أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - إبراهيم شريف السيد - مجلس 2002 - ثلاثة أسقف















المزيد.....


مجلس 2002 - ثلاثة أسقف


إبراهيم شريف السيد

الحوار المتمدن-العدد: 750 - 2004 / 2 / 20 - 07:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


يخطئ من يظن بأن الحكم وضع سقف منخفض للتشريع وترك سقف الرقابة مفتوحا. ويخطئ من يعتقد بأن الرقابة تكفي في الوقت الحاضر حتى بغياب القدرة على التشريع المستقل.
سقفان, بل ثلاثة, يكبت كل واحد منهم على نفس المجلس النيابي, السلطة التشريعية والرقابية المفترضة: سقف التشريع المعروف لدى الجميع وخاصة بإقحام المجلس المعين في التشريع, وسقف الرقابة الناشئ عن إضعاف دورها في دستور 2002 وحزمة القوانين المرافقة, وسقف شاء النواب أن يضعوه لأنفسهم (بعضهم خوفا من "العودة للمربع الأول" وبعضهم لحسابات ومصالح أخرى). الحقيقة بأنه لا يمكن للمجلس النيابي السيطرة سيطرة كاملة على أدوات الرقابة- ما لم تسمح له الحكومة بذلك كما حدث في قضية التأمينات- دون السيطرة على أدوات التشريع. للتدليل على ذلك نورد بعض الأمثلة على هذه الأسقف الثلاث من خلال تجربة الـ14 شهرا من عمر المجلس.
 
السقف التشريعي
 
تشريعات بالجملة سبقت انعقاد الفصل التشريعي
استبقت الحكومة أولى جلسات مجلس 2002 في 14 ديسمبر 2002 فأصدرت خلال الشهور العشر الأولى من ذاك العام 56 مرسوما بقانون منها 21 مرسوما بقانون صدرت في أكتوبر 2002 الذي جرت فيه انتخابات مجلس النواب وبذلك تجنبت الحكومة إمكانية الاصطدام مع المجلس في قضايا حساسة مثل المرسوم بقانون رقم 56, الذي يفسر المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2001 الخاص بالعفو العام, الذي فصل على مقاس الضابط الذي هرب لاستراليا والمتهم في قضايا التعذيب المفضي للموت. في حين تم إصدار 9 قوانين فقط منذ انعقاد أولى جلسات المجلس حتى فبراير 2004, جميعها قوانين اقترحتها الحكومة, في حين بقيت مشاريع قوانين مقترحة من المجلس على قائمة الانتظار.
 
قوانين الحكومة لها الأولوية, والنواب غارقون في الرغبات
تنص المادة 81 من الدستور الجديد على أن "تعطى الأولوية في المناقشة دائما لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة",  وتؤكدها المادة 18 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب. وموضوع "أولوية الحكومة" أمر يرد في أكثر من موضع حيث تشير المادة 37 من اللائحة الداخلية "لأولوية الكلام في اجتماعات اللجان لممثلي الحكومة".  وقد حولت الحكومة للمجلس مشاريع قوانين أغلبها محدود الأهمية (ما عدا قوانين الميزانية والقروض). ولا يستطيع المجلس بحسب نص مواد الدستور والقانون أن يحدد جميع أولوياته التشريعية بحيث يقدم الأهم على المهم. وخلال دور انعقاده الأول لم يقترح المجلس أي مشروع قانون, ويبدو بأن بعض النواب يدركون صعوبة إصدار القوانين حسب الدستور الجديد الذي يسمح للحكومة حسب نص المادة 92  بالتحكم بصياغة مشاريع القوانين وتأجيلها أكثر من عام واحد, الأمر الذي يفسر جزئيا لجوئهم خلال دور الانعقاد الأول للموافقة على 13 اقتراح برغبة (اقتراحات غير ملزمة للحكومة) من مجموع 51 اقتراح تمت مناقشته أو إحالته إلى لجان, ومثل هذه الاقتراحات لا تتطلب إلا أسابيع قليلة لمناقشتها وإقرارها, ويمكن لأي نائب أن يرفع عتب ناخبيه بتقديمه طلباتهم للحكومة بشكل اقتراح برغبة. والغريب أن بعض هذه الاقتراحات ذات تكلفة مالية تستدعي تغيير الميزانية (التي لم تقر حتى نهاية أبريل 2003) وكان من الأجدى طرحها كتعديلات على الميزانية أثناء مناقشتها بدل صيغة الرغبات غير الملزمة. وقد ضربت الحكومة بعض هذه الاقتراحات عرض الحائط قبل أن يجف حبر المصادقة عليها, فمثلا وافق المجلس بتاريخ 15 أبريل 2003 على الاقتراح برغبة بشأن طرح رخصة الهاتف الجوال الثانية للمزاد وتأسيس شركة مساهمة وطنية عامة لتقديم هذه الخدمة, وفي غضون أيام من هذه الرغبة قامت هيئة الاتصالات الحكومية بترسية المناقصة على شركة ام تي سي فودافون الكويتية في عملية شابها الكثير من علامات الاستفهام حول التزام هيئة الاتصالات بالمعايير التي أعلنتها بالإضافة إلى شكوك حول رشاوى محتملة عن طريق منح حصص مجانية لشركاء بحرينيين متنفذين. ويعتقد بأن الحكومة ستستمر في سياسة منح رخص الجوال والهاتف الثابت والاتصالات الدولية والانترنت وغيرها دون تحصيل مبالغ من الشركات التي يتم الترخيص لها الأمر الذي يعرض خزينة الدولة لخسارة مئات الملايين من الدولارات من رسوم التراخيص هو الأمر المتبع في أغلبية الدول (مثلا: باعت السودان الترخيص الثاني بمبلغ150  مليون دولار وتونس بـ 450 مليون دولار والجزائر بـ 735 مليون دولار والمغرب بـ  1,100 مليون دولار). وحتى لو قدم النواب في دور الانعقاد الحالي اقتراح بتعديل قانون الاتصالات فان قدرة الحكومة على تأخير القانون لعام أو عامين حسب المادة 92 من الدستور الجديد سيجعل القانون دون قيمة حيث ستمنح الرخص المختلفة قبل أن تصدر التعديلات.
 
