|
القاص المغربي مبارك حسني... في ضيافة المقهى؟؟!
فاطمة الزهراء المرابط
الحوار المتمدن-العدد: 2409 - 2008 / 9 / 19 - 10:16
المحور:
مقابلات و حوارات
القاص المغربي مبارك حسني... في ضيافة المقهى؟؟!
ـ الحلقة 23 ـ
التقطته من البيضاء هذه المرة، لم يكن عنده مانع في أن أقتطف من وقته الثمين لحظات لدردشة قصيرة، أحاول من خلالها تسليط الضوء على أغوار هذه الذات المبدعة التي تخفي الكثير من الانسانية وراء السطور و الأحداث القصصية...
بعيدا عن القلم والورقة من هو مبارك حسني؟
سؤال أنطولوجي يستدعي صراحة جوابا بلا ادعاء ولا حذلقة في الكلام، وأجزم بشكل مباشر أنني لا أدري حقيقة هل يوجد الإنسان الذي يحمل اسمي وصفتي خارج القلم والورقة، بمعنى وجودهما في حياتي وليس بالضبط كوني رجلا يكتب قصصا ومقالات وشعرا ويترجم، فلقد وطنت نفسي منذ زمان على رفقتهما، منذ بدأت أكتب على اللوحة بالصمغ في "الجامع" بحي إفريقيا، ومنذ وقوع حادثة لا تغادر ذاكرتي حينما وقعت عيناي على نصف قلم رصاص ذات صباح وأنا ألعب أمام المنزل وعمري خمس سنوات أو أقل، فحضنته فرحا بقوة كما لو كان كنزا سريا صغيرا، وفيما بعد منذ بدأت أقتني الجرائد وأنا في سنتي الإعدادية الأولى. كنت دوما أريد أن أكتب، في كل وقت وفي كل مكان، وحينما لا أكتب أفكر وأحلم بأن أكتب، وقد أكتب بقلم وورقة متخيلين يلوحان أمام ناظري، الكتابة حالة لازمة. لكن من جهة أخرى وغير ذلك، أنا مشاء كبير، ومسافر كبير، لا أظل في مكان واحد طويلا، طبيعة عملي بالتدريس اقتضت مني دائما أن أقطع الكيلومترات، عشق الكتابة والترحال خلقت من مبارك حسني إنسانا له مع العزلة علاقة حميمية، ومع منافحة الذات سؤالا أساسيا، كما مع تعرف الأمكنة والآخرين مجالا للحفر والتزود والمعرفة، إنسان لا يزال يجهل كلية هل أخذ السبيل الصائب أم لا؟
متى وكيف جئت إلى عالم الإبداع ؟
في سن المراهقة، حوالي الخامسة عشرة من العمر، كانت لي عادة تتمثل في اقتناء المذكرات الصغيرة، والمفكرات، les agendas et les carnets، من كتبي الأسواق الشعبية، في أرضية "القشة" ببن مسيك وفي براريك القريعة ودرب غلف قبل أن تهدم وتصير بالإسمنت. كانت هذه الكائنات الورقية تثيرني، وكنت أختار تلك التي تكون صغيرة الحجم وباللون الغامق، وفيها شرعت أكتب يومياتي كل يوم تقريبا، في نفس الفترة كنت أطالع كل ما تقع يداي عليه، خاصة كتب الجيب المصرية والبيروتية والفرنسية وبعض الكتب الثراثية التي لا تتجاوز أثمنتها الدراهم المعدودة. ما زلت أحتفظ بهذه المذكرات الساذجة إلى اليوم، من هنا أظن جاءت الرغبة، مابين ما كنت أقرأه وما كنت أدبجه تشبها بالكتاب وبالنصوص التي كانت تلقى هوى في نفسي، النصوص التي يكون فيها الكاتب هو البطل، والمرأة هي المبتغى والمراد، والعالم ميدان للنهل والمغامرة والاختراق بدفء الكتابة لا غير، على غرار ارنست همنغواي ليس المغامر الذي ليس لي منه أي شيء لا قامة ولا مغامرة وإبداعا، سوى ذلك الإيمان بالمكتوب الذي تعلمته منه وظللت في مكاني لا أبرحه، مجرد un petit écrivain de circonstance. وبدأت أقلد بالكتابة عن نفسي وهواجسي وأحلامي في أيامي تلك في منتصف السبعينات وما بعدها. كنت حالما بالكتابة ونشر الكتب، فصرت كاتبا، أو أدعي أني صرته. والملفت للانتباه أنني لم أتجه للشعر أولا، فقد مناي أن ألج عالم السرد، وأن أكتب القصة، فقد كنت أقرأ الكثير من الروايات وقتها. لم يكن استمالة قلب الحبيبة في نظري في حاجة إلى قصائد شعر نيرودية، كان بحاجة إلى قصص ستاندالية. كنت أظن ذلك بدون وعي مني، فقد كنت أعتقد أن الكاتب هو من يبني عالما مرادفا ومليئا بالشوق والأسرار ومتعة الكشف عن الحوادث الغير متوقعة إلا في المكتوب، كانت المرأة أقرب إلى "سارة" عباس محمود العقاد منه إلى الحبيبات الساكنات في المقدمات الطللية للقصائد العربية.
