|
مِنْ البُرتُقالِي إِلى الأَحْمَرْ!
كمال الجزولي
الحوار المتمدن-العدد: 2414 - 2008 / 9 / 24 - 10:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
رزنامة الأسبوع 15-21 سبتمبر 2008
الإثنين في حديثه لمحاوره الأستاذ الصحفي حمزة بلول، ألقى اللواء (م) مزمِّل سليمان غندور، ربَّما لأوَّل مرة، حزمة من الضوء على واقعة سبق أن وردت، بابتسار، ضمن مذكرات المرحوم خضر حمد، عن اتصال رتب له الأخير والمرحوم عبد الماجد ابو حسبو، على مشارف الاستقلال، بين الصاغ صلاح سالم وبين (ضابطين) سودانيين لم يسمِّهما! كشف غندور أن "الضابطين" هما المرحوم اللواء أحمد الشريف الحبيب وشخصه، وقد "ذهبنا متحضِّرَين، وفكرتنا (أوَّلاً) بناء القوَّات المسلحة، وأننا (غير متعجلين) لاستيلاء القوَّات المسلحة على السلطة" (الأحداث، 15/9/08). عبارتا (أولاً) و(غير متعجلين) تشيان، ليس فقط بأن غرض الاتصال تحريض ضباط سودانيين للإستيلاء على السلطة في الخرطوم، تأسِّياً بانقلاب (الضباط الأحرار) في مصر، بل وبأن بذرة الاستعداد كانت موجودة، مبدئياً، لدى أولائك الضباط السودانيين لتقبُّل فكرة (الإنقلاب)، في بواكير خمسينات القرن المنصرم، لولا (عدم التعجُّل) وتغليب بناء القوَّات المسلحة (أوَّلاً)! من جهة أخرى يصعب إدراك السرِّ في تعمُّد المرحوم خضر حمد إخفاء إسمي (الضابطين)! لذا فإن كشف غندور عنهما، وإن جاء متأخِّراً، يستحق الثناء! مع ذلك ما يزال الغموض يشوب المسألة برمَّتها! فعلى كثرة ما قلبت في مصادر أخرى، وأرجو أن يصحِّحني عليم إن أخطأت، لم يصادفني وضوح بشأنها لدى أيٍّ من المؤرخين، أو الباحثين، أو كتاب المذكرات، أو مدوِّني الذكريات والهوامش الصحفيَّة، المهتمِّين، خصوصاً، بتقصِّي دور الجيش في السياسة، والذين عُنوا بالتوثيق لتلك الفترة، أو عرضوا، بالأخص، لدور الصاغ صلاح سالم فيها. أرجو، صادقاً، أن يجد العم غندور في هذا، وربَّما في غيره مِمَّا يختزن صدره، دافعاً قوياً لتسجيل مذكراته، كأحد شهود، بل صناع تاريخنا الحديث، أطال الله بقاءه.
الثلاثاء تراجُعُ الشيخ صالح اللحيدان، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعوديَّة، عن (فتواه) التي أحلَّ فيها قتل أصحاب القنوات الفضائيَّة مِمَّن وصفهم بـ (المفسدين) وناشري (الفساد) و(الإفساد)، فضلاً عن دمغ هذا (الرأي)، أزهريَّاً، بالخطأ، قد يجدي في تأكيد ما ظلَّ ينبِّه إليه أهل الاستنارة والوسطيَّة الإسلاميَّة من أن أكثر هذه (الفتاوى) السلفيَّة المتطرِّفة التي لا توفر سبيلاً لانتحال كلمة الله في مطلق عليائه، إنما تصدُر، في حقيقتها، عن مواقف بشريَّة محضة، مدخولة بما لا حصر له من غمائم الذهنيَّة الشاذة، وتشوُّهات التركيبة النفسيَّة المنحرفة! لكن الخشية، الآن، أن هذا التراجُع غير مجدٍ، يقيناً، في محو الأثر (التحريضي) الخطير الذي لا بُدَّ قد خلفته هذه (الفتوى) لدى الكثير من (الحواريين) مطموسي البصائر، مستلبي العقول، مغسولي الأدمغة، مِمَّن صاغت الانكسارات الاجتماعيَّة ذهنيَّاتهم وتراكيبهم النفسيَّة على سلاسة الاستقبال لثقافة العنف، والاسترخاص لكرامة الآخر، وإشاعة مزاج الكراهيَّة، والإقصاء، وتعكير الحياة، وإشعال الفتن، وشرح الصدور بوسواس القتل، والتدمير، والإهلاك، يجوبون شوارع العالم بقنابلهم الفتاكة، ورشاشاتهم الحاصدة، ومسدَّساتهم الراصدة، وسواطيرهم المشرعة، وخناجرهم المسنونة؛ يسدُّون جوعتهم، ليلاً، باللحم المُهدَر، ويروون ظمأهم، نهاراً، بالدَّم المُراق، راجين أن يُكتب لهم ذلك في ميزان (حسناتهم)، ومتزوِّدين لـ (أخراهم) بمثل هذا (الصنف) من (الفتاوى)، يكتفون منها بـ (قشرتها) التي تصادف هوى لديهم، ويتخذون أصحابها أئمة في شتى منابر المساجد المعلنة، و(الزوايا) و(التكايا) و(الأضرحة) و(الخلاوى) الخفيَّة، بل