|
الفتوى التي قتلت ميكي ماوس
مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 2412 - 2008 / 9 / 22 - 09:43
المحور:
كتابات ساخرة
حرر المسلمون بيت المقدس، ونشروا الدعوة في كل أصقاع الأرض، وصارت بلاد المسلمين القوى العظمى في العالم، ولم يبق لهم من مشاكل ومصاعب إلا أن يقتلوا الشخصية الكارتونية والمشهورة أكثر من أية شخصية في العالم؛ الفأر ميكي ماوس. وبدأ رجل دين سعودي بالهجوم على ميكي ماوس وجيري صديق توم ويدعو إلى قتل الفأر وكان الفأر الكائن السيئ الوحيد في العالم الإسلامي.
لقد هاجم رجل الدين السعودي محمد المنجّد الفئران بضراوة داعياً إلى قتلها في الحل والحرم بوصفها ممقوتة في الشريعة الإسلامية وهي من جنود إبليس. وحذر المنجّد في حديث صحفي الأطفال من الإعجاب بشخصيات الفئران التي اشتهرت عبر الأفلام الكارتونية أمثال ميكي ماوس، وجيري. وأشار إلى أن الفئران كائنات ممقوتة وأن هذه الرسوم المتحركة حببت الأطفال بها وأصبحت شخصيات عظيمة بنظرهم بينما يجب قتل الفأر في الحل والحرم. المنجد بات سلط الضوء على أن الشريعة الإسلامية سمت الفأر بالفويسقة وأنها تضرم على أهل الدار النار وأن الشيطان يسّير هذه الفأرة وأنها من جنود إبليس.
الفتوى والتي من المفترض أن تكون مرسوماً دينياً يقوم بإصداره علماء في الشريعة الإسلامية يتحلون بصفات معينة، ويعتبر إصدار الفتوى في الإسلام أمراً عظيماً من ناحية المسؤولية، وعادة يتم إصدار الفتوى في غياب جواب واضح وصريح يتفق عليه الغالبية في أمر من أمور الفقه الإسلامي، ويتعلق بموضوع شائك ذات أبعاد سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية، وفي سنن الدارمي عن عبيد الله بن أبي جعفر إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» واستناداً إلى جامع بيان العلم لابن عبد البر إن البراء بن مالك قال «أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الإسلام يسألون عن المسألة وما من رجل منهم إلا ويودّ أن أخاه كفاه فيرده هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى يرجع إلى الأول» وفي هذا الرواية إشارة واضحة إلى ضخامة مسؤولية إصدار فتوى.
أخرج قليلاً من مفهوم الفتوى وتعريفها، وادخل في حوار مع الشيخ العلامة محمد صالح المنجد صاحب العشرات من المؤلفات، والذي قرأت عنه في الإنترنيت أنه تتلمذ على يد فضائل مشايخ الإسلام في السعودية كالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، والشيخ صالح بن فوزان آل فوزان، والشيخ عبد الرحمن البراك، وأولئك المشايخ لهم سيط في كل أمصار الإسلام.
شيخنا الفاضل أنا متفق معك على صحة حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام والوارد في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور، ولكن كان لا بد من أن تفتي في مسائل أخرى هي أكثر نفعاً وخيراً للمسلمين في العالم، ولنناقش معاً بعضاً من مسائل في العالم الإسلامي برأي ورأي الكثيرين تستوجب حراكاً لرجال الدين.
يومياً هناك عمليات انتحارية في أفغانستان، وباكستان، والعراق ولبنان، ودول أخرى، تقضي بحياة المئات بل الآلاف من الأبرياء، أطفالاً وكبار، نساءً ورجال، شيوخاً وشباب، ولا يحرك رجال الدين ساكناً، كان الأجدر بكم أن تفتوا بتحريم هذه العمليات الإرهابية، لكي لا يراق دم المسلمين بيد المسلمين، ألا يزعجك منظر الدم والأشلاء المتناثرة بين حطام سيارة كانت مفخخة وانفجرت، وحصدت أراوح أناس كانوا مسلمين أو غير مسلمين. كان الحري إطلاق فتوى في تكفير من يدعو لهذه العمليات، لا أن تصدر فتوى بقتل ميكي ماوس.
يقتل يومياً فلسطيني بل أكثر من واحد، بيد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وما يزال الفلسطينيون مشردون في وطنهم وخارجه، والقيادات الفلسطينية تكابر في ما بينها، وبدلاً من وطن يجمع الجميع أصبح هناك غزةستان وضفةستان، كان الأجدر بعالم قدير مثلك أن يفتي للقيادات الفلسطينية بأن ما يعملونه حرام وعقابه عند الله شديد، فالخير لهم في الوحدة وليس في الشتات، أين أنتم من هذا، هل قتل ميكي ماوس أكثر ثواباً؟
الشعب الكردي المشتت في أربعة دول إسلامية كانت إحداها ذات إمبراطورية حكمت العالم الإسلامي أربعة قرون ونيف، والأخرى أقوى دولة شيعية في العالم، والدولتان الأخريتان هما أيضاً إسلاميتان، وغالبية الشعب الكردي العظمى هم مسلمون ومن أهل السنة، وهم مظلومون في دول إسلامية، لما لا تفتي بفتوى تلزم أو تحض هذه الدول على منح حقوقهم وفق شرعة الله والإسلام؟ هل هذا جزاء أحفاد الناصر صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس؟ ألا يستحق أربعون مليون إنسان بل أكثر فتوى منك وتفتي بقتل فأر كميكي ماوس وجيري؟
قتل صدام حسين ملايين العراقيين، مسلمين وغيرهم، أين كنتم من جرائم هذا المسلم بحق أبناء الإسلام؟ لما لم تفتون بضرورة تغيير نظامه المستبد الظالم؟ ولما لم تعملوا كرجال دين على حض دولكم لكف يد طاغية مثله، فالأحسن أن تحرر العراق من نظامه على يدكم ومباركة فتاويكم، أم تغزوها أمريكا وبماركة منكم، فالكفار كما تصفونهم أنتم، غزوها من موانئكم وحدودكم، أين كنتم من هذه الجرائم؟ أم أن ميكي ماوس هو أكثر أهمية من ملايين العراقيين، إن الجماجم والقبور الجماعية ستحاسبكم على صمتكم تجاهها.
