أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ضياء ليلوة - دماء الحروب العراقية! و دماء الحروب الفنلندية!















المزيد.....

دماء الحروب العراقية! و دماء الحروب الفنلندية!


ضياء ليلوة

الحوار المتمدن-العدد: 2409 - 2008 / 9 / 19 - 03:13
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


يقال انه لا توجد ثوابت في الحياة، وان المتغيرات هي الثوابت الوحيدة . وهي التي تؤطر اوجه الحياة في شتى نشاطاتها. و هذا صحيح ، فكل شئ محكوم بصيرورة الزمن. لذا لا توجد مجتمعات بطبيعة ثابتة. فلولا حركة الزمن اللعينة لكان لنا حضوة اختيار حقبة معينة نعتبرها نموذجية تغنينا من جهد البحث عن الافضل. لنبقى فيها نراوح كما يحلو لنا، طالما تتعاطى مع رؤآنا البسيطة و تستجيب لتطلعاتنا الآنية. ولفضلناها ايما تفضيل عن حقبات تلتها شهدنا فيها الويل!

و لاكتفينا بما ننتج!، قلوبنا ثلجة ساكنة هادئة، تغنينا من حالات القلق العضال من جراء حقبات شهدنا فيها صعاليك الاضطرابات السياسية و الاجتماعية و الثقافية. حقبات صُدرت فيها الحريات، و زهقت فيها ملايين الارواح، وكُثرت فيها التئآويل عن شرعية الاستعباد و قدسيته. ناهيك عن حالات الدمار في شتى الميادين. و اهمها علاقة الانسان بالانسان و علاقة الانسان بالطبيعة و ما اصابهما من حالات التشويه المادي و المعنوي.

حقبات متتالية شهدتها مجتمعاتنا الشرقاوسطية، و لم تتعض!. حقبات متشابهة من حيث تداعياتها ونتاجها المدمر للانسان و بيئته ومقدرات اجياله. وما انجز عن ذلك من تردي الأوضاع السياسية، وتقهقر الحياة الاجتماعية. اسوء تلك الحقبات هي الحقبات التي تشابهت في فصولها من حيث المضمون و ما اسفر عنها من دم كقربان مقدس، بغية تكرار وجه الجلاد وضروراته. وهي لعمري اسوء ما انتجنا!
لكن الزمن لم يتوقف، و لم تتراجع عجلته الا عند عقلية مجتمعاتنا! وبالاخص عند احزابنا السياسية ومنظريها الحكماء! التي تعاني من ازدواجية تتمثل في الجمع بين كونها احزاب استبدادية، دينية كانت او علمانية، وبين ان تكون ديمقراطية في نفس الوقت!

فلولا حركة الزمن لـبقينا في احسن حقبة تبقى تكتب عنها الكتبُ لمن شاء ان يهتدي ان كان على ظلالة. و لسطرت فيها بنان المؤرخين عن مآثرنا الحميدة. و لم يكن هنالك ضرورة للتأمل عن اسباب كل هذه الدمار ودراسة مسبباته الكارثية التي انعكست في رداءة وجودنا الانساني و تعبيرنا الفني عن مفهوم المجتمع الفاضل و الدولة الصالحة. ولم يكن للسجع المميت ، مواويل!.

فبالرغم من كل هذه الاوجاع التي يعاني منها الجسد الشرق اوساطي، تبقى هنالك فسحة للامل، فسحة للتغير، فرصة لأستئصال كل الامراض الخبيثة. فمع حركة الزمن التصقت قوة لا تضاهيها قوة ، اسمها (الارادة)، والتي تمتد طويلا مع طبيعة تطور الوعي تاريخيا لدى الانسان. وتعتبر الارادة واحدة من اهم مقوماته الاساسية في البحث عن النظام الامثل للحياة.