الحكومة طرفا في التشريع الخاص بالميزانية:
حدد الدستور الجديد دور المجلس النيابي في الشؤون المالية في الباب الخامس منه, وقد أضعف دستور 2002 دور ممثلي الشعب, ليس فقط بسبب اشتراطه موافقة مجلس الشوري المعين على قانون الميزانية (أو المجلس الوطني- المؤلف من اجتماع المجلسين- في حالة اختلاف المجلسين), ولكن أيضا بالاشتراط على أن تعديل مشروع الميزانية يحتاج إلى موافقة الحكومة فأدخل بذلك الحكومة طرفا في التشريع حيث تنص المادة 109 (ب): "ويجوز إدخال أي تعديل للميزانية بالاتفاق مع الحكومة". وهذا النص يسلب المجلس حق تعديل مشروع الموازنة ما لم تقبل الحكومة بهذا التعديل, أي انه يشرك الحكومة في التشريع. لذلك اضطر المجلس للتفاوض مع الحكومة للحصول على موافقتها للقيام بتخفيض طفيف على موازنة الدفاع.
 
تجنب أول مواجهة بين المجلسين في المشاريع ‘المستعجلة’
تقدمت الحكومة في يناير بثلاثة مشاريع قوانين تحمل صفة الاستعجال (حسب المادة  87 من الدستور الجديد التي تجيز للحكومة أن تطلب من مجلس النواب النظر بصفة مستعجلة خلال 15 يوم في مشاريع تنظم موضوعات اقتصادية أو مالية). وافق المجلس على مشروعين ورفض الثالث بسبب عدم توافر المعلومات الكافية حسب ما قال بعض أعضاءه في حين وافق مجلس الشورى على المشاريع الثلاثة بالإجماع. وحسب نص المادة 87 كان على المجلسين الاجتماع في جلسة مشتركة للمجلس الوطني للتصويت على المشروع موضوع الخلاف بينهما. ولكن الحكومة أرادت على ما يبدو تجنب الصدام الأول بين المجلسين الذي سيرجح رأي الحكومة مقابل النواب الأمر الذي سيثبت للناخبين صحة ما تقوله المعارضة بأن مجلس الشورى وضع لمصلحة الحكومة ولسلب الشعب سلطاته التشريعية. لذلك لجأت إلى حيلة مشكوك في دستوريتها حيث أعادت مشروع القانون بعد أن ألغت صفة الاستعجال الأمر الذي أثار خلافا دستوريا داخل المجلس انتصر في نهايته رأي الحكومة. والحقيقة بأن أي من المشاريع المطروحة لا يحمل صفة الاستعجال حيث أن الحكومة قامت فعلا بترتيب عملية الاقتراض مع المصارف قبل موافقة المجلس الوطني عليها كما أن بعض هذه المشاريع موجود في أدراج الحكومة لأكثر من 3 أعوام. والمادة 87 التي أقحمت في دستور المنحة الجديد تجعل من السهل على الحكومة وضع صفة الاستعجال دون إبداء المبررات.
وتجنب مواجهة أخرى بعدم استخدام المادة 45 من قانون مجلسي الشورى والنواب:
 تنص هذه المادة على:"تقتصر رقابة كل من مجلسي الشورى والنواب ، فيما يتعلق بأعمال أعضاء السلطة التنفيذية وتصرفاتهم ، على ما يتم منها بعد تاريخ انعقاد المجلسين في أول فصل تشريعي ، ولا يجوز لهما التعرض لما تم من أفعال أو تصرفات سابقة على هذا التاريخ." وفي أول امتحان لهذه المادة في موضوع لجنة التحقيق البرلمانية في إفلاس الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد, طالب