرحمن المزين، في حين تُغيّب، ربما سهوًا أو عن رصد وسابق إصرار، أسماء الرواد السابقين الذين واكبوا الفترة الزمنية المحاذية للفنان إسماعيل شموط، ومنهم مصطفى الحلاج، تمام الأكحل، سامية حلبي، كامل المغني، برهان كركوتلي، إبراهيم غنام، ميشيل نجار، إبراهيم هزيمة، احمد نعواش، وآخرون.
ولست هنا كي أدافع عن إسماعيل شموط وتاريخه الفني العريق، فهو في عنًا عن ذلك، لكنني أضيف هنا ما جاء عنه على لسان عبد الرحمن اللبان في ندوة عن الفن التشكيلي الفلسطيني في جامعة بيروت العربية عام 1979 إذ يقول: "إن أهمية إسماعيل شموط لا تكمن في كونه رائد الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية المعاصرة باعتباره أول من درس هذه الفن فحسب، بل لأنه أيضا وضع اللبنات الأولى بجدية وإيمان وعمق لحركة تشكيلية فلسطينية معاصرة، ولدت مع النكبة، مع حدث إنساني رهيب، ورسخ منذ ولادة تلك الحركة ثوابت للرسم والتصوير الفلسطيني جعلت من الإنسان وقضية الإنسان ووطن الإنسان الفلسطيني الموضوع الرئيسي في العمل الفني).
وكي ادلل على أهمية التطرق لهذه الأسماء التي واكبت نشوء الحركة التشكيلية الفلسطينية وساهمت في إرساء معالمها، لان الكاتبة أعطت صيغة كتابتها صفة "البحث".. وصدر على كونه كذلك، وربما يصبح مع الزمن مادة يتوجب على الباحثين الآخرين، وعلى طالبي المعرفة لتاريخ الفن الفلسطيني العودة إليه.. لذا أورد ما يلي: "وهذا يعني أن أية دراسة نقدية تتم بمعزل عن البحث في الأحداث وأثرها في الإنتاج الفني ستبقى قاصرة عن تحديد الخصوصية الجمالية والتعبيرية للفن الفلسطيني. فماذا عن تأثيرات الأحداث ودورها في صياغة ما هو متميز في ارتباطه بالحياة الفلسطينية؟" خليل صفية ـ صوت فلسطين ـ العدد 228 كانون الثاني 1987، وهذه الأسماء هي صانعة للحدث التشكيلي الفلسطيني الذي هو انعكاس عفوي وإنساني للنكبة وما بعدها، وهي ركائز ساهمت بشكل فعلي في تحديد هويته الثقافية. من هنا يتوجب على من يضع نفسه في موضع القيام ببحث يتناول فيه مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني، وخاصة حول دور النكبة في هذا الفن، عليه أن يرصد إنتاج العدد الأكبر من هؤلاء الفنانين وتاريخهم، هذا إذا كان يتوخى الموضوعية والمصداقية لما يبحث عنه، أو لما يريد أن يثبته أمام الحقيقة والتاريخ.
"بوستر" يعني ملصق سياسي.. لا أكثر! إلا أن الكاتبة توصلت في مفادها عن تلك المرحة وما أنتجه رواد الفن التشكيلي الفلسطيني إلى انه نوعًا يشبه "البوستر" يعني الملصق السياسي، إذ كتبت "في تلك المراحل من مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني تحولت اللوحة في معظم أعمال الرواد إلى أشبه بـ "بوستر" سياسي ونضالي، من خلال طرحها المباشر للقضية السياسية واحتوائها على رموز التراث، الهوية والكفاح والمقاومة الفلسطينية." ص 17. وهل يعني ذلك أن القصائد التي كتبها محمود درويش وراشد حسين وتوفيق زياد وسميح القاسم وآخرون، ما هي إلا ملصقات شعرية سياسية شعاراتية، لأن أشعارهم احتوت في سياقها مفردات عن الثورة واللجوء والخيام والتحدي، وحملت الأمل في استعادة الوطن والعودة إليه.؟!