فأذا جهدنا الجهد في البحث عن ابجديات النموذج الافضل، كنتاج لطبيعة تطور الوعي الانساني، سنجد ان للارادة دورا مهما فيه. مثالا على ذلك، فكرة المجتمع النموذجي، او الدولة الصالحة، ان وجدت!.
جميع المجتمعات و حتى البدائية منها ، كانت تعتقد انها الافضل. وحياتها هي الامثل. لولا حركة الزمن التي كشفت بالتالي عن عورة هذا الاعتقاد وعدم صحته. فمثلا فنلندا ، البلد الذي اعيش فيه و الذي يعد من الدول المتقدمة تقنيا و خدميا وثقافيا، حيث انتشرت ثمار فكرة (الافضل)، كوحدة حضارية و معيار انعكست آثارها على الصعيد الفكري و الديني و الاخلاقي. يظن البعض منهم انهم الافضل ما بين الشعوب في هذه المجالات. فحين يظن البعض انهم الافضل فيما انجزت في حقول البعد الحضاري.
لكني ما زلت اشاهد حالات فردية من حالات التمييز. و هذه الحالات اصبحت شائعة في امكان معينة او في مدن معينة تتفاوت درجاتها و شدة حدتها كلما اتجهنا نحو المدن الكبيرة. وتمتاز هذه الحالات بتحديد العنصر الجغرافي للشخص ولا فرق في اداوات تقييمها، ان كان اجنبيا او فنلنديا. و لكنها اكثر مزاجية و انتقائية دقيقة وحذرة في حالات التقرب للاجنبي. فبعضهم ينبطح تلقائيا امام الامريكي او البريطاني ، وهناك من يفضل الفرنسي على الاسباني، و هناك من يعلن عداءه ضد ذوي البشرة السمراء لاعتقاده ان كل اسمر هو عربي او مسلم. و هناك من يتودد للاسمر لاعتقاده انه ايطالي، و هناك من يركل الاسود الافريقي ولا يطيق رؤيته وهناك من يفضله على جميع الاجناس!
لازلت الاحظ حالات من التميز العنصري، حتى في اعلى هرم للدولة نزولا الى مؤسساته. وهذه بالطبع حالات فردية لا تستدعي التعمييم.
بالاضافة ايضا ما زلت كما معظم الفنلنديين، استعمل حاسوبا تم انشاء مكوناته او طورت برامجه في المانيا وتم تصنيعه بأيادي هندية او صينية، و تم تغذيته معلوماتيا في اليابان او بريطانيا. ولم تنجح جميع المحاولات في انشاء كمبيوتر خاص بهم، عدا ما تم تطويره من برامج تستعمل في اجهزة الهاتف النقال ( نوكيا). وما زال الفنلندي يفضل امتلاك سيارة المانية او يابانية على حساب ماركة سويدية يعود فضل نجاحها الى الايادي الفنلندية وهي نوع (ساب) و التي تعتبر اقل الماركات رواجا عند الذائقة الفنلندية.
بالمقابل تعتبر فنلندا احدى الدول المهمة في الورق و الاخشاب و النظم المعلوماتية و شبكات الاتصال. والاهم من كل هذه المجالات ، تعتبر فنلندا من الدول الشريكة و الفعالة في حماية البيئة، في تقديم المجتمع الانساني بالاضافة من كونها عامل مهم في تطويرالعلاقات الدولية و داعمة لسبل السلام كوسيط بين الشعوب.

و لكن ، هل هي الافضل بين المجتمعات ؟ لا اعتقد. و السبب يعود ان فكرة (نحن الافضل)، تتعارض تماما مع طبيعة تطور الوعي تاريخيا لدى الإنسان و ارادته الخلاقة في تقديم ما هو افضل. فنلندا سعت ومازالت تواقة لاستبواء اعلى المرتبات في سلسلة المجتمعات المتقدمة. فبالرغم من ذلك مازالت فنلندا تعاني من مرض البطالة الذي ينتشر في قطاعات مختلفة. ومازل الفنلندي يعاني من ضعف قدرته الشرائية. و كذلك تعتبر فنلندا اغلى من اليابان.

التجربة الفنلندية من حيث معاييرالتقييم الاخلاقي لمراحل تطورالمجتمع، لا تخلو من شائبة. فتاريخها حافل ايضا بالمذابح التي نتجت ابان الحروب الاهلية. فلقد شهدت فنلندا اسوء حالات الدمار البشري و البيئي لا تختلف من حيث المضمون عن ما يدور الان في العراق. ولكن لم يستسلم الفنلندي ولم يتراجع عن فكرة (الافضل).

