أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل الطيبة ورفقة وطن ومطر















المزيد.....

صباحكم أجمل الطيبة ورفقة وطن ومطر


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 2438 - 2008 / 10 / 18 - 05:57
المحور: الادب والفن
    


صباحكم أجمل - الطيبة ورفقة وطن ومطر

صباحك أجمل يا وطن.. صباحك أجمل يا رام الله.. صباح أجمل وأنا أسير مع رفقة رذاذ المطر الخريفي المتساقط منذ ليلة الأمس، مع الضباب الجميل الذي انتشر في الطرقات في الصباح الباكر، فلعل الله يمن علينا بموسم أمطار خير، فيكون موسما زراعيا جيدا ولا نعاني العطش في الصيف القادم.

الأحد في الخامس من هذا الشهر كنت على موعد مع أحضان رام الله بعد أيام قضيتها في عمّان الهوى، كان العيد الأول الذي أقضيه مع أسرتي بعد أحد عشر عاما من حصاري في رام الله الحب، وكان الألم على فراق الوالدة هو المسيطر على أجواء الأسرة، ومع هذا أتيح لي بعضا من الوقت لمعايشة الذاكرة التي لم تتوقف عن الذكرى، فسجلت لقاءً تلفزيونيا عن ذاكرة الأشرفية في نفس المنطقة التي عشت بها، نفس المنطقة التي تفتحت بها براعم الهوى ولم تُنسى عبر الزمن، فذكراها عبق ياسمين وجمال، وباقي الأيام قضيتها أعاني من الأنفلونزا وأتنشق الياسمين كلما أتيح لي، حتى اليوم الأخير قبل عودتي فقضيته في زيارة مركز رؤى ودارة الفنون، وما أن دخلت رام الله حتى تنشقت هوائها بقوة وصرخت بصوت مرتفع: ما أجملك رام الله، ومنذ الصباح التالي كنت أجوب شوارعها مبكرا، أحتسي فنجان قهوة اشتريته من بائع متجول تحت شجرة قديمة أسميتها في مقال السابق يوم سفري "بركة".

بلداتنا في الوطن تنهض وتقاوم بكل الوسائل، فهي الجياد التي لا تعرف الكبوة، وأهلها الفرسان الذين إن ترجل فارس منهم أنبتت الأرض الف فارس، فوطننا المغموس بالطل والندى وعبق الياسمين والمستظل فيء الزيتون كان وسيبقى، رغم كل عتمة الليل وخفافيش الظلام وحراب جند الاحتلال، ورغم أنف العابثين بأمن الوطن من أصحاب المصالح واللون الواحد، ورغم أنف متسولي بطاقات الشخصيات الهامة من الاحتلال، والذين لا يخجلون من التباهي بامتيازات احتلالية، وهم يرون شعبهم يتعرض للمهانة على المعابر والحواجز، بينما هم يعبرون رافعي الرؤوس كالسنابل الفارغة ببذلاتهم الأنيقة، ويغمض القذى عيونهم عن طوابير شعبهم المسحوق، الذي يتكدس تحت الشمس ويعاني من قرف الاحتلال واضطهاده، ويغرق بالعرق ولا يكاد يتخلص من حاجز وتفتيش حتى يعاني من غيره.

في اليوم الثاني كنت أشد الرحال لمدينة طولكرم والتقي أصدقاء أعزاء وأجول فيها، فالجو كان أفضل بكثير من زيارتي السابقة، مما سمح لي أن أجول بمتعة كبيرة سيرا على الأقدام، ثم غادرت لجيوس بلدتي الخضراء التي تعاني ما تعانيه بعد سيطرة الاحتلال على أكثر من ثلثي أراضيها، فابتلعها الجدار وغرقت القرية بالفقر بعد فقدان الأراضي، لأتنشق عبق الزيت البكر مع بدء موسم قطاف الزيتون، مما حرمني أن أتمكن من كتابة مقالي الأربعاء الماضي، فتغيبت عن القلم وقرائي الأحبة أسبوعين بعد أن اعتادوا على مصافحة حروفي كل أربعاء، وفي مساء الخميس كنت أغادر جيوس قافلا إلى طولكرم لأغادرها صباح الجمعة متوجها إلى بلدة ترمس عيا المغرقة بالجمال، وأجول في رحابها حيث كان هناك احتفال لسباق الخيل، فقد أصبحت المهرجانات السنوية بعض من سمات المقاومة في العديد من بلداتنا، ومن ترمس عيا إلى بير نبالا البلدة التي امتدت في السنوات الماضية بعمران جميل ومتميز، حيث الهواء النقي والجو اللطيف، حتى أتى جدار الضم الاحتلالي فحصر البلدة ومنع اتصالها بالمناطق إلا عبر منفذ واحد مع رام الله، وأغلق الطرق السابقة التي كانت تربطها بأطراف القدس، فأصبحت كالوردة الجميلة التي تنقل من بستانها الرحب إلى قارورة صغيرة، فتبدأ الحياة تجف في عروقها.

