|
أراد أن يأكله الكلب..//مونودراما//
تحسين كرمياني
الحوار المتمدن-العدد: 2422 - 2008 / 10 / 2 - 07:32
المحور:
الادب والفن
[ليس وحدهم البشر تعرضوا للأنفلة،حين سيقوا إلى المجاهيل،تم ترك حيواناتهم الوديعة،الأليفة منها الخادمة والحامية لهم سائبة في العراء،يحومون بين الطلول والخرائب بحثاً عن سادتهم،بحثاً عن لقمة طعام،من وحي تلك المشاهد المؤلمة،جاءت فكرة هذه المسرحية..] *** المكان :[ قمامة قرب قرية مؤنفلة..].. الأجناس المشتركة :[حمار يحتضر..كلب متهالك من الجوع..أسراب ذباب..أسراب غربان..ثلاثة رجال..].. الحوار :[يدور مع النفس].. ملاحظة :[الحوار يحدث بين الحيوانين في آن واحد،وللضرورة الفنية ارتأينا نقله هكذا..].. *** الحمار : (يلمح كلباً يدنو بتثاقل واستحياء)آآآآآآه..هذا ما كنت أخشاه،يا كلب من دلّك علي،لم أتفسخ بعد كي تلهث لنهش نتانتي. الكلب : (يراقص جسده،يهز ذنبه،يتقدم وهو يحرك بوزه)آه..وجدتها،أخيراً..أخيراًً وجدتها،يالها من وليمة دسمة..لحم..لحم..لحم.. الحمار : أرجو أن لا يفعلها،يا له من كلب ماكر،أبتعد يا كلب،أبتعد لا أريد توددك اتركني أموت بسلام.دعني أستنشق ريح الفناء بلا ضجيج..دعني..دعني.. الكلب : (يقعي أمامه،تفصلهما سبعة أمتار،ينتبه للغربان المذعورة )..ستفضحني هذه الكائنات،لا..لا لن أشعرها بعدوانيتي(يستدير ناحية الحمار)..أيها اللحم الدسم لا..لا تطيل موتك،سعادتي مرهونة بقضمة لحم منك.من لحمك.. الحمار : (يهز أذنيه ويحرك ذيله،تتطاير أسراب الذباب )..يا لتعاستي ،سيلتهمني وأنا حي..من ينقذني من أسنانة..سينهشني بلا رحمة..يا كلب دعني أموت،دعني.. الكلب : سأسرح وأمرح وأملأ الفلاة عواء،أنفي دليلي،ما خاب أنفي قط،قال الطعام في الجوار،صدقت أنفي وقادني أليه،يا لها من وليمة،وليمة حياة..لحم..لحم. الحمار : لم لا أوهمه،ربما بإمكاني أن أرجأ هجومه،الكلاب تخشى الحيوانات المتحركة، ولكن يا ترى هل أستطيع أن أفعل شيئاً،ماذا لو أخفقت،ربما أوفر له فرصة مثالية،عندها سينقض محتفلاً بلحمي على أنغام آلامي ونهيقي. الكلب : لماذا تحرك أذنيك،لماذا تحدق في هكذا،لا..لا..لا تظن إنني أخونك،لا..ماذا ورائي،مت براحتك،سأنتظر موتك،رغم جوعي الشديد،مت كي ألتهمك. الحمار : لابد أنك تستجمع أفكارك،تلملم قواك،تركز على نقطة ضعفي،أنت تحاول إهامي يا كلب..لا..لا..لن أثق بكلب بلا سيد،مضى زمن الوثوق،كل شيء أنقلب على عقبيه،نحن الآن في عالم بلا ثقة،الغدر متفشي،الصدق نائم.. الكلب : ( يرفع رأسه ويخفضه )..لا يبدو عليه علامات موت قريب،يا له من حمار عنيد،يا ترى بم يفكر في هذه اللحظة،ربما يهيأ لي رفسة قاضية مباغته. الحمار : لا يجب الوثوق بأحد،أنه كلب مخادع،لابد أنه يستحضر غرائزه للإجهاز علي،سأركز نظراتي عليه،لكي يهابني،نعم ..