إن للملصق السياسي في تاريخ مسيرة القضية الفلسطينية دوره البارز والهام، ولقد شارك عدد كبير من الفنانين الفلسطينيين في إعداد مثل هذه الملصقات لمناسبات وطنية وثقافية متعددة، "وتتحدث موسوعة الفن التشكيلي الفلسطيني في الفصل السابع عن الملصق الفلسطيني، حيث تعتبر أن العام 1967 هو البداية الحقيقية للملصق الثوري الوطني حين بدأ الفنان الفلسطيني يبحث عن رموز لوصف الثورة مثل: "الحطة، النار، الديك، الحصان، الحمامة، الشمس، القدس، الشهيد، المخيم..." حيث استعملت الصورة الفوتوغرافية في الملصقات، وتم التركيز على الخط والكتلة لإبراز القوة الفلسطينية والعضلات وبعض الأجساد الغائمة، ويعيد الباحث المناصرة المرحلة الرموزية الخاصة بالملصق إلى الفترة الممتدة منذ هزيمة 1967 وحتى 1982، ويرجع الأمر إلى أن الملصق كان نتاج مؤسسات الثورة بالتعاون مع الفنان، أما في مرحلة الثمانينيات فقد أصبح الملصق أكثر اهتماماً بالتشكيل والاختصار، واستبدال الرموز بالعلامات التشكيلية المجازية مقترباً من اللغة التشكيلة العالمية للملصق، وإن طغى الغموض والتعقيد على بعض الملصقات." عز الدين المناصرة ، الفن التشكيلي الفلسطيني في القرن العشرين، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع –ط1 – عمان2003 .
رواد الفن التشكيلي الفلسطيني جاء عن طليعة رواد الفن التشكيلي الفلسطيني أن "إسماعيل شموط وتمام الأكحل ( رائدا فن التصوير الفلسطيني الحديث)، مصطفى الحلاج ( رائد فن النحت وفن الجرافيك) ، ناجي العلي ( رائد فن الكاريكاتير الفلسطيني ) ، بول غيراغوصيان ( فنان الألوان الإنسانية) حيث يؤكد على جهدهم غير العادي، وريادتهم الفنية الفعلية، لا التاريخية، فهم الذين وضعوا القواعد الأولى وساهموا بعد نكبة 1948 في رسم الهوية فنياً في وقت لجأ فيه كثيرون إلى الصمت، بحيث أصبحت أعمالهم ذات هوية فنية من خلال تشكيلهم الخاص، و ذات هوية وطنية من حيث الموضوع، مما جعل من فنهم علامة مركزية في الفن الفلسطيني الحديث رغم تعدد الهويات الفنية لديهم." (المصدر السابق)
وتترك الكاتبة أسماء رواد الحركة التشكيلية الفلسطينية في استثناء مقصود لتتناول في سردها عن مرحلة الرواد.. "من رائدات التشكيل الفلسطيني تعتبر جوليانا ساروفيم (مواليد يافا 1934) فنانة متميزة على صعيد الأسلوب الذي استخدمته في أعمالها، وعلى صعيد عمق المضمون من حيث البحث في جوّانية الذات الإنسانية" ص 14.
لا شك في مقدرة الفنانة جوليانا ساروفيم الخاصة بأسلوبها وموتيفاتها الجمالية في صياغة اللوحة، بيد انه بين ما أنجزته ساروفيم وبين رموز النكبة وما بعدها هناك بعد سحيق يصعب على الكلمات والتحليل اللغوي أن يمحوه أو أن يزيل رموزه ومزاياها. إن معظم أعمال ساروفيم لها علاقة بالتعبيرية الهولامية، فهي نوع من التداخل الحسي في تصوير الملامح الأنثوية الغارقة في فضاء مشبع بالزخارف النباتية والوردية، كنوع من الإعلان عن أنثوية دور المرأة في الطبيعة. وهو نوع من الرسم "الإيروتي" بشكل عام، إلا أن ساروفيم أعطته تلك الصبغة الرومانسية من ناحية المفردات التشكيلية، في زحمة الرموز المتلاصقة لونًا وظلال. وكي أؤكد هذا القول أعود إلى ما اقتبسته الكاتبة حول الرؤية الفنية لساروفيم حيث تقول الفنانة جوليانا ساروفيم: "أنا لا أميز بين الفن والحياة، في الفن ألقى الحب، وفي الحب القي الحرية." وهذا هو صلب رسالتها الفنية، وأنا اقدر واحترم لها ذلك وهو حقها الإنساني في التعبير عن ذاتها، أما أن نأتي ونقول أن هذه الأعمال هي صورة عن الحنين إلى يافا والى بياراتها والى فلسطين بشكل عام.. فذلك كمثل ذر الرماد في العيون، لتقديم وجهة نظر على أخرى خدمة لسيد أو لمشروع ما!! تكتب مسلماني عن حنينية ساروفيم "الفلسطينية" في حين أن الفنانة ساروفيم لم تعتبر نفسها فلسطينية في يوم من الأيام، وكان يكفيها انتمائها إلى لبنان، وتاريخها ومسيرتها الفنية والإنسانية اكبر دليل على ذلك.
