- لم أتخلَ عن النحتْ، لأنني أولاً وأخيراً، نحات قبل أن أكون رساماً
إن التصدي لتجربة الفنان آشتي كرمياني تحتاج إلى كثير من التأمل لفك الاشتباك الحاصل في رؤيته الإبداعية. فقد بدأ حياته الفنية نحاتاً، إذ درس فن النحت على أيدي نحاتين كرد معروفين أمثال الفنان علي جولا وحكمت هندي وكوسرت رسول وسعاد ستار، لكنه سرعان ما انعطف نحو الرسم ملبياً نداء الشطحات الأولى التي فجرها عمه الفنان غازي محمد أيام صباه ومراهقته. وهكذا تداخلت الأدوات والرؤى والتقنيات لدى الفنان آشتي كرمياني، بل ربما امتد هذا التداخل حتلا في مخيلته. فلا غرابة إذاً حينما نرى بعض اللمسات النحتية في لوحته التشكيلية، والعكس صحيح أيضاً، فهو يرسم حينما ينحت! إن هذا التلاقح ما بين جنسين إبداعيين كفيل أن ينتج ثمرة فنية مهجّنة قد تحمل خصائص وميزات تختلف تماماً عن المرجعيتين النحتية والتشكيلية، وهذا هو سر ثراء العمل الفني الذي ينجزه آشتي كرمياني. وللإستجلاء تجربته الفنية وخزنا ذاكرته المشونة بالكثير من المواقف الممتدة منذ بداياته الفنية وحتى تواجده الأخير في هولندا محل إقامته الدائمة إلتقته ( الإتحاد ) وفجرت في أعماقه ينبوعاً لا ينضب من الذكريات الجميلة والمؤسية في آن معاً.
* قطار الفن الكردي
• هل لك أن تتحدث لنا عن جيل الفنانين الرواد الكرد الذين وضعوا اللبنات الأساسية للفن التشكيلي في كردستان؟ ومن هم أبرز الفنانين الذين ساهموا في تأسيس معهد الفنون الجميلة في السليمانية بوصفها المثابة الحقيقية التي انطلقتْ منها بدايات الفنون التشكيلية الكردية في منتصف الثمانينات من دون أن نتجاهل ما قدمه الستينيون والسبعينيون من منجز فني كبير؟
- إذا أردنا أن نتحدث عن جيل الفنانين الروّاد الكرد فعلينا أن نعود إلى القرن الماضي، وبالتحديد إلى عقد العشرينات أو قبله بقليل، لأن الفن الكردي ليس حديث النشأة والتكوين. في القرون الماضية أنتجت كردستان الكثير من الأشغال اليدوية التي تنحصر في مجال الفنون الشعبية أو الحرفية. فالإنسان الذي كان منغمساً في خلق نماذج وأشكال ومنتوجات فلوكلورية لم يكن يحضَ بلقب الفنان، بل كان يسمى بكل بساطة ( أُسطة ) أي المعلم، وهذه المفردة انسحبت على النقّاش والنجّار والحدّاد والبنّاء والخزّاف والنسّاج والنحّاس وما إلى ذلك حِرف شعبية سائدة. ثم تطور فن الحرفة أو الفن الفطري الذي لا يخلو من معالجات فنية عالية إلى فنٍ متقدم يعالج ثيمات أسطورية وحداثوية ومستقبلية في آن معاً. ولو أمعنا النظر في الأقواس القديمة لقلعة كركوك أو القيصرية القديمة في السليمانية، أو قلعة أربيل لاكتشفنا أن البنائين الذين شيدوا هذه النماذج الأثرية الجميلة، والنجارين الذين صنعوا الأبواب والشبابيك التراثية المزخرفة، وكل الحرفيين الذين ساهموا في إضفاء لمساتهم الفنية على هذه القلاع والأبنية القديمة لم يحضوا بلقب الفنان، وإنما المعلم. إن البداية الحقيقية للفن التشكيلي الكردي ربما تعود إلى عشرينات أو ثلاثينات القرن الماضي وفق المنظور المعاصر للفن من دون أن ننسى المنجز التراثي القديم مثل صور الخيام وكتاب ( شرفنامة ) لمؤلفه شرفخان بدليسي. وهذه الصور القديمة التي تعود لفنان كردي ما تزال موجودة في متحف اللوفر في باريس، وقد تناول فيها تصوير الأساطير القديمة في حياة الشعب الكردي. كما ينبغي علينا ألا ننسى الصور القديمة التي ما