|
ثمن الأنوثة البخس
إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 10:10
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
كثيرة هي المشاكل والظواهر الحسّاسة التي لا يحبّذ الناس الغوص فيها، لما لها من خصوصية قد تعجّل بتفاقم الوضع أو انتشاره إن تمّ تناولها والكشف عنها، أو لأنها من المحرمات الاجتماعية ذات الخطوط الحمراء. من هذه الظواهر، ظاهرة انتشار البغاء أو الدعارة في مجتمعنا على الرغم من انتشار ظاهرة التدين أو الحجاب وما شابه، مع أنها أقدم مهنة في التاريخ الإنساني. والبغاء يعرفه القانون بأنه علاقة جنسية بمقابل مادي. وهذا التعريف يظهر لنا أن جسد المرأة يصبح سلعة خاضعة للعرض والطلب وقوانين السوق. ولا يخفى على أحد أن العلاقة تبادلية بين الوضع الاقتصادي والبغاء، فكلما تقلصت مساحة الاقتصاد كلما اتسعت مساحة البطالة، وبالتالي مساحة البغاء والدعارة. ولكن ليس الوضع المادي فقط وحده هو المسؤول عن انتشار هذه الظاهرة، فهناك الجهل والأمية والطلاق، والزواج المبكر، والتفكك الأسري، كلها عوامل تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تعزيز هذه الظاهرة التي يرفضها المجتمع رفضاً قاطعاً ويقف منها موقف الحكم والجلاد بآنٍ معاً دون أن يفتش عن أسبابها، وربما يساهم هو فيها بشكل غير مباشر عندما لا يتعامل مع الأسباب المؤدية لانتشارها تعاملاً جديّاً وإنسانياً وأخلاقياً، مثال موقفه من المطلّقة ومحاولة الابتعاد عنها ما أمكن لأنها أصبحت عاراً على المجتمع من جهة، ولقمة سائغة وشهية لضعاف النفوس والوحوش البشرية من جهة أخرى. وأيضاً موقف الإصلاحيات الاجتماعية الرسمية من الفتيات الجانحات اللواتي يأتين الإصلاحية، حيث لا يتم التعامل معهنّ بشكل لائق، وإنما بنظرة تملأها الريبة والدونية والتجريم، بدل أن تتمّ إعادة تأهيلهن وتخليصهن مما دفعهن لممارسة هذا الفعل، لا بل بالعكس فإن بعض الذين يُعتَبَرون قيّمين على القانون والإصلاح الاجتماعي هم وراء خروج هؤلاء الفتيات من الإصلاحيات وعودتهن للدعارة ثانية دون التجرؤ على التصريح بذلك. أعتقد أنه ما من أحد من هؤلاء فكر ولو لبرهة قصيرة بأنه ما من إنسان خلق مجرماً بالفطرة، وأيضاً ما من امرأة أو فتاة خلقت عاهرة، وإنما الظروف المحيطة بها جعلتها بهذا الشكل، وباعتقادي أن وراء كل عاهرة رجل دفعها لامتطاء صهوة البغاء... لقد قرأت في إحدى المقالات الصحفية عن فتاة قالت: (( كنت في الثالثة من عمري عندما توفي والدي وتزوجت أمي رجلاً كان كلما كبرنا يُظهر لنا أن البيت يضيق بنا، وهو في الواقع هكذا، لذا تزوجت من أول رجل طلبني لاعتقادي بأنه خلاصي من هذا الوضع، وجاءني ابني الأول وبعد سنوات قليلة حُكم على زوجي بالسجن لفترة طويلة، فطلبت الطلاق ولم أجد أمامي من خيار سوى العمل بالدعارة حتى أجد لي ولابني لقمة العيش وزوجي يعرف هذا وهو في السجن، وعندما يخرج لو أراد إعادتي لرجعت له فوراً.)) فتاة أخرى تصف حالها بعد اغتصابها من أحدهم وهي في الخامسة عشر من عمرها، حيث حكم عليها المجتمع حكمه الجائر وصنّفها في خانة العاهرات رغم أنه لا ذنب لها في ذلك، حتى جاءتها صديقتها بالفرج وأخذتها لطريق الدعارة الحقيقية، وتعلن أنها حتى لو وجدت عملاً فإنها لن تتخلى عن هذه المهنة. روى أحدهم أمامي أن هناك فتاة تقف على موقف للباصات أو قريباً منه- وهذه ظاهرة باتت منتشرة بكثرة- وتطلب ممن توقفه بنظراتها أن