أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد ياسين - التفجيرات الانتحارية والعمالة ...وجهان لعملة البطالة الفلسطينية















المزيد.....

التفجيرات الانتحارية والعمالة ...وجهان لعملة البطالة الفلسطينية


وليد ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 2407 - 2008 / 9 / 17 - 04:56
المحور: القضية الفلسطينية
    


على بعد أمتار قليلة من حاجز عسكري أقامه جنود الاحتلال الاسرائيلي بالقرب من بلدة زلفة، على الحدود بين منطقة 48 ومحافظة جنين، شمال الضفة الغربية، تحلق الكثير من الآباء والأمهات الفلسطينيين حول سائق سيارة أجرة وأخذوا يساومونه على كلفة نقلهم من الحاجز إلى مدخل سجن «مجدو العسكري»، حيث يحتجز جنود الاحتلال أولادهم.

في مكان غير بعيد من هذا التزاحم، جلست مسنّة فلسطينية على الأرض، تحتضن رضيعاً. بدت وكأنها غير مبالية بما يحدث من حولها، او انها ليست على عجلة كأولئك المتزاحمين. التفتت إلى صوت شابة خرجت من بين المتزاحمين ونادت عليها: «يلا يا حاجة، تعالي»، واقتربت من المسنّة وتناولت الطفل من حضنها، ثم سارت أمامها باتجاه سيارة الأجرة.

الشابة، والدة الرضيع الذي ترعاه «جدته»، هي زوجة الابن الأصغر لهذه العجوز. اسمه أحمد، شاب، يحمل شهادة الماجستير في الاقتصاد، تخرج قبل عامين ونصف عام في جامعة خليجية، وعاد إلى أسرته في نابلس، على أمل أن يجد عملاً يسترزق منه ويساعد أسرته على مواجهة الجوع الذي فرضه الحصار على الفلسطينيين. لكن أحلامه سرعان ما تبخرت، وفقد الأمل بالحصول على وظيفة في مجتمع يعاني نسبة بطالة عالية، تتفاقم عاماً بعد عام في ضوء سياسة الحصار والتجويع الإسرائيلية وعجز السلطة الفلسطينية عن استيعاب الأكاديميين في مؤسساتها.

قرر أحمد، بحسب ما تروي زوجته «حشر أحلامه داخل كيس محكم الإغلاق»، وانطلق للعمل في أرض عائلته. حرث الأرض وزرعها وكان الموسم الأول وفيراً، فقررت أمه تزويجه من ابنة شقيقتها، التي تخرجت هي أيضاً بشهادة دبلوم في جامعة النجاح واضطرت للتخلي عن أحلامها حين وافقت أسرتها على زواجها من ابن خالتها.

بعد شهر من زفافه، وجد أحمد نفسه يبحث مجدداً في سوق البطالة عن عمل، بعد أن دهمت جرافات الاحتلال ارض عائلته ودمرت مزرعته الصغيرة، وقضت على باب رزقه الوحيد.

لم يتمكن أحمد من إيجاد عمل، وتدهورت أوضاع الأسرة، بخاصة بعد وفاة والده. بدأ الجوع يتسرّب إلى بطون الأسرة، بعد أن بات من الصعب إيجاد كوب من الطحين من أجل خبز رغيف. تسلل اليأس إلى نفس أحمد، وبات عصبياً. لاحظت زوجته الشابة التغيرات التي طرأت على حياته، ولم تجد من سبيل إلاّ اللجوء إلى أسرتها، فمرة تحضر الطعام جاهزاً من هناك، وأخرى تستعين بوالدها لشراء حاجيات منزلها، في محاولة منها للتخفيف من الضغوط على زوجها. وأحمد يشاهد ما يحدث ويتألم بصمت. ومن دون سابق إنذار غاب احمد أسبوعين عن المنزل، ليعود منفرج الأسارير، وجيبه مملوءة ببضع مئات من الدولارات الأميركية.

