|
أغار من نسمة الجنوب
إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 2437 - 2008 / 10 / 17 - 09:12
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
أسرّ لي أحدهم أنه كاد أن يغادر بيت الزوجية إلى غير رجعة، أو أنه في أفضل الأحوال لن يدخله إلاّ للنوم. صُعقت لهذا القول، فهو الذي تزوج بعد قصة حب رائعة، متجاوزاً الأعراف والتقاليد بالارتباط بفتاة من غير ملّته أو بيئته، فسألته لماذا وصلتما إلى هذه الحالة البائسة من العلاقة بينكما..؟ أجاب: إنها تكاد تعدُّ عليّ أنفاسي، مع من أتكلم، مع من أخرج، لماذا أكلم هذه الزميلة في العمل بهذه الطريقة، ولماذا أنادي ابنة ذلك الصديق أو القريب بطريقة تحبب لا تتجاوز الملاطفة الأبوية، لماذا أبقى في البيت إن كانت هي مسافرة، ولماذا أنام لساعة المتأخرة، لأنني وحسب زعمها في هذه الحالة أكون قد سهرت حتى ساعة متأخرة، فمع من سهرت... وهي مسافرة..؟ وإلى ما هنالك من مضايقات تطال علاقتي حتى ببنات أختي أو أختها، فإذا ما لمست تقارباً أو مودة مع إحداهن قطعت الطريق عليها بعدائية سافرة وغير مبررة. وأحياناً لا أدري لماذا هي غاضبة أو متأزمة، ربما أكون قد أبديت إعجابي بإحدى الفنانات على الشاشة... فبعد كل هذا الوضع المتأزم باستمرار ماذا يمكنني أن أفعل سوى الابتعاد عن هذا الجو المشحون دائماً وبلا مبررات في غالب الأحيان.( الزوجة هنا مهندسة ورئيسة دائرة..!!!!؟؟؟) إحداهن روت لي أنه لا يمكنها أن تجلس مع ابنها اليافع أو أخيها منفردة، ولا تستطيع أن تتحدث إليه بأحاديث خاصة قد يكون لها صلة بالعائلة، فكيف سيكون الوضع مع رجل آخر، وحتى في مجال العمل إن حدث وقالت حدثني فلان من زملاء العمل عن قضية ما، أو حتى أنه سألني عنك، فإن القيامة لا بد قائمة في تلك اللحظة، لماذا..؟ لأنها تحدثت إلى رجل سواه. إن اعتنت بهندامها وأناقتها هناك مشكلة، إن استحمّت بعد العودة من العمل لاسيما في أيام الصيف الحارقة فتلك مشكلة من العيار الثقيل، لأنها لو لم تكن قد قامت بفعل ما لما دخلت الحمام فور وصولها البيت.( الزوج هنا فنان رسام وشاعر وتقدمي يؤمن بتحرر المرأة ومساواتها بالرجل..!!!!؟؟؟) من هذين المشهدين نتعرف إلى حالة من الغيرة شائعة بين الأزواج أكثر من سواهم، رغم أنها موجودة لدى كل الناس بمستويات مختلفة كالأخوة والأصدقاء وغيرهم... وإذا أردنا تعريف ماهية الغيرة والتعرّف عليها باعتبارها عاطفة يتميز بها الإنسان عن سواه من الكائنات، يمكننا أن نقول أنها تسير في اتجاهين أحدهما إيجابي والآخر سلبي. الاتجاه الإيجابي فعّال وبنّاء، خالٍ من الحسد والضغينة، يطال الآخر ليرتقي به وبما يحمله لمستويات تجعله المحبوب بين الناس، وهذه حالة نجدها لدى الأم تجاه أبناءها كعاطفة نبيلة وغريزية في كثير من الحالات، وقد تتعداها لتصل لعلاقة الأخوة والصداقة أيضاً، ولكن ليست بسوية وعفوية حالة الأمومة، وقد نلحظها عند الأزواج في حالات نادرة تكون العلاقة فيها قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة بين الطرفين، ورغبة أحدهما أو كلاهما معاً في ارتقاء الشريك لمراتب يحوذ فيها التقدير الذاتي والاجتماعي، وهنا تكون العلاقة برمتها والحياة أنشودة فعل بنّاء وحضاري. أما عندما تسير الغيرة في الاتجاه السلبي- وهذه أكثر ما تظهر لدى الأزواج- وتكون غيرة مرضية، تصبح قاتلة ومدمرة للطرفين معاً وللحياة الأسرية برمتها بما فيها الأبناء، لأنهم حكماً سيتأثرون بالمشاحنات القائمة باستمرار، وقد يكتسبون هذه الصفة التي ستؤثر سلباً على تكوينهم النفسي والاجتماعي في المستقبل. وباعتقادي أن تلك الحالة نابعة من الرؤية السلبية