تزال ماثلة في الكهوف والمغاور القديمة مثل كهف ( شانيدر ) و ) هزار ميرد ) و ( زرزي ) وغيرها من الكهوف القديمة التي تمثل جزءاً من حضارة الشعب الكردي وثقافته على مرّ العصور. وقد كشفت الدراسات الآثارية أن بوادر الحياة البشرية ربما تكون قد بدأت هناك. وقد وصل التأكيد إلى درجة كبيرة بأن قرية ( جرمو ) التي تقع على مسافة 30 كم شمال شرق مدينة جمجمال هي أول قرية في العالم بوصفها نموذجاً اجتماعياً للقرية التي تضم عدداً محدوداً من السكان زاولوا الزراعة، ومارسوا نوعاً من الحياة المشتركة التي تؤمّن لهم هاجس العيش. وربما هناك نماذج أخرى لم يتوصل إليها الباحثون بعد فهناك ريادة فنية مبكرة تعود إلى تلك الأزمنة الموغلة في القدم. أما الريادة المعاصرة فهي تعود إلى أواسط القرن لماضي، وهؤلاء الرواد هم أنفسهم الذين ساهموا في تأسيس معهد الفنون الجميلة في محافظة السليمانية، ومن بين أبرز الأسماء الفنية المؤثرة أذكر علي جولا وكوردومحمد علي وبختيار مصطفى وهاوري أنور وحكمت هنداوي وهيوا عبد الله وقادر ميرخان وكوسرت جمال وعبد الله رسول وأحمد سالار وبديعة دار تاش وآزاد جلال وانور قرداغي وصلاح رؤوف. لقد تحرك هؤلاء قبل عقد الثمانينات من أجل إنشاء معهد الفنون الجميلة في السليمانية، لكن ذلك الحلم لم يتحقق إلاّ عام 1981 وقد تجسد على أرض الواقع عندما تخرجت أول دفعة عام 1985. لقد بذل هؤلاء الفنانون جهداً كبيراً من أجل إدامة زخم الحياة الفنية في كردستان، ولقد تحققت بواكير ذلك الحلم عندما استقبل المعهد أول دفعة دراسية في أقسامه الفنية الثلاثة وهي التشكيل والمسرح والموسيقى، علماً بأن قبول الطلبة آنذاك كان يتم بدرجة عالية من النزاهة، إذ كان الطالب يمر بعدد من المقابلات المركزة التي تستطيع أن تفرز الفنان الموهوب عن صاحب المواهب الضعيفة، ولهذا تألقتْ أسماء فنية كثيرة في عقدي الثمانينات والتسعينات. وعندما أدرك النظام في بغداد خطورة الدور الذي يلعبه المعهد وغيره من المراكز العلمية والثقافية بدأ يتدخل بشكل سلبي، إذ أبعد بعض المدرّسين الكرد، وعيّن محلهم طاقماً تدريسياً حزبياً غير كفوء. إن هذه الإجراءات الإدارية غير المقبولة هي التي دفعت الفنان علي جولا إلى الانتقال إلى مدرسة ابتدائية بصفة معلم لا غير. ثم توالت بعض الحوادث المؤسفة مثل إحراق بناية معهد الفنون عام 1981 ، أو إلقاء القبض على عدد من الطلبة بين عامي 1983- 1984 وزجهم في سجون الأجهزة الأمنية والمخابراتية بتهمة ممارستهم لنشاطات سياسية مناوئة للنظام. هكذا تحول المعهد إلى مركز مخابراتي تجري في أروقته تحقيقات لا نهائية بدلاً من تلقيهم دروساً عملية ونظرية في الفن والثقافة بشكل خاص. ومع كل هذه المنغصات التي ذكرتها كشهادة تاريخية أمينة لم يتوقف عطاء الفن الكردي ولم يمتْ، بل تواصلت المسيرة، وقدّم الفنانون الكرد آثاراً فنية لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال. لقد حدثت شروخات وانكسارات في روحية طلبة المعهد، ولعل أبرزها هو إلقاء القبض على الفنان حكمت هندي، ورحيل الأستاذ الفنان كوسرت جمال إلى أوربا والتي شكلت في حينها ضربة كبيرة لطلاب قسم النحت، لكن عودة النحات دارا حمه سعيد من ايطاليا وتواجد الفنان سعاد ستار، ثم الإفراج عن الفنان حكمت هندي لاحقاً قد خففت من تلك الوطأة وأعادت قطار الفن إلى مساره الطبيعي والصحيح.
