جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2437 - 2008 / 10 / 17 - 09:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
من أقوال سلامه موسى:
"أنافي الواقع رومنسي جدا , أومن بالأحلام والأماني , لأني لو كنت إنسانا واقعيا أومن بالواقع لوحده وأسلم بحقائقه ,لإنفجرت "
"الدين يفرقنا والوطن يجمعنا"
"الكاتب االمنحل هو الذي يرتد عن الحرية ويبصق على الانسانية "
"لا نحتاج إلى اللغة العامية بل إلى اللغة الشعبية "
"زندقة الأمس أصبحت حقيقة اليوم "
"إن المجتمع الذي يتألف من خراف تليه في العادة حكومات ذئاب"
وفي رسالة بعث بها سلامه موسى إلى ابنه الدكتور رءوف سلامه موسى بتاريخ 1955م حين كان رءوف يعد العدة لنيل شهادة الدكتوراه في لندن قال فيها سلامه موسى :
"إنني في صحة جيدة صحتي عال العال إنها صحة حصان ولا أظن أ أني أغادر هذا الكوكب قبل عام 1970-1980م"
وهنا يتصور نفسه أنه سيعيش 100عام غير أنه غادر الحياة ورحل عنها بعد هذه الرسالة بثلاثة أعوام ولم تغنه عن صحته شيئا .
وكانت حياته حياة تنقصها كثير من الزيادات والرتوش الزائدة فكان لا يهتم بالمظهر الخارجي لجسمه وهذا يدل على أنه محتفظ بشيء من الإكتئاب الداخلي المنشأ , ومع حبه للفكر والفلسفة غير أنه على حسب تعبير إبنه الدكتور رؤوف سلامه موسى حيث قال : لم يكن أبي ميالا للأدب أو الشعر أو محبا للفن أو محبا للنظر إلى الرسم حيث لم يستهويه شيء مما ذكر مع حبه للفكر والفلسفة .
ولم يكن متدينا بدين سماوي ولكنه يعتبر بحق من النهضويين الأقباط الذين ساهمت يقظتهم الفكرية بنهضة العرب والمسلمين وكان أيضا خادما مطيعا للقبطية التي وجهت ضربات إنتقامية من الثقافة العربية وصحيح أن سلامه موسى لم يكن عميلا ولكن كونه منحدر من أصول قبطية فإنه ولهذه الأسباب وجد به الأقباط ذريعة وسلاحا قويا ضد أعداءه غير أنه لم يكن يدين بدين الأقباط المصريين ومن ناحية أخرى اعتبره المصريون عدوا لهم ولدينهم الإسلامي أكثر من غيره لأنه قبطي يختلف كل الاختلاف عن غيره من المفكرين المصريين .
وبالرغم من أن زوجته لم تكن أديبة أو كاتبة غير أنها ساهمت ببناء شخصيته المحبة للمرأة فكانت تتعرض في كثير من الأحيان لبيع صيغتها لتقف بجانبه في الأزمات المالية بعكس صاحبنا العقاد الذي جعلته تجاربه مع المرأة لا يحتفظ بذكريات طيبة عن المرأة بعكس زميلنا سلامه موسى الذي ظل يحتفظ بذكريات طيبة عن المرأة .
والذي كان يسعده جدا هو صدور كتاب جديد له أو شراء كتاب أجنبي جديد أو كتابة مقال جديد أو قراءة مقال فيه أفكار جديدة وكان ينشر أخطر مقالاته في صحف غير مشهورة إطلاقا لكي يتوارى عن الأنظار ويتجنب المسؤلية .
وكان يكتب في صحيفة (أخبار اليوم) التي أسسها مصطفى أمين وعلي أمين التوأمين وكان يتلقى جنيهان 2 على المقال الصغير وخمسة 5 على المقال الكبير , وكان يكتب أحيانا دون إمضاء اسمه على المقال ولم يكن ليعيش من كتبه عيشة محظوظة مثل العقاد الذي أثرى في آخر زمانه ووسطه من الكتابة والتأليف والاجتماعات الحكومية وغير الحكومية .
وأعلى أجر توصل إليه هو 50جنيها شهريا بمقابل 1000جنيه لشخص مثل العقاد الذي يقف معه على طرف نقيض من أرائه وأفكاره .
وشاهد في أيامه وهو شباب انتقام الخديوي توفيق من الباشوات الذين وقفوا بجانب الثورة العرابية فجعلهم يكنسون الشوارع في أزقة الزقازيق وكان الباشا (أمين الشمسي) أكثر باشا وقع بحقه الانتقام , مما جعل سلامه موسى لا يحترم الملوك ولا الخلفاء ولا الأسر الحاكمة .
وجمع سلامه موسى متناقضات قلما جمعها الفلاسفة والمفكرين معا فقد كان رياضيا مهتما بالرياضة البدنية حتى في شهر العسل شاهده الكثيرون يقفز على رمال الإسكندرية ويطير في الهواء ويعمل حركات بهلوانية استعراضية مما يستدعي وقوف المار من هناك للنظر إليه .