وحتى الصحائف الورقيَّة، والمحطات الأثيريَّة، والقنوات الفضائيَّة، والمواقع الأسفيريَّة! محاربة هؤلاء لا تكون بانتظار أن (يفلقوا) و(يداووا) لوحدهم، أو برجاء أن يلعقوا، في الصباحات، ما يكونون قد أطلقوا، في المساءات، من (فتاوى)! بل بنهوض (الدولة)، قضَّاً وقضيضاً، في العالم الإسلامي، بواجبها في اجتراح السياسات الكفيلة بتوطين المجتمع بأسره في قيم (الوسطيَّة) و(الاعتدال)، عبر كلِّ وسائط الإعلام والاتصال، ومناهج التربية والتعليم. ذلك، طبعاً، إن لم تكن (الدولة) نفسها هي (الحبر الأعظم) للسلفيَّة المتطرِّفة! الأربعاء باستثناء قِلة، مثل بان كي مون الذي صرَّح بما يعني أن (السلام) و(العدالة) في دارفور وجهان لعملة واحدة (أجراس الحريَّة، 30/8/08)، فإن المفاضلة المستحيلة بين القيمتين أضحت مطلقة على عواهنها لدى عرب وأفارقة وفرنجة كثر يجعلون (الأولويَّة) للأوَّل على الأخرى! وهذا، لعمري، كلام (ساكت) ما ينفكُّ يتبضَّع به أغلب مَن يبدو أننا أضحينا نعوِّل عليهم، بالكامل، لإخراجنا من ورطتنا الراهنة، في حين لم يعُد خافياً أن أحكم ما لديهم من (حكمة)، لأجل دارفور، لا يتجاوز وصفة (البصيرة ام حمد) المأثورة في قطع (رأس العدالة) أولاً، ثمَّ تحطيم (جُرَّة السلام) بعدها، قبل أن نلزم أرصفة التاريخ نذرف الدمع على كليهما! مع ذلك، ففي البادي من جهة الأستاذ سبدرات، وزير العدل النائب العام، أن في نفسه شيئاً، ولو يسيراً، من (حتى)، بشأن هذه الوصفة العدميَّة، عكس سلفه، الأستاذ المرضي، الذي ظلَّ يقضي يومه، في هذا الصَّدد، (خنقاً)! ولا نملك، في الحقيقة، ما نستدلُّ به على ذلك غير ملامح (انتباهة) تتراءى لنا من لدن الأستاذ سبدرات، وسط كلِّ غمائم التخبط العام إزاء الأزمة، لضرورة جعل (العدالة) محوراً لـ (السلام) في دارفور، خصوصاً والرجل لا بُدَّ قد أدرك، أخيراً، أن خيار الأصدقاء قبل الخصوم، قد استقرَّ، لا على المجابهة مع الجنائيَّة الدوليَّة، بل على التعاطي معها اعترافاً بها وبنظامها الأساسي، ما يجعلنا نرجِّح وقوفه وراء إقناع حكومته بإعادة وزن أوتارها على هذا اللحن، بدلالة الطلب المشترك الذي تنوي رفعه، مع الحكومة الجزائريَّة، إلى مجلس الأمن لـ (تعليق) إجراءات توقيف رئيس الجمهوريَّة (الرأي العام، 18/9/08). فالغاشي والماشي أصبح يعلم، الآن، أن هذا الطلب لا سند له سوى نصِّ المادة/16 من (نظام روما لسنة 1998م) الذي تعمل المحكمة بموجبه، مقروءاً في ضوء الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. مثل هذه (الانتباهة)، إن صحَّ حدسنا، تمثل طرف الخيط الصحيح المُفضي، يقيناً، إلى خواتيم مرغوب فيها على كلا المستويين الوطني والاجتماعي، ما يجعلها جديرة بالتعضيد والتشجيع، وإنْ من باب التفاؤل بالخير، لعدَّة أسباب، أهمها أننا نجتاز، حالياً، في المفترض حسب (اتفاقيَّة السلام) و(الدستور الانتقالي)، فترة (انتقاليَّة) تمتدُّ إلى العام 2011م. فلئن كان تصريف (العدالة)، فى الظروف العاديَّة، من وظائف الدولة الأساسيَّة، فإنه، في الظروف غير العاديَّة التي تكون فيها الدولة في حالة (انتقال) مأمول، راديكالياً كان أم إصلاحياً، من أوضاع شموليَّة إلى أوضاع ديموقراطيَّة، أو من نزاع داخلي مسلح إلى (سلام) و(مصالحة) وطنيَّة شاملة، يتقدَّم، بالأحرى، ليمثل الأهميَّة الأكثر إلحاحاً لإزالة الظلامات، وتضميد الجراح، وبالجملة إماطة الأذى عن مسار هذا (الانتقال) المنشود. أداء هذه المهمَّة، داخلياً، لا يكون إلا بأحد طريقين: تقليدي عبر النيابات والمحاكم وما إلى ذلك، أو غير تقليدي صار يُعرف، في خبرة العالم المتراكمة لنحو من ربع قرن، بـ (العدالة الانتقاليَّة). سبدرات اختار الطريق الأوَّل، فأعلن عن تكليف مدَّع