نعم،ذلك أفضل لي وأأمن . الكلب : (ينقل نظراته إلى الغربان)..مالكن تندفعن،فليمت أولاً،أنه جبل من اللحم، يكفينا ويزيد،(يستدير جهة الحمار)..وأنت أيها اللحم اللذيذ إلى متى أنتظر، ليس بوسعي تحمل صراخ معدتي،مت..مت،كي لا أمووووووووت. الحمار : ( ينظر إلى الغربان،يهز أذنيه)..حتى الطيور جاءت لتحتفل فوق جثتي،(يحول نظراته نحو الكلب)..أنت من أخشاه،الطيور ارحم منك،الطيور لا تخون على أقل تقدير،الطيور أرحم منك يا كلب.. الكلب : ليته يموت الآن،كي أجهز عليه،قبل أن يستدركونني الرفاق،ماذا لو وجدوني،
ماذا أقول لهم،سينبحون بوجهي خائن ..خائن،وقد يلقنونني درساً بأنيابهم . الحمار : حتى الموت حرم علينا نحن معشر الحمير،لم خلقنا إذاً،نركض ولا نأخذ سوى الحشيش،يا كلب لا أريد الموت نهشاً،اتركني أموت بسلام،أتركني.. الكلب : لم يحصل أن احتفلت بمثل هكذا لحم،آه سأعوي..سأعوي كثيراً نحن الكلاب الكلاب لا نعوي ما لم نشبع،يا حمار لا تطل موتك،لا تعذبني أكثر،مت..مت. الحمار : (يهز أذنيه،تتطاير أسراب الذباب،يسود الغربان الذعر)..أنا موقن أنك جبان، الجبان من ينفرد و ينأى عن رفاقه،ولكن ماذا لو كان هناك كلب آخر معه، أو كلبين،لربما تناصروا علي،كلب واحد أرحم،نعم..أرحم،فأنا لا أطيق جملة فكوك دفعة واحدة. الكلب : ليت رفاقي في مكان ناء،لا..لا أريدهم قبل أن أشبع،سأشبع وأعوي لكي أتي بهم،سيفرحون..سيهشون أذنابهم،سيدسون(أبوازهم)بين ساقي،سيشمون مؤخرتي،سيأكلون معي قبل أن ننطلق إلى ولائم أخرى . الحمار : لماذا يناور،أظنه يجرب قدراتي،لأحترس،سأظل أحدق في عينيه،نظراتي على ما يبدو ترعبه،لن أعطه فرصة،سأركز أكثر لأفكك وأفتت أفكاره ونواياه. الكلب : ماذا ورائي،سيموت..سيموت..أجري دهراً من أجل حفنة عظام،هذا جبل عملاق يناديني لأغزوه بلا شريك،سأنتظر إلى نهاية العالم،يا حمار لن أتركك لأعدائي،سأنتظر..سأنتظر حتى فناءك.. الحمار : يا لتك الأيام،كان لي رفيق وفي،كلب مخلص،يطيعني ويحرسني،لكم تراكضنا في الحقول،كلّما تثور شهواتنا..ننطلق،حين تطلع الشمس ننطلق،حين يجن الليل ننطلق،دائماً كنّا ننطلق،كان يشاركني النوم في نفس الزريبة،يا كلب لست من لست من أهل الوقار ولا فيك علامات تدجين،ضال،جبان،مكروه،لا تتوهم أنك تقنعني بإيماءاتك،لا..لا..لن أثق بك..لن أثق يا كلب. الكلب : آه..آه..كل ما تذوقته،لحوم نتنة،بقايا(جيف)..عظام لاكتها أنياب الكلاب والوحوش،بعد أن عضضتها أنياب السادة،آن الأوان أن أأكل لحماً طازجاً، شهياً،طرياً،مت يا حمار كي أمرغ أسناني بدمك الدافئ،مت كي أعيش،مت.. مت..مت..