ناصر عجمايا
الحوار المتمدن-العدد: 2408 - 2008 / 9 / 18 - 09:37
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بمناسبة الذكرى 39 للمذبحة الاليمة التي حدثت لقرية صوريا المسالمة , التقينا مع احد الناجين من الموت المحقق , بعد فقدانه والده وهو ابن العاشرة من عمره , طفل صغير بلا معين ولا معيل , نشا يتيما بعد ان , عاش الويلات والخوف والرعب طيلة حياته , يعاني من الوضع النفسي المؤلم حقا , يتذكر تلك المآسي المؤلمة وذلك اليوم التعيس , كاث الثلاثاء صباحا , المصادف 16-أيلول -1969 .
التقيت مع السيد شمعون موسى مروكي , المقيم في أستراليا -ملبورن , كان لنا معه حوارا مؤلما , تقشعر له الابدان , وتدمع فيه العيون , وتشمئز له النفس , ويسري في الجسد الغثيان , وتظهر على الوجه الكئابة.. من جراء تلك الذكريات الاليمة , والفاجعة التي حلت لاهلها كلدان وأكراد متعايشين , متحابين , متعاونين , رغم أختلاف الدين , والقومية باحترام ومحاباة وتهاني متبادلة بين الجميع , متواجد.. وكانهم عائلة واحدة , متعايشين على السراء والذراء مسيحيين ومسلمين تجمعهم الصفات الانسانية الجيدة والعيش المشترك في القرية الواحدة , بشكل مناصفة عددا وعيشامشتركا وماءا وهواءا وسعادة وفرحا ومرحا ومرا , وقتلا وشهادة في القرية الواحدة , والموقع الواحد..
بعد الاسئلة والاجوبة افادنا بالحصيلة التالية مشكورا عليها..
حدثت الجريمة تحديدا صباح يوم الثلاثاء المصادف16-09-1969 القتل كان جماعي للقرية من اهاليها , الكرد والكلدان , معا .. لكن المتواجدين في ذلك الصباح بالصدفة , غالبيتهم من الكلدان .. والشهادة شملت جميع المتواجدين بدون استثناء لاحد من القوميتين المتآخيتين الكرد والكلدان.
عاش في القرية تحديدا 22 عائلة كلدانية من الديانة المسيحية , واكراد من الديانة المسلمة , بتعاون ومحبة , وصفاء دائم , زيارات دائمية في كل المناسبات من الطرفين , كعائلة واحدة تجمعهم قرية صوريا بناسها ونباتها واشجارها وخيراتها وحيواناتها , دون خلاف ولا تفرقة , متحابين ومحترمين بعضهم البعض.
كان في القرية 11عائلة كلدانية و11عائلة كردية . اي مناصفة في العدد والخير موزع للجميع
الموقع
تقع قرية صوريا على نهر دجلة قريبة من الحدود العراقية السورية .. القرية تابعة الى ناحية السليفاني من قضاء زاخو محافظة دهوك..
اهالي القرية يعيشون على الزراعة وتربية الحوانات الاليفة والداجنة بمختلف انواعها , كما الاهتمام بالبستنة , والصناعات البسيطة لسد الحاجيات البيتية والمنطقة بتصدير الفائض الانتاجي.
القرية فيها مصادر مياه من النهر (دجلة) والعيون التي تغذي القرية لسد الحاجة السكانية والزراعة النباتية والتشجير والحيوانات.
القصة يرويها ناجي من الموت المحقق بعجوبة الاخ(شمعون موسى مروكي)
في الصباح الباكر من يوم الثلاثاء وكالعادة دورية الطريق واذا بلغم ينفجر في احدى السيارات من نفس الدورية مما اغضب آمرها المدعو الملازم عبد الكريم الجحيشي , والذي امر بجمع كل الاهالي الى خارج القرية من مختلف الاعمار والاجناس , وبالصدفة كان القس موجودا في القرية ذلك اليوم , خرج كي يتفاهم معه , مؤكدا للضابط بان اهل القرية ابرياء , لكنه لم ينثني من عنجهيته وصلافته وأجرامه , وحقده الدفين ضد الانسانية , وباشر بفتح النار على الجمع بلا استثناء لاحد بما فيه القس والمختار.
