أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حبيب - عدنان شينو : الفنان التشكيلي المتميز والإنسان المبدع















المزيد.....

عدنان شينو : الفنان التشكيلي المتميز والإنسان المبدع


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22 - 09:00
المحور: الادب والفن
    


كان ذلك قبل عشر سنوات حين وصلتني دعوة كريمة من الفنان التشكيلي السيد عدنان شينو للمشاركة في حفلة افتتاح معرضه التشكيلي ببرلين. كان الحضور واسعاً من الجنسين ومن العراقيين والألمان وجمهرة من الأجانب. كان المعرض مفاجأة سارة بالنسبة لي. فهذا الفنان الشاب القادم من ريف كُردستان العراق الذي تأبط منفى (استعارة من ديوان الشاعر عدنان الصائغ) وحمل أدوات رسمه وأفكاره وما اختزنه من ذكريات وصور الطبيعة والحياة والإنسان في العراق عموماً وكُردستان على وجه الخصوص ورحل مع عائلته من العراق إلى ألمانيا مستجيباً لنصيحة أستاذه في الرسم الفنان محمد مهر الدين. كان ذلك في العام 1985 حين انفرد به وهامساً في أذنه أن يغادر العراق إلى الخارج عن طريق كُردستان لتنمية مواهبه وسلامته لما وجده فيه من نبوغ مبكر وقدرة كبيرة على إتقان تقنيات الحرفة وامتلاك خيال خصب ووعي فلسفي ورؤية مسؤولة إزاء الفن والمجتمع.
فاجأتني بارتياح ألوانه الجميلة الزاهية المتناسقة والمتناغمة المعبرة عن طبيعة كُردستان وضرباته القوية الواثقة أحياناً والناعمة أحياناً أخرى وخياله الخصب المليء بالأفكار التي تدور حول الإنسان والحياة والموت والخلود والبحث في دواخل الإنسان وعما يتصارع في داخل النفس البشرية من أفكار وبين البشر على أرض الواقع.
حملت لوحاته ثلاثة عناصر أساسية:
1, الموهبة والصقل المستمر لها وإتقان الحرفة وتقنياتها والدأب على التعلم والعطاء والاستعداد للتلاقح الفكري والثقافي مع الأفكار والثقافات والفنون التشكيلية الأخرى.
2. الذكريات الزاخرة والحنين الخلاق للأرض التي ولد فيها والطبيعة التي هو جزء منها والناس الذين تربى في وسطهم والخيال الخصب الذي منحه له ريف وسهول وجبال وأنهار كًردستان وسمائها الزرقاء ونجومها الساطعة والأفق الممتد بعيداً وشمسها المشرقة دوماً.
3. هموم شعبه وآماله وتطلعاته وطموحاته ونضاله وتاريخه الطويل المليء بالعواصف والمحن والتضحيات , النجاحات والإخفاقات.
تجلى كل ذلك في لوحاته التشكيلية وتبلور في اللوحة الرائعة التي تتحدث عن تراجيديا حلبچة التي تجسد كل مآسي الإنسان الكردي والموت الجماعي في حلبچة والأنفال ابتداءً من الطفل الرضيع إلى الصبي والشيخ المسن والمريض والمرأة الحامل من جهة , والعهر العنصري والفاشي لنظام حكم فقد الذمة والضمير كما فقد قادته سمة الإنسان واستخدم السلاح الكيماوي ضد شعب كُردستان من جهة أخرى.
في لوحات عدنان شينو يعيش التناقض والصراع , الدعوة للحب ونبذ الكراهية والحقد , الحنين الخلاق للوطن وملاعب الصبا والذاكرة الإبداعية والتحدي. فالصخرة الجاثمة في مرتفعات أرض كُردستان بقوة وتماسك لا تزال في الذاكرة وتذكره بالعمادية حيث ولد وترعرع فيها وتحولت لديه إلى بقرة حلوب تستقر في ربوع كُردستان وتحيط بها الجبال الشامخة , فهي رمز الكرامة والحياة حيث تحيط بها الشعلة النوروزية.
لوحة أخرى له تصور عاشقين كرديين يحلمان بحياة أفضل ويطيران من السعادة في آفاق رحبة لا يحدها الظلم الاجتماعي والقهر السياسي لنظام مستبد ولى وإلى الأبد , رغم الظلمتين (استعارة من كتاب رفعة الجادرجي وبلقيس شرارة الموسوم بين ظلمتين) حيثما كان يعيش الإنسان العراقي في أرجاء الوطن , في أجوائها القاتمة والقاتلة.
لوحاته تجسد الحب العذري الجميل للوطن والإنسان والطبيعة الأخاذة , وألوانه الهادئة والدافئة وانحناءات خطوطه المعبرة عن أنوثة حية متدفقة ونهود شامخة وصارخة ومثلثات محيطة بها ومتداخلة معها تجسد الرجل. كثرة من الأفكار المتداخلة والمتفاعلة والمتصارعة في لوحاته تعبر عن قلق الإنسان واستغراقه في التفكير وخشيته على الحياة والإنسان والمستقبل كلها مغروسة بتقنيات عالية ووعي متفتح نجدها في عمق لوحاته وفي فضاءاتها.