لم تسأله زوجته من أين؟ وكيف حدث هذا التحول؟ خشية من العواقب. وبعد أقل من أسبوع، ابلغ احمد زوجته أنه سيتوجه إلى مخيم جنين لزيارة زميل له. في تلك الليلة، وحين كان احمد يجلس مع مجموعة من شبان المخيم في باحة بيت صديقه، سمعوا دوي انفجار آتياً من جهة مدخل البيت، وقبل ان يتمكنوا من التحرك، كانت ثلّة من جنود الاحتلال تحاصرهم وتوجه بنادقها إلى صدورهم. اقتيد احمد مع بقية الشبان إلى السجن، وبعد تحقيق وتعذيب داما نحو شهرين في أقبية أجهزة الاستخبارات، وجهت قوات الاحتلال إليه تهمة التخطيط لعمليات فدائية وحكم عليه بالسجن حتى عشر سنوات.

«حين اعتقلوه كنت حاملاً في الأسبوع الأول»، تقول زوجته. «خفت على الجنين، وفي لحظة يأس قررت التخلص منه، لأنني خشيت من الجوع والفضيحة. لكن الله ستر، وأنقذ الجنين فأنجبته، وعمره اليوم 17 شهراً، وأحضرته معي لزيارة والده».

لم تكمل حديثها، إذ نودي على الزائرين للدخول إلى قاعة الانتظار، ودخلت مع الوافدين للزيارة. بعد نحو ساعة خرجت، وأكملت حديثها: «حين قرر احمد العمل في الأرض كان بحاجة إلى مبلغ يساعده على تحضير الأرض وشراء الحبوب، فاستدان مبلغاً من مؤسسة خيرية في المدينة، على أن يعيده بأقساط شهرية. وبالطبع كانت المؤسسة تدير سجلات مالية وكان اسم احمد من بين المسجلين فيها. خلال العدوان الاسرائيلي على جنين عام 2002، دهمت قوات الاحتلال المؤسسة وصادرت ملفاتها، وبدأت حملة اعتقالات واسعة شملت تقريباً كل الشبان الذين وردت أسماؤهم في السجلات، وكان احمد من بينهم. وبعد اعتقال لمدة شهر أطلقوا سراحه، ومنذ تلك اللحظة تغير. كان يغيب ساعات طويلة ولا يرجع إلى المنزل إلا في المساء. لم يعرف احد ما الذي يفكر فيه الشاب الجامعي، ولا ما الذي حدث معه في السجن، ولا أين اختفى حين قال انه سيسافر إلى صديق في رام الله، إذ إنه أخفى أي تفاصيل حتى عن زوجته. ومضت الأيام، وبات احمد يمثل سراً كبيراً بالنسبة الى المرأة التي من المفترض أن تكون كاتمة أسراره. وتوضح: «بعد اعتقاله فقط، فهمت».

في اليوم التالي على اعتقال أحمد، حضر لزيارة أسرته ناشط في إحدى الحركات الأصولية وسلّمها مبلغاً مالياً، مفسراً «إنه دين لأحمد». لكن احمد كان فقيراً، وبالتأكيد لم يملك مثل هذا المبلغ الذي احضره الزائر، وأصرّت زوجته على معرفة مصدر المال، وبعد أيام حضرت إلى بيتها شابة في مثل عمرها، وروت لها ان احمد تجنّد في صفوف هذه «الحركة»، وكان يخطط للقيام بعملية انتحارية داخل إسرائيل.

انكشف السر أمام الزوجة الشابة، وعرفت لماذا كان يغيب ساعات وأياماً من دون ان تعرف ماذا يفعل أو الى أين يذهب. فهمت انه خضع للإغراء المالي كي يعيل أسرته ويمنع سقوطها على مذبح الجوع. وبحسب الزوجة، فإن أحمد لم يكن شخصاً يؤيد قتل النفس، ولم يكن متعصباً دينياً أيضاً، وخلال الفترة الوجيزة من عمرهما المشترك كانت تشاهد البريق في عينيه وهو يحدثها عن أحلامه وعن القصر الذي سيبنيه لها على طرف كرم الزيتون.