في أثناء الرمي تمكنت ابنة المختار الآنسة ليلى خمو من السيطرة على الضابط لمنعه من الرمي على الجمع ماسكة الرشاشة (كلاشنكوف) من فوهتها وغيرت اتجاه الرمي فلم يتاخر الضابط شاهرا مسدسه عليه وارداها شهيدة ملطخة بدمائها ليرميها جثة هادمة , واستمر بالرمي على الباقين مما ادى الى وقوع الجميع بين شهيد وجريح متصورين نهاية جماعية للكل.
بعدها توجهوا الى القرية للنهب والسلب وسرقة كل ما يحلو لهم من المجوهرات والنقود , والغنائم الاخرى , فبكى كل من سمع بالحادث من القرى المجاورة , وبكت معهم الحيوانات التي لا جاني لها ومن دون راعي يقدم لها الماكل والمشرب سائبة في العراء .. دون صاحب .
وبعد ترك الجيش للقرية تم نقل الجرحى الى المستشفيات في الناحية والقضاء والمحافظة .. فتوفي العديد منهم لعدم اسعافهم واعطاء العلاج اللازم لهم , نتيجة الاوامر التي صدرت للمستشفيات من قبل السلطة الجائرة المجرمة.
راوي القصة نجى من الموت لانه من المصطفين الذين تم اطلاق النار عليهم بكثافة من الرشاشة الاوتوماتيكية,
وبشكل متواصل من قبل الضابط المجرم عبد الكريم الجحيشي.
كان الاخ شمعون موسى مروكي عمره 10 سنوات فقط , فقد والده وعمامه وابنائهم في الحاث الاجرامي المشين , يروي والدموع لا تنقطع من عينيه والحسرة تسري في قلبه , فما كان مني ان اردف الدموع بغير وعي والآلام تسري في الجسد الانساني بعاطفة لا مثيل لها , انها قصة واقعية في خيال لا يصدق , انها افلام حقيقية توخز القلب وتمزق الاحشاء .
الحصيلة:
أكثر من 30 شهيدا كلدانيا كرديا(20 كلداني , 10 كردي ) لم يتذكر العدد بالكلمل وهو تقريبي ممكن اكثر من هذا العدد ( اقليم كردستان يحتفظ بالاحصائية كاملة في ملفات الشهداء)
كما الجرحى اكثر من 55 جريحا (40 كلداني , 15 كردي ) توفي 10 كلداني منهم وخمسة من الكرد لعدم تلقيهم العلاج نتيجة الاوامر الاجرامية التي صدرت للكل المستشفيات بعدم تلقيهم العلاج ومعالجة الجرحى , (على اساس انهم من المخربين) حسبما كانت السلطة تسمي الثوار.
تلك كانت مآسي الشعوب , ولا زالت تتكرر اليوم في عراق الطائفية والقومية العنصرية والتخلف الديني والهمجية المتوحشة , والارهاب المدروس والمسيس , والفكر الدكتاتوري الهمجي المتاصل, التي جميعها تنتهك حقوق الانسان بلا رادع قانوني دولي ومحلي يذكر , هذه الهمجية والوحشية متكررة باستمرار وبشكل مدروس على حساب الحق والعدالة الاجتماعية والاستغلال الهمجي الوحشي في العراق وباقي انحاء العالم مسببة الفقر والمجاعة والتخلف والموت والدمار والجهل والامية لكل شعوب العالم .الجرائم مختلفة ومتنوعة لكنها واحدة موحدة في تدمير الانسان وتخريب الطبيعة مع الانسانية والهم الوحيد الجشع والاستغلال من انسان لانسان , تلك هي الطامة الانسانية الكبرى بلا رادع.
الحكمة
في الوعي والبساطة والكرامة الانسانية والثقافة والعلم, وزرع الروح العفيفة الصادقة , بحياة جديدة تسودها العيش المشترك والتاريخ الواحد والوطن الواحد الاوحد الموحد في خدمة الجميع لبناء دولة القانون والمؤسسات , والدولة المدنية بعيدة عن سيطرة العساكر , في البناء الحر الديمقراطي الموحد , في عراق فدرالي متماسك وقوي. لنهاية الاحتلال وتحقيق الاستقلال الكامل والسيادة الغير المنقوصة وجلاء القوات , لحرية الوطن وسعادة الشعب...
#ناصر_عجمايا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