|
صرخة باول بويمر !
يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 2413 - 2008 / 9 / 23 - 05:41
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في ذكرى حروب الطاغية المقبور باول بويمر ليس جنرالا أو محلل سياسي ، او محلل حروب ستراتيجي ، انه مجرد جندي عادي ، واحد من تسعة عشر طالبا في نفس الصف ، تطوعوا للحرب ، بتأثير محاضرات معلمهم . وفوق كل ذاك ، هو ليس انسان حقيقي من لحم ودم ، بل هو خُلق على الورق . باول بويمر بطل في احداث رواية ، ولكنه اشهر من كل الابطال، لانه عبّر عن ماساة ابناء جيله الذين خاضوا غمار الحرب العالمية الاولى ، والذين " تحطموا بسبب الحرب ، حتى ولو كانوا قد نجوا من قذائفها " مثلما يتحدث عنهم . انه بطل رواية " لا جديد في الجبهة الغربية" للكاتب الالماني المعادي للنازية "اريش ماريا ريمارك" (1898-1970) ، الرواية التي طبق صيتها الآفاق وذاعت في الشرق والغرب . صدرت الرواية في شتاء 1928 وتحولت في عام 1930 الى فلم سينمائي بنفس الاسم حصد حينها الجوائز والشهرة ، وترجمت الى كل لغات العالم . وان كانت هذه الرواية قد جلبت لكاتبها الشهرة والثروة ، فانها ايضا جلبت له عداء النازية الالمانية ، التي كان حزبها في نمو سريع . وما ان صار واضحا للكاتب ريمارك ان هتلروالنازية سيتستلمون زمام السلطة في المانيا ، حتى كان اول كاتب الماني يصبح منفيا بسبب النازية وهتلر . النظام الديكتاتوري البعثي المقبور ، الذي فاق نازية هتلر، بفاشيته واجرامه ، خاض حربا مجنونة ، حاول ان يسوقها تحت شعارات الدفاع عن" الجبهة الشرقية " للوطن العربي ، واستمرت لثمان سنوات متواصلة ، نجد ان الصرخة ـ السؤال الذي اطلقه الجندي الفتي، باول ويمر، بطل رواية ريمارك ، ينطق تماما عن لسان اجيال العراقيين ، التي عاصرت حروب الطاغية صدام حسين . ويضعنا بطل ريمارك مباشرة امام نتائج حرب صدام المجنونة، التي ظلما تسمى"الحرب العراقية ـ الايرانية " ، فلا علاقة للعراق بخطط "القائد الضرورة" ـ حفزه الله ـ لاكتشاف طرق تؤدي الى القدس . هذه الطرق مرة تمر عبر عبادان ومرة عبر العبدلي ، حتى اوصلته الى تلك الحفرة الشهيرة ، بعد ان زحفت عليه جيوش حلفاء الامس . جاءت جيوش الغزو تبحث عن " اسلحة الدمار الشامل " فلم تجد "السلاح " ، ولكنها وجدت " الدمار الشامل " كما تقول اخر الطرائف الساخرة عن الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش . كانت حرب الديكتاتور صدام حسين ، ضد الجارة ايران ، وفي كل مراحلها، حربا قيل عنها بحق انها حرب لا ناقة ولا جمل للمواطن العراقي فيها . كانت العلاقة الوحيدة لابناء العراق بهذه الحرب ، انهم صاروا ومجبرين وقودا لها . وقد قيل الكثير بما يتعلق بالاحصاءات عن الارقام المليونية عن ضحايا هذه الحرب ، من قتلى ومفقودين ومعوقين ، ولكن لم يقل الكثير بعد عما تركته هذه الحرب من تأثير عميق وجذري على كل عائلة ، وبالتالي على مقومات واسس بناء المجتمع العراقي وشخصية ونفسية المواطن العراقي . العراق خلال سنوات الحرب الثمانية صار البلد الاكثر استهلاكا في المنطقة للقماش الاسود ، لا ينافسه في ذلك سوى ايران نفسها ، فاثواب الحزن ولافتات التعزية صارت مباحة للجميع . كان ثمة عدالة متميزة من الديكتاتور في منح كل عراقي الحق بالتمتع بالحزن ومأساة الموت . كانت التوابيت ، ملفوفة بعلم صدام ، بعبارة الله واكبر التي كتبها بخط يده ، او مكتوب عليها كلمة "جبان " تصل بسخاء لكل زقاق في كل مدينة ، ولكل قرية ، وكثيرا ما كانت تصل بالجملة ، مصحوبة بهلاهل واهازيج رداحي النظام من مطربين وشعراء مأجورين . صار الموت شأنا يوميا . اعتاده المواطن العراقي . لم يعد احد يخاف هذه الكلمة . تراجعت كلمة الحياة بسرعة . ومعها تراجعت منظومة كاملة من القيم والمفاهيم . صارالمواطن العراقي يتناول طعامه مع اطفاله