|
فلسطين والازمة الراسمالية
عمر منصور
الحوار المتمدن-العدد: 2434 - 2008 / 10 / 14 - 01:30
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يعد خافياً على أحد أن الأزمة المالية والمصرفية التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية والتي عصفت بالعالم أجمع قد هدمت معها كل مقولات ونظريات آباء الليبرالية الجديدة والسوق الحر ومعها أيضاً السياسات الوحشية للمحافظين الجدد . إن انعكاسات هذه الأزمة وبعيداً عن أسبابها سوف يكون له تداعيات سياسية عميقة قصيرة وبعيدة المدى ، كما سيكون له انعكاسات ثقافية من خلال إعادة صيانة الثقافة الكونية التي نشر مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات ، والتي شاهدنا معالمها في العراق الذي يفتك به العنف والدمار والتخلف ، هذا العراق الذي يعوم على بحيرة نفط وأهالي بغداد لا يصلهم التيار الكهربائي سوى ساعات معدودة ، شاهدنا هذه الديمقراطية في أفغانستان التي حملها المارينز عبر المحيطات وقاذفات الموت والدمار . إن سياسات الرأسمالية المتوحشة وبعد أن حرمت شعوب العالم الثالث من خيرات بلادهم عبر الاحتلال المباشر أو عير سياسات البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية التي انتهكت سيادة الدول عبر خلق اقتصاديات تابعة حرمت فقراء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية من أبسط الحقوق البشرية بالتعليم والصحة والمسكن ، وحولت مئات الملايين إلى ضحايا للأوبئة والمجاعات . هذه السياسات ارتدت إلى الولايات المتحدة لتبدأ بالفتك بالمواطن العادي دافع الضرائب لتحول هذه المجتمعات إلى مجتمعات استهلاكية عبر منظومة ثقافية تخدم مصالح هذا الوحش الرأسمالي . لم يعد أمام الحكومة الأمريكية وحكومات أوروبا سوى التدخل لإنقاذ هذه المؤسسات المالية الضخمة المفلسة عبر ضخ مئات المليارات وكل ذلك على حساب المواطن ودافع الضرائب مرة أخرى ، والتي وحسب كل الخبراء لن تنفع في وقف الانهيارات بشكل جذري . إن هذه الأزمة لا بد وأن تلقي بظلالها على الوضع في الشرق الأوسط وفلسطين تحديداً ، ليس من خلال التأثير المباشر على الوضع الاقتصادي والمالي في فلسطين ، فنحن في فلسطين ليس لدينا تلك الأسواق المالية وليس لدينا اقتصاديات حقيقية بسبب الظروف السياسية وانعدام السيادة على المقدرات الفلسطينية بكل أشكالها ، وباختصار ليس لدينا ما نخسره . إن سياسة أمريكا ومعها العديد من دول الاتحاد الأوروبي تحركها العوامل الاقتصادية بالأساس ومن خلال صناعة ثقافة وإعلام تضليلي وضعه المحافظون الجدد يقوم على الاحتلال المباشر ودعم الأنظمة المرتبطة بالفلك الأمريكي وعلى رأسها إسرائيل ن ومن هنا كان الدعم اللامحدود لسياسات الاحتلال الإسرائيلي القمعية والعنصرية طوال عقود مضت ، تحت شعارات الديمقراطية والتمدن ومحاربة الإرهاب العربي والإسلامي . إسرائيل هذه وأمريكا التي تقف وراءها مارست أبشع أنواع إرهاب الدولة المنظم ضد الشعب الفلسطيني واللبناني . إن ادعاء هؤلاء الساسة في أمريكا وبعض الدول الأوروبية بدعم الديمقراطيات وحقوق الإنسان والحريات في المنطقة لم يعد ينطلي على أحد بل تحركه مصالح اقتصادية رأسمالية في المنطقة . إن هذا الانهيار الاقتصادي لا بد أن يؤدي إلى تغيرات سياسية ليس أقلها تصريح رئيس وزراء كندا الأخير الذي يعتبر دعم أمريكا في الحرب ضد العراق كان خطأ وأن أسلحة الدمار الشامل ما هي إلا أكذوبة مفضوحة . إن الجرأة التي تحلى بها بعض قادة أمريكا اللاتينية برفضهم للسياسات الأمريكية لم تكن وليدة الصدفة بل جاءت على وقع هذه الأزمات ، ثم تحرك الدب الروسي الذي استيقظ بعد حوالي عشرين عاماً ليعيد ترتيب أوراقه في العالم كان أيضاً مدروساً . وهناك العشرات من الأمثلة عبر العالم التي من خلالها نلمس نهاية الأحادية العالمية وبداية عصر متعدد الأقطاب سيؤدي بالضرورة إلى لجم السياسات الأمريكية المجنونة ودعمها اللامحدود لدولة الاحتلال الإسرائيلي . إن هذه التداعيات لن يكون لها تأثيراً على المنطقة العربية ما لم تتحرك القوى الفاعلة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لمواجهة هذا الوحش وإعادة الاعتبار للسيادة القومية ورفض ثقافة العولمة وبناء علاقات سياسية واقتصادية مع دول العالم انطلاقاً من مصالح الجماهير العربية عامة والشعب الفلسطيني وقضيته خاصة . أما فلسطينياً آن الأوان لصناع القرار بإعادة النظر في السقف التفاوضي الذي انخفض كثيراً على وقع ضربات وضغوط أمريكا مستغلة ما يسمى محاربة الإرهاب . علينا إعادة صياغة خطة تفاوضية هجومية متسلحين بالحق والثوابت الفلسطينية ، مطالبين بدورفاعل للأمم المتحدة والرباعية الدولية التي أخلت الساحة طوعاً للساسة الأمريكان وتخلت عن دورها في المنطقة . إن تبني استراتيجية وخطة تفاوضية لن يرى النور إذا لم تتحقق مجموعة من الشروط الموضوعية : أولاً: إعادة اللحمة على الساحة الفلسطينية والاستجابة لرغبة الشعب الفلسطيني لوقف هذا النزيف من خلال حوار وطني شامل . ثانياً : إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها المرجعية السياسية للسلطة الفلسطينية ولعملية التفاوض . ثالثاً : صياغة خطة كفاحية شعبية تكون سنداً وعوناً للمفاوض الفلسطيني . رابعاً : استنهاض أوسع حملة تضامن دولي لقضية الشعب الفلسطيني خصوصاً بعد أن بدأت كل الأكاذيب والخداع والتضليل بالانهيار تزامناً مع الأزمة الاقتصادية . خامساً : تعزيز صمود الناس على أرضهم من خلال موازنات مقاومة ، ووقف الهدر العام والفساد . وأخيراً إن رياح التغيير سريعة بل سريعة جداً ولا تنتظر أحداً ، علينا استغلال هذه المرحلة وبخطى علمية مدروسة وإلا ستضيع هذه الفرصة كغيرها .
#عمر_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابتسامه المجنون
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|