|
الولوج الى عالم الدهشة
محمود الغيطاني
الحوار المتمدن-العدد: 2438 - 2008 / 10 / 18 - 05:57
المحور:
الادب والفن
كنت دائما ما أشرد متأملا لحيته المشعثة الضخمة كلما رأيته. أبكي ثم أضحك؛ فهو يشبه القنفذ، أو بالأدق هو يشبه الأسد بتلك اللبدة الغريبة التي تأكل صدغيه ثم تنسحب عموديا وكأنها مغرّاه. يقول: - إن الله يناديك يا أخي، فلب نداءه. أقول ضائقا: - دعه ينادي؛ فإننا على خلاف. - كيف حدث هذا؟ لقد تركتكما على وئام المرة الفائتة. - عندما مشيت بدأنا نلعب النرد فاختلفنا وتبادلنا السباب ثم افترقنا. - سأسألك سؤالا واحدا.. هل تحبه؟ - بل أخشاه؛ فجحيمه رائع ونعيمه مخيف. - من شرب سكر، ومن سكر هذي، ومن هذي افترى. - إنك تهذي. - إذن فأنا أفتري. أذكره يوم كان إنسانا عاديا. يحب الحياة. يعيشها بانطلاق. مثقف يعيش بين فخذين ممتلئين رغبة. أذكر هتلر بشاربه المميز. كتاب كفاحي. مكتبة مدبولي. حزب التجمع. ماركس. ماوتسي تونج. نادين جورديمر. إعلان تأميم قناة السويس. الغزو العراقي للكويت. مذبحة قانا. الفيتو. الفيتو مرة أخرى. وفاة ديانا. البوسنة والهرسك. انهيار هضبة المقطم. اغتيال فرج فودة. ممارسة حارة فانية في جسد محبوبتي. أول قبلة في حياتي. تخرجي من كليتي. أنتبه على صوته: - ما رأيك في سهرة حمراء مع إحدى الأخوات؟ ستعجبك. أفكر قائلا: - إنهن لا يعجبنني؛ لأنهن سافرات الوجوه. - وماذا في هذا؟ إنهن يطبقن شرع الله، ثم إن وطئهن لذيذ. أتخيله كما هو رجلا ولكن بين فخذيه شقا عميقا. أقول له: - انتظر، سأخلقك خلقا جديدا. أسرع نحو صلصال لا أدري من أين انبثق. أشكّله على هيئة نهدين. أسرع بالصاقهما على صدره. أساويهما فيصبحان من لحم. آخذ قطعة أخرى لأزيد له حجم الردفين فيتناسبا مع وسطه الدقيق. أسرع بمضاجعته؛ فيتأوه منتشيا قائلا: - ألم أقل لك أن الأخوات مثيرات؟ أقول بعد نهاية الفعل: - أتدري؟ لي صديق مات وهو يمارس الجنس فحزنت عليه كثيرا، فعقاب الزاني عند الله شديد، بل والأدهى أنه كان مخمورا. يقول صديقي الذي قد خلقته امرأة: - دعك منه و تعالى لتضاجعني؛ فأنا في شوق إليك. أقترب منها فانطمس فيها. نتفانى لنتشكل من جديد فإذا بي امرأة تساحق امرأة. أقبلها بعنف فتقبلني. أمتص نهديها بينما يدها على نهديّ تكاد أن تمزقهما. أشعر بنشوة شديدة حينما تداعب الشق الذي بين فخذيّ. لم أكن أعرف أن السحاق لذيذ هكذا. أذكر أبحاث "الفيمينزم" التي قرأتها من قبل. يزداد اقتناعي بها فأقرر تطبيق "اللوجوس" أقول بصوت مشوه لا هو بالأنثوي ولا بالذكوري: - هل تذكرين عبد الناصر؟ - أخطأ السادات كثيرا في ثورة التصحيح التي قام بها.. - كان مثالا للصعيدي الحقيقي، كان مصريا صميما يمثل روح الشموخ العربي. - كان خطؤه الأفدح سياسة الانفتاح التي انتهجها، أتدرين أني أعتقد أنه السبب في الأزمات الاقتصادية التالية على مر السنين حتى اليوم؟ - كان تطبيقه الاشتراكية أعظم ما قام به من أعمال. - كنت أحب ذلك الرجل كثيرا، انه بالفعل كان ثعلبا كما سُمي، كم حزنت على نهايته الدامية. - موته بالسم كان إهانة عظمى له. - ماذا كنت أقول؟ - كنت تقولي الشعر.. - لست أدري لم أشعر بالكره نحوك.. انك تعذبني بوجودك جواري. لم ألبث أن خاطبتها بضمير المذكر إلا ورأيتها قد بدأت تتشكل في هيئة ذكورية. إنها تتماهى، تنبثق، تتحدد، تتضح معالمها تماما فتعود مرة أخرى صديقي ذا اللحية المدببة. أقول بصوتي اللامنتمي: - كيف كانت رحلتك من الذكورية إلى الأنثوية وبالعكس؟ - إنها رائعة... لست أدري لم لم يخلقني الله أنثى. - لا تعترض على إرادة الله وعش ذكورتك كما ينبغي. - ولماذا لا أعترض؟ هل كتب عليّ أن أطيع إلى مالا نهاية؟ ألا أعمل عقلي؟ ألا أحقق شيئا مما أبتغيه لأن الله لا يريد هذا؟ أضحك قائلا: - يبدو أنك قد وجدت طريقك الصحيح. ننخرط في الضحك فينتقل بنا الزمن آنيا إلى أزمنة أخرى متلاحقة. نضغط الزر الكهربائي الذي في الجدار فيتوقف سور النافذة الذي نعتليه في العصر الفرعوني. أذكر الحجاج بن يوسف الثقفي. أردد شعرا لجميل بثينة. أرى هارون الرشيد يشير لي فأبتسم له. أذكر دي سوسير. البنوية. التفكيكية. ما بعد الحداثة. اللامعقول. صمويل بيكيت. صموئيل شمعون. الكراسي. الحرب الأهلية اللبنانية. الجمهورية العربية المتحدة. 