ان انتصار ارادة المجتمع الفنلندي للبحث عن الافضل او الامثل وانهاء حقبات تعتبر وصمة عار في صفحات تاريخه كانت خطوات مهمة و اساسية لتحويل فنلندا من ارض لا تصلح الا للصراعات الاقليمة و الحروب الاهلية، و بفترة قصيرة في عمر الشعوب الى احدى بلدان الفردوس. كما يعتقد البعض! و جعلها قبلة اللاجئين و لكل من استعصت عليه الحياة و يحلم بملاذ آمن بعدما خذلته بلاده و كانت سببا لهزيمته مكسورا. هذه التجربة تستدعينا حقا للوقف عندها و التأمل في حيثياتها.
فنلندا حالها حال جميع الدول الاسكندنافية على وجه الخصوص و الاوربية عموما، نهضت من جديد بعد حقبات امتازت بالانكسارات المادية و المعنوية ، مشابهة تماما ولربما اكثر وطئة مما تشهده الحالة العراقية. فمعظم الحقبات التي يتذكرها المواطن الفنلندي او دونتها اقلام المؤرخين تؤكد ان ما خلفته تلك الحقبات من ازمات اجتماعية و سياسية و ثقافية كان سببها حروب ايدولوجية دينية و سياسية.
رغم كل تجليات الازمة نهضت فنلندا بدافع الارداة نحو الافضل. و لا اعتقد سبب نموها يعود بسبب عامل الهوية المجتمعية. فـفنلندا ايضا تزخر بتعدد القوميات و المذاهب الدينية و الاحزاب المختلفة بأختلاف انتماءآتها الايدولوجية. بل توجد حتى الان قوميات لا تتحدث اللغة الفنلندية و التي تنحدر من اصول اما سويدية او روسية بالاضافة عن وجود مكوينات ثقافية مهمة "الساميين"، و تعتبر هي النوات الاولى للمجتمع الفنلندي. وجدير بالذكر، ان أول من أشار إلى وجود شعب بفنلندا هو المؤرخ الروماني تاسيتوس في كتابه جرمانيا، وقصد سكان اللابلاند الحاليين "الساميين"، وهم سكان فنلندا الاصليين.
فنلندا لم تنهض لتعد احدى دول الفردوس بسبب هذه الاختلافات، ولا بسبب تفضيل طائفة على اخرى او تقديم قومية على اخرى. بل لوجود مشروع انساني عادل يعني الجميع. فهي قدمت لنفسها خيارات متعددة، ولكن بعد ذلك، اختارت ما هو افضل. فنلندا وكما في جميع الدول، مرت بنكبات و مراحل مظلمة، لكنها حفظت الدرس عن ظهر قلب، و علمت اجيالها قيمة هذا الدرس الذي كلفها ارواح مئات الالاف من المتحاربيين داخل المجتمع الفنلندي، ناهيك عن تكلفة هذه الحروب، المادية منها والمعنوية والتي تعد بقيمة مئات المليارات من الدولارات. ولكن حتى الان يشير للازمات عن كونها دافع حقيقي وراء التغيير، وراء مكامن الافضل!
فنلندا لم تنفرد عن باقي الدول من حيث تجربتها المريرة، و لا تتميز مقدار ذرة عن تجارب المجتمع الدولي حيث يعتبر العراق احد اعضاء اسرته. فهي حالها حال جميع الحضارات قدمت الكثير من الانجازات كما قدمنا نحن ايضا سابقا. لم تهبط من السماء! و لكن تجربتها و النتائج التي تمخضت عنها، تعلو بها الى السماء!
لربما احد القراء سيقول وكما كان يردد والدي ، انني اتندر او بطران كما تستخدم هذه المفردة في اللهجة العراقية. او لربما سيقول احدكم نحن اين من التجربة الفنلندية ! ليس لكوننا اعتدنا في مضموننا الشرقي من انتاج ما هو سلبي. او لربما يعتقد البعض اننا مجتمعات قاصرة اعتادت على رعاية الرجل الابيض العم سام و اخيه ابو ناجي!
او لربما سيذهب احدهم في القول و الاسهاب من ان ليس بمقدورنا ان ننفض غبار التخلف و التراجع المستمر، بسبب كوننا ننحدر من قمم التخلف والرجعية و التي تتحكم فينا ظروف الهوية وعوامل تكوينها. وان احدى اسباب التمرغل المستديم لا يعود بسبب مواجهتنا للرياح العاتية المغبرة والتي جعلتنا نبدو كالمومياء بل يعود سببها الى ظروف هويتنا الشرقية والتي تحددت ضمن عوامل دينية وقبلية وقومية. و لكن في حقيقة الامر، لا توجد تجربة انسانية اجتازت الاختبار التاريخي. و لا توجد شعوب لم تتراجع امام تقدم الاخرى او بقت تراوح حتى اصابها الكساح. الحقيقة اننا مجتمعات لا تتعض رغم كل هذه التجارب المريرة و قسوتها. فبدل ان نتقدم رحنا نتراجع الى عهد العصور البدائية. تستهوينا جدا تلك الفترات ولا ادري لماذا! ليت احدكم يذكر لي سبب واحد مقنع عن سبب هذا الاستهواء!