ولم يكن سلامه موسى يدعو للعامية كما فهمها الناس والمفكرون بل كان يدعو إلى (الشعبية) فكان يدعو للكتابة باللغة الشعبية وليس باللهجة العامية ولم أرد حقيقة في الفصول الأولى أن أقف عند هذه الظاهر بل فضلت أن أقف عليها عند الحديث عن سيرته الذاتية لكي لا تختلط المفاهيم الاصطلاحية باصطلاحات سلامه موسى الخاصة به .
وتأثر سلامه موسى بشبلي شميّل ودعوته للتطور كما أنه تأثر بدعوة فرح أنطون عن العلمانية والتي لم يكن فرح يسميها علمانية بل (الناسوتيه)و(الدنيوية ) قبل أن تعرف العلمانية بشكلها الحالي .
لقد كان أقباط مصر بحاجة للتطور وللعلمانية أكثر من غيرهم أي أكثر من المسلمين فقد دعو للعامية لكي يتخلصوا من التراث العربي الذي يشعرون وكأنه هو الذي احتلهم احتلالا وطردهم من لغتهم وجعلهم يشعرون بالاغتراب الفكري في ديارهم المصرية !!.
ورغم أن سلامه موسى لم يكن متدينا بالقبطية غير أنه خدمها جدا جدا جدا ,وتعرض في مصر للاضطهاد بسببها على خلاف العقاد الذي إستسلم منذ منتصف عمره فأراح الناس منه والحكومات وارتاح هو منهم من خلال سلسلة العبقريات التي كتبها عن الإسلام وبنفس الوقت لم يتعرض في كتبه للتجريح في الأقباط إلا في بعض الصحف وهذا ما ندر ذكره إلا في مواضع قليلة .
إذن : تأثر سلامه موسى بنهضة الأقباط أو نهضة (الشوام)أي (الشاميين ) الذين هربوا من اضطهاد الناس لهم في لبنان وبالذات ببيروت ودمشق فهؤلاء وجدوا لأنفسه أحلاف في القاهرة وعموم أرجاء مصر ووجدوا متنفسا لهم بفضل وجود الإنكليز والفرنسيين فتحالف كل واحد منهم مع من يرون أنه الأنسب .
وكان تأثر سلامه موسى بشبلي شميل راجع إلى الدروس المستفادة من حياة شبلي شميّل والتي كانت جريئة لدرجة الوقاحة مع خصومه فكان جهورا ويفكر بصوت عالي أما سلامه موسى فلم يكن يفكر بصوت عالي غير أنه نال عداء الناس وكراهيتهم له أكثر من شبلي شميل .
ولقد وجه شبلي شميل ذات مرة رسالة إلى السلطان عبد الحميد سنة(1898م),رسالة مفتوحة طالبه بها بضرورة الإفراج عن (مجرمي الرأي )ومن الملاحظ أنه لم تكن هنالك مصطلحات أقل تسامحا مع أصحاب الرأي والرأي الآخر وكان أقلها استعمالا اصطلاح (مجرمي الرأي ) بدل كلمة(معتقل الرأي)فمجرم الرأي هي اتهام مباشر لمن يدلي برأيه وإن مثل تلك الاصطلاحات لم تكن شائعة إلا في الأوساط القبطية كونها تدافع عن قضيتها ورأيها أكثر من المسلمين , وشبلي شميل هو أول من استعمل مصطلح العلمانية في رسالته إلى السلطان عبد الحميد ومن هذه الرسالة نقل سلامه مصطلح اليسار الإجتماعي أو على حد تعبيره قديما (الحرية الاجتماعية).
ومن الملاحظ جدا أن سلامه موسى لم ينل حظه من ألتعليم تماما كالعقاد غير أن سلامه موسى يزداد عن العقاد أنه سافر لباريس وتلقى بعض العلوم القانونية في إحدى الكليات ثم أستنكف عن ذلك وتشير الآراء أنه عاد بسبب خلافات عائلية مع شقيقه على تركة والده , ولكن الصحيح أن سلامه موسى شخصية متمردة رفضت الالتزام التام بالتعليم النمطي الروتيني وفضلت عليه الثقافة الذاتية والتثقيف الذاتي للذات ,وتعد مجلة المقتطف أول من أثر في حياة فيلسوفنا العظيم سلامه موسى بما نشرته من مواد علمية كانت هذه المواد قد أثرت خياله العلمي على امتداد حياته الطويلة,ولو كان سلامه موسى إنسانا واقعيا يؤمن بالواقع لوحده لمات في مقتبل شبابه ولكنه كان رومنسيا حالما يعيش كغيره على الأمل والمستقبل وبهذا يقول :"أنا في أعماق نفسي رومنسي أومن بالأحلام والأماني ,لأني لو كنت أومن بالواقع فقط لا غير وأسلّم بحقائقه ,لإنفجرت."
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