عام لجرائم دارفور خلال الفترة من 2003م (الأحداث، 6/8/08). وفي إشارة واضحة لاستيفاء شرط (القدرة) و(الرغبة) لدى الدولة، كدفع يصلح لحجب اختصاص الجنائيَّة الدوليَّة (التكميلي)، حسب المادتين/1 ، 17 من (نظام روما)، إضافة إلى الفقرة/10 من ديباجته، نوَّه الوزير نفسه، قبل ذلك، إلى أن محاكم دارفور "ستتصدَّى لنفس القضايا المنظورة أمام الجنائيَّة الدوليَّة" (الأحداث، 25/7/08). وبغضِّ الطرف عن عدم التوفيق الظاهر في ذيل التصريح نفسه بأن "السودان ليس ممتنعاً عن تنفيذ العدالة، لكن استمرار الحرب يعطل ذلك"، مِمَّا قد يهزم التأكيد الجهير على توفر عنصر (القدرة)، ويعيد إلى الأذهان قول الوزير السابق إن "صعوبات تحول دون ملاحقة المتهمين .. الأغلبية لاذت بالفرار واحتمت بقبائلها .. الشهود أنفسهم يختفون خشية على أنفسهم!" (الرأى العام، 28/9/2005م)؛ فإن مِمَّا يعزِّز من تأكيدات سبدرات قول د. مصطفى عثمان، مستشار رئيس الجمهوريَّة، بأن هذه المحاكمات "لن تستثني أحداً، سواء كان رئيساً أو وزيراً أو خفيراً" (أجراس الحريَّة، 18/8/08). حسناً! كلُّ ذلك مرغوب فيه، مبدئياً، وبوجه عام. لكن السير بهذا الطريق، على مشروعيَّته، تعيق انسيابه، الآن، بل وربَّما في المديين القريب والمتوسِّط، معضلات شتى، نوجز أهمَّها في ما يلي: (1) فور تكليفه، انخرط مدَّعي دارفور، بحسب تصريحاته الصحفيَّة، في تحرِّيات بغرب وجنوب دارفور، شملت، في من شملت، علي كشيب (الرأي العام، 1/9/08)، دون أن يفصح عن (القانون الموضوعي) الذي يقوم عليه عمله. فلئن كان الغرض أن تتصدَّى محاكم دارفور "لنفس القضايا المنظورة أمام الجنائيَّة الدوليَّة"، فإن القانون السوداني لا يشتمل على عناصر (القانون الجنائي الدولي) .. وتلك أوَّل معضلة! (2) قبل قرابة الشهر من ذلك انتبه سبدرات، في ما يبدو، إلى هذه المفارقة، فأومأ إلى أن الحكومة ستقوم بإدخال قوانين تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانيَّة (الرأي العام، 3/8/08). لكن، حتى إذا غضضنا الطرف عن الخلاف الواضح، في هذا الشأن، بينه وبين وكيل وزارته، الأستاذ عبد الدايم زمراوي، الذي شدَّد على "أننا لن تكون لدينا قوانين جديدة لأن القوانين موجودة" (الأحداث، 3/8/08)، فإن مشروع سبدرات، على ضرورته، قد يكون متأخراً جدَّاً للأسف. ذلك أن أصوات الحادبين قد بحت، في الواقع، وطوال ما يربو على ثلاث سنوات ونصف، من المناداة بإجراء إصلاحات قانونيَّة مطلوبة للتواؤم مع الدستور، ولكن بلا طائل! بل إن الوزير السابق نفسه ظلَّ يصرِّح، من مختلف المنابر، بأن ثمَّة أكثر من ستين قانوناً تنتظر الإصلاح، دون أن تتحرَّك وزارته خطوة واحدة لعمل شئ ملموس! والآن، إن لم يكن مبتغانا هو مجرَّد (ترقيع) التشريعات، لا إصلاحها بصورة جذريَّة وشاملة، فهل، تراه، يسعفنا الوقت كي ندخل القوانين المطلوبة كما يأمل سبدرات؟! تلك معضلة أخرى! (3) وهبْ أننا نجحنا، ولو بـ (الترقيع)، في (إدخال) هذه القوانين، فكيف سنطبقها (بأثر رجعي) على جرائم ارتكبت قبلاً، علماً بأن (مبدأ الشرعيَّة) القائم في (عدم رجعيَّة القوانين) يظل واجب المراعاة في كلِّ الأحوال؟! وتلك معضلة ثالثة! (4) ثمَّ هل القوانين (الموضوعيَّة) وحدها هي المطلوب إدخالها؟! ماذا عن القوانين (الإجرائيَّة) وقواعد (الإثبات) التي ينبغي أن تتسق مع المعايير الدوليَّة لما أضحى يُعرف بـ (أسس المحاكمة العادلة)؟! ماذا عن (الحصانات) التي يعجُّ بها قانوننا الوطني، ولا يعترف بها (القانون الجنائي الدولي)؟! وماذا عن (التقادم) الذي لا تعترف به هذه المعايير (كمسقط) لهذا النوع من الدعاوى؟! وتلك معضلة رابعة! الشاهد أن الزمن يتآكل. وما فشلت فيه الحكومة منذ يناير 2005م لن يتأتى لها تحقيقه، قطعاً، في (يوم