فبدلا ان نبني و نـنتهج فكرا انسانيا ذو قيمة عصرية و مدنية، يتسم بالعدالة و التقدم، يمكن من خلاله استباط انسان يبني مجتمعا انسانيا حيا، رحنا نبش قبور العصور الغابرة بحثا عن النموذج الافضل للانسان العراقي. و لم نجني من الماضي سوى ديدانه المقرفة.
المجتمعات الاخرى اجتازت محنة الاختبار، بفعل الارادة و نجحت. و احدى مقومات النجاح انها اتعضت من مرارة الماضي وعقدته و تحررت منه. و اعتبرت كل مواطن قوة انتاجية على الصعيد المعرفي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي. فحين بقت مجتمعاتنا تنتج من نفس الخطاب القبلي و الديني و القومي ابجديات جديدة و نواميس جديدة و رقصات جديدة لا تختلف عن ابجديات الخطاب القديم الذي كان سبب لكل هذه الويلات و الانكسارات.
فاذا نعتبر دولة القانون ، و مقومات الحراك الاجتماعي – الثقافي، و طبيعة استقرار المناخ السياسي عند المجتمعات المتحضرة كــثالوث مقدس يؤطر اوجه الحياة للمجتمع النموذجي ، فننا نجد ان ثالوثنا المكبل بمسلمات المقدس بات يؤطر اوجه الحياة لمجتمعاتنا المغلوب على امرها من خلال هيمنة الماضي على الحاضر. فنجد دولة الاشخاص القبلية و الدينية و القومية وميلشياتها، تتكرر، بديلا عن دولة المؤسسات. و كأننا نعيش في عصر الاحراش. و نجد ان الروح القطيعية كعامل سايكولوجي مهم هي القيمة والقوة والاداة في التأثير على حراك المجتمع، كبديل عن النظم المؤسساتية للمجتمع المدني. و بالتالي نجد ان مناخنا السياسي يتأثرسلبا بفعل التدخلات الاقليمة التي سيطرت بمخالبها على تشكيل احزاب سياسية مرتبطة بها عضويا بفعل العامل العقائدي المشترك. لذا اصبحت الاحزاب عبارة عن ظل للخطاب الاقليمي واداة لتفعيل ارادته على حساب الوحدة الوطنية و اولوياتها.
ولهذا اتفهم طبيعة غضب احد العراقيين كردة فعل طبيعية على اصرار احد الموظفين في احدى المؤسسات الفنلندية من احترام العامل البيورقراطي، رغم كره الفنلندي لها. واتفهم ايضا ردة الفعل العراقي والتي جاءت عنيفة بسبب عجره على تفهم ابجديات التغيير التحولية كأنجاز شهدها المجتمع الفنلندي، و بفترة وجيزة تستحق فعلا الاشادة بها والاتعاض من كل دروسها. اتفهم جدا وعد العراقي من انه في حالة عودته الى العراق، لو كتبت له العودة، سيبصق على كل اجنبي يسير في شوارع بغداد الحبيبة. لكنه حالما كتبت له العودة راح يحصد ارواح اهالي بغداد و يدمر بيئتها الجميلة بسبب انتماءه الاهوج لميلشيات ترعاها ايران.
ان فكرة الانسان اكبر قيمة ومعيار من حيث التقييم من فكرة الوطن. و فكرة المواطنة اكبر قيمة من فكرة انا شيعي وانا سني، واكبر من قيمة انا عربي و اخر كردي او كلداني او آشوري او مندائي او شبكي او ايزيدي.
المواطنة ليست خاصية للانسان. فالخاصية الحقيقة للانسان تعني الحرية والاستقلالية والانجاز المعرفي والخلقي. فمفهوم كالوطنية والدين والقومية ليست من خاصية الانسان ابدا، بل هي مجرد مقولات من مفاهيم ذات تاثير سيكلوجي لا اكثر. مفاهيم تستخدم للتفاضل بين القوة السياسية المتساوية في التخلف والجريمة بعدما فشلت في تحقيق العدالة.
المواطنة لا تتحق في ظل دولة استبدادية منحازة لطائفة على حساب الاخرى، او لقومية على حساب الاخرى، او لدين او مذهب على حساب الاخر. مفهوم المواطنة لا يتحقق في ظل دولة الشخوص و الافراد. بل تتحقق المواطنة في ظل دولة القانون. فلو تعمق هذا الفهم عند عقلية المواطن و هو يلمس عبأ الحياة و تدهور معيشته بسبب انتمائه الديني او القومي. وبسبب رداءة الاداء الحكومي الذي يتعاطى ايجابيا فقط مع من يتبع نسقها الثقافي المطروح، لتحول مفهوم المواطنة الى مفهوم عنصري. لذا نجد تخبط المواطن العراقي كوحدة غير مستقلة، تابعة، بسبب تخبط حكماء العصر في رسم شعارات احزابها وتحديد مهامها، و التي لا تقل دناءة وخسة عن فكرة التظليل و الكذب وللمنافسة على اصوات الناخبين لا اكثر. فبمجرد ان يتطور الجانب السياسي يتطور هذا المفهوم ايضا ويصبح مفهوما للشراكة والانفتاح على الاخر من دون تعسف او مزايدة.