وكي تجد الكاتبة ما تستند إليه لدعم وجهة نظرها، تذهب إلى ما جاء على لسان الفنان كمال بلاطه في تعريفه لأعمال ساروفيم، حيث كتب: "ومن خلال التداعي الحر بين المستذكرات والذات، تزاوجت تفاصيل المكان المفقود مع ثنايا الجسد الحميم." واللوحة التي اعتمدتها الكاتبة كنموذج من أعمال ساروفيم هي لوحة (امرأة – زهرة 2) لوحة زيتية على قماش 80/100 أنجزت منذ عام 1972. وقد قيل يقرأ الكتاب من عنوانه.. فماذا بعد؟!!
تغّيب واستحضار في مرحلة الرواد تصبح النماذج التي اعتمدتها الكاتبة، "من رائدات التشكيل الفلسطيني" هي الركيزة الأساسية "لبحثها"، في حين تُغّيب أسماء الرواد الحقيقيين، ربما لغرض في نفس يعقوب! فالفنانة تمام الأكحل التي وازت في مسيرتها كوكبة الرواد الأوائل، من ناحية المقدرة الفنية والاستباق التاريخي، نجد انه ليس لها مكان بين سطور مسلماني، وكأن تمام الأكحل غير موجودة وليس لها أي دور في مسيرة الفن التشكيلي. مع العلم أن ما قدمته تمام الأكحل يوازي ما قدمه عشرات الفنانين الفلسطينيين الذي تاهوا في مسارات الغيبوبة والبحث عن "الفن من اجل الفن". ويذكرني ذلك بما كتبه الفنان محمد أبو زريق في مقدمته لكتاب تشكيليون أردنيون معاصرون، في حين أنهم فنانون فلسطينيون، وهو يعتبر الفن الفلسطيني والأردني ذاتان متصلتان ببعضهما ولا يمكن التفريق بينهما بأي حال من الأحوال، يكتب أبو زريق في هذا السياق ما يلي: "يتبدى هذا التيه في المعايير التشكيلية من جهة، كما يتبدى في هذا النمو غير المنضبط من جهة أخرى. ليصبح الفقير جماليًا الفاقد لكل مسوغات الفن مشروعًا حداثيًا وثوريًا، ويلاقي الرعاية والدعم والإعلام والتسويق، مما أدى إلى وجود متخصصين من سماسرة وأفاقين، وصحافة فنية لها ارتباط وثيق بمتطلبات السوق." كتابة ص 14.
ولم يطال التغيب الفنانة تمام الأكحل وتاريخها الفني العريق وحسب، بل وطال أيضا أسماء رواد آخرين، كما ذكرت سابقاً، وهنا أعيد التذكير بهم، وأتساءل حول تغيب ما قدمه شيخ الفنانين الفلسطينيين الفنان مصطفى الحلاج، وتغيب دور صاحب الموال الفلسطيني الفنان السوري برهان كركوتلي، والقفز عن دور رائدة الرفض الفلسطيني الفنانة سامية حلبي، التي ما زالت إلى اليوم تناضل بما تملكه من قدرات فنية وإنسانية، وتعمل بشكل دءوب على دفع مسيرة الكفاح الفلسطيني فنيًا وعمليًا.