يا حمار،قبل أن ينقضي النهار. الحمار : ترى لم أصبحت الكلاب عبيداً،لهم وسائل قتال ممتازة،أنياب تطحن العظام، أرجل خفيفة،أنوف تشم رائحة المستقبل،شراسة..عيون لا تنام..وهم كثر،كان بوسعهم فرض سيادتهم،ترى لم ارتضوا الهوان والخضوع واطاعة عمياء لسادة ضعفاء(موت يجرفهم). الكلب : ترى بماذا يفكر،لابد أنه يشتمني،لا بأس ليفعل ما يحلو له أنه ميت لامحال وأنا حي،سيموت وافرح،يا حمار قل ما تشاء،لن أتزحزح عن هذا المكان،واجبي أن أخلص العالم من نتانتك،قل ما تشاء ولا تهتم،سنصفي حساباتنا بعد حين . الحمار : ترى من أين يبدأ،لابد أنه أعد خطة محكمة،أختار المكان المناسب لغرز أسنانه، آه..أسنانه يالها من مرعبة،قاسية،ترتعش أوصالي لرؤيته،آه..ما العمل..كيف أتصرف لو بدأ،هل بوسعي رفسه،ماذا لو باغتني،هل بوسعي رفسه،ماذا لو باغتني،حيرة..حيرة يا عالم حيرة. الكلب : أراك ترتجف،لا..تخف،لست من سليل الخيانة،أم أنها رجفة الموت،ليت ذلك، جسدي بدأ يشاطرك الارتجاف أيضاً،لكن رجفتي رجفة فرح،رجفة العثور على جبل لحمي يكفي جوع العالم. الحمار : ماذا تريد،اغمض عيني تغمض عينيك،أهز رأسي تهز رأسك،لماذا تسخر منّي، لماذا ترتجف،ليتك تموت و..أموت أنا من بعدك. الكلب : لا أعتقد أنه سيمضي أكثر،الموت يسيل من عينيه،يجب أن أنتظر،لا طاقة لي بعد،لأبعد فكرة الإجهاز عليه،لا..لا..لن أبدد طاقتي،ورائي نهش وتمزيق وطحن،سيموت،علي أن أفكر بما بعد موته. الحمار : لكم يعجبني أن أ نهق،آه..النهيق دليل عافية،ولكن هل بوسعي أن أفعل ذلك، يومان وأنا بلا حشيش،لابد وأن صوتي قد تحجر،سأبعد الفكرة من ذهني،أية محاولة ستشجعه،سيختبر قدراتي وينقض بلا هوادة،أنه كلب غير أمين،كلب تدرب على الذل والهوان،من السهل عليه الخيانة والغدر،لا أريد الموت فتكاً، أرغب أن أموت بسلام. الكلب : يا حمار أنت تشبه حمار سيدي،كان مثلك رمادياً،أنت تشبهه بالضبط،لا فرق بينكما،سوى هذه الغرّة في جبينك،آه..كنا أصدقاء،مات وحزن عليه سيدي شيعته،جرجروه إلى حفرة وغطوه بالتراب،بكى سيدي لفقده،أما أنا لم أبك، حاولت،اكتشفت إنني أعوي،مشيت وراء رفاقي تحت جنح الظلام،أخرجناه واحتفلنابه،كان يجب أن نفعل ذلك،أنها وصية وأمانة ثقيلة،يجب علينا تخليص الأرض من الحمير النافقة،أما أنت ملكي وحدي،أريد كبدك،أريد قلبك،مت ..مت ياحمار. الحمار : عشت حياة حلوة،سيدي يطعمني الحشيش والشعير ويسقيني الماء العذب، كنت أنام في زريبة دافئة،حولي دجاجات وأبقار،كنا نعيش بسلام،ماذاحصل،لم تفرقنا،لم غدونا أعداء لا نثق ببعضنا،لابد أن شيئاً عظيماً قد حصل،آه..