في المساء كنت اتجه للمخيم الذي قدم كما كبيرا من الشهداء والجرحى، مخيم قلنديا الصمود لزيارة أصدقاء يسكنون القلب، وكما هي العادة تحرشت الدوريات الاحتلالية بالمواطنين فرشقوها بالحجارة، ليعلوا صوت الرصاص وقنابل الصوت وينتشر الغاز في الجو، فالاحتلال لا يريد أن يستوعب أنه مرفوض أبدا، وأن هذه الأرض لنا ولن تقبلهم بالمطلق، فالاحتلال ما زال مغرورا بقوته، مراهنا على حالة التمزق والانقسام والتفرد التي تسود بيننا، وصراع بعض من قوانا السياسية على المقاعد السلطوية المنخورة بالسوس تحت ظل الاحتلال، بدلا من مواجهة المحتل والعمل على تقصير عمره في وطننا الجميل.

السبت كنت في بلدة الطيبة الجميلة والأكثر طيبة، لأشارك أحبتنا الطيبون هناك مهرجانهم السنوي للعام الثاني على التوالي، فهذه البلدة الجميلة الرابضة على التلال ما زالت تصر أن تقاوم بتطوير نفسها، فأصبحت منتجاتها مضربا للمثل، وأصبح أهلها مثالا للتعاون والعطاء، فأكرموا الحضور كعادتهم، وقدموا مجموعة من الفعاليات الثقافية والفنية وفرق الدبكة الشعبية على مدار يومين، فأفرام التي أسماها القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي بالطيبة، تستحق هذا الاسم ويستحق أهلها الطيبون هذا التكريم، من قائد عظيم حرر الأوطان والقدس، فالطيبة والطيب في الطيبة كان منذ القديم وما زال، فتحية محبة لهم جميعا على تمسكهم بالوطن والأرض والأصالة والطيبة، ولعل أكثر ما أفرحني هناك إضافة للقاء أصدقائي من أهل الطيبة كداود ونديم وبثينة كنعان خوري وأفراد أسرتهم جميعا الذين تفانوا بالترحيب والإعداد والمتابعة، أن البلدة القديمة في الطيبة سيبدأ ترميمها وإعادة تأهيلها قريبا، بحيث يكون المهرجان القادم فيها، وهذا حديث تحدثت به مع أصدقائي على أثر المهرجان في العام الماضي والذي كتبت عنه مقالا مطولا.

وفي الأمس كنت مستضافا في الفضائية الفلسطينية، تحدثت به عن صحافة الانترنت ودورها، وعن معرض صباحكم أجمل – رام الله للصور الفوتوغرافية عن رام الله التي التقطتها عدستي، والذي افتتح في مركز رؤى في عمّان برعاية وتغطية كاملة من السيدة سعاد العيساوي مديرة رؤى وياسمينته، بعد أن ضاقت المؤسسات هنا عن رعاية المعرض، فشكرا لزاهدة بدر مقدمة البرنامج وشكرا للفضائية الفلسطينية على اهتمامهم.