تحليل أعمال نموذجية لفنانين شباب على الساحة الفلسطينية هناك متسع للجميع، حتى للذين لا يعتبرون أنفسهم أبناء فلسطين، في حين أنهم فلسطينيون بحكم الولادة. واذكر هنا ما قاله الكاتب أميل حبيبي في مناظرة سياسية تطرق فيها إلى الليكودي أمل نصر الدين، الذي كان يعتبر نفسه إسرائيليا أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، فقال عنه حبيبي "انه فلسطيني إن أراد وان لم يريد".. وأقول أن هذا النوع من الفلسطينيون هم أثقل وأقسى من أعداء الشعب الفلسطيني "فظلم ذوي القربى اشد غضاضة".. وأنا هنا لست بصدد محاسبتهم عن تاريخهم وإنتاجهم وتحديد انتمائهم، إلا أنني أسجل اعتراضًا على ما ورد في كتابة مسلماني، على أن يصبح هؤلاء، بموجب استنتاجاتها، هم الناطقون الرسميون لتاريخ القضية الفلسطينية، وان يصبح البعض منهم حاملي لواء الفن المعبر عن هوية الشعب الفلسطيني وذاته الثورية.
ولا أريد أن أتعرض لكافة الأسماء والنماذج التي كتبت عنها مسلماني، إذ إن هناك أسماء لها مصداقيتها ولا يمكن الانتقاص من دورها الفني تاريخيا وفلسطينيًا. في حين إن الكاتبة تعاملت مع صالحها وطالحها بنفس المقدار من المصداقية والانتماء، حيث كتبت: "الفنان الفلسطيني اليوم يؤنسن القضية السياسية ليصبح تاريخها هو سيرته الذاتية، ومكانها، فلسطين، هو الذات الفلسطينية نفسها." ص 26
لقد اعتمدت في طرحها على إحدى لوحات الفنان الراحل عاصم أبو شقره، وهي تَعتَبر "لوحته (صبار) التي أنجزها عام 1989، من أكثر اللوحات إثارة للجدل وفضحًا لعمق قضية الإنسان الفلسطيني في مواجهة "الآخر" سارق أرضه وهويته. وتمثل تلك اللوحة الهوية الفلسطينية المرتكزة على قدرة الشعب الفلسطيني على البقاء والحفاظ على الهوية رغم اقتلاعه من أرضه." ص 16- 17
الفنان الراحل عاصم أبو شقرة (1961- 1990)، الذي وافته المنية وهو بعد في ريعان الشباب والعطاء، اثر إصابته بمرض السرطان، وهو بعيد عن أرضه وبلده، حيث أمضى سنوات عطائه الفني في تل أبيب، ومات هناك! وأنا هنا لا أود الحديث عن تاريخه وحياته الشخصية لأنها ملك له وحده ومن حقه أن يختار الحياة التي يريد. لكن بما أن الكاتبة اعتمدت إحدى أعماله نموذجًا للدلالة على دور النكبة في الخطاب الثقافي الفلسطيني، وأعطت لهذه اللوحة صفة "الهوية الفلسطينية" أجدني مضطرًا إلى كشف الحقيقة التي تزخر بها المكتبة الإسرائيلية عن مسيرة هذا الفنان وانتمائه. في مقالة بعنوان "الإخوان المسلمون" والتي نشرت في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في أيار من عام 2003، والموقعة باسم يائير اطيمر وميراف سيج.. تطرق الكاتبان إلى تاريخ عائلة أبو شقرة من أم الفحم.. وجاء فيها " ولد صالح أبو شقرة سنة 1929 لعائلة فلاحية بقرية اللجون، التي أقيم على أطلالها كيبوتس "مجيدو". وقد وصل إلى أم الفحم سنة 1948 مع العديد من المهجرين والنازحين من قرى منطقة حيفا، والجليل والمثلث. و بعد حرب الاستقلال (النكبة ز.ح) مباشرة، أي بجيل 21 من عمره، التحق مع اثنان من إخوانه الأكبر منه في سلك الشرطة الإسرائيلية، وقد عملوا حينها طباخين في شرطة حرس الحدود،.... مع مرور السنوات ترك صالح عمله كطباخ والتحق بالعمل كشرطي، وما بعد حرب الستة أيام (حرب حزيران 1967) انتقل للعمل قريبًا من مكان سكناه، أي بمركز شرطة مدينة جنين (المحتلة)، واستمر في العمل هناك إلى أن خرج للتقاعد سنة 1982".