وانا على يقيين كامل من ان مصير كلمة سني او شيعي، كردي او عربي ، آشوري او كلداني، ايزيدي او مندائي، سيكون مصيرها بائس حتما بفعل التجارب و بفعل صيروة الزمن المتحرك وفعل عامل الارادة نحو الافضل. وان اكثرهن جريمة الان ستصبح اكثرهن شتيمة في المستقبل، كما هو مصير كلمة بعثي.

لذا لا يمكن الوثوق بأي من هذه الاحزاب. لانها تعتبر كل ما قدمته هو هامشي. وان جميع الخطابات المأثورة عن حرمة الدين والقومية والقبلية او بما تسمى خصوصيات المجتمع العراقي لم تبني مجتمعا نموذجيا بل قتلت في الانسان العراقي كل قيم الجمال وسبل النهوض و كرست فيه حالة العجز وتكرار الفشل.

فاذا تأملنا قليلا ادبيات الاحزاب السياسية و التي تعتبر مكونات السلطة السياسية، وحاولنا كشف تناقضاتها وفضائها، سنجد ان الخلل يكمن في الجذر الثقافي و امتداده التاريخي والجغرافي. وحينها سنتفهم سبب دفع الاحزاب بالانسان العراقي على ان يكون هامشي، قوة مسلوبة، مهانة منتهكة في كل المراحل بكل تغيراتها وان يكون جنازة على مر التاريخ. ليعتبر ثمنا او شهادة ولاء لحالة التبعية المتكرر.
لو تأملنا اكثر ، سنجد ان هذه النتائج مرتبطة عضويا مع طبيعة الجذر الثقافي والذي يعتبر المحرك الاساسي لادبيات الاحزاب السياسية كثقافة ايدولوجية وما يغذيها من روافد معرفية، هو نفس الجذرالثقافي الذي يتغذى عليه المجتمع.

نحن بحاجة الى خطاب مدني عقلاني معتدل وهادف لا يبتعد بنا الى ضفاف المستحيل. وهذا الخطاب لا يمكن استلهامه من نفس الجذر الثقافي الملتهب عدائية و جنون. نحن بحاجة الى تأمل الى تجارب الشعوب اذا استعصيت علينا تأمل تجاربنا. وهذا الشرط لا يمكن تحقيقه في ظل ضجيج مقرف اسمه الموت من اجل حرمة الدين و المذهب و القومية. ولكن بالمكان تحقيقه لو توفرت ضروريات العيش الكريم و تحقيق الامن للجميع تحت اطرالعلاقات الانسانية السامية والتي ترتكز على مبدأ الشاركة الفعلية بما ننتج و بما نحصد.

تجربة الشعوب في استعادة دورها التاريخي و استنباط مجتمع الافضل ليست عصية على شعوبنا، كما يعتقد البعض. فكما تحررت الشعوب من عقدة الماضي سنتحرر نحن ايضا بفعل العامل الزمني المتحرك واستحقاقات العصر لو اتعضنا مرة واحدة من الدروس الماضية اسوة بالشعوب.



#ضياء_ليلوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الالوسي و صرخة وافلسطيناه !!!!


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ضياء ليلوة - دماء الحروب العراقية! و دماء الحروب الفنلندية!