مثنى الشلال
الحوار المتمدن-العدد: 2411 - 2008 / 9 / 21 - 08:26
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قبل قرن ونصف تقريباً ,بانت للعيان الحقائق امام البشرية جمعاء , عن ماتمتلكه هذه البقعة المسماة "بأرض الرافدين " من كنوز وأدلة ومعلومات مهمه كانت الاساس الاول في حضارة البشرية باجمعها , حيث كانت هذه البقعة ولها الفخر بأن تكون المحطة الاولى للأنسان الذي بدأ منها ترحاله الطويل , وصّدر للعالم اساسيات كل مايمتلكه الآن ....
وعن هذا الموضوع كشفت الحفريات من بعض ماكشفته عن ديانة الخصب في بلاد مابين النهرين القديمة ... والتي تسمى بالزواج المقدس والتي تعتبر في مضمونها الملحمي احد صلواة السومريين ..
وعن بطليها " دموزي " ـ الملك او الراعي (الذي عرف في العهد القديم باسم تموز ) والنموذج له هو الاله الميت , وبين زوجته المحبة "ايناّنا " (والتي عرفت باسم عشتار ) وخاصة عند القوم الساميين ...
حيث كان لهذا الزواج المقدس حفلاً يقام ابتهاجاً بهم تصحبه الاناشيد الغزلية التي تبعث الفرح والنشوة في نفوس الحاضريين , (شبيه بالأناشيد التي تضمنها سفر نشيد الأ ناشيد المنسوب الى سليمان في الكتاب المقدس , ونحن نعرف ان حضارة السومريين قد سبقت الكتاب المقدس بعشرات القرون او الاصح الآف السنين ...
لكن بالرغم من كله مايمتلكه هذا الزواج من حب وفرح ونشوة العاطفة , انتهى " دموزي " الى نهاية مؤلمة ... لقد كانت مأساة ساخرة , ويتمثل هذا الزواج بنزول أيناّنا " عشتار " الى العالم السفلي التي تتداخل مع الآم دموزي " تموز " ثم موته وانبعاثه من جديد .....وقد يسبق هذا الزواج او الصلاة مغازلة وتودد .. ويعتبر هذا الزواج محلمة شعرية قائمه بحد ذاتها تضاف الى ملحمة كلكامش الخالدة والتي سبقها بالفي سنة تقريباً ... ويتكون من ستة قصائد مكتوبة على ارقم طينية حيث تعرض لنا خمسة رويات مختلفة للقصة ....
وقد اوجزت بداية الملحمة ومؤخرتها وهي بلسان الاله عشتار .. وهي تغازل حبيبها تموز :
ألقيت عيني على جميع الناس ....
دعوت دموزي لكي يتقلد ألوهية البلاد ..
دموزي .. المحبوب من انليل ,
الغالي ابداً من امي ,
المحمود ابداً من ابي ...
هذه المقتطفات توحي لنا بأن دموزي " تموز " كان في عين عشتار محل ثقة واختيارها الوحيد لكي يكون زوجاً لها بعد ان احببته حباً عظيماً .
وتتوالى القصائد المغناة الى اخر المحلمة :
الملك يذهب رافع الرأس الى حضن أيناّنا المقدس ,
يذهب رافع الرأس الى حضن أيناّنا المقدس ,
الملك الآتي ورأسه مرفوع ...
آت الى مليكتي وراسه مرفوع ...
يضم بغّي الاله آن المقدس .
هذا اخر شئ قالته عشتار من هذا الزواج .... حيث كان السومريون يؤدونه وكأنه صلاة مباركة تدل على الخير والعطاء وتتبارك به لانه بين ألآهين عزيزين لديهم ... وكذالك يعتبر مناسبة مفرحة وذات طرب يحتفل به مصحوباً بالموسيقى , وأغاني باعثة الى امتاع الروح ...
وقد اصبح عدد غير قليل من هذه الاناشيد معروفاً بالاوساط العلمية والبحث العلمي , وبعضها لم يقرأ الا مؤخراً ..
ولاجدال ان ماتخبئه مكنونات هذه الارض اكبر بكثير مما لاح للناظريين ...
ان اكثير ماحير علماء الكتاب المقدس الحديثين وعلماء الآثار والمهتمين بالتاريخ وخاصة القديم , اشتمال الكتاب المقدس (العهد القديم ) سفر يدعى " نشيد الأناشيد " المنسوب الى النبي سليمان ... الحقيقة ان هذا السفر لاعلاقة له بتاريخ اليهود ولايتضمن نبؤات ولاعظات دينية ... ليس غير مجموعة من الاشعار او الاناشيد قد جمعت في تنسيق غير دقيق تعود للحب الحسّي خالية من كل مضمون تعليمي او لاهوتي او ديني .... حتى بعض اجزاءه ترى فيها توارد عبارات تعود للعشق والهوى والشهوة والرغبة , تجعل كل المختصيين في الكتاب المقدس وان كان حيادياً لاتقنعه بان كل مامدون هو من الرب .
فهذا يدلنا على دليل انه تم ادراج هذا القسم او اقسام كثيرة من الكتاب المقدس لاغراض دنيوية بحته لاعلاقة لها بالانبياء ولاحتى النبي سليمان المنسوب له هذا السفر ... حيث وضعت جنباً الى جنب مع التاريخ المدون من قبل اليهود مع اسفار موسى والمزامير حسب قولهم ... التي يدعي اليهود ان كل شي مدون من قبل الرب .. وقد تم سرق اغلب المدونات من حضارة وادي الرافدين وتم تغيير بعض الاسماء والاماكن لتكون متماشية مع وضع اليهود .