ياااااااا لتلك الأيام الحلوة. الكلب : يا حمار جوع لا يرحم بدأ يدغدغني،بدأ يعميني،لماذا لا تموت،أنا جوعاااااااان ولكن صابر،مت قبل أن يستدركونني الرفاق،أنهم أشد جوعاً،تركتهم يقلبون أحشاءالقمامات،ويمزقون الصفائح المتآكلة،لقد أتينا على الضفادع،تصور يا حمار،وصل بنا الحال أن نلتهم(الخراء)اليابس،ما العمل الجوع في كل مكان، حتى الصراصير لم تنجو من أنيابنا،لهثنا صوب المشارق والمغارب،بحثنا في الطلل والخرائب،جوع..جوع..مت قبل أن أفقد صوابي،مت..مت..مت. الحمار : ( يحرك رأسه،تتقافز الغربان وهي تطلق صرخاتها،يطن الذباب المتناثر )..يا كلب وجودك يقلقني،لم تقع هكذا،لم لا تدعني وحالي،لا تحرمني من لذة هذه النهاية،إنه سحر خارق،لا تحرمني منه،دعني أستمتع بهذا الانتشاء،موج لذيذ يرفعني،اتركني..اتركني . الكلب : آآآآآآآه..لم اشعر بمثل هذه السعادة الماطرة،اشعر بمياه دافئة دافقة تغمرني،ً العزلة ممتعة،العزلة تمنح الكلب راحة بال،آه..بدأت أرى حياتي دفعة واحدة، اشتقت لطفولتي،يوم كنت جرواً،حرمت من حليب أمي،كنت السبب،خالفت أوامرها،قالت لنا:لا تغادروا الوجار،سأجلب لكم شيئاً من العظام لتلهوا بها، وتقووا بها أسنانكم،اخوتي وأخواتي التزموا أمرها بجديّة،أما أنا خالفت،تعثرت كثيراً وكادت كائنات عملاقة أن تسحقني،امتدت أيدي صبيان،قبل أن يأخذني سيد،أخرج حزمة أوراق من جيبه،أعطاها لهم وأخذني إلى بيت جميل وحشرني بين حيوانات اكبر مني،آه..لكم سريعاً يركض هذا العمر. الحمار : يا كلب،أنت تذكرني بأشياء جميلة،أشياء ما كان بوسعي مداولتها،لكم نحن مثلكم أغبياء،لم خضعنا لسادتنا،لنا وسائل تمنحنا الحرية،آه..تذكرت،ذات ليلة سمعت من زريبتي،سيدة تصرخ(أعطني حريتي أطلق يدي)..على ما يبدو سادتنا فيهم عبيد أيضاً،يا كلب كنت أقول لم أخضعنا أنفسنا إليهم،لم..أ..من أجل الحشيش والماء،هم بنوا حضارتهم فوق ظهورنا،والقونا إلى البراري،هذه نهاية ما قدمنا لهم من خدمة،مكافئة لم تكن عادلة. [رعود..بروق..ومضات..الغربان تتدافع..الذباب يطن يرفع الكلب عينيه إلى السماء..الحمار يقلده أيضاً..] الكلب : أنفي لا يخطأ،أشم رائحته،يا لها من كارثة في غير أوانها،المطر عدو الكلاب لكن لا..لن اهرب يا حمار،فلتمطر السماء ما تشاء،لن أهرب،لن أهرب. الحمار : (يواصل النظر إلى السماء)..آه..جئت في الوقت المناسب،تعال يا ماء وابعد هذا الكلب،سيهرب..سيهرب..الكلاب تخشى المطر،أما أنا سأفرح،سيغسلني ويرد لي الروح،المطر صديق الحمير،سيخرج الحشائش من جديد،تعال يا مطر وأمطر وابعد عني هذا الخطر. الكلب : (يرجع نظره إلى الحمار)..لا أريد أن أفلته من يدي،انتظرته طويلاً،لا أريد الخروج من(كلبيتي)..لا..لن ارتضي الخيانة،رفاقي غادروا(كلبيتهم)سرقوا الدجاجات،أما أنا، لا..لا..لن أفعلها،ماذا ورائي،سأنتظر،سيموت..سيموووت. الحمار : (لا يزال ينظر إلى السماء)يالها من غيوم حبلى بالماء،(يرجع نظره إلى الكلب) نحن معشر الحمير لا نبالي،راحتنا في العمل،آه..لكم عشت أياما ممتعة،كان
