يرتبط اللون الأحمر بالأحداث أو الحالات التي تتصف بالغليان، كالثورة والحرية والشهادة والحب، وباستثناء الأخير فإن حالات الغليان الأخرى لم تعد تعنينا ولذا فقد تركز الحضور العبثي للحب وأصبح عيد الحب من المناسبات التي ينتعش فيها سوق الورد الأحمر ، لكن ومع التأكيد على ضرورة تجاوز تعريف الحب أو فلسفته لأن شأنه شأن غيره من المفاهيم المعتلة التعاطي والعصية الفهم في مجتمعاتنا فإن مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة تجعل من المناسب طرح وإعادة طرح بعض الاستفسارات الخاصة بالعلاقة بين الجنسين داخل أطر المؤسسات الزوجية وخارجها ، فما هي الأمراض الاجتماعية الخاصة بالحب ؟ ولماذا يكفن الحب إلى غير عودة إذا ما رسم المحبون بوروده الحمراء طريقا للزواج ؟وهل لذلك علاقة بالنظريات التي يرى أصحابها أن لعامل الزمن أثر على علاقات الحب بحيث تستنفذ المشاعر خلال عدد محدد من السنوات؟ أم أن هنالك محددات خاصة تتطلبها مؤسسة الزواج في مجتمعنا هي في حقيقتها أسلحة الدمار الوحيدة التي نمتلكها ؟
بداية لا بد لنا من الاعتراف بأن بعض القيم والمعايير والموروثات الاجتماعية قد ساهمت بدرجة لا يمكن إغفالها في خلق إعاقات وتشوهات في علاقة الشخص مع مفهوم الحب وبالتالي علاقته مع الطرف الآخر ، فالاختلاط بين الجنسين (عيب)و(حرام) والحب (خطيئة) كما أن الموت على طريقة بني عذرة شهادة ، أما الانفتاح الذي تشهده مجتمعاتنا فقد ساهم في تخطي هذه المعيقات ظاهريا ولم تزل سلطة الثقافة الموروثة تحظى بكامل السيطرة ، وسيطرتها لا تعني بأي حال امتناع الجنسين عن إقامة علاقات غير مشروعة بل على العكس من ذلك قد تكون ثقافة الممنوع هي الدافع الأقوى لخوض التجربة واكتشاف الآخر إما من خلال علاقة حب أو من خلال الزواج (الاضطراري)، إلا أن نسبة لا بأس بها من المندفعين في مرحلة الشباب المبكرة قد ينتهون بعلاقاتهم إلى الزواج لتبدأ بعد شهور أو سنوات قليلة مأساة (حبو بعضن) والكارثة الحقيقية تكمن في عدم تمكنهم من (ترك بعضن) بعد إنجاب الأطفال ، فما الذي يحدث بعد الزواج ؟ هي لا تعرف وهو لا يعرف وفي حقيقة الأمر هما لا يعرفان بأنهما كانا مدفوعين بمشاعر أشبه ما تكون بظرف طارىء حينما قررا الارتباط فالحب في مجتمعاتنا يشبه إلى حد كبير(الأنفلونزا) ولعله من المناسب أيضا أن يكون الاحتفال به في أجواء شتائية لكن اللقاح الخاص به غالبا لا يعطى بمقياس، فإما أن تكون جرعة زائدة قد تجعل أحدهم أو إحداهن يتنكر لإنسانيته ويتخذ قرارا قطعيا بعدم خوض التجربة وإما أن تكون جرعة مخففة أو مشوهه تتسبب بالوقوع في الفخ سريعا وما يتطلبه هذا من اتخاذ قرارات مصيرية بتهور واندفاع . ولأن متطلبات أو شروط نجاح الحياة الزوجية تتعلق بمهارات التغلب على المعيقات التي تفرضها طبيعة العلاقة الأسرية فإن الحب وحده لا يبقي على علاقة أو شراكة سوية ، هذا بالإضافة إلى أن هذه المتطلبات ذاتها من شأنها إذا ما أسيء استخدامها من قبل أحد الزوجين أو كليهما أن تتكاتف مع عامل الزمن من أجل نهاية أسرع .
للحب لدينا خصوصيات ومفارقات كثيرة منها تعدد الصور والوسائل التي يعمد إليها للتعبير عنه ،ولأننا لا نعي أهمية أن نتخلى عن نزعة الامتلاك في العلاقات الإنسانية إذا ما رغبنا في الإبقاء عليها فإن محاولة خنق الطرف الآخر أو اعتقاله بدوافع الغيرة والحراسة هي إحدى الوسائل التي قد يلجأ إليها المحبون ، أما الوفاء المطلوب والوفاء مع سبق الإصرار فهو إحدى متطلبات عملية اغتيال ما قد يتبقى منه بعد الزواج .
من المؤكد أن هنالك فروقات بين الجنسين تتعلق بدرجة ونوع التشوه الذي يضفيه كلا الطرفين على العلاقة ، فالرجل في مجتمعنا سريع الاشتعال وسريع الانطفاء كما أنه ميال بطبعه إلى التعدد والتنويع ، وهذا من شأنه أن يضخم حجم الإعاقة التي تعاني منها النساء في مجتمعاتنا ويقودهن إلى المزيد من محاولات جلد الذات في سعيهن غير المنقطع لاسترداد مشاعر الرجل الأولى ،أو استرداد مكانتها باعتبارها المرأة الأولى في حياته ففي كثير من الحالات قد يتحول مجهود المرأة في استرداد (قيس) إلى آداة تعذيب ذاتي أما تعلقها المتزايد به فذلك يرتبط بحجم ما يتشكل لديها من قناعات من أنه لن يعود .وهنا تكمن المأساة ، وربما تساهم محاولات المرأة لاسترداد أو استرضاء الطرف الآخر في دفعه نحو الانطفاء أو الهروب ، وهذا ما قد يفسر باتجاه الرجل ورغبته في البحث عن نمط مختلف غير موجود إذا ما تأكد بأنه من منظور المرأة التي يمتلكها أول العالم ونهايته ،ودليل ذلك أن زوج المرأة غير النمطية يفتقد في علاقته معها نمط الزوجة الأم في حين قد يبحث زوج المرأة التقليدية عن نمط المرأة المثقفة ، كما أن اختلاف التوقعات لدى الجنسين حول ما يريده كل طرف من الآخر من شأنها أن تخلق فجوة ليس من السهل تداركها.
لكن وبعد هذا الكم من السوداوية تبقى ورود (الفالانتاين) حمراء ، ويبقى شعور الحب الحقيقي متعلقا بمشاعر اللحظة المعاشة أو لحظة التعرض لأنفلونزا الحب ، وإلى أن تحين لحظة وفاته وبوادر الشفاء كل عام والمحبين بوهم جميل .