أيها الشيخ العالم، لماذا لا تفتون في إلزام أغنياء المسلمين في كل بقاع الأرض، بضرورة مساعدة فقراءهم؟ وأنت تعلم أكثر مني، أن أغلبيتهم للإسلام تاركون، وتباع لهم زجاجات الخمر والفياغرا والمخدرات بملايين الدولارات، ويقترفون هنا وهناك أعظم الآثام، لما لا تفتي في إلزامهم بدفع زكاتهم، فغالبيتهم باتوا للزكاة مانعين، أفتي بضرورة مساعدة فقراء العالم الإسلامي والذي باتت كل دولة إسلامية تعج بالملايين منهم، أين فتاويكم في ذلك، أم أن قتل ميكي ماوس هو أهم من أطفال المسلمين في آسيا وأفريقيا وأوربا وغيرها؟
أيها الشيخ الجليل، لماذا لا تفتي بإلزام حكام المسلمين بالعدالة في حكم شعوبهم؟ ولما لا تفتي بتحريم سجن وقتل واضطهاد معارضيهم في الحق والحرية والمساواة؟ لما لا تفتي بإلزام الحكام الحكم بالديمقراطية التي تمنح لكل ذي حق حقه، وتدعوهم لاحترام حقوق الإنسان وفق شرع الله ؟ أم أن قتل ميكي ماوس هو أهم من ذلك؟
أيها الشيخ العالم، نداءي لك كمسلم هناك الآلاف من القضايا التي تهم الإسلام والمسلمين، هي أكثر أهمية من قتل فأر كميكي ماوس أو جيري وغيرهم من أفلام الكارتون، الشعوب الإسلامية أحوج لفتاويكم لأن تعيش كباقي شعوب الأرض، فقضايانا أكثر بكثير من مسلسل كارتون يمثل فأراً أو هراً أو حتى نملة، وانظر إلى السعودية العراق ولبنان وفلسطين ومصر والسودان واليمين والصومال وبنغلاديش واندونيسيا وغيرها من بلاد المسلمين، أطفالهم يحتاجون إلى فتاوى أهم من تلك التي أصدرتها بقتل أفضل ممثل كارتوني لهم، إنني أفضل أن يشاهد أطفالي توم وجيري وميكي ماوس وغيرهم من أفلام الكارتون، ولن أسمح لهم بأن يشاهدوا طفلاً يحمل سلاحاً زرع فيه ثقافة القتل، أو شاباً يلف من حوله حزاماً ناسفاً سيفجر نفسه في سوق للطيور أو الخضار، أو أناس يستغلون امرأة معتوهة لكي يفجروها في طابور من البشر، ويشتروا بذلك بيتاً لهم في الجنة، يجب أن تساهم فتاويكم في تقليص نظرة الآخرين للإسلام للمسلمين على أنهم إرهابيون، يقتلون الأطفال والنساء، وليس في قتل أفلام كارتون يتفرج عليها كل أطفال المسلمين وغيرهم.
الشيخ الجليل علم أطفال المسلمين المحبة والود والاحترام والسلام وقبول الناس كما هم ولا تحرضهم على قتل الفأر أو القط أو النملة، دعهم يكبرون وحينئذ فليقرروا هم ماذا يردون، يقتلون ميكي ماوس وجيري أو لا، فليكن القرار قرارهم، إنهم قادرون على تحمل مسؤولية الحفاظ على دينهم ودنياهم، وحسبنا وحسبك الله ونعم الوكيل.
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمهورية الحجب... تقرير عن حجب المواقع الإلكترونية في سوريا
-
ما تزال النار متقدة في كل المشاعل
-
أحزمة ناسفة
-
آلام وأحلام وكأس شاي عراقي
-
ككردي... أخجل من سجالكم
-
نوروز رسالة الألم الكردي
-
آذار خان... سيد الشهور
-
المرأة السورية بين ثنائية السياسة وحقوق الإنسان
-
غني يا فيروز...
-
إعلان دمشق.. اغتيال ربيع آخر
-
رصيف أمن الدولة
-
القمع الأمني للظواهر الكردية
-
جرائم الشرف... وأد الأنثى من جديد
-
خمسة عقود ونصف ومازالت المأساة مستمرة
-
أصدقاء الأمس أعداء اليوم ... سوريا وتركيا وحزب العمال الكردس
...
-
تركية وتحديات المرحلة الجديدة
-
مقابلة مع السيد حسن سوادي عبد العزيز القائم بأعمال السفارة ا
...
-
هنيئاً لك طاووس ملك
-
هل تفعلها السياسة كما فعلتها الرياضة؟؟؟!
-
اللاجئون العراقيون في سوريا مأساة يومية متجددة
المزيد.....
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|