عدنان شينو رسام , ولكنه نحات أيضاً. يتسم بالجدية والمثابرة والدأب , يتعلم باستمرار ويطور أدواته وأساليبه وألوانه ويسعى إلى تشكيل تيار تشكيلي جديد يتسم بالشفافية العالية والألوان الباسمة المقترنة بالطبيعة والريف الكُردستاني رغم العتمة المحيطة بكل ذلك , إنها الرغبة في التمتع بالحياة رغم كل ما فيها من تعرجات ونكبات وانتكاسات ومصاعب يومية , فهي حياة تستحق العيش والتمتع بها وحمايتها من الأشرار. يجد كل ذلك تعبيره في المرأة والولادة والطفل النامي في بطن أمه أو في لوحة العاشقين اللذين يتواجهان ويتداخلان بانحناءات منعشة وجميلة ولكنها غير مثيرة. إنها تعبر عن الهدوء الذي يتسم به والدفء الذي يحمله في قلبه ويتجلى في لوحاته. إنه رسام حديث وغير تقليدي ومبدع يحتل موقعه المتميز بين الفنانين العراقيين والألمان والأجانب في برلين.
العمل الجديد الذي في طريقه إلى الإنجاز يتمثل في نصب الحرية الذي سيقام في قلب مدينة دهوك في كُردستان العراق. سينهض النصب على أرض واسعة تحيط بالنصب منتزهات جميلة وحدائق غناء ومتحف تحت الأرض. ونصب الحرية في مضامين أجزائه العديدة ومكوناته الكثيرة وصور حياة الإنسان والمجتمع التي يجسدها والمساحة التي يحتلها , يشكل ملحمة تشكيلية جديدة لفنان مبدع تحكي قصة الشعب الكردي في كُردستان العراق , تروي تاريخه الطويل على هذه الأرض الطيبة , إنسانه الطيب المنتج والراعي والعامل والكادح والعاشق , إنسانه الحالم والمتطلع إلى أمام , تروي قصة النضال الطويل من اجل غد كُردستان الأفضل , من اجل الحياة الحرة والكريمة , تروي كارثة حلبچة والأنفال في العام 1988 , والهروب الجماعي من القمع الفاشي صوب تركيا في العام 1991 , تروي الطفولة المعذبة وعيش الإنسان في المجمعات السكنية القسرية , تروي قصة الطفولة المعذبة والعائلات الكادحة والبائسة وحذاء الطفلة الذي لصق بالطين وهي تهرب إلى حدود تركيا من ضربات اقوات الجوية العراقية الظالمة , ولكنها تتحدث في الوقت نفسه عن بطولة هذا الإنسان وشغفه بالخلاص وإصراره على النضال لكسر قيود الظلم والطغيان والسير الحثيث نحو المستقبل ونحو مجتمع مدني ديمقراطي فيدرالي حديث.
إنها ملحمة جديدة واقعية تتجلى في نصب الحرية, تحمل الكثير من الأفكار وصور الحياة الواقعية , ولكنها تمنح الإنسان الحق في التطلع والثقة بالنفس والقدرة على تحقيق الآمال.
لقد سجل رؤيته لمستقبل كُردستان والإنسان , شعب يعيش في مجتمع مدني ديمقراطي حر وحديث , متقدم ومزدهر بعد طول عذاب ومرارة وحرمان وضحايا لا تعد ولا تحصى.
إن كل لوحة من لوحات النصب تعبر عن نوتة موسيقية ساحرة , ذات أبعاد عديدة وأنغام جميلة متشابكة , ولكنها بتفاعل ممتع تشنف الأسماع وتجسد الصراع الدائم بين الخير والشر , بين الولادة والموت , بين الفقر والغنى , بين الديمقراطية والاستبداد , بين الرفض والرضوخ , إنها الحياة بذاتها وتعبر عن مراحل الحياة النضالية في آن.
بهذا العمل الفني الجديد الذي سينهض في وسط مدينة دهوك لا يخلد نضال الشعب الكردي حسب , بل هو تخليد ومنذ الآن للفنان عدنان شينو أيضاً الذي أنجز نصب الحرية وساهم في إعداد المحيط والأجواء التي ستحيط بهذا النصب الكبير.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا حكومة العراق .. المسيحيون مواطنون وليسوا جالية أجنبية في ...
- لنخيب آمال جمهرة الصيادين في الماء العكر وأعداء الشعب العراق ...
- كامل شياع ومعركة الحياة الثقافية الديمقراطية والإنسانية في ا ...
- هل انتهت مهمات ودور ميليشيات جيش المهدي في العراق ؟
- قراءة في مقالة -صورة الإسلام في ألمانيا-
- الآلوسي مثال طيب!
- سلاماً أيها المناضل المقدام , وداعاً أيها الإنسان الفذ !
- الأزمة الأمريكية , اسبابها وعواقبها!
- هل المالكي بمستوى التحديات القادمة؟ الخطوة الأولى وماذا بعد؟
- كامل شياع ضحية التناقض والصراع بين التوحش والتمدن في العراق!
- نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين وإمكانياته الثقافية و ...
- رسالة تأبينية
- من هي القوى التي اغتالت الإنسان والمثقف كامل شياع ؟
- الخزي والعار للقتلة الأوباش .. للوحوش السائبة في بغداد .. ال ...
- أليس مفيداً للعراق أن يتابع دروس الجزائر مع الإرهاب الإسلامي ...
- منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية ألمانيا (أمراس)
- هل المأساة والمهزلة اجتمعتا في شخص واحد في العراق ؟
- هل الموقف الخاطئ من القضية الكردية له عواقبه الوخيمة في العر ...
- الخطوط العامة للمحاضرة:هل من ظواهر جديدة في اتجاهات تطور الو ...
- تحالف -مدنيون- المدني ولد متأخراً , ولكنه قادر وقابل للحياة ...


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حبيب - عدنان شينو : الفنان التشكيلي المتميز والإنسان المبدع