الماء يهبط قاسياً وكنت لا أبالي،سيدي يمتطي ظهري،رغم ثقل جسده كنت لا أبالي،كنت أركض،والمطر ينعشني ويمدني بالطاقة،كنت اسمعه يقول لسادة مثله: المطر رحمة،يسترنا ويبعدنا من متابعاتهم،كنت اسمع مثل هذا الكلام بينهم،قبل أن اكتشف الحقيقة،كنت اردد مع نفسي،أنا حمار علي أن أطيع الأوامر،علي أن امشي إلى أين يريدون،أحيانا كانت تحصل معارك بينهم،كنت لا أبالي،كنت أقول:هم سادة لهم ما يتنازعون عليه،كنت أنوء بما يقصم ظهري،لا أبالي بما احمل،عرفت فيما بعد،أنني احمل أشياء ممنوعة،يا كلب اهرب قبل أن يأتيك المطر،أهرب.أأهرب. الكلب : أطلت موتك يا حمار،اشعر بطواحين بدأت تمزق أحشائي،منذ أيام وأنا لم أدس شيئاً في جوفي،مذ رحل سيدي،تركني لأرافق أهل السوء،كلاب بلا رحمة،بلا تربية،يسرقون ويتجاوزون الأصول،حقاً الحرية لا تليق بالكلاب،العبودية لنا أرحم،على أقل تقدير،الطعام يأتي في الوقت المحدد،لا أعرف أين اخذوا سيدي رحل وتركني،لابد أن أعيش يا حمار،موتك حياة لي،هيا مت..هيا مت..مت. الحمار : أنت كلب أبن كلب أبن كلب،وأنا حمار أبن حمار أبن حمار،لا نلتقي أبداً كما يلتقي سادتنا،كنت اسمعهم يتحاورون حول(امرأة)كانت سبب خروجهم من نعيم لا يزول،كانوا يسمونها أمّنا،أما نحن يا ترى من تسبب في خروجنا من النعيم،يا كلب لست منك ولست منّي،اتركني وشأني ارحل..أنقذ نفسك من هذا المطر الآتي،اركض..اركض. الكلب : آه..يا سيدي،يا ترى أين أنت،لم أخذوك أليس هم اخوتك،ألستم من بطن واحدة،هل خالفت أوامرهم كما خالفت أنا أوامر أمي،ها..أنا..ذا مع حمار لا هو ابن عمي ولا هو ابن خالي ولا يمت لجنسي بصلة،آه..اشعر أنني اهوي إلى قاع بلا قرار،اشعر بدوار ثقيل بدأ يغزوني،يا حمار..يا حماااار أخشى أن أغادر الأصول والأعراف الكلبية،وارتكب حماقة ليست من شيمي،مت..مت يا حمااااااااار. الحمار : لا يبدو عليه بوادر مغادرة قريبة،لعين،مخادع،لن ادعه يتهن بلحمي قبل أن أموت،لم تتأخر،مطر يامطر،تعال..تعااااال،واغرق الحياة بالحشيش،اجلب معك الورود وغطي الأرض بلباس الفرح،تعال،منذ أعوام ونحن لم نشبع،ها أنت تأتي وأنا أمووووووت..تعال..تعاااااااااااااااال. الكلب : أكاد أن افقد الرؤية تماماً،أكاد أن أتمزق،ما ذا جرى لي،يا حمار لابد أنك أصبتني بشتائمك،كان سيدي كلما يشتمني أتعثر،أفقد صبري وبصري،أتخبط واسقط،لابد أن الحق نفسي،لابد أن..آه..أنا بحاجة إلى لحم،اللحم يعيدني لسابق نشاطي . الحمار : الكلب والمطر،المطر والكلب،لا فرق،كلاكما يذكراني بيوم لا أتمنى عودته،كنت أنوء تحت حمل ثقيل،كنت لا أبالي،كان المطر يغمرني،وكان الكلب رفيقي،لا..