وفهمت منه، حين بدأت زيارته في سجنه، انه حاول الهجرة والعودة إلى الخليج للبحث عن عمل، لكن اسمه كان مدوناً على اللائحة السوداء، ومنع من المغادرة. بحث عن عمل في كل ورش البناء ومع الحمالين في السوق، وكان مستعداً لنسيان شهادته والعمل في جمع القمامة، لكنه لم يجد مكاناً يستوعبه.

وفي احد الأيام، جاءه شخص غريب إلى الكرم وأخذ يحدثه عن مدينة يافا، المدينة التي تهجّرت منها أسرة احمد، وعن جمال البحر وبيت عائلته المطل على مسجد «حسن بك»، قبل أن يتحول وعائلته لاجئين على رقعة أخرى من أرض فلسطين، وشدّه الحديث إلى ان سمع ذلك الغريب يسأله: «لماذا لا تعمل معنا وتعيل أسرتك بكرامة؟».

أحمد الذي قارب حالاً من اليأس، واعتقد ان «الغريب» يعرض عليه عملاً، ولم يتردد للحظة في الموافقة. وبعد أيام، فهم نوعية العمل المقترح، لكنه لم يتراجع، بل وجد في نفسه التصميم القوي على المضي قدماً، وهو يرى بأم عينيه ويعيش يومياً الذل الذي يفرضه الاحتلال على شعبه.

وانخرط احمد في العمل الفدائي، لكن الأمر لم يطل، فبعد شهر من بدء التدريبات، جاءت تلك المداهمة الليلية لبيت صديقه في المخيم، واعتقالهم. ولم يعرف احمد إلا بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال ان احد الشبان الذين سهروا معه في تلك الليلة، كان عميلاً. ذلك الشاب، أيضاً، كان عاطلاً من العمل، وضحية أخرى من ضحايا البطالة المتفشية في الشارع الفلسطيني، وبعد تسلله إلى داخل الخط الأخضر للبحث عن عمل، اعتُقل، وعُذِّب، وأُجبر على تصوير مشاهد مخلّة بالآداب، وهدّدوه بنشر الصور إذا لم يتعامل معهم، فسقط!

(الحياة- 15.09.08)



#وليد_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا هذا الاستغلال؟ رسالة مفتوحة الى بيت الشعر الفلسطيني
- الفلسطينيون ضحايا 11 سبتمبر أيضاً... أي كارثة ونكبتنا مستمرة ...
- قصيدتك الأخيرة
- أربعة طيور حطت على شجرة
- الباحثة العراقية د. سعاد العزاوي: الأمراض السرطانية والتشوها ...
- إليك هناك في بيروت
- بدأت بأغاني فيروز وجالت في أراضي 1948 ... أمل مرقس تحتضن عطر ...
- مونودراما تروي قصة والده يجسّدها أياد شيتي ... ناظم الشريدي ...
- قصص سلام الراسي على مسرح الميدان في حيفا ... «حكي قرايا وحكي ...
- «فتوش» لقاء ثقافات بنكهة المحمّر والقهوة الحيفاوية
- بيرزيت أو «هارفارد فلسطين» تواجه خطر الإغلاق وتعليق مصير 7 ا ...
- فرق تكسر الصورة النمطية عن أطفال الحجارة ... الراب الفلسطيني ...
- عزوف الفلسطينيين عن الزواج اقتصادي
- شبان 48 يرفضون الاسرلة
- ذاكرة طفلة فلسطينية
- صافرة انذار
- بطاقات غاضبة: شافيز وتيجان الملوك
- الإعلام الإسرائيلي مجند حتى النخاع لتبرير العدوان ويهاجم الإ ...
- تلاعب إسرائيل بالالفاظ لن يقلل من فظاعة الجرائم الحربية في ل ...
- فلسطين منكم براء!


المزيد.....




- الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
- بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند ...
- لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
- قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب ...
- 3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
- إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب ...
- مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
- كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل ...
- تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد ياسين - التفجيرات الانتحارية والعمالة ...وجهان لعملة البطالة الفلسطينية