*الرؤية الشمولية
• تأثرتَ بعدد من الفنانين التشكيليين الكرد أمثال محمد عارف، إسماعيل الخياط، دارا حمه سعيد وكوسرت جمال وغيرهم. ما حدود ونوعية هذا التأثر؟ وهل اقتصر هذا التأثر على التقنيات، أم امتد إلى الرؤى والأفكار والمقتربات؟
- إن محمد عارف وإسماعيل الخياط فنانان كبيران قدّما خدمة كبيرة للفن التشكيلي الكردي أولاً، وللشعب الكردي ثانياً. فهما أصحاب تجارب كبيرة، ولهما علاقات فنية واسعة على الصعيدين المحلي والعالمي. وعلى الرغم من أنهما يمثلان مدرستين فنيتين مختلفتين، فالأول أي محمد عارف فنان كلاسيكي وانطباعي،بينما يعّد إسماعيل خياط فناناً تجريدياً وواقعياً تعبيرياً. لقد تأثرت بالرؤية الشمولية لهذين الفنانين، كما تأثرت بأساتذتي الكبار الذين علموني المبادئ الأساسية لفن النحت والرسم، ووضعوا خطواتي على الطريق الصحيح، وفتحوا أمامي آفاق المدارس الفنية الحديثة، وأبرز هؤلاء الأساتذة هم كوسرت جمال ودارا حمه سعيد وحكمت هندي.
• مدينة كولاجية
• أنجبتْ مدينة كركوك عدداً من الرسامين والنحاتين، لكنها لم تنجب إلا عدداً محدوداً من الغرافيكيين أمثال صلاح محمد أمين ومدحت كاكه ئي. ما هي أسباب قلة وانحسار الاهتمام بالغرافيك والسيراميك في عموم كردستان؟
- في حوارنا السابق الذي أجريته معي لصحيفة ( الزمان ) اللندنية تفضلت حضرتك بالقول ( إن كركوك هي مدينة كولاجية ) وهذا صحيح على الصعيد الأثنولوجي الذي يفرز ثقافات ومرجعيات مختلفة، وبالتالي يفرز فنانين ومبدعين متعددي المشارب والاتجاهات. من هنا انبثقت الصفة الكولاجية للمدينة التي يسكنها الكرد والتركمان والعرب والآثوريين وغيرهم من الأقليات الصغيرة، لكن انعدام استقرار هذه المناطق أدى إلى انعدام وجود معهد أو كلية فنية متخصصة تأخذ على عاتقها احتضان المواهب الفنية المتواجدة بين ثنايا هذه المدينة العريقة لقد شُرد أبناء هذه المدينة مرات عديدة، وهُجّر البعض منهم قسراً إلى محافظات أخرى، وبعضهم رُحّل نهائياً إلى إيران، لذلك فقدت المدينة عدداً كبيراً من أبناءها الأصليين الأمر الذي أضعف الجانب الكولاجي فيها حتى على الصعيد الديموغرافي. لقد لعبت مدينة كركوك دوراً أساسياً وفاعلاً في رفد الثقافة العراقية بمنجزات إبداعية مختلفة، لكن هذا الدور سرعان ما انحسر بعد مجئ النظام الشمولي في العراق الذي حاول، ولا يزال يحاول، مسخ الهوية الكولاجية للمدينة من خلال تعريبها. أما بالنسبة للفنان متحت كاكه ي وهو من جيل أواخر الستينات وأوائل السبعينات فهو من أكثر الفنانين نشاطاً في مجال الغرافيك، وقد عرض العديد من نتاجاته في محافظة كركوك وبقية المدن العراقية، كما عرض خارج العراق أيضاً. أما الفنان صلاح حمه أمين فهو من الجيل