|
الأحزاب الحاكمة والتَحّكُم بأرزاق الناس
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2414 - 2008 / 9 / 24 - 10:12
المحور:
كتابات ساخرة
- قبل 2003 ، كان الوضع الإقتصادي لأكثرية الشعب العراقي ، سيئاً للغاية . قِلّة محظوظة من المحيطين بصدام ، كانت تستحوذ على جميع مفاتيح التجارة والصناعة والاقتصاد عامة . اما الآن فأن الامور تغيرت ، فبدلاً من إحتكار قياديي البعث وكبار الضباط لكل شيء ، فأن دائرة المحتكرين قد توسعت في الوقت الحاضر لتشمل امراء الحرب وزعماء الطوائف وقادة الاحزاب الحاكمة والوزراء ورؤساء العصابات والميليشيات ! فبدلاً من تَحّكُم " 500 " من أقرباء " القائد الضرورة " بالعراق كُله ، يتبعهم " 5000 " من التابعين من الخط الثاني والسماسرة والوسطاء ، سابقاً . أصبحوا الآن عشرة أضعاف ، وهذا من " مُكتسبات " العهد الجديد الذي تَخُّر منه الديمقراطيةُ خَّراً ! فليس هنالك حزبٌ قائد واحد فقط ، بل ما شاء الله فأن درزناً من الاحزاب " القائدة " الحاكمة ، تُسيطر في الوقت الحاضر على المال العام والخاص ! - الظروف الإستثنائية هي خيرُ بيئة مساعدة على الفساد بانواعهِ . وقانون الطواريء وقانون مكافحة الإرهاب هي أحسنُ فرصة للتجاوز على القانون وممارسة كل انواع الإستبداد تحت عنوان الضرورة الأمنية ! مما لا شك فيه ان كل الاحزاب التي " تَحْكُم " الان ، من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال ، وبالرغم من ( إدعاءها ) للديمقراطية والإلتزام بالقانون ومحاربة الفساد ، فأنها في الواقع لا تريد وليس من مصلحتها ان يسود القانون ويسري على الجميع . فأن مصدر قوتها الرئيسي هو " إستحواذها " على مصادر الثروة سواء بغطاء شرعي او حتى بدونهِ . وتحكمها في " أرزاق " العِباد بصورةٍ مباشرة او غير مباشرة ، حتى غَدَتْ ، من هذه النواحي ، نُسخةً مُشّوَهة لِما كان عليهِ حزب البعث المُنحَل . فلا تستطيع الآن ان " تتعين " في اي وزارة إذا لم يكن من ضمن أوراقك " تزكية " من هذا الحزب او ذاك ، ولا تُقْبَل في كلية الشرطة او الكلية العسكرية إذا لم تكن مُنْتمياً للجهة الفلانية او الحزب العلاني ! وبما ان القبول في الكليات المدنية قبولً مَركزي ، فربما يتواجد بعض الطلبة " المُستقلين " ، ولكن لن يُقْبلوا في الاقسام الداخلية مثلاً ، إذا لم يُزّكوا من قِبَل إتحاد الطلبة ( العائد ) الى احد الاحزاب الحاكمة ! - اما إذا كُنْتَ موظفاً قديماً ومُستقلاً ، فلا يشطح بك الخيال ان تُفكر في إيفادٍ الى الخارج او ترفيع او تقييمٍ مُحايد لخبرتك ونزاهتك ، فكل هذه الامور " الثانوية " مثل الخبرة والنزاهة ، لا تُساوي شروى نقير إذا لم تكن مدعوماً مِنْ " صاحب " الوزارة التي انت فيها ، اي الحزب او الجهة التي اصبحت الوزارة من( حِصَتها ) حسب النظام المحاصصي العتيد ! - ولكن إذا كان زوج خالتِكَ مُختاراً فألف هِنيالك ! فحتى لو كُنْتَ " دَبَنْكاً " ، ولا تُفرِق بين الخيارة وال ....