النواب الحكومة عدم استخدام هذه المادة لحصر التحقيق في مرحلة ما بعد انعقاد أولى جلسات المجلس. ويبدو بأن الحكومة آثرت عدم استخدام هذه المادة لثقتها بأن التحقيق لن يصل إلى مرحلة الاستجواب, وإذا وصل فان بامكانها استخدام هذه الأداة لكبح جماح المجلس. وهناك مادة أخرى تستطيع الحكومة اللجوء اليها وقت الضرورة وهي المادة 69 من الدستور الجديد التي تنص على حد أقصى للجنة التحقيق البرلمانية هو أربعة أشهر( بينما جاء في اللائحة الداخلية للمجلس بأنها 8 أشهر, ويمكن أن يكون سبب التناقض بين المادتين هو العجالة التي أصدرت فيها القوانين عام 2002) بينما استغرق إعداد التقرير 8 أشهر.
 
السقف الرقابي
 
الديوان الغائب
مضي ثلاثون عاما منذ أن نص أول دستور للبلاد على إنشاء ديوان للرقابة المالية يكون ملحقا بالمجلس الوطني, وثلاثة أعوام منذ التصديق على الميثاق الذي نص على إنشاء ديوان للرقابة المالية, وأكثر من عام ونصف منذ صدور قانون ديوان الرقابة المالية في 3 يوليو 2002. ورغم كل هذا المتسع من الوقت فان الديوان لم يقم بأي دور في أي من قضايا الفساد المطروحة على الساحة مثل البنك البحريني السعودي, والأوقاف الجعفرية, ومناقصة الموانئ وملف التأمينات. ورغم أن القانون أضعف صلاحية الديوان في بعض أحكامه مثل استثناء المصروفات السرية للأمن والدفاع من رقابته (مادة 4) وعدم خضوع الوزراء للمسائلة أمامه (مادة 12), فان أهم نواقص القانون هو تبعيته للملك أي السلطة التنفيذية (مادة 1) بدل تبعيته للمجلس الوطني كما تنص المادة 97 من دستور 1973. أما علاقته بمجلس النواب فتنحصر في تقديم ومناقشة التقرير السنوي عن كل من الحساب الختامي للدولة والحسابات الختامية للجهات الخاضعة لرقابته (المادة 19), لذلك فليس من حق المجلس النيابي إلزام الديوان بالتدقيق أو المراجعة أو التحقيق أو التفتيش على أي من مؤسسات الدولة وشركاتها التابعة. ولم يكتف قانون الرقابة المالية بإهدار حق الشعب في الرقابة على الحكومة بنزع أهم أسلحة الرقابة للمجلس النيابي بل وضع في يد الديوان-الذي يلحق السلطة التنفيذية-الحق في إخضاع المجلس النيابي المنتخب لرقابته (المادة 4 ب).
لقد كان واضحا في موضوع التحقيق في ملف الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد الصعوبات التي عانتها لجنة التحقيق بسبب عدم وجود طاقم يساعدها في البحث والتحليل مما استدعى تمديد عمل اللجنة إلى الحد الأقصى المسموح به وهو 8 أشهر. ولا يمكن بهذه الطريقة أن يقوم المجلس بأكثر من تحقيقين في العام الواحد بينما يستطيع ديوان الرقابة لو كان تابعا للمجلس أن يقوم بعدد كبير من التحقيقات بشكل روتيني أو بطلب من المجلس ويضع ما يحصل عليه من حقائق واستنتاجات أمام تصرف المجلس بدل السلطة التنفيذية.
 
