أمريكا فيرا-تسفالا
"بعد الاغتصاب تركونا نعود لبيوتنا عرايا. لما رجالنا شاهدونا، خلعوا ما بقى من ملابسهم واعطوها لنا حتى نستر أجسادنا على قدر ما يمكن". بدأت المرأة في البكاء، وقد أحنت رأسها في خجل. وضربتها المرأة الأخرى التي تترأس الاجتماع بحنان على كتفها وسألتنا أن نصفق للناجين – الناجون من مذبحة جوجرات التي وقعت في فبراير 2002.
كان اللقاء ورشة عمل في المنتدى الاجتماعي العالمي (WSF) المنعقد في مومباي تحت عنوان "الأصولية الدينية، الكوميونات، نظام الطائفة في الهند، العنصرية – أجندة عولمية فعلا"، نظمته المسيرة العالمية للنساء: التحالف الوطني للنساء.
كان الحدث مشحونا. فاض ازدحام الناس عن الخيمة الواسعة ووقفوا بالخارج تحت أشعة الشمس الساخنة، يستمعون بانتباه. أغلبية الحضور كانت للنساء: هندوسيات، ومسلمات، وداليت (طائفة المنبوذين). قلة من الرجال والغربيون وجدوا طريقا لهم إلى هنا.
لم يحدث أبدا في المنتدى الاجتماعي العالمي أن صنع النساء لهن وجودا ظاهرا كهذا، وكذلك لم تلعب قضية النوع مثل هذا الدور المحوري. في كل مكان تحدثت النساء، ورقصن، وكن قائدات، ونظمن الفعاليات، وصرخن، وضحكن. الأسماء الأكثر شعبية كانت لنساء(كابتن لاكسامي سيجال)؛ قادة الحركات الكبيرة كن نساء (مدحة باتكار)؛ خطبت النساء أفضل الخطب (حملة حقوق الإنسان الداليت: روث مانوراما)، وكذلك نظمن أكثر حلقات النقاش إثارة للاهتمام.
اعتلت النساء المنصة
ومع ذلك، فمن الصعب القول لماذا كان يجب علينا أن نذهب إلى الهند حتى يحدث هذا بالطريقة التي حدث بها.
الظلم الواقع على النساء موجود في كل مكان في العالم، وليس كافيا القول بأن وضع المرأة في الهند أسوأ منه في أي مكان آخر. فلو كان الوضع أفضل في أوروبا أو أمريكا اللاتينية، سوف يكون ذلك سببا اكبر لبذل مجهود أعظم لتحقيق تقدم اكبر في هذه المناطق.
ربما كانت خبرة المرأة الهندية في الصراع من اجل كسب مساحات، في مجتمع يعطيهن القليل، هى السبب الذى ساعدهن على النجاح في الاستحواذ على مساحة المنتدى الاجتماعي العالمي. لم أر مجتمعا قاسيا لهذه الدرجة في اضطهاده للمرأة، حيث يحرمهن بشكل دائم من أي مساحة، وحيث يصبح من الضروري الصراع دائما لنيل ابسط المساحات. لو حسبت الأهمية بالمساحة التي تخصص رسميا، لن تحصل النساء في الهند على قدر يصل حتى إلى 10%.
القطارات مثال جيد. نادرا ما يصيبني الهلع الذي لحق بي عندما أخذت القطار إلى المنتدى ذات صباح، ولم اركب في العربة المخصصة للسيدات. اعتقد، لم يوجد مكانا لي هناك – وذلك قبل اكتشافي أن المكان الذى أعطي لي في عربة مليئة بالرجال كان أشبه بالجحيم.
في مثل هذه الظروف اليومية المرعبة تكافح النساء ليجدن مكانا لأنفسهن، وبشكل ما ينجحن في الحصول عليه. كان المنتدى على نفس الشاكلة؛ فلا المرأة ولا قضايا النوع عموما كانت ممثلة بشكل أفضل داخل البرنامج الرسمي هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة. نفس الرجال سيطروا على منصات النجومية؛ بعضهم، ممن يقدرون ذواتهم بشكل ظاهر تقديرا عاليا، اشتركوا في عدة حلقات نقاش في نفس الوقت. من الذى لم يشاهد (فلنقل اسما على سبيل المثال) والدن بيللو يلقي خطابا ثم يقول: "فلتسمحوا لي، يجب ان اذهب"، ويندفع جاريا لحلقة النقاش التالية؟
منصات عديدة تكونت جميعها من الرجال. بعض من الناشطات المذهبيات، اللاتي يعتقدن أنهن سوبر نصيرات للمرأة لأنهن يعرفن شيئا عن نظرية النوع، وافقن على الجلوس إلى منصات دون أي امرأة اخرى إلى جانبهن. في كل مكان تستطيع أن ترى علاقات "اجتماعية مثلية": رجال يفضلون الحديث مع رجال، رجال يفضلون الرجال عند تنظيمهم لحلقة نقاش أو تأليف كتاب. تهمل النساء ويأخذن نفس نصيب الهنديات في قطارات السكك الحديدية. كل ذلك كان حادثا وعمليات الإعداد للمنتدى تبدأ ولا زالت باقية في بومباي – ولكن على نحو ما المرأة واجهت التحدي وأخذت عنوة مساحة اكبر من التي أعطيت لها، لأنها قررت ذلك.