1967 .1967 مرة أخرى. حريق القاهرة. الأوبرا. بداية الدولة الحديثة. أحمد شوقي. مشهد لآذار. جامعة فؤاد الأول. السد العالي. نجيب سرور. سورة البقرة. الإنجيل. سورة البقرة مرة أخرى. انجيل متى. مسجد بلدتنا المتهدم. الإصحاح العاشر. فرانس بوب... أفيق من شرودي اليقظ على صوت الآخر. ألمسه فأتشكل بقوتي الذاتانية إلى رجل مرة أخرى. أقول بتأفف: - أريد أن نبقى في هيئة لم يتشكل عليها كائن قط. - إذن لنفكر بشيء من الإهمال، وقتها ستختلط معلوماتنا وينشأ من اختلاطها مسخ رائع. - أجل، إنك تذكرني بتجربة النعجة "دوللي". أقول لهما: - بالمناسبة، أنا لا أعرف كيف أنهي تلك القصة؛ فلقد دخلتما في عوالم غريبة لست أدري كيف أجمّع خيوطها، كما أن حواراتكما مفككة، وعلى الرغم من أن النقد الأدبي سيجد لها تبريرا إلا أنها شتتت ذهني. يرد عليّ صاحب اللحية: - ابعد عني أيها الأخ واتق الله، إني أعرفك، ألست ذلك الكاتب إياه؟ دعك من النقد السينمائي وسأقول لك شيئا نصيحة لوجه الله ، الطريق مفتوح ولم يغلق بعد.. أقاطعه قائلا: - دعك من تلك النصائح ووفرها لنفسك أيها المسخ، ثم لا تنس أني الذي خلقتك وكونتك بقلمي وشكلتك بثقافتي، ولو أردت إفنائك الآن لفعلت. يرد عليّ الآخر: - عفوا، بالرغم من أنك شديد القرب إلى نفسي إلا أني أعترض، بل سأكون أول من يسد عليك الطريق ويمنعك من مصادرة حريته في الحياة. أقول منفعلا: - أنا الذي خلقتكما ولي حرية فعل ما أريد فيكما أيها النذلان. يرد بهدوء مثير: - لن تستطيع، فليس معنى إيجادك لنا من بنات أفكارك أنك صاحب حق في قتلنا أو إنهاء حياتنا، إن حقك الأول في الخلق كان بكامل إرادتك ولكنك لا تمتلك بعد ذلك أي حق علينا. أصرخ: - إني قد سئمت صوتك، انك تتدخل فيما لا يعنيك وقتلكما لبعض لابد، وإلا ما نهاية العمل؟ يقولا معا وكأنهما متفقان: - سنقول لك ما نهاية العمل. أراهما يخرجان من القصة فيتركاها شاغرة. أثور عليهما. لقد أضاعا عليّ مجهودا كبيرا بذلته أدى إلى هدم البناء الفني للعمل. يقتربان منّي بهدوء؛ فترتعش أطرافي. أرى في عينيهما الشرر فأسرع نحو قلمي. أقذفه نحو صاحب اللحية فينغرس في صدره ثم لا يلبث أن ينفجر مفتتا كاللغم. يميل عليه زميله. أحاول إصابته لكنه ينجح في تشكيل صديقه وإعادته للحياة. أنطلق جاريا. يجريان ورائي فيلحقان بي. أقاومهما فيشلان حركتي تماما. يلقياني داخل القصة لأتقيد داخل سياجها ويبدآن النسج قائلين: - هكذا تكون نهاية القصة. من مجموعة "لحظات صالحة للقتل"
#محمود_الغيطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألوان السما السبعة...تنويعات انسانية على حالة وجد صوفية
-
النقد السينمائي ابداعا.. وليس مطلوبا من المبدع أن يزين الواق
...
-
أوقات غير لائقة للموت
-
سيرجي أيزنشتاين...سينما تتحدث ثورة
-
الجلوس على الخازوق
-
دنيا...كلما طغت الفكرة فسدت الرؤية السينمائية
-
ليلة ساخنة..رحلة كابوسية في ليل القاهرة
-
خيانة مشروعة...السيناريو اذا أصبح بطلا سينمائيا
-
همس النخيل... بين همس التسجيلية و الضجيج الروائي
-
عليا الطرب بال3... وصفة سحرية كي تكره السينما
-
ما تيجي نرقص... و ننسى سخافة المجتمع
-
ديل السمكة...مجتمع يتفسخ في حالة صخب
-
عطر البرتقال الأخضر..عندما يتحول الماضي الى وسيلة للتطهر
-
عمارة يعقوبيان... مصر المهترئة تحتضر
-
.الكاتب والناقد السينمائي محمود العيطاني.. المحصلة النهائية
...
-
حريم كريم و أزمة النقد المراهق
-
أرض الخوف.. بين سينما المؤلف و ميتافيزيقا الدين (نموذج (1) ل
...
-
الواد محروس..سينما النجم الأسطورة و سمات الفقر الفكري(نموذج
...
-
النمس.. الوجه الآخر للجنتل مع بعض التصرف
-
شعائر من كتاب الموت
المزيد.....
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|