الوقفة) هذا! وبالنتيجة فإن طريق المحاكم التقليدي لن يكون، على أهميَّته، مواتياً لإنفاذ (العدالة) كصنو لـ (السلام) المأمول، بالنظر إلى كمِّ ونوع ومنهجيَّة الانتهاكات، والمدى الزَّمني الذي تستغرقه معالجتها قضائياً، في العادة، قياساً إلى قواعد التأنِّي والتروِّي والتثبُّت التي تنبغي مراعاتها. فما العمل إذن لتصفية تركة الماضي المثقلة؟! الخروج مطلوب، ليس من بين أضراس طاحونة دارفور، فحسب، وإن تكن الأعلى هديراً، وإنما من بين أضراس طاحونة الأزمة الوطنيَّة بأسرها. ولا يظننَّ كريم أن توسيع المطلب، بهذه الصورة، سيصطدم بمقاومة حركات دارفور التي قد تلمس فيه صرفاً للأنظار عن قضيَّة الإقليم. وخذ عندك، كدليل على ذلك، تشديد حركة العدل والمساواة، لدى ترحيبها المبدئي بالمبادرة القطريَّة، مؤخراً، على أنه "لا جدوى من السلام المجزَّأ، فلا بُدَّ من حلٍّ شامل يقي باقي أهل السودان الدمار" (ضمن محمد المكي أحمد، الأحداث، 19/9/08). لكن جوهر المشكلة يظلُّ، في الحالين، قائماً في كيفيَّة الرسوِّ على ساحل (عدالة) يستحيل، بدونه، استشراف، دَعْ تحقيق، أيٍّ من هدفي (السلام) و(التحوُّل الديموقراطي)، خلال الفترة (الانتقاليَّة) المحدَّدة. ولأن ذلك كذلك، فإن من (فضل) الورطة الراهنة علينا، إن كان ثمَّة (فضل) لها، أصلاً، تحويلها لون (الإنذار) الوطني العام من (البرتقالي) إلى (الأحمر)، حتى لم يعُد ثمَّة مناص، وأمر قوانيننا على الحال التي رأينا، من اجتراح (بديل) لتحقيق (العدالة)، خلال الإثنتي عشر شهراً التي قد يوفرها طلب (الإرجاء) تحت المادة/16، ولو بالبدء في تفعيل آليَّة داخليَّة مقنِعة، تكفل، إن أخذت بحقها، تفريغ الاحتقان، وإزالة الغبن، وإبراء الجراح. هذا البديل ممكن، فقط، عبر خيار (العدالة الانتقاليَّة)، المفهوم الحديث الذي يقرن بين مفهومي (العدالة) و(الانتقال)، والذي يشتغل، حصرياً، في البلدان التي تروم استدبار أوضاع (الشموليَّة)، و(التعانف الحربي)، بترسيخ (السلام) المستدام، وإنجاز (التحوُّل الديموقراطي)، لأجل ترميم شروخات (الجبهة الداخليَّة)، وتحقيق (المصالحة) الوطنيَّة الشاملة، و(إعادة البناء) من فوق تاريخ مثقل بتركة انقسام اجتماعي عميق. على أن هذا المفهوم لا يمكن إدراكه، أو أخذه، من ثمَّ، بحقه، وفق خبرات أكثر من أربعين بلداً حتى الآن، أدناها إلينا جنوب أفريقيا (1994م) والمغرب (2004م)، بمعزل عن شبكة المفاهيم والمصطلحات الفرعيَّة التي يتضمَّنها، مثل (هيئات الحقيقة والإنصاف والمصالحة)، و(إعادة تأهيل الضحايا)، و(الإصلاح القانوني والقضائي والسياسي) الشامل، بما في ذلك (إعادة صياغة) مؤسَّسات الدولة كافة، المدنيَّة والنظاميَّة، بحيث تجئ (المصالحة) المطلوبة، ليس من سنخ (وساطة) المرحوم فتح الرحمن البشير على مبدأ (عفا الله عمَّا سلف) بين النميري وخصومه عام 1977م، وإنما (مصالحة)، في المقام الأوَّل، مع (الذاكرة الوطنيَّة). السند الدستوري لهذا الاتجاه قد يوفره نصُّ المادة/21 من الدستور الانتقالي على أن "تبتدر الدولة عمليَّة شاملة للمصالحة الوطنيَّة وتضميد الجراح من أجل تحقيق التوافق الوطنى والتعايش السلمى بين جميع السودانيين". فرغم أن المأخذ الأكبر على هذا النصِّ هو وروده بعبارات (فضفاضة)، وضمن المواد (الموجِّهة) لا (الملزمة)، إلا أن توفر (حسن النية) سيكفل، قطعاً، تفسيره بما تقتضي الحاجة لتفعيله كمطلب عاجل وحاسم. ولعلَّ من حسن الطالع أن قوى سياسيَّة مؤثرة بدأت في الانتباه، مؤخراً، إلى أهميَّة السير بهذا الاتجاه. ففي محاضرة له بنادي التنس عبَّر الإمام الصادق المهدي عن رؤية حزب الأمَّة لجدوى هذا الخيار (أجراس الحريَّة، 25/8/08). كما أكد د. منصور خالد أن الحركة الشعبيَّة طرحت فكرة (العدالة الانتقاليَّة) منذ مفاوضات (نيفاشا)، لولا أن الطرف الآخر قاومها، فلم تخرج (الاتفاقيَّة) بأكثر من النصِّ الذي صيغ، لاحقاً، في المادة/21 من الدستور الانتقالي (أجراس الحريَّة، رزنامة 14/4/08). أما الحزب الشيوعي فقد أفرد فصلاً كاملاً لهذا الخيار في مشروع برنامجه المقدَّم إلى مؤتمره الخامس (الميدان ـ ملحق خاص، 26/8/08). وأما التدقيق في الأطروحات التي ما تنفكُّ تصدر عن حركات دارفور، والتي تقرن بين مطلبي (السلام) و(التعويضات)، فسيكشف أنها، أيضاً، ليست بعيدة عن خيار (العدالة الانتقاليَّة). لكن ذلك كله لن يجدي فتيلاً إذا لم تتوفر، أولاً، وقبل كلِّ شئ، (الإرادة السياسيَّة) الكافية لدى السلطة نفسها لإطلاق (هيئة للحقيقة والإنصاف والمصالحة) تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويتمُّ اختيار أعضائها بتوافق كلِّ القوى السياسيَّة، وتدشين شراكة مع المجتمع المدني في الكشف، عبر جلسات استماع عموميَّة، عن (حقيقة) الانتهاكات، و(الاعتذار) الرسمي، صراحة، عنها، و(إنصاف) ضحاياها، لا بـ (التعويض المالي)، فحسب، كما في التقليد الأهلي لتسوية نزاعات القبائل في ما بينها حول الموارد، والذي لن يكون مجدياً، الآن، في تسوية نزاع يختلف في طبيعته، ويتسم بمثل هذا الوسع والعمق، وإنما بشتى أشكال (جبر الضرر) الفردي، (كإعادة التأهيل) الجسمانى والنفسى، والادماج الاجتماعى، وتسوية الاوضاع الإسكانيَّة، والمهنيَّة، والتعليميَّة، وقضايا نزع الممتلكات، أو تدميرها، و(الكشف) عن (قبور) الشهداء، و(تخليد) ذكراهم، فضلاً عن (جبر الضرر) الجماعى، كردِّ الاعتبار (تنموياً) للمناطق التى طالها (التهميش)، وإدماج مقاربة (النوع الاجتماعى) بمراعاة ظلامات النساء، وإجراء (الإصلاحات) القانونيَّة والقضائيَّة والإداريَّة المطلوبة لترسيخ إحساس عام بـ (عدالة) أكثر شمولاً، وأعمق أثراً، في شراكة (السلطة) و(الثروة)، والتمهيد بذلك لـ (مصالحة وطنيَّة) تتجاوز مضمضة الأفواه إلى تحقيق (التوازن) المطلوب في الحقوق والواجبات بين السلطة والمواطنين، فالسلطة (المطلقة) حجاب لمقتضى (العدل) و(الإنصاف)، و .. هذا أو الطوفان!
الخميس وددت لو ان الأستاذة عبير عبد الله تروَّت قليلاً قبل أن تأخذ على منهج الأستاذ السر قدور، وأسلوب برنامجه الممتع (أغاني وأغاني) الذي تبثه قناة (النيل الأزرق) يومياً عقب إفطار رمضان، ما وصفته "بفرديَّته ومزاجيَّته وتداعياته ودكتاتوريَّته في اختيار ما يروق له من ذكريات وأغاني" (الأحداث، 12/9/08). ما يقدِّمه الأستاذ قدور هو، في الواقع، من شاكلة (المختارات anthology)، وهي ضرب من التآليف في حقل إبداعي معيَّن، إستناداً إلى (معرفة) المؤلف الوثيقة بما لا ينفصم عن (ذائقته) الشخصيَّة. ومن أقرب نماذج ذلك إلى الذاكرة، على سبيل المثال، فقط، لا الحصر، (مختارات) المرحوم علي المك من (الأدب السوداني)، وسلسلة محاضرات د. مرتضى الغالي عن (حقيبة الفن) التي حرصت على حضورها، واستمتعت بها أيَّما استمتاع، عندما قدَّمها من على منبر ندوة (إشراقة) بأم درمان، واستعان في إبراز نماذج لها من (اختياره الفردي) بالأداء الحي، وقتها، للمرحوم بادي محمد الطيِّب. من ثمَّ فإن ما وصفته الأستاذة الناقدة "بالفرديَّة والمزاجيَّة والدكتاتوريَّة" هو، بالضبط، إذا اعتمدنا جوهر المعنى واستبعدنا حدَّة اللفظ، ما ينتسب إلى ثنائيَّة (المعرفة + الذائقة) مأخوذتين كحزمة واحدة. وبطبيعة الحال فإن قيمة (المتعة والفائدة) اللتين توفرهما (مختارات) أيِّ مؤلف إنما تزداد كلما ازدادت (معرفته) بالحقل المعيَّن، وسَمَت (ذائقته) فيه. وكلاهما مِمَّا لا أعتقد أن عنزان يمكن أن تنتطحا حول توفرهما لدى الأستاذ قدور في حقل الغناء السوداني، خلال حقبتيه القديمة والوسيطة، أطال الله عمره ومتعه بالصحَّة والعافية.