نفسه، ولديه نشاطات كثيرة، لكن الظروف السياسية لم تتح له فرصة حقيقية لتقديم نتاجاته الفنية. في الثمانينات من القرن الماضي تخرّج عدد كبير من الطلبة من معاهد وكليات الفنون الجميلة، ومن مختلف الأقسام كالرسم والنحت والسيراميك والغرافيك، غير أن الظروف القاسية أجبرت البعض منهم في مدينة كركوك على التخلي عن الفن والإتجاه صوب التدريس. أما بصدد الفنانين السيراميكيين فأنا أعتقد العكس تماماً لأن لدينا عدداً كبيراً من الفنانين الذين يعملون في هذا المضمار الفني أمثال الأستاذ حمه سعيد الذي يعد أشهر فنان سيراميكي في كردستان، وقد شارك في عدد كبير من المعارض المحلية والعالمية في كوريا واليابان والصين، ومن الطريف أنه شارك بأعمال سيراميكية بقياس 5 ملم، وحصل على جوائز كثيرة، ولا يزال مستمراً في هذا المجال. وقد كتبت عنه الصحافة العراقية كثيراً، وأشادت بمنجزه الفني. أما بالنسبة للفنانين الآخرين ىفي مجال السيراميك فأذكر الفنان قادر ميرخان وهيوا عبد الله اللذين يتميزان بجمالية تجاربهما الفنية العميقة. ثم جاء بعدهما خريجوا معهد الفنون الجميلة في السليمانية بعد منتصف الثمانينات. والسيراميك، كما أشرت سابقاً، هو فن حرفي كان موجوداً منذ أقدم الأزمنة في منطقة كردستان.
* نموذج متكامل
• أنت معجب بالفنان جواد سليم الذي أنجز أهم نصب في الشرق الأوسط ( نصب الحرية )، وتعتبره أنموذجاً فنياً بالنسبة إليك، لكنك بالمقابل لم تُشر إلى تجربة محمد غني حكمت المتحدر من مدينة كركوك. لماذا تقصيه من الذكر ولا تتحدث عنه؟ هل ثمة أسباب معينة لهذا الاستبعاد؟ ألا يعجبك مشروعه النحتي؟ وكيف تقيّم تجربته النحتية بوصفك نحاتاً أيضاً؟
- أقولها من أعماق القلب أنني معجب جداً بمعجزة ( نُصب الحرية ) للفنان الراحل جواد سليم، لأن هذا النصب هو من النماذج الفنية النادرة والحديثة في الشرق الأوسط على صعيد الموضوع والتقنيات المستخدمة فيه والدقة الإخراجية للعمل حتى ليصعب عليّ أن أعطي رأياً محدداً بهذا العمل الجبار الذي أعده نموذجاً متكاملاً للعمل النحتي الناجح. إن هذا النصب يعالج موضوعات ماضية وحاضرة ومستقبلية، وأن كل جزء من هذا العمل يعبّر عن مرحلة معينة في حيا الإنسان العراقي. أما تجربة النحات محمد غني حكمت فأنا أعتبرها مكملة لتجربة جواد سليم، وهو أيضاً معلم ماهر في إنجاز فورمات وأشكال جذابة، ويعالج أيضاً موضوعات قديمة وحديثة في آن معاً. أما الدكتور علاء بشير فقد تعامل مع منجزه الفني برؤية مغايرةـ وهي تشريح فن النحت، أو الدخول إلى عمق النماذج النحتية بأدواته العملياتية. في فورمات علاء بشير يمكننا أن نلمس الاتجاه السريالي أو الحداثي عبر منظور مختلف عن الأسماء الفنية التي ورد ذكرها أعلاه.