ويتفرجون ـ جميعا ـ على برنامج تلفزيوني مثل " صور من المعركة " ، وهو ينقل لهم منظر جثث العدو . وللهروب من نتائج وتداعيات الحرب الاولى مع ايران ، تحرك الديكتاتور ـ بذكاء صميمي ! ـ الى حرب تالية، فأحتل دولة الكويت مشيعا لغة وثقافة الغزو والفرهود. ثم كان ما عرف بحرب تحرير الكويت وطرد قوات صدام منه، والنتائج الكارثية لذلك ، التي اكتوى بها ابناء الشعب العراقي . هذا اذا لم ننس الحروب الداخلية ، قمع النظام الديكتاتوري لانتفاضة اذار المجيدة ، والحرب المستمرة ضد قوى المعارضة العراقية المسلحة ، المقاتلة لنظام صدام حسين في كردستان العراق وفي الاهوار، والحرب العدوانية الشوفينية ضد ابناء الشعب الكردي بما في ذلك استخدام الاسلحة الكيمياوية . الصرخة ـ السؤال الذي سجله بطل رواية ريمارك وظل يرن عبر السنين : " لسنين طوال كانت مهنتنا القتل ، مالذي سنصبح عليه ؟ " حين زرت جنوب العراق ، شتاء 2004 ، من بعد غياب 27 عاما ، وفي كل البيوت التي زرتها من بيوت الاقارب والاصدقاء ، لم اجد بيتا يخلو من قطعة سلاح ان لم يكن اكثر. وفهمت مشاعر صديق لي ، مقيم في اوربا ، سبقني بزيارة اهله ، حين روى وهو يرتجف كيف ان ابنة اخيه ذات الثلاثة عشر ربيعا كانت تصف له بهدوء وثقة ودراية طريقة صناعة قنبلة في المنزل . وكنت شخصيا اقضي ليلة في بيت احد الاقارب في بغداد حين سمعنا صوتا غريبا على سطح المنزل ، فكان اول المتحركين طفل في العاشرة حمل البندقية بخفة وبمهارة وتحرك باتجاه سطح المنزل ، قبل ان يسرع ابيه ويبادر لاخذ البندقية ! ويكرر بطل ريمارك : "معرفتنا بالحياة تقتصر على الموت ... مالذي يأتي ... او يحدث بعده ، مالذي سنصبح عليه ؟ " . هذا ما نراه الان في العراق وصرنا عليه ، من حصيلة حروب المجرم صدام حسين . سيادة لغة العنف ، وفقدان اطفالنا لبرائتهم ، واستهانة بالحياة وعدم اكتراث بموت وآلام الاخرين ، وعسكرة للمفاهيم والافكار عند قطاع كبير من الشبيبة ومن ابناء الشعب العراقي . وحين يكون الانسان عاطلا عن العمل ، يمكن بسهولة ، بسبب حاجته ، شراء خبرته في مهنة القتل لتوظيفها في سياقات سياسية متنوعة . واذ تنشط الجماعات السياسية في تشكيل مليشياتها وفرقها الخاصة ، تحت لافتات تتلائم مع سطحية الوعي السائد ، فانها لا تجهد وتبذل كثيرا في اعداد وتدريب من تجندهم ، فهم جاهزون ، ومتدربون على مهنة القتل ، فمعارفهم في الحياة تقتصر على العنف والموت فقط ، والفضل كل الفضل يعود لحروب الطاغية المقبور !
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاديب فلك الدين كاكائي.......... انا وزير ثقافة لاسباب سياس
...
-
التسامح والمحبة في حكايات نبيل يونس دمان التراثية
-
كامل شياع ... انهم يعرفون كيف يوجعون قلوبنا !
-
حوار مع الرفيق تاج السر عثمان عضو اللجنة المركزية في الحزب ا
...
-
صحافة الحزب الشيوعي العراقي ميدان للنضال من اجل حقوق الجماهي
...
-
بهاء 14 تموز والأنصار الشيوعيون
-
ينابيع الأمل
-
حلقات دراسية في فنلندا من اجل حل الازمة السياسية في العراق
-
القاص القروي !
-
فيلم -رامبو 4 - الجديد يؤكد حاجة امريكا لهورمونات منشطة لتحس
...
-
هناك ... شرق - كاني كه - ! (1)
-
قصتي مع السيد ماتريكس والأرهاب !
-
كتاب باللغة الفنلندية :يروي قصة مناضل شيوعي في سجن -ابو غريب
...
-
لقاء مع الرفيق احمد زكي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والا
...
-
لقاء مع الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق خالد حداد
...
-
للعراقيين فقط : طاسة -روبة- لأجل هذا المبدع الأمبراطور!!
-
ما الذي يجري ؟
-
دردشة مع الطاهر بن جلون على ضفاف خليج بوتاميا
-
هل سيطفئ برد فنلندا القطبي نار الصراع الطائفي في العراق ؟
-
قتل الأيزيدي والمشي بجنازته !
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|