الجمعة بالأمس قدَّم المهندس ابراهيم محمود، وزير الداخليَّة، التقرير الجنائي للعام 2007م أمام مجلس الوزراء، والذي أكد "على تزايد حالات الوفاة في حوادث المرور!" (الرأي العام، 19/9/08). وكان أفزعني، من قبل، (نصف) تصريح مُبئس أدلى به اللواء (م) عادل سيد احمد، المدير العام الأسبق لإدارة المرور، وأشار فيه إلى أن "سوء السيارات وعدم مطابقتها للمواصفات سبب قوي لوقوع حوادث السير". لكن حين سألته الأستاذة درة قنبو عن فاعليَّة نظام (الفحص الآلي) الذي تخضع له السيارات كشرط للترخيص، إعتذر سيادته بأن "الأمر يؤشِّر إلى (فساد)، وأنه أمر (حسَّاس) يمسُّ (المسئولين) الحاليين، وبالتالي لا يسعه الخوض فيه!" (الأحداث، 12/9/08). وبدا لي هذا القول ناقصاً، نصف قول، أو أقل، ذكرني، مع الفارق، بتصريح آخر بدا لي مبتوراً أيضاً، وذلك حين عزا اللواء (م) أبو بكر جعفر، المدير العام السابق لهيئة الطيران المدني، قصور التعامل مع كارثة تحطم طائرة الإيربص بمطار الخرطوم، في يونيو الماضي، إلى "منع دخول فرق البحث والإنقاذ .. من (جهات) ليست لها علاقة بالطيران المدني!" (الرأي العام، 29/6/08). هذا الصنف من (أنصاف) التصريحات، أو قل (التلميحات)، تكاثر، في الآونة الأخيرة، تكاثر الفطر في الغابة أوان الخريف! وعندي أن (نصف) تصريح مُبئس أسوأ، بما لا يقاس، من تصريح مُبئس (تام)!
السبت لم تبك فاطمة، قط، كما بكت على صغيرها الوحيد اليتيم عبد الرحمن الذي اجتاز عتبة البيت، ذلك الصباح الخريفيٍّ الغائم من عام 1921م، وهو يحجل، بسنواته الخمس، مرحاً، كعادته، يطارد أسراب الفراش والكدندار، وينصب الشراك للقماري والحباري، على امتداد زقاقهم الكائن في (حُفرة كلودو) يتحدَّر، بانسيابيَّة رفيقة، نواحي السوق الكبير. سوى أن عبد الرحمن لم يعُد، أبداً، من ساعته تلك، أو يُعثر له على أثر، أو يُسمع عنه أوهى خبر، إلا شائعة سرت، همساً بلغ أسماع فاطمة، بأن مضوي، راعي الغنم الذي اختفى، هو الآخر، بالتلازم مع اختفاء عبد الرحمن، قد خطفه، وباعه، والعياذ بالله، لبعض الخواجات الذين قطعوا به البحر! رغم ذلك لم يفتر بحث رجال الأسرة والمدينة الدءوب، فقد شرَّقوا وغرَّبوا، وبلغوا أقاصي السافل والصعيد، دون جدوى، حتى انفطر كبد فاطمة من شدَّة اللوعة، وكلت أضالعها من كثرة البكاء، وانحنى ظهرها من ثقل اليأس، وذبلت عيناها، وشحُبت روحها، وشاخت، بالمرَّة، قبل يومها. خمسة وعشرون عاماً تصرَّمت انقطع البحث، خلالها، عن عبد الرحمن، عندما انقطع العشم في طريق يوصل إليه، وبهت ذكره إلا في قلب فاطمة، وخبت صورته إلا بين جوانحها، وانطفأت جذوة الأسى عليه إلا في أحشائها. لكن مارد تلك الذكرى هبَّ، نفرة واحدة، من سباته، يوم استيقظ الناس، ذات صباح صيفي مشعشع من العام 1946م، على صوت عبد الرازق، مُنادي الحكومة، يجوب الطرقات بعربة (الكارو) الميري، يعلن، عبر بوقه المعدني الضخم، كلَّ من له قريب ضائع، منذ سنوات، أن يسارع للتعرُّف عليه بـ (المركز)! وإنْ هي إلا لحظات حتى كان شارع (المركز) يزدحم بالناس يخبُّون خبباً، كفيفهم يرتدف مُقعدهم، وزوبعة من الغبار تنعقد فوق رءوسهم، وفي وسطهم فاطمة! حملتها موجة عالية من حدس قوي ما انفكَّ يهجس في تمرة فؤادها بأن القابع لدى الحكومة، الآن، ليس سوى صغيرها الحبيب، وأنها ستراه، ستضمُّه، ستشمُّه، وستعود به، في زفة