هل تساهم الملتقيات الأدبية في الرقي بالمبدع المغربي، أم أنها مجرد هوامش للتعارف؟ أن تساهم في الرقي، لا أعتقد، فتلك ليست مهمتها الأولى أو الرئيسية، أعتقد أن وظيفتها هي التعريف بالمبدعين وتقديمهم للقراء، والتعريف بمنتوجهم الإبداعي قبل كل شيء، وأيضا كي يتعرف المبدع على أقرانه ومن يشتركون معه في هواية وهم الإبداع، هل سيرقى الكاتب إن أكثر من الحضور للقاءات، لا أجزم بذاك، فالرقي، من وجهة نظري المتواضعة، يتأتي من الكتابة المستمرة والقراءة الدءوبة للأعمال العالمية الكبرى الكلاسيكية والجديدة، ومن البحث عن التجديد في الإبداع كل مرة، وحينها وبعدها تكون الملتقيات الأدبية للكشف والنقاش والتزود والتعارف، هي مرايا إبداعية تحفز، أحيانا، على أخذ طريق الرقي والتزام الجدية. هل هناك فرق بين المقاهي البيضاوية وباقي المقاهي المغربية الأخرى؟
المقاهي تتشابه عموما، فضاء كراسي وطاولات، داخل ظليلي بطابق أو بدونه وسطيحة خارجية، بعضها للاستراحة وبعضها للعب، وبعضها للمقامرة، وبعضها للفرجة، وبعضها للسمسرة، وأخرى للبصبصة والنميمة، والبعض منها للقراءة وللعشق، بعضها شعبي وبعضها راق جدا، وفيها كلها يتم شرب القهوة وغير القهوة من عصائر ومشروبات روحية، ويتم التدخين أيضا، السجائر وغير السجائر. كل هذه الأنواع موجودة في الدار البيضاء والمدن الأخرى،طبعا أستثني مقاهي المدن التاريخية العتيقة كمدينة فاس فهي لها عبق خاص ووجود مخالف، وأستثني مقاهي الأسواق البدوية. قد تتميز بعض مقاهي الدار البيضاء القديمة بطابعها الفرنسي الذي يمنحها خاصية التشبه بباريس زمن آخر، لكنها بدأت تندثر رويدا رويدا. على هامش هذا الحوار اكتشفت أن جل نصوصك الإبداعية هي ثمرة ساعات في أحضان المقهى، هل تعتبر المقهى فضاء ملائما للكتابة؟ نعم بالتأكيد، كتبت كثيرا بالمقهى، هي حاضنة عالمي السري، ومن ورطني في ذلك قراءاتي لجان بول سارتر، الذي كان الكثيرون يجاهدون للتشبه به في عصر ما، منذ الوهلة الأولي بحثت عن مقهى تشبه مقهى "فلور" و "سان جرمان دي بريه" بباريس حيث كان سارتر وسيمون ديبوفوار يجلسان تحف بهما جوقة الكتاب والشعراء والموسيقيين المعتنقين للوجودية، وعن مقهى " كلوزري دي ليلى" حيث بدأ ارنست همنغواي يكتب قصصه القصيرة الأولى، ودائما بباريس. وطبعا لم أجدها، تلك كانت رغبة إنسان حالم لن يلبث واقع الكتابة أن يسقطه أرضا بالضربة القاضية، الكتابة ليست كلها فردوسا. ونعم مرة أخرى، بالنسبة لي تشكل المقهى فضاء ملائما للكتابة، كتبت جل النصوص القصصية في المقاهي بالمدن التي عشت فيها، الدار البيضاء، فاس، بني ملال، أزيلال، أكادير، وحيثما مررت، لكن هذه الملاءمة تبقى أمرا شخصيا، وحسب ظروف كل كاتب وميولاته الخاصة به، أنا أجد نفسي غائبا عن المكان حالما تشدني كتابة نص ما، أو لنقل أن الحضور من حولي يساعدني على الانغلاق في عالمي الخاص، وبعد ذلك أرتاح حينما أجد أن العالم هو هو لم يتغير، المقهى تمنحك الصلة بالعالم القريب الذي قد ينسيك إياه وهم الإبداع cette belle illusion. أنا مدين للمقاهي كثيرا. في نظرك ما هي الأسباب التي ساهمت في تراجع دور المقهى في مجال الإبداع و الثقافة؟ هل كان للمقهى دور إبداعي؟ بعضها فقط، ولكونها ضمت في زمن ما ثلة من الكتاب والمبدعين اختاروها للجلوس والكلام وأحيانا لتقديم الإبداع، في الدار البيضاء كما في المدن الأخرى، ولم يعرف المقهى الأدبي بصيغته كمكان للاحتفاء بالإبداع إلا مؤخرا عندنا. والأمر طيب ومحمود ومجال للصفاء والسمو الثقافي، و لا أدري هل تراجع دوره أم لا؟ لكنني أعرف أن المقهى الأدبي بكل من أصيلة والدار البيضاء والمحمدية وأماكن أخرى، هي الأنشط حاليا، أحيانا أكثر من بعض المراكز والمركبات الثقافية المقفلة والصامتة، فيارب أكثر من المقاهي الثقافية فهي ملاذ آمن لكن يبدع. ماذا يمثل لك: القلم، الحلم، الوطن؟ القلم: رفيق الطريق، المعين والسلاح ليس للقتال والمجابهة، بل للوجود وتأكيد الوجود وإن كان وهما، فما يخطه هذا القلم يبقى ويمكث.... الحلم: سفر لا بد منه كلما رُمنا السير أماما. الوطن: المغرب. كيف تتصور مقهى ثقافي نموذجي؟ بكل بساطة وسذاجة أتصورها مكانا مليئا باللوحات الفنية الراقية، والقصائد المعلقة، وفترينات الكتب، وصور المبدعين الكبار، وأجمل النساء، وكل المشروبات، بحيث حالما تطأ رجلاك أرضيته، تتلقفك ريح ورائحة الثقافة ومسير عاشق للثقافة، عندها اللقاءات والنقاشات والإبداع ستصير تحصيل حاصل، ويصير عقد ملتقى أمرا طبيعيا ومكرسا.
#فاطمة_الزهراء_المرابط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعرة المصرية داليا التركي... في ضيافة المقهى؟؟
-
الكاريكاتير المغربي عبد الغني الدهدوه... في ضيافة المقهى؟؟
-
الملتقى الجهوي الأول في ضيافة زنقة الأقحوان…
-
القاصة المغربية فاطمة الزهراء الرغيوي تقدم جلبابها للجميع..
-
المرأة ... و واقع الطلاق بالمغرب!!
-
القاص المغربي إسماعيل البويحياوي... في ضيافة المقهى؟؟!
-
الشاعرة و الكاتبة العراقية فاطمة... في ضيافة المقهى؟؟!
-
نادي - رحاب - للتربية النسوية تحتفي بعيد الأم بمدرسة أولاد ع
...
-
القاص عبد السلام بلقايد في ضيافة صالون الطفل بمدرسة أولاد عن
...
-
الملتقى الوطني الخامس للقصة القصيرة بمشرع بلقصيري
-
الكاتب العراقي سعد البغدادي... في ضيافة المقهى؟؟!
-
القاص المغربي محمد الشايب... في ضيافة المقهى؟؟!
-
اليوم العالمي للمرأة بين أحضان مدرسة أولاد عنتر
-
أزهار إبراهيم قهوايجي تنشر أريجها بمدينة مكناس
-
المرأة الفلسطينية و التهميش السياسي
-
ملتقى أصيلة الأول للقصة القصيرة
-
العنف ضد المرأة في العالم العربي
-
في اللقاء التواصلي الثالث لجمعية - تواصل-
-
أصيلة… تحتفي بالقاص المغربي صخر المهيف
-
تطوان...بعيون تاريخية
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|