أجول في دروب المدينة بعد أن أوصلتني أمل زوجة أخي الرائعة إلى وسط المدينة حيث يستضيفوني وزوجتي التي تزور رام الله عندهم منذ أيام، فأسير بنهم وعشق لشوارع رام الله، أزور شجرتي الأثيرة في هذا الصباح المبكر في شارع النـزهة، أمارس طقوس عشقي الصباحي لرام الله وأستعيد الذكرى تلو الذكرى، فاذكر أهلنا في عكا وهم يعانون من الاحتلال واجتياح منازلهم من قطعان اليهود وحرقها، وافتتاح كنيس لصلاة اليهود بجوار الأقصى وتواصل الحفريات تحت الأقصى الأسير، حتى يكون جاهزا للانهيار وبناء الهيكل مكانه، في الوقت الذي يصمت العرب والمسلمون فلا نسمع قرقعة ولا نرى طحنا، ويتواصل الصراع الداخلي ولا يتوقف الاحتلال عن إذكاء الصراع ضمن لعبته المعتادة القرد والهرتين وقطعة الجبنة، ففي النهاية لا مستفيد سواه، وان استمر الوضع الداخلي كما هو فلن يأكل الجبنة سوى الاحتلال، ولن يرحم التاريخ كل من ساهم بإطالة أمد الاحتلال يوما بتلهيه بالصراع على المصالح والامتيازات، بينما قطعان المستوطنين تعبث بأمن الوطن وتقطع وتحرق وتسرق أشجار الزيتون في موسم القطاف المبارك، تمارس كل عنجهية تحت حماية جيش الاحتلال، والقدس تسرق والأراضي تصادر، ووسائل الإعلام لا تنقل إلا تصريحات الصراع المتراشقة بين شقي وطن واحد، نسي الكثير من القادة أنه ما زال تحت الاحتلال.

أعود لصومعتي بيت الياسمين من جديد، وقد بللتني قطرات المطر وشعرت بها تبث الحياة في عروقي من جديد، فاشعر بالمطر دموع تبكي على شهدائنا، وعلى الشاب الصغير الذي مارس الاحتلال هوايته بالقتل عليه الليلة الماضية، فقتلوه في مدخل رام الله وهو يسير على الشارع العام قرب بيته ليزور أصدقائه، فصعدت روح عبد القادر محمد بدوي زيد لبارئها تشكو من الظلم ومن الاحتلال، أتصفح صحيفتي وأحتسي قهوتي وطيفي البعيد القريب، أستمع لشدو فيروز وهي تشدو:

" لا يدوم اغترابي لا غناء لنا يدوم، فانهضي في غيابي واتبعيني إلى الكروم، هيئي هالدنانة كرمنا بعد في ربى، يوم تبكي سمانا نشبع القلب والشفاه، حبيبتي زنبقة صغيرة أما أنا فعوسج حزين، طويلا انتظرتها طويلا جلست بين الليل والسنين، وعندما أدركني المساء حبيبتي جاءت إلى الضياع، ما بيننا منازل الشتاء يا أسفا للعمر كيف ضاع، ما أحيل رجوعي متعبا أتبع المساء، والهواء في ضلوعي جن من فرحة اللقاء".

صباحكم أجمل..

رام الله المحتلة 15-10-2008

http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com





#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباحكم أجمل/ أرصفة رام الله والعشاق
- هذيان صباحي
- وداع الأم الياسمينة بقلم: خالد محاميد
- صباحكم أجمل وداعا يا أمي.. أيتها الياسمينة
- الرواد وكارفان وذاكرة السينما
- سمر حزبون: إبداع العدسة والجسد
- صباحكم أجمل حنين وذاكرة
- صباحكم أجمل شام يا ذا السيف
- سعاد.. للقاصة: عدلة شداد خشيبون
- صباحكم أجمل رام الله – عمّان والهوى
- صباحكم أجمل طير المسا
- صباحكم أجمل يا مختار المخاتير- ليالي الشمال 5
- صباحكم أجمل عائد إليها - ليالي الشمال 4
- صباحكم أجمل في رحاب خضوري
- حماس أسفل فلسطين.. فيلم: لوفاء جميل
- صباحكم أجمل/ الريح الحزينة
- خمس دقائق عن بيتي
- صباحكم أجمل كرم العلالي الكرمي ليالي الشمال 1
- صباحكم أجمل/ أنين الناي
- أطياف متمردة 1 - هذيان بنكهة الياسمين


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل الطيبة ورفقة وطن ومطر