لا تفرح لست أنت أعني،أنا أعني ذلك الرفيق الوفي المخلص الذي شاركني في كل ترحالاتي،كنّا نخوض متاهات الوديان والجبال،كان رفيقي يلاصقني وكنا نتمازح ونتدافع،قبل أن اشعر بوخزه،وهوى سيدي بالسوط،ألهب ظهري،وحين وصلنا المكان الأمين وجدنا سادة ملثمين،تعانقوا وتبادلوا المحمولات وعدنا هم سالمين فرحين بما يحملون من أكياس نقود،وأنا بينهم حزين مثقوب الأذن. [ومض..بروق..رعود..] الكلب : تركني سيدي ورحل،أخذوه،حيوانات حديدية،أتت وطوقت البيوت،نزل سادة،كأنهم اخوة،يتشابهون في الشكل واللبس،يحملون أنابيب تطلق نيران ،جرجروا السادة والسيدات و(فروخهم)،أخذوهم عنوة،ضربوهم،سحلوهم، بكوا،توسلوا،وقفت لا حول عندي ولا إمكانية،كي أنقذهم نبحت عليهم، نبحت بوجوههم،لست وحدي من نبح،كلاب القرية كلها نبحت،تظامنّا مع سادتنا،لكن أحدهم شهر بوجهنا أنبوبه وأطلق صلية أصوات مرعبة،بددت تظامننا،هربنا،كل كلب وضع ذيله بين ساقيه،لا يعرف إلى أين يلهث،هربت من أمام صاحب الأنبوب الطويل،خذلان لا أعرف ماذا أعمل،ركضت كثيراً ،كيف أسترد سيدي،سيدي كان يمتلك أنبوب مثله،كان يمدها عالياً إلى الطيور أرتجف حين تحدث زلزلة،صوت ينطلق،يسقط طيور طائرة،خفت أن أسقط، صاحب الأنبوب يسقطني بأنبوبه،لذلك تهت في البراري،وأنت يا حماااااار لا تشتمني،ثق أنني لن أفكر أن أخونك،مت براحتك،مت..مت،رغم جوعي الكبير لن أغادر (كلبيتي ).. الحمار : حقاً الخلوة تجعل الحمار أن يكتشف أخطاءه،يا كلب..يا كلب أنت وهذا المطر القادم،جعلتماني اشد رغبة لحياة جديدة،بدأت أحن لذلك اليوم الذي ثقب فيه أذني،آه..حرمت من لحظة سعادة،ليس الأمر بيدي،باغتني الشوق في وقت غير ملائم،شممت رائحة ذكر ونهضت غريزتي دفعة واحدة،كان به شوق ممض أيضاً جاء يدنو ويبث همساً عواطفه لي،ثارت شهوتي،وتهامسنا وتبادلنا التحرشات،تارة يدس رأسه بين فخذي وتارة ألحس وجهه أتوسل ليطفأ نيراني،آه..أخذني الشوق فانصبت النيران علينا،فقد حبيبي زمام نفسه،اطلق نهيقه،كاد أن يلقي بحمولته،لولا النيران القادمة إلينا،آه..نلت سوطاً وثقباً،يا كلب،كلني..كلني..ولكن حين أموت،لقد أشعرتني بسعادة في خريف عمري،وأنا..أ..مووووووووووت. الكلب : ليذهب سيدي إلى الجحيم،الجوع..الجووووووع..أريد أن أعيش،يا حمار لن أترك منك قضمة واحدة،حتى عظامك سأطحنها..سأنتهي منك وأذهب لابد أن هناك لحوم متناثرة،يا حمار مت..مت..كنت أظن أن العالم قد ولى،حين دسوا السادة داخل(الحيوانات الحديدية)بقيت مع رفاقي لا نعرف،ماذا نفعل،بقينا طوال الليل،نعوي،نعوي بوجه الظلام،نعوي بوجه القمر المنير، القمر ينظر إلينا ونحن نعوي..