* العلاقات اللونية
• الألوان الكردية الحارة ما تزال سمة بارزة في أعمالك الفنية. هل تتقصد خلق هذه الألوان، أم أنها تأتي عفوية ومنسجمة مع سياق العمل الفني؟
- تتجسد التأثيرات البيئية والنفسية في أعمالي الفنية، ويتجلى الحس الكردي في أغلب لوحاتي التي تستمد نسغهامن التراث الكردي. أنا لم أتعمّد استخدام هذه الألوان الحارة التي ذكرتها في متن السؤال، ولكن هذه الألوان تنبجس من الملابس والأزياء الكردية الزاهية الملونة بالأحمر والأخضر والأزرق والبرتقالي. إن هذه الألوان ليست جديدة، بل هي قديمة جداً وتعود إلى أزمان بعيدة في تاريخ الشعب الكردي. ولا أخفيك فأنا لست عفوياً في أساليبي الفنية، لأنني غالباً ما أرجع إلى دراسات نظرية وأبحاث فنية رصينة لكي أختار العلاقات اللونية التي تؤسس الشبكة الداخلية لتكوين اللوحة الأولي الذي يتداخل فيه الشكل والمضمون، وحتى أبيات الشعر التي تجدها مبثوثة في بعض لوحاتي فهي جزء أساسي من العمل الفني، وليست دخيلة عليه، وبالذات أشعار شيركو بيكس وعبد الله به شيو ومحمد عمر عثمان وغيرهم من الشعراء الكرد الذين يصورون لام الشعب الكردي بطريقة فنية عالية. في بعض الأحيان وبسبب عامل الغربة الحادة التي أعيشها في أوربا، وما أعانيه جراء البعد المكاني من طبيعة كردستان وجبالها أرسم معاناتي الداخلية التي تطفح من خلال بحر الشمال وألوان الطبيعة الهولندية الهادئة.
• يبدو أن اهتمامك بالفن التشكيلي قد فاق اهتمامك بالنحت، علماً بأنك نحات بالأصل. لماذا تخليت عن النحت؟ وهل حققتَ ذاتك وأحلامك الفنية في الرسم أكثر من النحت؟
- كلا، لم أتخلَ عن النحت، لأنني أولاً وأخيراً نحات قبل أن أكون رساماً، لكني في بعض الأحيان أحتاج نفسياً لأن أرسم، وفي أحيان أخرى أحتاج لأن أنتْ، ولهذا ترى في معارضي الشخصية لوحات فنية مع أعمال نحتية. في معرض لاهاي الأخير الذي اشترك فيه ( 28 ) فناناً عراقياً ساهمتُ بعملين تشكيليين، وفي معارض مشتركة أخرى شاركت مع عدد من الفنانين الكرد في أمستردام وروتردام بعدد من اللوحات، بينما ساهمت في معرض نقابة الفنانين لجنوب هولندا ببعض الأعمال النحتية. أخلص إلى القول إن هناك تداخل عميق بين تجربتي النحت والرسم في داخلي.
* الفن الفطري
• اتضحت الملامح الفنية للفنان هيمت محمد علي الذي يقيم في باريس الآن، واستطاع أن يرسخ مشروعه التشكيلي من دون أن يتكئ على معرفة أكاديمية. أعني أنه لم يتخرج من معهد أو أكاديمية فنية، ومع ذلك فقد حقق حضوراً فنياً واضحاً. كيف تقيّم لنا تجربة الفنانين الكرد الذين لم يتخرجوا من معهد أو كلية فنية؟
- هذا السؤال يعود بي إلى أوائل الثمانينات حينما ترسخت معرفتي بالفنان هيمت محمد علي الذي كان منغمساً في مشاريعه الفنية في مدينة كركوك حيث كان معتكفاً في مرسمه الذي يغص بالكثير من الأعمال الفنية الجديدة. كان هيمت، ولا يزال فناناً دؤوباً، إذ شارك في وقت مبكر بالعديد من المعارض الفنية في بغداد وعمّان وطوكيو، وقد أقام لاحقاً العديد من المعارض في باريس محل إقامته لدائمة. لقد تأثر هيمت بأخيه متحت كاكه ي الذي ساهم في إشعال الحرائق الفنية في أذياله الأمر الذي أضاء له مناطق معتمة وغير مكتشفة لم يتوقف عندها أحد من قبل. كانت لهذه الأسرة علاقات طيبة مع كثير من الفنانين العراقيين أمثال الفنان