|
ديمقراطية المحاصصة التوافقية
عدنان شيرخان
الحوار المتمدن-العدد: 2409 - 2008 / 9 / 19 - 03:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في صيف العام الماضي عندما كانت امور العراق قاب قوسين او ادنى من الانحدار نحو أسوأ ما يمكن ان يتصوره عقل، حذر بعض كتاب الاعمدة العرب من محاولات)عرقنة) لبنان، وضرورة تجنيب البلد الجميل المصير الذي وجد العراق نفسه فيه، وبالمقابل كتب البعض عندنا مستعملا مصطلح ( لبننة) العراق، في اشارة واضحة الى الحرب الاهلية اللبنانية التي اندلعت في نيسان 1975 واستمرت نحو 15 عاما. نجا العراق وابتعد بفضل من الله عن الحرب الاهلية، وهو يحقق ولو ببطء نجاحات امنية مهمة ترافقها انجازات سياسية تساعد في التخفيف من حالات الاحتقان. يشترك العراق ولبنان ودول اخرى كبلجيكا والنمسا وهولندا وسويسرا وماليزيا والكونغو في تبنيها نظاما سياسيا يقوم على المحاصصة الطائفية او العرقية، يسمى (الديمقراطية التوافقية)، والتي يقال انه يتم اللجوء اليها بسبب التنوع الاثني وصعوبة الاستقرار السياسي وتوصل الفرقاء الى تبني الديمقراطية التمثيلية. كان ينظر الى لبنان كنموذج ديمقراطي يحترم الحريات مقارنة بانظمة بوليسية شمولية مجاورة، الى ان نشبت الحرب الاهلية ربيع العام 1975، وقتها ايقن الجميع كم كانت الامور تبدو على غير حقيقتها. الحياة السياسية في لبنان بنيت على المحاصصة الطائفية والتي حددها ما سمي (الميثاق الوطني) العام 1943، والذي وزع علانية وبشكل دائم السلطات على المكونات العرقية، واعطي منصب رئيس الجمهورية (الشاغر حاليا) للمسيحيين الموارنة، ورئاسة الوزراء للمسلمين السنة، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة، وامتد التوزيع الى المناصب والوظائف الحكومية المهمة بما فيها قائد الجيش.الامر سار مع لبنان على ما يرام لسنوات، ولكنه لم يستمر لان ميزان القوى السياسية والبشرية تغير على غير الوضع الذي اقر فيه (الميثاق الوطني)، وقد فشل جميع الفرقاء في تبني صيغة قابلة للتطور تستطيع استيعاب التغيرات التي طرأت على لبنان. ولابد هنا من الاشارة الى ان العديد من الاطراف اللبنانية تحدثت عن مظلومية ومغالطة تأريخيتين لحقت بالتحديد بالشيعة والدروز، وان الميثاق المذكور كان مؤامرة مسيحية سنية بمباركة وتخطيط فرنسي للسيطرة على لبنان، مقابل تحجيم متعمد لدور الشيعة والدروز. العراق حديث عهد بنظام المحاصصة التوافقية، عرفه على يد السفير (الحاكم المدني) بريمر، عندما أنشأ صيف العام 2003 (مجلس الحكم) على اساس المحاصصة الطائفية، واعطي الشيعة 13 مقعدا و5 للعرب السنة و5 للكرد ومقعد واحد للتركمان وآخر للكلدوآشوريين. وعوتب اعضاء مجلس الحكم بشدة بسبب قبولهم المشاركة في مجلس انشئ على اساس الطائفة والقومية والدين، وكان جواب بعضهم : " لايوجد بديل (؟!)