يوصلها للبيت لأنها لا تملك ثمن العودة، كما تطلب مبلغاً من المال كي تسدد أجرة البيت وتعرض على الدائن نفسها أو أختها لأنها لا تستطيع أن تفي هذا الدين، وعندما يسألها أحدهم عن سبب عملها في هذه المهنة تجيب أنها من قرية بعيدة وأهلها فقراء جداً ولا تجد عملاً يمكّنها من مساعدة نفسها وأهلها.... لكن هناك واقع آخر يساهم فيه المجتمع بانحراف الفتاة بشكل كبير وسريع، لكنها وكما يقول المثل الشعبي: (( تموت الحرّة ولا تأكل بثدييها)) امرأة صغيرة السن تتزوج من شاب بدون رغبة الأهل، الذين يتخلون عنها، وبعد أن تنجب طفلاً يُسجن الزوج بتهمة ما، فتلجأ للأهل الذين يرفضونها رغم ظروفها، فتبحث عن عمل في أحد المصانع القريبة من بيتها كي تعيل نفسها وطفلها، ولأنها صغيرة وجميلة يعترضها أحد العاملين في المصنع ويراودها عن نفسها، فتقاومه لآخر رمق، وعندما لم تجد ما يبعده عنها تلجأ لقتله بأداة حادة كانت قريبة منها. وهنا يأتي دور القضاء الذي جرّمها واعتبرها خارجة على القانون وأمر بحبسها مدة غير قليلة اضطرت لترك طفلها عند الجيران ريثما تنتهي مدة سجنها، أيضاً لا يمكننا أن نغفل دور الأهل السلبي بتخليهم عنها في ظروف صعبة، والمجتمع الذي راح ينظر إليها وإلى ابنها نظرة احتقار ودونية باعتبارها مجرمة وسجينة، لكنها مع كل هذا لم ترضخ لجعل نفسها وأنوثتها سلعة تباع وتشرى في سوق النخاسة والدعارة. صحيح أن الواقع الاقتصادي الصعب بما يفرزه من بطالة وفقر وعوز، إضافة إلى الجهل والأمية وعدم تبلور الوعي، تلعب كلها دوراً أساسياً في لجوء الفتيات لطريق الانحراف، لكن في الواقع كل هذه حجج واهية للدفاع عن موقف أولئك الفتيات اللواتي يستسهلن سبل العيش والعمل، ومبرر غير مقنع لامتهان أنوثتهن وإنسانيتهن. فسبل العيش بكرامة - مع كل ما يعتري المجتمع من بطالة- ما زالت موجودة حتى للفتيات الأميّات من مثل أعمال التنظيف- لفّاية- أو إعداد الطعام والمؤونة وسواها من أعمال تقوم بها نساء يتحملن مسؤولية أسرة بكاملها. فهل هناك من مبررات لما تقوم به بعض الفتيات والنساء من أعمال تسيء لإنسانيتهن وأنوثتهن وكرامتهن..؟؟؟ وهل يقف المجتمع موقفاً إنسانياً يساهم في عودة بناته لإنسانيتهن المسلوبة تحت يافطات متنوعة..؟؟؟؟
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شباب اليوم.. وعنوسة مرغوبة
-
المرأة العربية في الدين والمجتمع- الجزء الثالث والأخير-
-
المرأة العربية في الدين والمجتمع- - الجزء الثاني-
-
المرأة العربية في الدين والمجتمع- عرض تاريخي لحسين العودات-
...
-
دروب حريتكِ... معبّدة بإرداتكِ
-
الصالونات النسائية عبر التاريخ
-
أسرار ما قبل الولادة.؟؟!!
-
الأطفال والهاتف النقّال منذ المرحلة الجنينية
-
تربية الطفل وثقافته
-
المُطَّلَقَة... بين محرقة الدعم ومطرقة المجتمع؟؟!!
-
الأخلاق قيمة كلية غير قابلة للتحديث
-
الآثار المترتبة على استلاب الطفل للشاشات
-
ردّ على إيضاحات الحوار المتمدن الأخيرة.
-
أمي...سنديانة الأمان...
-
إلى المرأة في عيدها
-
العنف الموجه للمرأة عبر الموروث القيمي والأخلاقي
-
صعوبات التعلم عند الأطفال
-
أدب الأطفال بين الثقافة والتربية- قراءة في كتاب -
-
أهلاً .... عيد الحب؟!
-
ميشيل منيّر والصين يعيدان الاعتبار إلى لين بياو
المزيد.....
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
-
اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|