من الأهل والجيران، إلى البيت، تطعمه بيدها بَليل الفريك الذي يحبُّه بالسمن البلدي، وتسقيه اللبن الرائب المخلوط بعسل النحل، وتجعل مهاده بقربها، كما في الأيام الخوالي، تسأله، بشغف، أن يحكي لها الحكاية من أوَّلها، فيحدِّثها بلثغته التي لا تغباها، عن الذئبة الشفوق التي خلصته من بين براثن الخواجات في الخلاء، وأوته وربَّته مع أولادها، وحَمَته من الغيلان والسعالي، وكانت أرأف به وأحنَّ عليه من مضوي الكافر، لعنة الله عليه في القِبَل الأربع! داخل المركز كافحت بآخر نفس فيها، شاقة الزحام إليه، حتى ألفت نفسها واقفة قبالته، وقد سكنت الضَّجة، تسند ظهرها المقوَّس بيمناها، بينما راحت تقطب عينيها الكليلتين، وتقوِّس فوقهما يسراها، كي تراه جيِّداً. كان الأهالي يحدِّقون فيه برهبة، بينما هو جالس صامت، أمامهم، على سرير سفري مفروش ببطانيَّة عسكريَّة سوداء، يدخِّن غليونه، في هدوء، متكئ الظهر على مخدة قديمة حائلة اللون. و .. سرعان ما عرفته! كبُر كثيراً جدَّاً، ومع ذلك عرفته! نما شاربه، واستطالت لحيته، ومع ذلك عرفته! فتح لونه شيئاً عن ذي قبل، ومع ذلك عرفته! خلع عرَّاقي الدمُّوريَّة الصغير، والحجاب الذي كان اصطنعه له الفكي أزرق، في الزَّمان السحيق، وارتدى، بدلاً منهما، ذينك القميص والبنطال الرماديَّين، وانتعل ذلك الحذاء الأسود الغليظ، ووضع بين أسنانه ذلك الغليون المقوَّس، وفوق رأسه تلك القبُّعة الأفرنجيَّة عميقة الزرقة، ومع ذلك كله عرفته! لكنها، للوهلة الأولى، تسمَّرت جاحظة العينين، راجفة الشفتين، مبهورة الأنفاس، متخشِّبة الأطراف، تتصبَّب عرقاً! أما هو، فما أن أعاد البصر في وجهها كرَّتين، حتى نزع غليونه، بغتة، واعتدل في جلسته، لبرهة، ثمَّ، في البرهة التالية، قفز يضمُّ جسدها الناحل بين ساعديه المفتولين، بينما راحت مفاصلها تسوخ ببطء! تعالى صياح الجمع، وارتفع التهليل والتكبير في صحن المركز. أحاط البعض بهما يساعدونهما على الخروج، وهرول البعض يتكئون بسواعدهم على الحيطان وجذوع الأشجار، يدفنون وجوههم فيها، ويجهشون بالبكاء! وتطوَّع البعض بحمل حقيبة ذلك العائد بمعجزة لا شبيه لها سوى في الأحاجي! حتى البوليس نفسه لم يحتج، كي يتركهما يمضيان معاً، وسط ذلك المهرجان الأسطوري، إلى أيِّ إجراءات، ولا حتى للتحقق من وجود أثر الجرح القديم الذي كانت دلت عليه في فخذه الأيمن، أو الشامة الكبيرة التي كانت قالت إنها في منتصف ظهره! .......................... .......................... عند هذا الحدِّ يؤسفنا أن ننبِّه القارئ الشغوف بالنهايات السعيدة إلى أننا سنضطر، في ما يبدو، وبعد كلِّ هذا الارتفاع الباذخ الذي تصعَّدت إليه هذه السرديَّة، وتربعت فوق قمَّته، للانحدار بها في هبوط فاجع ربَّما يرى البعض أنه كان حريَّاً بنا تفاديه، ولو بعمليَّة تجميل اصطناعيَّة! مهما يكن من أمر، فإن ما جرى خلال الأشهر الثلاثة التالية هو المسئول، لا نحن، عن هذا الهبوط! أو دعونا نبرِّر ذلك باجتراح ضرورة أخلاقيَّة تفرض علينا اقتسام المذاق المرَّ لهذه النهاية الفاجعة مع فاطمة، وربَّما، بالمناسبة، مع عبد الرحمن نفسه. وأوَّل ذلك حاجز اللغة السميك الذي نهض كجدار أسود أصمِّ يباعد ما بين كليهما، دَعْ ما بينه والآخرين، في تلك البيئة الثقافيَّة المتواضعة! فقد اتضح أن عبد الرحمن لا يفقه كلمة واحدة