شاكر حسن آل سعيد و د. علاء بشير. وله اآم علاقات عميقة مع كثير من الفنانين الأجانب في فرنسا. إن هيمت محمد علي فنان فطري، كما تفضلتْ، ولدينا في كردستان عدد من الفنانين الفطريين أمثال نظير خيلاني الذي يعّد من أهم النحاتين الفطريين الأكراد، ويقيم حالياً في النرويج، وقد أنجز مؤخراً عملاً نحتياً خشبياً أثار الكثير من الجدل في الصحف النرويجية. كان هذا العمل كبيراً بقياس أربعة أمتار تناول فيه موضوعاً دينياً حساساً هو ( يوم القيامة )، وقد تبنتْ إحدى الكنائس دفع تكاليف هذا العمل. وقد احتّد النقاش في إحدى الصحف النرويجية إلى حد التساؤل عن الكيفية التي تتبنى فيه كنيسة بروتستانتية عملاً لفنان مسلم يحمل طروحات مغايرة وصادمة إلى حد ما. وهناك فنانون أمثال صلاح حمه أمين وآزاد رش، وكلاهما لم يدرس الفن في معهد أو أكاديمية فنية. إن الفنان الفطري يمتلك موهبة كبيرة يستطيع من خلالها مواكبة أقرانه الفنانين، أو حتى التميز عليهم في بعض الأحيان. وهناك فنانون درسوا في كليات أخرك ولكنهم انقطعوا إلى الفن أمثال الفنان غازي محمد الذي تخرج من كلية الإدارة والاقتصاد في السليمانية. فالفنان الفطري هيمت لا يخرج عن هذه الظاهرة اللافتة للإنتباه.
* ذاكرة مدمجة
• تُشيد دائماً بتجربة الناقد الفني طارق كاريزي. ما هي أبعاد مشروعه النقدي؟ وما هي النظريات النقدية التي يعتمد عليها في دراسة وتقييم العمل الفني؟ وهل هناك نقاد آخرون قدموا جهداً موازياً لجهده النقدي في هذا المضمار، مع الاعتزاز بكل التجارب النقدية الأخرى؟
- أستطيع القول إن الناقد التشكيلي الكردي طارق كاريزي هو أرشيف أو ذاكرة مدمجة لكل الفنانين الكرد. لقد انغمس كاريزي منذ نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات بالعديد من النشاطات الثقافية والفنية، وكتب الكثير من المقالات والدراسات النقدية عن الفن التشكيلي الكردي من خلال متابعاته الجدية لأغلب المعارض التي كانت تقام في كردستان. وقد نشر العديد من المقالات النقدية في صحيفتي ( هاوكاري ) و( العراق ) وباللغتين العربية والكردية. كان كاريزي أميناً في تقييم تجارب الفنانين التشكيليين الكرد. وقد اعتمد في هذه التقييمات على الكثير من الوثائق والحوارات الصحفية، ودراسات النقاد الآخرين المؤرشفة. وكان لا يكتب شيئاً من دون أن يلم بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة عن الفنان محط الدراسة والبحث، ولهذا خرج بنتائج حيادية أثارت إعجاب الفنانين أنفسهم. للناقد كاريزي، كما هو معروف، دور بارز في إنجاح الملحق الثقافي الفني الذي أشرف عليه لمدة طويلة من الزمن. وفي هذه المناسبة أود أن أذكر الأستاذ كمال غمبار الذي لعب هو الآخر دوراً مهماً في دراسة المنجز التشكيلي الكردي. ويجب أن أنوّه بدور الأستاذ عباس يوسف الذي كتب دراسات نقدية باللغة العربية عن المنجز الفني الكردي. وبالتأكيد أن هناك أسماء أخرى لا أعرفها بسبب البعد المكاني عن كردستان، وغيابي عن الساحة الفنية التي تتألق هناك بأسماء جديدة يوماً بعد يوم.
• الفنان في سطور
• من مواليد كركوك/ العراق عام 1965.
• خريج معهد الفنون الجميلة في السليمانية عام 1985.
• أقم عداً من المعارض الشخصية والمشتركة نذكر منها:
• 16 معرضاً في العراق وسوريا.
• 9 معارض في هولندا.
الإتحاد