لطالما سمعت كثير من الناس يقولون: "شيئا ما يجب أن يحدث في العمليات الإجرائية للمنتدى الاجتماعي العالمي هذه. لا يمكن أن تستمر هكذا." ولكن هذا العام، شيء ما قد حدث.
قضية "جديدة" – حقوق المرأة – تحركت إلى المركز.
إعطاء مساحة وأخذها
مشاكل "قديمة" ظلت على حالها. ربما طريقة تناول حلها تمت من خلال مقترحات لم يجدها البعض مريحة. كانت أشبه "بعربة" السيدات. أنا متأكدة أن الكثير يعارض فكرة الفصل بين الرجال والنساء المسافرين. حسنا، قبل الإدلاء بحكمك في القضية يجب أن تكون امرأة تسافر في قطار بالهند. العربة المخصصة للجميع تتكون من رجال فقط، الذين سوف يتحرشون ويرهقون أي امرأة تغامر بالركوب في العربة. لقد كانت النساء أنفسهن اللاتي حاربن من اجل تخصيص عربات للسيدات.
ولو كانت منصات المنتدى (WSF) "المخصصة للجميع" تتشكل من رجال فقط، الذين يتحدثون عن ويحللون كل شيء، ومنصات للنساء فقط تتحدث بشكل انفرادي عن قضايا المرأة – ويستمر هذا الأمر بغض النظر عن كم من الناس الكثيرون يعتقدون انه خطأ – إذا فربما يجب علينا أن نتوقف لنضع قواعد. احد هذه القواعد التى نستطيع وضعها للمنتدى [WSF] هى أن كل المنصات الذكورية مسموح لها فقط بالحديث عن قضايا الرجل.
ربما نحتاج، لو رفض الناس ان يفهموا ما لا يحتاج إلى إيضاح، ان نضع قواعد حتى يفهموا؟ أنا لا اقترح أن ذلك سوف يكون أمرا ايجابيا، ولكن نجاح النساء هذا العام سوف يترك تأثيرا يطبع بطابعه عملية المنتدى لمدى أطول من الأيام القلائل التى جرت في بومباي.
ولكن هذا المنتدى الاجتماعي العالمي لا يجب بداية تذكره على انه الحدث الذي بدأنا وضع القواعد فيه، ولكن كاحتفال سياسي جميل سيطرت عليه المرأة. فطبقا لأبحاث قضايا النوع، يتكون الانطباع العام بأن النساء "عددهن كبير" أو "أغلبية" عندما نشغل نحن النساء 30% من المساحة. في هذا المنتدى كانت النساء ممثلة تقريبيا طبقا لنسبتها من تعداد سكان العالم: والي 51%. اعتقد أن هذا هو السبب الذي جعل كثير من المراقبين يشعرون أن النساء تواجدت في كل أنحاء هذا المنتدى.
واحد من اكبر المنصات وأكثرها أهمية – ربما والاكثرها شأنا من الجميع – كان ما سمي "الحرب ضد النساء، النساء ضد الحروب". هناك، فعلت ارونداتي روي أجمل شيء يمكن أن يفعله إنسان: تخلت عن مساحة، مساحة حاربت من اجل الحصول عليها، واليوم تستطيع أن تنالها بمكانة مميزة.
كان غالب حديثها عن مجزرة جوجارات، ولكن أيضا عن النساء اللاتي ارتكبن أفظع الأشياء بالنساء الأخريات. بعدئذ تكلمت اقل، حتى تعطي مساحة للمتحدثات الأخريات، لتقص روايتها عن وحشية البوليس. وهو ما جعلني أفكر في نقطة ضعفنا [كعب أخيل]: النساء لا تظهر تضامنها مع النساء الأخريات. لو اتبعت نساء أكثر سنة ارونداتي روي، سوف يصبح عدد اكبر من النساء مسموعا وظاهرا.
شيء ما حدث في مومباي جعل من منتدى هذا العام يستحق أن يسمى منتدى المرأة العالمي.
ترجمة : احمد زكى