محمد علي ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 2425 - 2008 / 10 / 5 - 04:48
المحور:
الادب والفن
أحِنُ أحياناً إلى شيخ عجوز ما قابلته
وأشعر باشتياق لهدير بحر ما سبحته
وأرى حولي وجوهاً حفظتها لكن كُنهها ما عرفته
وسمعت كلاماً كثيراً من كل عابر نصفه ما عقلته
وذات ليلة زارني في منامي ذات الشيخ العجوز
وأخبرني أنه قادم إليَّ من بلاد بعيدة، الكذب فيها لا يجوز
وأخبرني أنني سأعرف عما قريب حقيقة الخلق الأكيدة
وأنَّي من بعد ذلك في ثوان سأطوي المسافات البعيدة
وأني سأرسو عما قريب على شاطئ الأرض الوحيدة
التي لا حزن فيها ولا لوعة فراق ولا اشتياق لحبيبة عنيدة
وأنِّي سأجتاز سنواتي العجاف
وأنِّي بعدها من الخوف لن أخاف
ولمَّا شددت إلى رؤياه الرحال
بالخوف محملاً، وبالآمال
وجدت، على بُعد جزيرتين من بلادي الحزينة، أن سفينتي ما عاد لها شراع
ولمَّا أرخى ليل المحيط سدوله علينا، أنا وحيرتي واضطراب النبض في قلبي الملتاع
لمحت نوراً خافتاً متراقصاً من بعيد
وتساءلت في أمل مشوب بالقلق: أأمل جديد؟
لعل بشارة وصولي إلى بلاد النقاء هي كهلال عيد
وحين طلع الفجر علينا
وحامت طيور البحر الجارحة حوالينا
وجدت أن ما رأيت - كذباً - بالأمس ما كان نوراً
وقعدت في ركن ركين من السفينة مذعوراً
وسلَّمت أمري لموجة عاتية، أو لريح غير مواتية
أو لكائن نَهِم ينشق الماء عنه فيبتلعنا جميعاً
ورأيت - في نوم خاطف في غير محل - وجه العجوز من جديد
وقد أتاني هذه المرة برؤيا جديدة
وقال: أبحرتَ على متن سفينة لا تستحق وصف سفينة
أنت دائما هكذا متعجل
وكنتَ تظن نفسك النقي المتبتل
وقلت: لا أريد منك الآن سوى مَخْرَج من هذا قبل حلول الليل التالي
وقال: ماذا دهاك؟ ألأنِّي عجوز تظنني ملكت سر الليالي؟
ما جئتك إلا نذيراً
لأحذرك من عاقبة خطأ نفسك
الذي ألقاك في اليم وكرَّس وَتَد يأسك
ولأخبرك بأن جزاءك أن تأكل الطير من أم رأسك
ثم غرب عن بصري، وجعل عيني معلقة بالسماء
وقبل أن تبدأ الطيور تناول الوليمة
وتتحول رحلة البحث عن بلاد الفرح إلى ذكرى أليمة
مر شريط طويل - نسبياً - من الذكريات في خيالي
رأيت فيه نفس الوجوه التي هي لكل معاني الوفاء عديمة
ورأيت من بينها وجه العجوز المخادع الذي ألقاني إلى التهلكة
ثم خطرت ببالي، أخيراً، فكرة جد مجنونة ومضحكة
فماذا لو خضتُ ضد الطيور معركة؟؟؟
#محمد_علي_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