وكما اشرت اعلاه ان الزواج المقدس عند السومريين هو عبارة عن ملحمة شعرية تضاف الى ملحمة كلكامش لذالك كان يتخللها بعض الميول الجنسية والسمات الدنيوية , التي تجعل منه شعرا موضوع من قبل البشر خالداً لاعلاقة له بالرب ...
لذلك عند وضعه في الكتاب المقدس وادراجه به جعل الكهنة اليهود امام موقف صعب يتنافى وميولهم ومواقفهم المتزمتة .. لذلك قاموا بتاويله على ان كاتب هذا السفر هو سليمان وهو العاشق والمرأة هي عشيقته .. ولم يكن احبار اليهود هم الوحيديين في تاويلهم هذا ... بل ذهب آباء الكنيسة الاوائل كذلك الى التاويل بان العاشق هو المسيح وعشيقته هي الكنيسة .. ليتفادوا بعض كلمات هذا السفر وليتفادوا هذا الموقف الصعب حتى نسبوا بأن الاصحاب هم الملائكة من السماء والمؤمنين من الارض ... اما عن قبلة الفم الموجوده في نشيد الاناشيد فقد تم انتسابها على انها رمز توق او اشتياق الكنيسة الى لمس شفتي المسيح .
في الحقيقة السفر او نشيد الاناشيد برمته قد كتب على شكل خطب وحوارات ونجاوى , وليس فيه مايدلنا على بدايته او نهايته ولا يتضح فيه من هم المتكلمون او المخاطبون ... فقط هناك فتاة مجهولة الاسم التي تيمّها العشق وهناك العاشق او الملك بالاضافة الى قد تم ادراج كنيات من قبل اليهود مثل " بنات اورشليم " و "وبنات صهيون " و "والحراس الذين يطوفون بالمدينة " ... كل ذلك اصطنعه المؤلف ليكون فناً ادبياً وباسماء معروفه لديهم تتيح للاستطراد الخطابي وتكملة محاورات الشخصيتان الرئيسيتان ...
ففي القرن التاسع عشر ذهبوا علماء الى الدعوى بان نشيد الاناشيد هو عبارة عن اغاني زفاف دنيوي كان ينشدها عروسان خلال الاحتفال بزواجهما .... وهذا طبعا قبل فك رموز الكتابة المسمارية .
ثمة ملاحضة مهمه هنا .. فاذا لم يكن " نشيد الاناشيد " غير اغاني حب وجنس وهوى وبدون قاعدة دينية قدسية , فلماذا اتفق الاحبار المتزمتين انذاك ان يجعلوه ضمن الاسفار المقدسة !! (على قولهم انها مقدسة ) ؟؟
ولماذا يصور العاشق تارة انه ملك وله فتنة وقوي البنية .. وتارةً اخرى انه الراعي الوضيع يسير خلف قطعانه بصحبة الرعاة الاخريين ؟ (ايكون سليمان راعي وضيع ؟؟ ) ... هذه الاسئلة تقودنا ان ادراج مواضيع هذا الكتاب ليس لها علاقة بالرب هذا اولاً وثانيا ان من وضع هذه المواضيع هو انسان جاهل بما يضعه من دون ادراك مجرد نسخ من مكان لمكان .
المهم , قام احد علماء الاثار والذي استطاع فك الرموز المسمارية واصبح من المتضلعين بها وهو العالم " تيوفيل ميك " , بوضع نظريته عن اصل نشيد الاناشيد والمدعومة بالادلة ... فقال :
"نشيد الاناشيد " هو صيغة معدلة او منسوخة تم وضع اسماء اجنبية عليها لتتلائم مع ناسخيها وتاريخهم واساسها هو " الزواج المقدس " الموجود عند السومريين والذي كان هذا الزواج بين اله الشمس تموز وبين الالهة الام التي ازدهرت عبادتها في بلاد مابين النهرين منذ اقدم العصور (اي بين تموز وعشتار المشار اليهم ) .
واثبت صحة قوله عالم السومريات الامريكي كريمر فقد وجد هو ايضاً انه قد تم نقل او نسخ الزواج المقدس ووضعه بالكتاب المقدس حرفياً مع اضافة بعض الاسماء الجديدة وتم حذف الاسماء القديمه له .
اذن لابد للعقل البشري ولابد لجميع البشر ان لايسيروا وراء معتقدات او افكار وهم لايعرفون اي شئ عنها , ان العقل هو اداة الفهم والتبصّر لكل انسان وهومن يضع الاسئلة ولابد لكل سؤال هناك جواب شافي يريحه عن ماهو عليه , فلنجعل افكارنا وعقولنا تخوض في ميادين كثيرة وتثبت ما توصّل اليه العلم الحديث ونطبق هذه التطورات على النظريات البالية القديمة ولنرى النتيجة ..
هذا هو الانسان في ديمومة وتطور في كل عصر وزمان , نطيح بنظريات سبقتنا ونضع نظريات للبشرية وحتما الاجيال التي تاتي بعدنا سوف تكتشف اكثر منّا وتطيح بنظرياتنا , وهكذا الى ان نصل الى الانسان الكامل الذي كان ينشده الفيلسوف نيتشيه .
#مثنى_الشلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