للعلاقة مع الشريك واعتبارها علاقة تملّك لا علاقة إنسانية تشاركية قائمة في جزء كبير منها على الاستقلالية والخصوصية لدى الطرفين معاً. فلو تعامل من يمتلك خاصية الغيرة مع الشريك معاملة منصفة ومن خلال منظوره لذاته ورؤية الآخر له، وبذات الوقت على أن له استقلاليته في بعض الأمور لما كان الأمر ليصل إلى هذا الحد من الغيرة السلبية والعدائية في كثير من الحالات. وأتساءل، لماذا لا يترك الشريك متنفساً لشريكه، ومساحة من الحرية تجعله يحلق في فضاءات العلاقة الزوجية وهو أكثر محبة ودفئاً وإشراقاً..؟ من هنا يمكنني القول أن مردّ الغيرة- وخاصة المرضية- هو مدى الثقة بالنفس وبالآخر، وأن العلاقة بين الغيرة والثقة علاقة عكسية، أي أنه كلما عظُمت الثقة بالنفس وبالآخر كلما تقلصت مساحة الغيرة لتبقَ فقط في حدودها الإيجابية والبنّاءة، والعكس صحيح. وعلى من تتفاعل الغيرة المرضية في داخله أن يعي أمراً هاماً، وهو أنه كلما ابتعد عن الظنون المريبة والشكوك المدمرة، كلما جنى حباً أكثر ووفاءً أعظم يرتقي به أولاً لمستويات من الحرية والفرح والمسؤولية الإيجابية، وبالتالي يرى في الآخر الحب والوفاء والالتزام الحقيقي والفعّال. يرى تيودور روبين أن الغيرة تتولد في أنفسنا من الشعور بأن لدينا القليل مما يمكن أن نقدمه للشريك مقارنة بما لديه. أمّا البروفسور الأمريكي جوردون جلانتون أستاذ علم الاجتماع فقد عرّف الغيرة بأنها : " قد تكون عاطفة كريهة تولّد في صاحبها قلقاً ورغبة في التملك... وقد تكون استجابة صحيحة عندما نرى حبنا لشخص معرضاً للخطر، فالغيرة في هذه الحالة قد تكون حماية للحب." قال أحدهم: أجمل أنواع الغيرة غيرة الحب، وأسوأ أنواع الغيرة غيرة الحقد. فننمي في داخلنا مشاعر الحب والثقة بالنفس وبالآخرين، لنكون أحراراً أكثر، وسعداء بمقدار ما نرى السعادة في نفوسهم.
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كم مرة ضربك زوجك...!!!!؟؟؟؟
-
ثمن الأنوثة البخس
-
شباب اليوم.. وعنوسة مرغوبة
-
المرأة العربية في الدين والمجتمع- الجزء الثالث والأخير-
-
المرأة العربية في الدين والمجتمع- - الجزء الثاني-
-
المرأة العربية في الدين والمجتمع- عرض تاريخي لحسين العودات-
...
-
دروب حريتكِ... معبّدة بإرداتكِ
-
الصالونات النسائية عبر التاريخ
-
أسرار ما قبل الولادة.؟؟!!
-
الأطفال والهاتف النقّال منذ المرحلة الجنينية
-
تربية الطفل وثقافته
-
المُطَّلَقَة... بين محرقة الدعم ومطرقة المجتمع؟؟!!
-
الأخلاق قيمة كلية غير قابلة للتحديث
-
الآثار المترتبة على استلاب الطفل للشاشات
-
ردّ على إيضاحات الحوار المتمدن الأخيرة.
-
أمي...سنديانة الأمان...
-
إلى المرأة في عيدها
-
العنف الموجه للمرأة عبر الموروث القيمي والأخلاقي
-
صعوبات التعلم عند الأطفال
-
أدب الأطفال بين الثقافة والتربية- قراءة في كتاب -
المزيد.....
-
في مصر: الحكم على الفنانة منى فاروق بالسجن 3 سنوات
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
-لا تحرروني، سأتولى الأمر بنفسي-، عرض غنائي مسرحي يروي معانا
...
-
بمناسبة شهر رمضان 2025.. حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في
...
-
دراسة تزعم.. الانفصال العاطفي يضر بالرجال أكثر من النساء
-
بيان مشترك: مخاوف من غياب “عدالة الإبلاغ” في جرائم العنف ضد
...
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء ا
...
-
الذكاء الاصطناعي يحدد النساء المعرضات لسرطان الثدي قبل سنوات
...
-
-المحكمة الأوروبية تدعم حرية المرأة الجنسية: نداء لتجريم الإ
...
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|