بالعربيَّة، كما وأنه لم يبدِ أدنى استعداد لتعلمها، فكتب عليه أن يتفاهم، حتى مع أمِّه، بالإشارة، مِمَّا ضيَّق صدره بتلك الحياة، ومسَّخ عودته لدى مَن حوله! وليت اللغة كانت الحاجز الوحيد، فلربَّما استطاعت أن تقصِّر منه شيئاً، على بؤسها، جهود الترجمة التي تطوَّع بها ثابت، إبن أخت فاطمة، والطالب، وقتها، بالمدرسة الوسطى، والعوضي، المتطوِّع السابق بقوَّة دفاع السودان، والمتزوِّج، للتوِّ، من إحدى قريبات فاطمة، فور عودته من منطقة الكفرة بعد أن وضعت الحرب الثانية أوزارها. لكن فجيعة فاطمة الكبرى وقعت عندما اكتشفت أن عبد الرحمن لا يصلي، ولا يهتمُّ بالدين، وليس مسلماً أصلاً، ويأكل أحياناً بيسراه، وله عادات غير حميدة في قضاء الحاجة، ولا يفهم معنى الحائط الفاصل بين (حوش الرجال) و(حوش النسوان)، ولا يجد حرجاً في تحيَّة قريباتها وجاراتها بمحاولة تقبيل أيديهنَّ، أو إفزاعهنَّ، حين يزرنها، بالجلوس إليهنَّ عارياً إلا من شورت قصير، أو بدعوتهنَّ لتدخين سيجارة أو تناول كأس، وقد فشلت في نهيه عن ذلك، مِمَّا تسبَّب في مشاكل لا حصر لها بينهما، ومع ذويهنَّ، حتى انقطعن عن زيارتها، وانقطع حتى الرجال. كما وأنه لم يستسغ الطعام، ولا ماء الزير، ولا سخانة الجو، ولا عدم وجود كهرباء أو حمَّام في البيت. وصار كثير النرفزة من أمرين أحالا حياته إلى جحيم دون أن يفهم سبباً واحداً لأيٍّ منهما: بكاء فاطمة المتواصل، وسخرية الناس، حتى الأطفال، منه! هكذا، عندما رأته فاطمة يتسلل، ذات ليلة خريفيَّة، من باب البيت، حاملاً حقيبته، لم تحرِّك ساكناً! وعندما جاءها العوضي، ضحى اليوم التالي، والمطر نثيث، ليبلغها بأنه لمحه يدلف، في الصباح، إلى إحدى عربات قطار الشمال، لم يبدُ عليها أنها سمعت شيئاً، بل واصلت مداعبة حبَّات مسبحتها، وهي تحدِّق، بعينين كابيتين، في باب البيت، كما لو في فراغ عريض!
الأحد صديقنا الأستاذ غازي سليمان المحامي شديد الاعتزاز بجدِّه لأبيه الشيخ حامد بن عمر البادري، المشهور بحامد اب عصا، كون (عصاه) كانت دائماً بيمينه لا تفارقه أبداً. وقد ترجم له ود ضيف الله في (الطبقات) بأنه انتحل مذهب الصوفيَّة، وأن له كرامات عالية خاذية للقلوب، منها ما هو بصريح اللفظ، ومنها ما هو رموز وإشارات لا يفهمها إلا أهل الطريق. وقد سئل عنه الشيخ إدريس، فقال: ـ "الشيخ حامد سكت ولا بتكلم"؟! قالوا له: ـ "بتكلم"! قال: ـ "بمجرَّد ما يسكت .. يموت"!
***
#كمال_الجزولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بَيْنَ خَازُوقَيْن!
-
مَوْسِمُ اللَّغْوِ خَارِجَ الشَّبَكَةْ!
-
أَنَا .. يُوليُوسْ قَيْصَرْ!
-
يَا لَبَرْقِ السَّلامِ الخُلَّبْ!
-
نَزِيهْ جِدَّاً!
-
نضمي .. نضمي .. نضمي!
-
أنَا .. عَبْدُ المَأمُورْ!
-
عَنْ شَرَاكَةِ الحِصَانِ وصَاحِبِهِ!
-
سِيكُو!
-
مِزمَارُ الحُلمِ الهَشِيم!
-
الحَنْجُورِي!
-
وَلا صِرَاخُ العَالَمِ .. كُلِّهِ؟!
-
القَدَّال: كَثُرَتْ تَوَاريخُ المَرَاثِي!
-
وَدَاعاً .. يَا حَبيبْ! إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام
-
كُنْ قَبيحَاً!
-
جَثَامِينٌ فِي حَشَايَا الأَسِرَّة!
-
قُبَيْلَ حَظْرِ التَّجْوَالْ!
-
قَانُونٌ .. دَاخلَ خَطِّ الأَنَابيبْ!
-
أَلاعِيبٌ صَغِيرَةْ!
-
النَيِّئَةُ .. لِلنَارْ!
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|