أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - الأستاذ














المزيد.....

الأستاذ


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2427 - 2008 / 10 / 7 - 02:18
المحور: الادب والفن
    


يبدو انه استجاب لسؤالي الاستفزازي عن سر ولهه العجيب بالمتنبي, تفقد طية الشعر المرتمية باسترخاء فوق صلعته الرحبة ثم ركز عينيه المتراقصتين باتجاهي, ومن غير انقطاع انهمرت درر القوافي تتناثر بغزارة أنهكت قدرتي على ملاحقتها, كانت القصائد تنساب مزهوة رقراقة صافية حتى أسكرني و أيقض مخيلتي فأبصرت الشموخ ظاهرا في هذا العملاق.
ما كنت أجرأ على مقاطعته لولا سقوط عقب سيجارته على السجادة المتواضعة بعد أن لفظت أنفاسها منسية على طرف المنضدة الصغيرة.
كان علي أن أفيق بعد أن أثملني طلاه اللذيذ, فسألته (لألجم استرساله) عن ريادة الشاعر السياب, نظر الأستاذ في عيني مبتسما وكأنه سبر غوري ثم شرع ينقش بأزميل الوجد عوالم الشاعر الراحل, ولا ادري كيف جعلني أتلظى رغبة لغيد السياب المفتقدة ثم مد يده ليغرز في صدري ألام الشاعر السقيم وآهات غربته وما انفك يحدثني حتى غمرني بزمهرير عودة جثمانه إلى جيكور فانسابت دموعي وأنا اردد مع الأستاذ
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ غَيْرُ الرِّيحِ في اللَّيْلِ العَمِيقْ
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ كَفُّكِ .
أَيْنَ كَفُّكِ وَالطَّرِيقْ
نَاءٍ ؟ بِحَارٌ بَيْنَنَا ، مُدُنٌ ، صَحَارَى مِنْ ظَلاَمْ
الرِّيحُ تَحْمِلُ لِي صَدَى القُبْلاَتِ مِنْهَا كَالْحَرِيقْ
مِنْ نَخْلَةٍ يَعْدُو إِلَى أُخْرَى وَيَزْهُو في الغَمَامْ
كنت اعلم أن الأستاذ قد أتخم أدبا وعلما إذ قرأت له في الصحافة الورقية والالكترونية وسمعت بعض محاضراته في عدد من المحافل, وطالما اتيح له الحديث حتى تفيض جوانبه سحرا إذ لا يحتاج إلا لبعض الجمل المبتسرة حتى يحلق بسامعيه في عوالم الجمال رغم أنوفهم إلا أني لم اشهد غوصه في بحور الكلم والتقاطه الخاطف للخبء المتواري مثل اليوم.
كفكفت دموعي ونهضت, فقال إلى أين؟ فحدثته عن عطب حاسوبي المستعصي, أشار إلي بالجلوس وقال أرسل بطلبه وسوف أصلحه لك حالا, كدت اضحك لولا الخجل, فما شأن أهل الأدب بعلم الحاسوب!! ربت على كتفي وقال لا تتعجب فالأدب اختصاصي و الحاسوب هوايتي وما أن جلب ولدي الجهاز حتى نهض الأستاذ ليتعملق في عالم الأرقام كما هو في عالم الحروف, كان يحدثني أثناء استغراقه في إصلاح جهازي عن نظام الأرقام الثنائي والعشري ولغات الحاسوب وأشباه الموصلات والذكاء الصناعي وعن الشبكة العنكبوتية والاتصالات وتجاربه في البرمجة, وبعد اقل من ساعة أعاد العافية إلى جهازي, شكرته وأنا أكاد لا اصدق انه فعل ما عجز عنه أهل الاختصاص.
وسرعان ما عاد الأستاذ لينفخ الروح في القصائد والنصوص بخفة ساحر متمكن, فهو تارة يلبسني طاقية محمد مهدي الجواهري وأخرى (طربوش) احمد شوقي ثم عاد فقذفني بكوفية الشاعر احمد الصافي النجفي ثم رافقني إلى (صالون) مي زيادة وبعد هنيهة هاجر بي إلى حيث ايليا ابو ماضي وميخائيل نعيمة وبلند الحيدري ومحمود درويش ولم يلبث حتى تقهقر بي إلى لبيد وجرير والفرزدق والمعري والحمداني و مالك بن الريب وقبل أن التقط أنفاسي دلف في مقهى نجيب محفوظ ليريني معالم خان الخليلي وزقاق المدق ومن هناك أشار إلى دستوفسكي والبير كامو وهمنكواي وغابرييل غارسيا ماركيز و حمار توفيق الحكيم ثم أنحدر بسلاسة نحو اللاهوت والفلسفة وعلم العروض والمقامات والسلم الموسيقي.
داهمنا الغسق فقال ألا تصلي؟!, كانت كلماته آسرة مشبعة بالحنان والحزم, نهضت مستأذنا يلفني الخجل إذ اقتطعت بثقل ظلي أكثر من ساعتين من وقت الأستاذ الثمين, وللمرة الثانية قرأ أفكاري فرفع يده قائلا لا استئذان قبل تناول العشاء, همست لنفسي يا لهذا البدن الضئيل كيف تسنى له حمل هذا النحرير الهائل.
أنقذني ولده حين اقبل بأقداح الشاي من الركام المعرفي الهائل الذي حشرني في زاوية الجهل المخجل, أمسكت بالقدح كالغريق الذي يتشبث بعود طاف فمن أنا لأتعرض إلى هذا السيل العارم, ليتني ما استفززته وما سألته, فما أبقت لي غزارة أدبه وعلمه غير الصمت والاكتفاء بإيماءات متلاحقة لأظهر إصغائي ومتابعتي لحديثه.
بتلقائية التقط الأستاذ جهازا بحجم الكف واخرج من إحدى جوانبه قلما معدنيا ضغط به سطح الجهاز الصغير لينساب شدو أم كلثوم( أراك عصي الدمع) صافيا يأخذ بمجامع القلوب, فكانت فرصتي لأطفو على السطح, سألته يا أستاذ أين أنت من العشق والغرام؟
أبتسم ومضى يترنم بأبيات لشاعر عذري ثم قال اسمع أم كلثوم, أنها تتغنى بأشجاني وتترجم حالي.
يا الهي!! العالم الجليل مغرم ؟ ترى من هي التي أسرت هذا القلب الكبير؟ سرحت بخيالي لأرسم ملامحها لكن جرس الهاتف قطع تأملاتي, كان صوت محدث الأستاذ جليا وقد سمعته يقول بوضوح تام, أسف يا أستاذ قد أصر رئيس قسم اللغة العربية على منحك درجة سيئ في التقويم السنوي للأداء لهذا العام!!!!!!!!!

د.عدنان الدراجي
[email protected]



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة
- الوطن البكر
- نزوة شجرة
- قصة أنفاس الفجر
- قصة رائحة بلدي
- نبتة الخلود


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - الأستاذ