|
ازمة الثقافة والمثقف
نعمة ياسين عكظ
الحوار المتمدن-العدد: 2418 - 2008 / 9 / 28 - 06:04
المحور:
الادب والفن
ذكر الكثير من التعاريف للمثقف لكني هنا اضع تعريفا اخر قد يبتعد او يقترب من التعاريف السابقة ولكني ارى انه يعبر التعبير الاقرب لماهية المثقف . فهو الانسان صاحب الحس المرهف الذي يتاثر بهموم ومعاناة بني جلدته ويتفاعل معها ايجابيا ويستشعر بالاخطار المحدقة بهم قبل غيره ويضع الحلول والبدائل المناسبة لها من اجل تغيير واقعهم المعاشي والمعرفي الى الافضل . ويستعمل المثقف اداته التي يجيدها سواء كانت قصيدة شعرية او مقالة او قصة او رواية او لوحة فنية او مسرحية او غيرها من الادوات . ولو عدنا الى الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي كان لهؤلاء المثقفين دورا متميزا وفعالا وقياديا في كل النشاطات الجماهرية التي تقام انذاك لمصلحة الفئات الكادحة والمعدمة في سبيل تطبيق الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال وكانت الجماهير تستمع وتطلب توجيهاتهم بمختلف ميادين الحياة الاجتماعية ، فكانت لهم منزلتهم الرفيعة داخل المجتمع وكان الجميع ينظر لهم وكانهم اناس اتو من خارج الكرة الارضية او من كوكب اخر ، فمحظوظ من يلتقي بواحد منهم او يتكلم معه او يلتقط وأياه صورة تذكارية . وترى طلاب الجامعات والثانويات وحتى من يجيد القراءة فقط متابعا انتاجاتهم ويحرص على اقتنائها ، فلا يكاد يعرض منتوج جديد في المكتبات الا وينفد خلال فترة قصيرة . والشاب يفتخر امام زملاءه بمعرفته بالادب والثقافة ، ويحس بالنقص في شخصيته اذا لم يكن يعرف عن المثقفين في بلاده او في العالم وكانت النقاشات تدور بين الشباب حول المدارس الادبية والفنية في العالم كالواقعية والرمزية والانطباعية والتكعيبية والتعبيرية وغيرها من اشكال الاداب والفنون ويجب على كل شاب معرفتها فالجهل بها يعد نقصا مهما في حياته وكان ينظر للكثير من الاسماء اللامعة في الشعر والرواية والرسم والنحت والمسرح وغيرها من الفنون والاداب الاخرى وكانهم قديسون او من الهة الروم والرومان . اما الان فاني ارى ان هذه الصورة عن دور المثقف قد تغيرت تغيرا جذريا في العقود التي تلت ذلك فقد تكونت هوة كبيرة بين المثقف والمتلقي قلصت كثيرا من دور المثقف بالتاثير على الجماهير فما هي الاسباب ياترى ؟. لعل هناك عدة اسباب ادت الى ذلك على المثقفين دراستها بدقة ووضع الحلول لهل ليعاد دورهم الريادي في توجيه المجتمع توجها صحيحا وبناء مجتمع تسوده المحبة والالفة والتعاون وبالتالي الرفاه والاستقرار . منذ بداية الثمانينات ومع بداية الحرب التي اعلنها الطاغية مع ايران والى تزامنت مع تنفيذ خطة محكمة ومدروسة وتدريجية بعزل الشباب عن الثقافة وبدات حملة لمحاربة المثقفين والكتاب على اختلاف توجهاتهم فمن تمت تصفيته او استطاع الفرار بجلده من قبل السلطات البعثية انذاك ، وبذالك بدا دور المثقفين بالانحسار ... اضافة الى ظهور مجموعات من المتطرفين دينيا اخذوا نفس الدور الذي اتبعه البعثيون بمحاربة المثقفين وقد استفحل دور هؤلاء بعد سقوط الصنم واحتلال العراق مستغلين الانفلات الامني الذي حدث اثر ذلك ، ففي نهاية تلك الفترة كان حتى الاهل يمنعون اولادهم من قراءة كتبا خارج المناهج الدراسية . من هنا فقد ولدت اجيالا من الشباب بعيدة كل البعد عن كل ما يكتب او يقال . واصبح الشاب تائها لا يرى غير منبر واحد هو الافكار الشوفينية والشمولية . وهذا سمح بدوره او اتاح المجال الى من يريد افشاء الجهل اكثر فاكثر في المجتمع بنشر افكار ظلامية مغلفة بغلاف من الدين ان تتغلغل في تفكير