التشريع والرقابة وجهان لعملة واحدة:
القائلون بأن الدستور الجديد أضعف التشريع وأبقى الرقابة يتناسون بأن التشريع والرقابة وجهان لعملة واحدة, فلا يمكن الحديث عن رقابة فعالة بدون اكتمال أدواتها وأهمها ديوان الرقابة المالية. وحيث ألحق الدستور الجديد الديوان بالملك فانه جرده من أهم أسلحته في مكافحة الفساد ومراقبة أجهزة الدولة. وفي حالة ملف الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لصندوق التقاعد لم يتحرك ديوان الرقابة لمباشرة التحقيق في قضايا التجاوزات والفساد التي أثارها تقرير لجنة التحقيق البرلمانية, حتى بعدما أنهت اللجنة تحقيقها. أما في موضوع إفلاس البنك البحريني السعودي فان هناك مؤشرات على عدم قيام بعض كبار مسؤولي مؤسسة النقد بتطبيق إجراءات المؤسسة وخاصة تلك المتعلقة بالحد الأعلى للائتمان الذي تم تخطيه عدة مرات. وفي حين قام المجلس بتشكيل لجنة للتحقيق في موضوع إفلاس الهيئة والصندوق فانه لم يحرك ساكنا في موضوع البنك البحريني السعودي الذي تلاشى عن الأضواء الإعلامية بعد إنقاذه من الإفلاس بأموال حكومية رغم عدم تعاون وزير المالية والمدير العام لمؤسسة النقد- باعتراف رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية السابق- بحجة أن الأمر لدى القضاء.
 
السقف الذاتي
 
رغم وجود سقفين منخفضين, تشريعي وآخر رقابي, للأداء البرلماني فان هناك سقف أكثر انخفاضا شاء المجلس أن يضعه لنفسه, وهو سقف الرقابة الذاتية. هناك أمثلة عديدة على هذا السقف المنخفض نذكر منها:
 
المجلس لا يستخدم إقرار الميزانية كورقة ضغط
أعقد مشروعات القوانين وأهمها على الإطلاق خلال الدور الأول كان مشروع الميزانية العامة لعامي 2003 و2004. في هذه الميزانية أقر المجلس موازنة ضخمة للدفاع بلغت 5.5% من الناتج المحلي في حين أن المتوسط العالمي هو 2.5%. ولم يضغط المجلس على الحكومة لتحويل جزءا مهما من ميزانية الدفاع أو الأمن إلى مشروعات الإسكان التي وعدت الحكومة بحلها دون أن تضع الموازنات الكافية لذلك, وكل ما استطاع المجلس فعله هو تخفيض موازنة الدفاع بشكل طفيف.كما لم يقم المجلس بمناقشة خطط وبرامج الوزارات ليتبين له الحاجة لبرامجها وتقييم طريقة أدائها وكفاءة موظفيها وطريقة تعيينهم وترقيتهم والتأكد من عدم وجود أي تمييز.
 
فرصة فوتها النواب ليثبتوا موقفهم ضد التمييز
مرة أخرى يثبت المجلس بأن أفعاله ليست على مستوى الضجيج الإعلامي المصاحب له, فعندما تناول المجلس موضوع موازنة الدفاع والداخلية حانت الفرصة لأعضائه, الذين رفع بعضهم في وقت سابق صوته مطالبا الحكومة بعدم التمييز ضد الشيعة بالتوظيف في القطاع العسكري والأمني, أن يمارسوا ضغطا على المؤسسة العسكرية والأمنية لتغيير سياساتها التمييزية و إلا ستحجب عنها جزء من موازناتها الضخمة. إلا أن أمرا من هذا لم يحدث, وتمكنت المؤسسة العسكرية والأمنية التي توظف 48% من مجموع القوى العاملة في قطاع الحكومة (35,000 في قطاع الخدمة العسكرية والأمنية مقابل 38,000 في قطاع الخدمة المدنية حسب ما ورد في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول صندوق التقاعد) من الحصول على كل احتياجاتها تقريبا دون أن يطلب منها المجلس أو أيا من نوابه توظيف الشيعة في القطاع العسكري.
 