نعوي..لقد أتنهى العالم..لقد انتهى العالم..أنتهى العالم،وانطلقنا لنخلّص الأرض من(الفطائس)..يا حمار أنت أول الغيث كما يقول سيدي حين يسقط(بأنبوبه الطويل)..طيراً،كلما يوجهه عالياً إلى الطيور الطائرة من فوقنا. الحمار : يا كلب قلبي يحدثني عنك،أشعر بدبيب إلفة يريد أن أبدل خوفي منك،بدأت أرى في نظراتك الحياء والخفر،لو كنت من كلاب السوء لما أطلت حفلتك ولما طال صبرك،أراك كلباً(مؤنسناً)أم لا طاقة تمتلك على افتراسي،لا أريد سوى تركي لبعض الوقت،أموت ولك أن تفعل ما تشاء،آه..آه..يا كلب..آه..آه. الكلب : حافظت كثيراً على أخلاقياتي الكلبية،الزوغان بدأ بحجب الأشياء عن نظري، طواحين الجوع بدأت ترعشني،صبري بدأ ينفد،نعم ـ للصبر حدود ..للصبر حدود ـ كما سمعت من سيدة جائعة كانت تصرخ ذات ليلة،ولكن لم أنا.. أعذب نفسي لم لا أهجم مثل رفاقي،لا أحد يراني أن فعلت ذلك،يا حمار لا تنظر بوجهي هكذا،لا تتوسل يا حمااااار،لا تطلب الرحمة مني،أأأأأنا جوعان.. جوعااااان، هل تدري ما معنى أن يجوع الكلب،حسناً تهز رأسك لا بد أنك تعي الأمور جيداً. الحمار : قد أكون على خطأ،قد تمرس وحفظ أدواره الكلبية بحكمة،لأحترس نعم..نعم لأحترس،لا يجب الوثوق بالكلاب،حين تجوع الكلاب يعني المجاعة،يعني انتهاء العالم،لأبقى يقظاً،فهو كلب..كلب..وأنا حمار..حمااااااااار. الكلب : ( يحرك رأسه ،الغربان خالدة للصمت،يعيد نظره إلى الحمار )..آه..لو كانوا معي لأنتهينا منه ومضينا إلى ولائم أخرى،ولكن يا ترى أين هم الآن،ربما عثروا على وليمة دسمة نعم..نعم..لابد أنهم وجدوا جبلاً من اللحم،لينعموا بلحمهم وانعم بلحمي،سنلتقي أين يروحون،عواء منهم أو عواء منّي سيجمع شملنا. الحمار : تأخرت يا مطر،تأخرت كثيراً،حياتي كانت لمحة بصر،وهذا الكلب المتحفز خطر..خطر..خطر. الكلب : يا حمار أظن أنك كسيح،نعم..نعم..أنت كسيح،ليتني أستطيع أن أجرب ذلك بنفسي،ما قيمة حياتك أن لم تجر فيها،من حسن حظك أنني كلب بيت،تعلمت أن لا أأكل إلاّ بعد أن يشبع سيدي ويعطيني ما يزيد على حاجته الحمار : كلب..كلب..كلب.. الكلب : حمار..حمار..يا حمااااااار..مت قبل أن ينقضي النهااااااار. الحمار : لم يهز رأسه،لابد أنه سعيد،نعم أراه سعيداً،لا..لا..لن أدعك أن تسعد ما لم أسلم روحي،السعيد من يلتهم اللحم الحي،أنت شقي..بائس..مكروه..لا يليق بك غير اللحم العفن..النتن..يا كلب..كلب..كلب. الكلب : ماذا تقول يا حمار،لماذا تزوي بعينيك،لماذا تهز رأسك،مازلت أهجس أنك تشتمني نعم يا حمار تشتمني،تشتمني،لا تدعني أنتقم لكلبيتي،لكن..لا..لكن.. لا..لا..سأصمد ولن أخرج من ردائي الكلبي. الحمار : يا موت هل أنت في الجوار،أشم رائحتك،لا تتركني،خذني معك،أنا جاهز للرحيل،خذني..