هؤلاء الشباب وهو بذلك يقدم لهم السم مدسوسا بالعسل دون ان يشعروا بذلك كنتيجة حتمية لقلة المعرفة . مما زاد من جهلهم وتخلفهم . فقد اصبحت التعاويذ والسحر والخرز ... وغيرها تحتل مساحة واسعة من تفكيرهم وشيئا مهما في حياتهم واصبحت اسماء لاناس طفيلين وهامشيين اقحموا انفسهم ببعض علوم المعرفة الانسانية بمقام الاولياء والاوصياء بينما اصبح ذكر اسماء كهمنكواي وتولستي وبريشت وهوكو وغوركي وسارتر وبيكاسو والكثير غيرهم في العالم تثير السخرية عند هؤلاء الشباب ناهيك عن مثقفي وادباء بلادهم . وصارت الاخبار الغيبية تتناقل فيما بينهم ، يساعدهم في ذلك اعلام الدولة انذاك ... فمن الصعوبة بمكان اقناع الكثيرين منهم بعدم صحة خبر نقلته قناة الشباب التلفزيونية التي يديرها عدي ان اسم الله ( سبحانه ) مكتوب على ظهر عجل ... وغيرها من الاخبار حيث لا مكان هنا للتطرق لها . ومن الامور التي لاجدال فيها ان تعميم الجهل يصب اساسا في مصلحة فئات معينة من اجل تمرير الكثيرمن الامور دون عناء . والملاحظ ان في هذه الفترة وهي الثمانينات ومابعدها سقوط الكثير من الحكومات التقدمية والوطنية في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وظهور حكومات استبدادية بدل عنها . ثم بداية الضعف للدول الاشتراكية وسقوطها المفاجيء بعد ذلك مما اثر كثيرا سلبا على تفكير الشباب في اغلب الدول النامية فقد احس الكثير بالخذلان واليأس وكان سقوط هذه الانظمة ونهاية الافكار الاشتراكية والتقدمية دون ان يحاولوا معرفة او دراسة الاسباب التي ادت الى ذلك وان ذلك لا يعني نهاية الافكار الانسانية . وهذا يعود الى ضعف التأثير الثقافي لدى هؤلاء الشباب . فقد اصبح الكثير منهم ميالين الى التطرف بل ومحاربة الثقافة العالمية والمثقفين وكانهم السبب الذي ادى الى تخلف هذه الدول . من هنا يتضح ان المتلقي للمنتج الثقافي اصبح ضعيفا او شبه معدوم بل ان اكثر المتلقين هم من المثقفين اللذين تقل حاجاتهم الى التوجيه الثقافي وبهذا اصبح المثقف كمن يغني لنفسه في صحراء ولا يسمعه احد الا هو . مما ادى الى اصابة البعض منهم بالياس وهجر الكتابة وانزوى بعيدا ووصل الحد الى ان يتنازل البعض منهم عن طروحاته السابقة ويتبرأ منها بسبب التهديدات في القتل, وبذلك تركت الساحة الى المتطفلين على الثقافة وهؤلاء اما ان يكونوا لايمتلكون الخبرة الكافية وبذلك ينعدم تأثيرهم او يكون لهم تاثيرا سلبيا على المجتمع .او هم من اللذين يقدمون السم بالحلوى لفتح شهية الشباب دون التفكير بما هو وراء هذا الطعم الحلو . وهنا في ظل هذه الضروف وانتشار الافكار الظلامية والمحاربة الشرسة التي انتشرت بشكل فضيع ومريب وبتبريرات مختلفة ومن جهات متعددة وبحجج كثيرة يبرز السؤال .... هل يكف المثقف عن ابداء اراءه وطروحاته وينزوي بعيدا ليأمن على حياته كما فعلها البعض منهم ؟ ام يستمر بتأدية رسالته الاجتماعية والانسانية من اجل ان تنير الطريق الصحيح للبشرية مهما كانت التضحيات ؟ . من هنا ادعو كافة المثقفين الى تحمل مسؤولياتهم بكل جراة وعدم الركون الى السكوت فالتغير لا يحدث بين ليلة وضحاها فمثلما كانت حملة التجهيل على خطوات مدروسة فأن اعادة الامور الى نصابها تحتاج الى الصبر والتأني والمطاولة .وعدد المتلقين سيزداد بمتوالية هندسية فاليوم واحد وغدا اثنان وبعد الغد اربعة ثم ثمانية وهكذا نعيد للمجتمع حياته ونطورها في كل ميادين الفن والادب .
د. نعمة ياسين عكظ النجف
#نعمة_ياسين_عكظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة ..الصمت
المزيد.....
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|