صمت النواب أمام مخالفة الحكومة لتوصياتهم:
في مناقشته لمنح الرخصة الثانية للهاتف الجوال بجلسة 15 أبريل أقر المجلس توصيات لجنة الشؤون المالية والاقتصادية ومنها: أن تشترط الحكومة أن تقدم الشركة الفائزة على عرض 60% من أسهمها للاكتتاب العام للمواطنين, وأن لا تقل البحرنة فيها عن 80%, وفي حالة رفض الشركة تقوم الحكومة بمنح الرخصة لشركة بحرينية يتم تأسيسها للغرض نفسه. وفي غضون أيام من هذه الاشتراطات قامت هيئة تنظيم الاتصالات بمنح الرخصة دون مراعاة للشرطين. لم تراع الحكومة توصيات المجلس ولم يقم المجلس بانتقاد الحكومة على تجاهلها إياه كما لم يفتح تحقيقا في الشبهات التي صاحبت عملية منح الرخصة ومنها شبهة الحصول على الرخصة نظير رشوة لبعض المسؤولين, وكذلك لم يطرح المجلس القضية الأهم وهو القصور الكبير في قانون الاتصالات الذي سمح بتأجير الرخصة بثمن بخس.
والأخطر صمتهم على انتهاكات الحكومة المستمرة للدستور والقانون
لم يكد المجلس ينهي أيامه الأولى حتى قامت الحكومة بمخالفتين احداهما دستورية والأخرى قانونية. فقد تأخرت في عرض الميزانية على المجلس 3 أشهر عن موعدها المقرر حسب المادة 109(ب) من الدستور, وخالفت المادة 15(ج) من قانون الاتصالات باستمرار وزير المواصلات في رئاسة مجلس إدارة شركة بتلكو (حيث يمنع القانون ترؤسه لأي شركة اتصالات) لفترة 15 شهرا بعد صدور القانون. وهي تستمر اليوم بعمل خطير ومخالف للدستور هو الآخر دون أن تفصح عنه للمجلس النيابي أو للشعب. فقد أقدمت الحكومة في النصف الأول من 2003 على منح البنك البحريني السعودي دعما ماليا كبير لإنقاذه من الانهيار حيث تعهدت مؤسسة النقد تعهدا غير قابل للنقض بتوفير مبلغ لا يتجاوز 20 مليون دينار بحريني طبقا لنصوص اتفاقية الدعم المقدمة في 26 مايو 2003. وهذا التعهد يعني تقديم الحكومة معونة غير مستردة من المال العام لبنك يقوم على أسس تجارية دون أن تحصل الحكومة في المقابل على أسهم في البنك كما يحدث عادة في مثل هذا الوضع. وفي هذا مخالفة صريحة للمادة 109 (ج) من الدستور التي تنص على "ولا يجوز تخصيص أي إيراد من الإيرادات العامة لوجه معين من وجوه الصرف إلا بقانون"  ومن يطلع على سجل كبار المساهمين في البنك لن يفوته معرفة كبار المستفيدين من هذا الدعم المجاني.  وقد أتضح من عمل لجنة التحقيق البرلمانية مخالفة دستورية أخرى يقوم بها الوزراء خلافا للمادة 48 التي لا تجيز للوزير استلام مكافأة في حالة عضوية احد مجالس الإدارة نيابة عن الحكومة وهو الأمر الذي يبدو شائعا بين الوزراء. وفي جميع هذه المخالفات لم يتحرك المجلس ليفرض إرادته وينتصر للدستور والقانون.
 