وجاء في المقالة أيضا: "إن دوامة انتماء عرب إسرائيل، تتجسد في أبناء صالح ورقية أبو شقرة من أم الفحم، إذ يوجد من بينهم، اثنان في شرطة إسرائيل (محمد وعايد)، ورسام تل ابيبي مشهور هو (عاصم)، ورئيس الجناح الشمالي للحركة الإسلامية، الشيخ رائد صلاح."
أما عن الفنان عاصم أبو شقره فقد جاء: "حين بدأ عاصم برسم نبتة الصبار رسمها كما هي في الطبيعة، لكنه عندما انتقل للعيش في تل أبيب رسم الصبار في أصيص، مغروسًا في أصيص، تقول الفنانة والناقدة ومنظمة المعارض طالي تمير، التي كانت أيضا أستاذته في الرسم. تقول عنه.. لقد فسرت ذلك كتعبير عن الغربة، كتعبير عن شيء ليس في مكانه. لقد رأى عاصم فيه تعبيرًا عن ذاته، كأنه اقتلع من قريته ليتحول إلى تل ابيبي. كان منخرطًا ونشيطًا في حياة المدينة، حتى انه لم يكن على استعداد للعودة إلى قريته، رغم الصعوبات. إن هو عاد مرة إلى قريته فلأنه كان مضطرًا لذلك، حين كان يشتد عليه المرض."
ويستمر المقال في سرد الأحداث والوقائع، فيتناول لقاء حول عاصم أجراه الكاتبان مع أخيه عايد حيث يقول: " لقد عرف عاصم أن نهايته أصبحت قريبة" وقال عن أعماله الأخيرة.. " كان لديه دافع لكي يقول: أنا أيضا (تصباري – تعريف استعمله الإسرائيليون لليهود الذين ولدوا في إسرائيل) أنا أيضا، وليس فقط ذلك المغربي الذي جاءوا بهِ من الخارج" ... "هو أراد أن يقول: أنا إسرائيلي".
واعتقد إن تفسير لوحة "صبار" ومجموعة "الصبار" برمتها، فيما روته مليحة مسلماني بعيد عن الواقع والحقيقة. فأعماله وبشهادته هو كانت تتحدث عن صراعه مع المرض، فالجزء الأول من أعماله التي تناولت نبتة الصبار في وعاء معدني أو فخاري، اكتسى ألوانا وروحًا حية، في حين جاءت الأعمال الأخيرة سوداوية باهتة كأنها تريد أن تقول إن كل شيء شارف على النهاية، نهايته هو. وقد شاءت الظروف واقتنى احد المتمولين اليهود بعضًا من أعماله حين عرضت لأول مرة في متحف تل أبيب سنة 1995، ودفع احدهم مقابل اللوحة مائة آلف دولار ليصبح اسم هذا الفنان في الصف الأول مع فناني إسرائيل الكبار.
وهناك نماذج أخرى لفنانين اعتمدتهم الكاتبة مسلماني، كدلالة عن تأثرهم بالقضية الفلسطينية وإسقاطات النكبة على حياتهم الفنية، في حين إنهم لم يعترفوا بانتمائهم الفلسطيني لا من خلال مواقفهم الإنسانية ولا من خلال مسيرتهم الفنية "النضالية".. فمنهم من خدم في جيش الدفاع الإسرائيلي ووصل إلى رتبة ضابط، في حين كان بمقدوره أن يعفى من هذه الخدمة كونه ابنًا لعائلة قتل ربها أثناء تأديته الخدمة في حرس الحدود. كما أن العناوين التي يطلقها على أعماله ليس لها صلة بالقضية الفلسطينية أو العودة، وما تذكره الكاتبة من تحليل للوحة ما، هو بعيد كل البعد عن هواجس الفنان ومسيرته. ولا أود هنا أن أتطرق إلى الحقائق والوقائع والأعمال العديدة التي تثبت عكس ادعاءات الكاتبة.. لأن البعض سيعتبر ذلك تجريحًا، بيد إنها الحقيقة، والحقيقة جارحة في أكثر أبعادها، خاصة حين ندخل في متاهات كشف حقيقة العرض والطلب في أسواق المال والفنون.