خذني..وليأخذ هذا الكلب فضلاتي. الكلب : يجب أن يموت هذا الحمار،ليس ثمة وقت،الليل يقترب،قد تأتي الذئاب،قد تأتي الضباع،سيستفتحون احتفالاتهم بي،سيمزقونني،كون وجودي خطر عليهم.. وجود كلب في الجوار يعني وجود كلاب أخرى،لم لا أفعل ما يفعله رفاقي،لم لا..لم لا. الحمار : ماذا يفعل هذا اللعين،أرفع رأسي يرفع رأسه،يرتجف بدني يرجف بدنه،أغمض عيني يغمض عينيه،كلب غير مؤدب،عدواني،مخادع. الكلب : لم لا أعوي،لم لا أستدعي الرفاق لننجز العمل معاً،لم لا أعوي لجذبهم،يقيناً حين يأتون سينقضّون عليه وأنال حصتي بلا أثم يتلبسني. الحمار : (يحاول أن يرفع رأسه..يخفق)ماذا هل حقاً جاء الليل،لم جاء باكراً،كيف ذلك،إن جاء الليل يعني أنه أقصر نهار في حياتي،أرجو أن لا يحل قبل أن أموت،الكلاب لا تستحي تحت جنح الظلام. الكلب : ماذا..!!طنين،ما هذا الطنين المتفاقم،لماذا بدأت أرتجف،ما هذا الجليد الزاحف إلى أوصالي،لماذا ابيّضت الأشياء،هل أتى الليل قبل موعده،ماذا يعني ذلك. الحمار : لابد أن العالم بدأ بالانتهاء،لا تفسير آخر عندي،لينتهي طالما..طالما أنا في طريقي إلى الانتهاء لا عالم بلا حمير،نعم أنها البيانات..البيانات..لم ابيّضت الأشياء من حولي،لم بدأ الصقيع يغزوني،آه .آه.. آههههههههههههههههههههههههههه. الكلب : بت لا أرى،لأزحف إلى الأمام طالما هو أمامي،آه..آه..بدني بدأ يتصقع،يرتجف،ما هذا،آه..آه..آهههههههههههههههههههههههههههه. *** [ الشمس في كبد السماء..أزيز يقترب..تتوقف مركبة حوضيه..تتطاير أسراب الغربان..يترجل ثلاثة رجال..يرتدون أقنعة..أحدهم يحمل صفيحة ثقيلة..يدلق سائلاً على(الجدثين)النافقين..يخرج من جيبه علبة الثقاب..يستل عوداً..يذكي النار وينسحب..يعود الرجال إلى المركبة وتنطلق وسط تدافع الغربان وصرخاتها تتصاعد ألسنة اللهب] ***
#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرة يد
-
احتفاء بموت عصفور
-
رجل الفئران
-
اندحار قلاع الصبر في(جولة في مملكة السيدة..هاء..)لعدنان حسين
...
-
قراءة في قصة(أحماض الخوف)ل(جليل القيسي)
-
لا كلب ينبح بوجه مولانا
-
ما رواه عبيدال//قصة قصيرة
-
من أجل سلّة رغيف
-
أحزان صائغ الحكايات..حين يفضح النقد أسرار السرد
-
خوذة العريف غضبان//مونودراما//
-
مواسم الهجرة إلى الأمان
-
تلك من أنباء القرى التي أنفلت
-
الرابح يأتي من الخلف
-
ربّاط الكلام
-
أين موقع أنكيدو
-
شاعر البلاط الرئاسي
-
من كتاب اللعنات
-
تحقيق الرغبة في رواية(غسق الكراكي) لسعد محمد رحيم
-
إلى ذلك نسترعي الإنتباه
-
الأوراق لا تأتي في خريف الرغبات
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|