، وأن الانتخابات ستلغي المحاصصة التوافقية، وسيأخذ كل حقه بما تفرز الانتخابات". على اية حال لم تستطع الانتخابات الغاء المحاصصة بل ربما تكون عمقتها، وبني النظام السياسي على ثلاث ركائز اساسية (شيعة وسنة وكرد)، ووزعت اولا السلطات الثلاث على هذه المكونات، ثم بقية المناصب والوزارت. ولم يكد يمر وقت طويل كما هو الحال مع لبنان، حتى تكشفت جميع عيوب نظام المحاصصة التوافقية، ونسفت المزاعم بأنه افضل نموذج لتحقيق فكرة ( الائتلاف الكبير (بين جميع مكونات الشعب، او انه الجمع بين الوحدة والتوازن من جهة مع الحفاظ على خصوصية الطائفة من جهة اخرى. وبات واضحا من مثالي لبنان والعراق ان تبني النظام السياسي لفكرة المحاصصة التوافقية فيه خراب وشلل للدولة ومؤسساتها، لان الآلية التي تتم على اساسها اتخاذ القرارات آلية عقيمة وسقيمة، وتحتاج ابسط القرارات الى توافق وارضاء خاصة للاطراف القادرة على التعطيل، وان هذا التوافق لا يأتي الا بعد وقت طويل من النقاشات، والامثلة عديدة، لعل آخرها مصادقة مجلس النواب العراقي الاسبوع الماضي وبعد تأخير ومخاض عسير للغاية على الموازنة العامة وقانوني انتخابات مجالس المحافظات والعفو العام كحزمة وصفقة واحدة ، للخروج من ازمة طويلة بشأن عدم توافق الاطراف الثلاثة الرئيسة في البرلمان على الموازنة والقانونين المذكورين. الشيء الذي يدعو الى التفاؤل ان نظام المحاصصة التوافقية في العراق لايزال فتيا ولم يتعمق، وان نسبة مهمة من السياسيين والنواب يحملون هذا النظام جميع اخفاقات العملية السياسية، وغالبا ما ينتقدون ومن على شاشات الفضائيات من جاء بهذا النظام الى العراق، مشيرين الى خطورته والى الحواجز الكبيرة التي يضعها امام تطور البلاد والعباد، وانهم يتمنون ان يكون شأنا عابرا في الحياة السياسية. ان محور التضاد في العملية السياسية باعتقاد الكثيرين هو سياسي في جوهره، وان حاول البعض ان يظهره على انه طائفي او عرقي، وهو يتلخص ويتركز بشأن الموقف من التغيير الذي حدث في نيسان العام 2003 وتبعات هذا التغيير المزلزل، وعليه فأن اي تطور او تحول في الرأي العام ومن خلال صناديق الانتخابات، سيغير سريعا المفاهيم المتداولة حاليا بشأن الطوائف والكتل السياسية وتركيبتها وهويتها، وسيحدد المواطن الناخب في النهاية ليس فقط من سيفوز، وانما شكل الحياة السياسية.
#عدنان_شيرخان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ورش المجتمع المدني
-
تحت التكوين
-
ثقافة الاستقالة
-
العدالة الانتقالية
-
ثقافة الاعتذار
-
اضطهاد وضحايا
-
المرأة والبرلمان
-
المصالحة في جنوب افريقيا : مهارات التفاوض وبناء الثقة أعادت
...
-
مواجهة الوحش
-
سرطان السلطة
-
مانديلا : 90 عاما
-
خيبة امل المنتظرين
المزيد.....
-
السعودية.. إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.2 مليون حبة كبتاغون
...
-
القبض على وشق بري يتجول بحرية في ضواحي شيكاغو
-
إصابة جنديين إسرائيليين في إطلاق نار قرب البحر الميت .. ماذا
...
-
شتاينماير يمنح بايدن أعلى وسام في البلاد خلال زيارته لبرلين
...
-
كومباني: بايرن يسير في الطريق الصحيح رغم سلسلة نتائج سلبية
-
سرت تستضيف اجتماعا أمنيا
-
انطلاق الاجتماع السنوي لمجلس أعمال بريكس
-
ميزة جديدة تظهر في -واتس آب-
-
يبدو أنهم غير مستعجلين.. وزير الدفاع البولندي ينتظر -أغرار-
...
-
قوات اليونيفيل: تم استهدافنا 5 مرات عمدا
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|