عنوان بلا هوية
 
كاد النواب أن يتيهوا في بحثهم عن دور مقنع للمجلس, عن هوية له, فقد وضعت الحكومة  توصياتهم (اقتراحات برغبة) في الأدراج وهم الذين لم يجيدوا التفاوض مع الحكومة وقت إقرار الميزانية وأساءوا لأنفسهم وللتجربة المحدودة باستلام المكرمات من الحكومة من منح وعلاوات إضافية خارج القانون. ولولا أن أدركهم الشيخ عيسى بن إبراهيم بطوق النجاة عندما أعلن في إحدى جلسات المجلس  إفلاس هيئة التأمينات الاجتماعية خلال أقل من عقدين, ولولا أن سمحت الحكومة لهم بفتح ملفات التأمينات السابقة لانعقاد الدور التشريعي ولم تستعمل حق "الفيتو" الذي منحتها المادة 45 من قانون المجلسين, لما استطاع المجلس إظهار نفسه أمام الرأي العام بالطريقة الايجابية التي برز بها النواب أثناء كيلهم اللوم للحكومة, أمام الجمهور وكاميرات التلفزيون ومراسلي الصحافة, واتهام المسؤولين بالفساد أو التفريط واتهام الحكومة بالتدخل في شؤون هيئة كان من المفروض أن تكون مستقلة. غير أن حبل التشريع والرقابة قصيران وبامكان الحكومة شده في أي لحظة باستخدام الحصانة التي منحها إياها الدستور الجديد وحزمة القوانين المرافقة. والرأي العام لن يكتفي بالكشف عن الحقائق بل سيطالب بمعاقبة المخالفين والفاسدين, كما سيتساءل عن صمت المجلس في قضايا فساد أخطر تمت في نفس الفترة التي كان يقوم فيها بالتحقيق في موضوع الهيئتين, قضايا مثل توسعة مصنع ألبا للألمنيوم الذي يكلف أكثر من 1700 مليون دولار ومر موضوعه على المجلس بلمح البصر عندما ناقش قروض الـ 500 مليون دولار (منها 131 مليون دولار لتمويل حصة الحكومة في ألبا) دون أن يثير تساؤلات حول جدواه ولا يفتح تحقيق في موضوع العمولات رغم أن رائحتها تزكم الأنوف, ومثله كذلك مشاريع تحديث مصفاة النفط وإفلاس البنك البحريني السعودي. ورغم كل ما يعرفه المواطنون عن توزيع الأراضي البحرية بين كبار المتنفذين فان المجلس لم يبذل جهدا يذكر في حصر الملكيات والإعلان عنها ووضع قانون يقوم على ضبط توزيع هذه الأراضي ويحدد التوزيع لذوي الدخل المحدود وللأغراض الصناعية والاقتصادية وإلزام الحكومة بالإعلان عن أسماء وشخصيات كل مستلمي الأراضي.
يتوهم بعض النواب بأن إبقاء قضية التأمينات حية ستجنبهم الحرج الشعبي الناشئ من عجزهم عن فتح ملفات خطيرة هي الأخرى, بل ربما أشد خطرا من ناحية الأسماك الكبيرة التي ستعلق بشباكها مقارنة بالأسماك المتوسطة الحجم العالقة في شباك هيئة التحقيق البرلمانية في ملف التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد. فليست هناك مخاطر سياسية على النواب إذا استمروا في موقفهم الذي يبدوا عليه التصلب الذي يحظى بتشجيع المواطنين الذين أصبحت قضية مكافحة الفساد من أكثر القضايا تحقيقا للإجماع الوطني. ومن غير المستبعد أن تقوم الحكومة بالتضحية بالرؤوس الصغيرة والمتوسطة بإحالتها على التقاعد المبكر أو لوظائف أخرى في الدولة فتغلق الملف بالكامل وخصوصا وأن المجلس لم يتناول المسؤول الأول عن قضية تخفيض الاشتراكات عام 1986 ولم يثبت أية قضية فساد. وفي نفس الوقت الذي يحتفي فيه النواب بانتصارهم الموهوم تمر البلاد بحالة نهب وسرقة لم يسبق لها مثيل وخاصة في ظل التوسع الكبير في ميزانية الدولة وزيادة إنتاج حقل أبو سعفة النفطي واستمرار أسعار النفط في أعلى معدلاته منذ 20 عاما وقيام الدولة بالمشاريع الكبيرة وكلها مشاريع بها الكثير من العمولات التي تبرر عدم تغيير وزير لمركزه رغم تغير حقيبته الوزارية. أمام هذه الثروة المتزايدة لم يعد الحكم مهتما بوضع موضوع مكافحة الفساد على قمة أجندته, كما انه أصبح أكثر وعيا بأن فتح ملف الفساد قد يقوض بنية الولاءات المجتمعية سواء داخل العائلة الحاكمة أو لدى حلفائها والمستفيدين من النظام السياسي الحالي.
 
_______________
المؤتمر الدستوري
مملكة البحرين
14-15 فبراير 2004

 



#إبراهيم_شريف_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي ...
- إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
- طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
- صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
- هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
- وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما ...
- حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر ...
- صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق ...
- يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - إبراهيم شريف السيد - مجلس 2002 - ثلاثة أسقف