خلاصة خلصت الكاتبة إلى خلاصة بحثها لتكتب: "وبذلك جاءت أعمال رواد هذا الفن توثيقًا، بالمعنى الحرفي للكلمة، لمأساة التشتت وضياع الأرض، وتحولت تلك الأعمال، بمباشرتها بطرح قضايا النكبة والاحتلال واللجوء إلى أشبه بـ "بوستر" سياسي في مضامينه ونضالي في وظيفته" وتصل بعد ذلك إلى "يضع الفن التشكيلي الفلسطيني اليوم الشعارات جانبًا، ويتخلى عن تلك المباشرة في الطرح، لكن لم يختلف المضمون السياسي، القضية الفلسطينية من هذا الفن، بل على العكس....." ص 25. وتنتهي الكاتبة إلى احتمال: "ربما في تلك الانسنة وجعل ما هو عام ذاتي، يجد الخطاب الثقافي الفلسطيني حل قضيته التي هي إنسانية بالأساس." ص 26
لست ادري من ستخدم الكاتبة من خلال تغييب تأثير النكبة على مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني من خلال الأعمال التي أنجرها رواد هذا الفن، وإظهار نماذج تتأرجح ما بين "الذاتية" والمعالجات اللونية والفنية في أعمال فنانين آخرين. فما أنجزاه إسماعيل شموط وتمام الأكحل في مشروعهما الأخير "السيرة والمسيرة"، والذي رصداه وقفًا للمتحف الوطني الفلسطيني، حين يقام على ارض فلسطين وبإرادة الشعب الفلسطيني، بالتحرير وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، هو اكبر من كل تلك الأعمال "الذاتية" التي أصبحت بمفهوم الكاتبة "هوية فلسطينية".. فالي أين تصبو الكاتبة في سردها لجانب ما في حين تغيب الجانب الآخر، الجانب الذي حمل فلسطين، نكبة، وتهجيرًا، وقضية، وشعبًا.. إنسانيا وسياسيًا.. ككل شعوب الأرض وككل فنان صادق عانى شعبه من الاضطهاد والمذلة.
لقد رسم بيكاسو لوحة غيرنيكا، ليواجه بها النظام الفاشي المتحالف مع النازية، فتخايلوا لو انه رسمها وهو يرفل برغيد العيش في ظل حكم فرانكو وفي إحدى محميات قصوره آنذاك.؟؟! وتخايلوا لو إن ألوحات المعاصرة للفنان الإيراني أيمن المالكي، والبالغة من الدقة في ملامحها وسرديتها ومفرداتها، حد الإعجاز، بطابعها الكلاسيكي المحض، تم نعتها بـ "بوستر" كيف كان سيكون حال الفن التشكيلي وتحديد رؤيته في المنظور الفلسفي والنقدي.
هناك دوافع خلف هذا النوع من الكتابة، الانتقائية والاستثنائية والتغيبية، لا يخدم سوى اتجاه واحد، ولا يصب سوى في خانة واحدة هدفها تشويه الصورة الحقيقية لتاريخ القضية الفلسطينية الثقافية والنضالية والإنسانية. كفى!!
شفاعمرو – الجليل 15.10.08
#زاهد_عزت_حرش (هاشتاغ)
Zahed_Ezzt_Harash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشكيل بطعم الارض
-
منارات خافتة
-
ستون عامًا (1)
-
حول المعاقين العرب - الواقع والتحديات
-
-صح النوم- حلم طال به الانتظار!
-
على أهداب -نسيج آخر للوقت-
-
إلى محمود درويش.. وكل العرب!!
-
وطني وأنت
-
هل يعود عضو الكنيست د. ع الى البلاد
-
حواريات - سامحيني يا امل الدنيا
-
كل سني وانتو سالمين
-
الأعمال المدمرة -شهداء- وما هشمته الحرب هم -جرحى- وجراح أكثر
...
-
رجعنا لقصة الجواسيس
-
ايها المجرمون.. قتلتم الإنسان والطبيعة والحضارة
-
فشل معرض -صمت الدماء- يا بلد الهريسه
-
يا شيعه.. يا شيوعية!!
-
وداعاً ايها العاشق الكبير
-
للمسرح ميدان
-
يا دولة العدالة والعدل العظيم
-
شفاعمرو الان .. الان الان!!
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|