فلا يَهم ! فسوف تحصل على " مقاولة " بدون مناقصة او إعلان . صحيحٌ انت لاتُمّيز بين الإنج والسنتمتر وتعتقد ان السيراميك والميكانيك شيءٌ واحد ، وصحيحٌ انك تحملُ شهادةً عُليا من " محو الامية " ، ولكن يكفيكَ فَخْراً انك من العائلة المالكة عفواً أقصد العائلة الحاكمة " نسيتُ ان نظامنا جمهوري وليس ملكي " . الكل يعرف انك لا تفقهُ شيئاً في الهندسةِ او الإنشاءات او حتى التجارة او النِجارة ، ولكن " المقاولة " التي حصلتَ عليها تُنّفَذ ب ( 100 ) دينار مثلاً ، واُعطِيَتْ لك ب ( 1000 ) دينار ( تطبيقاً للأحاديث الشريفة التي تدعو الى مُراعاة ذوي القُربى ) ! ، وسوف ( تبيع ) المقاولة في نفس اليوم الى " سِمسار " ب ( 500 ) دينار ، الذي سيبيعها بدورهِ الى آخر وهكذا الى ان تصل الى مقاول حقيقي ب ( 120 ) دينار ! ستكون انت رَبحتَ ( 500 ) في نهارٍ واحد بدون وجع رأس ! طبعاً سيتكرر الامر مع مقاولات اخرى بين الفينة والفينة ، وستجمع مبلغاً محترماً في فترةٍ وجيزة ، يكفيك والذين " تُخّلفهم " الى ابد الآبدين ، " والحسود في عينهِ عود " ! - إذا وَصلتْ رائحة " المقاولات " و " العقود " في مدينة ما في عراقنا المترامي الاطراف ، الى درجةٍ لا تُطاق ، وتزكم النفوس والانفاس . فهنالك بدائل متوفرة لكل ( الأعزاء ) من الاقرباء والاصدقاء المقربين والمسؤولين الذين يرزحون تحت وطأة مهام جسيمة ! نعم ، وبإعتبار ان " أرض الله واسعةٌ " ، وان مساحة العراق ما شاء الله ما زالت كبيرة ! وبإعتبار ان الاحزاب الحاكمة هي وكيلة او نائبة الله ، فلها الحق كل الحق في التصرف ب " الارض " ، فَهُمْ أولي الأمر فينا ، يستطيعون " توزيع " المساحات حسب إرادتهم السامية! فالوزير ، حتى لو كان يملك قصراً منيفاً وعقارات مختلفة وراتباً خرافياً ، " يجب " ان يُمْنح قطعة أرض لاتقل عن ( 600 ) م في أرقى مكان ، وبما ان أعضاء البرلمان لهم الحق في نفس إمتيازات الوزير ، " فيجب " ان يحصلوا على قطع اراضي محترمة ايضاً . وإذا كان الوزراء او النواب ، مُجّرد أتباع او مُريدي الاحزاب الحاكمة ، ويحصلون على هذه " المنح " من أجود وأغلى الاراضي ، فالأجدر ان " يستفيد " الاقرباء المقربون من هذه الفرصة الذهبية ! وحتى لا يُفسح المجال للقيل والقال وطويلي اللسان ، ليكن الامر " شرعياً " وضمن " القانون " . مادام " مجلس المحافظة " و" المجلس البلدي " ( في الجيب ) ، فالامور سهلة ! هنالك مساحات في مراكز المدن حسب المخططات تحت عنوان ( خدمية ) او ( خضراء ) . هذه المساحات [ رغم أهميتها البيئية والخدمية والجمالية القصوى ] ، بدأت تختفي وتزول من كثير من المدن العراقية . بسبب منحها لأشخاص مقربين من الاحزاب الحاكمة تحت يافطة " المساطحة " او " الإستثمار " ، وعادةً يكون في الواجهة شخص عادي حتى لا يُعْرف المُستفيد الحقيقي ! والمُضحك المُبكي في الامر ، ان هنالك دوماً مَنْ يُطّبِل ويُزّمِر لهذهِ الطبقة الطفيلية ، ويُسّمي ما يقومون به من تجاوزات وإنتهاكات على الحق العام ، يُسّمون ذلك : شطارة ! - هنالك مَظهَرٌ آخر لمثل هذه البُدع " الشرعية " والحِيَل " القانونية " ، لها علاقةٌ مباشرة بمفهوم( الصلاحيات ) . ف " صلاحية " اي مدير عام ، او رئيس مجلس محافظة او محافظ او رئيس بلدية ، ناهيك عن وكيل الوزير او رؤساء اللجان ، ثم جميع المواقع السيادية ، في العراق الجديد . كل هؤلاء ، صلاحياتهم "المالية " خصوصاً ، أوسع و أكبر من صلاحيات رئيس جمهورية في اي بلد ديمقراطي يحكمه القانون ! فإذا تسألتَ عن مصدر ثروة فلان وكيف إستطاع ان يبني قصراً بمليون دولار مثلاُ ، يُقال لك ، انه شخص نزيه ولكن الرئيس او الزعيم او القائد او الحزب الحاكم " أعطاهُ " المليون ، كمكافأة عن جهوده وإخلاصهِ !! مِنْ اين للزعيم او الحزب الحاكم ، كل هذه الاموال الطائلة ، التي يوزعها على " المُخْلصين " له ؟ ثم اليست هذهِ رشوةً علنية ؟ وما هي الخَدمات والإخلاص والجهود التي تستأهل هذا الكرم الحاتمي ؟ هل قادة العراق الجديد هؤلاء ، المُتَمتعين بصلاحيات مالية خرافية ، والذين يعلمون علم اليقين انه من شبه المستحيل ان تَطالهم يد المُحاسبة ، وسط مستنقع الفساد ، هل هؤلاء يريدون فرض القانون ؟ هل من مصلحتهم ان تسود العدالة وتكافؤ الفُرَص ؟ اكاد اُجزم بأنهم يستميتون من أجل إستمرار الحال لأطول فترة ! ان الموظف او العامل او المُستخدم ، إذا " تَحّرر " من هيمنة الزعيم وحزبه الحاكم ، على مصدر رزقهِ ، وإذا شَعَرَ بالأمان وبحماية القانون له ضد التعسف والفصل الكيفي ، حينها لن يكون " مُضطراً " لمُسايرة هذا القائد او ذاك الحزب ، او القبول والخنوع لِما يمارسونه من إنتهاكات وتجاوزات على القانون .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يومٌ عراقي عادي جداً !
-
-عوديشو - ومُكبرات الصوت في الجامع !
-
صراع الإرادات بين المركز والاقليم
-
كفى دفع تعويضات وديون حروب صدام !
-
شهرُ زَحْمة أم شهرُ رَحْمة ؟!
-
كفى تَزّلُفاً للإسلاميين !
-
الى سعدي يوسف : مقالك عن شياع يشبه الشتيمة !
-
الانفال ..إعفوا عن علي الكيمياوي وإعتذروا لسلطان هاشم !
-
50% بشائر الخير .. 50% علامات الشر !
-
المسؤولين - المَرضى - يبحثون عن - العلاج - في الخارج !
-
زيارة الملك .. قُبَلٌ على ذقون غير حليقة !
-
حيوانيات !
-
أرقامٌ غير معقولة .. في عالمٍ مجنون !
-
مُدُنٌ مُقّدسة .. ومُدنٌ غير مُقّدسة !
-
كركوك ..التصريحات النارية لا تخدم الحَلْ !
-
سوران مامه حمه ..شهيدٌ آخرْ ..ضحية الفساد
-
الإمام الكاظم لا يريدُ مَزيداً من الضحايا !
-
- جا العَصِغْ ..بنالو قَصِغْ - ..جاءَ عصْراً .. وبنى قَصراً
...
-
كركوك من ثلاثة زوايا !
-
الى إرهابيي وعصابات ديالى : إهربوا أو إختفوا !
المزيد.....
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|